الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > حوار - 2 -

حوار -2-

ـ وكنت في مصر وقد اعتدنا أن نجلس في ندوة بعد المغرب مع جماعة من الصحاب، سعوديين ومصريين، فمن السعوديين السيد ياسين طه. ومن المصريين شاعر الكرنك المذيع بالجرس المنغم أحمد فتحي. والظريف كل الظرف والأديب شاعراً وناثراً الأستاذ محمد مصطفى حمام.

وكانت ندوات ممتعة فيها الأدب والظرف، كأني كنت أغتسل من هم النهار بما يمتعنا به هؤلاء. وفي إحدى الليالي سقط علينا أحد الباشوات القدامى من رجال القصر الذين انتهى بهم الحال حيث لا لقب. وحين رأى الباشا الأستاذ حمام أزورّ واكفهر، ولعلّ الأستاذ حمام شعر بذلك، فقام يتنفس لينفس. ولا يغيب برهة إلا ويعود، فاهتبلها الباشا فرصة وقال لي:

أنا أعرف أصدقاءك من علية السعوديين - وطرح أسماء - وهم أيضاً أصدقائي..

وأطمع أن أكون صديقاً لك بغير هذا الحمام!

قلت له:

يشرفني أن تكون صديقاً، ولكن هل كل أصدقائك أمس هم أصدقاؤك اليوم؟

نحن هنا أنا وأصدقائي السعوديين نستروح، نتجنب أن نكون خشباً مسندة، ولا نجد في الأستاذ حمام والآخرين الذين تراهم إلا متعة نستروح بها فالمقامات لأصحابها، والقيم ليست وفقاً على أصحاب المقامات.

إن الأستاذ حمام لا يرزؤنا بشيء. بل هو يرزقنا من الفكاهة والأدب ما تتسع به صدورنا حين تضحك. لك مقامك اتزاناً ووقاراً. وذلك يقتضينا أن نتواصل في حدود الوقار والاتزان. وصعب أن يكون ذلك سرمدياً. فلا بد للإنسان من راحة يضحك بها على دنياه أو حتى يضحك دنياه عليه. والأستاذ حمام قد جمع الضحكتين، ضحكت الدنيا عليه حتى أبكته. وأضحك منها حتى كانت الدموع في عينيه تضيء بها شموع الفكاهة والأدب.

فقال الباشا:

قلت:

ـ ألم تمتع نفسك يوماً بما تمنعه عنا الآن؟

قال:

ـ صدقت..

قلت له:

ـ لقد رجع الأستاذ حمام. ودعني أسأله.. ما رأيك في أحلام اليقظة؟

قال حمام:

ـ هي متعة المساكين. وثروة الفقراء. وجنون النبلاء!

ولم يسع الباشا إلا أن يودعنا!

وأنشدت بعد أن خرج، لبيت من الشعر للسيد توفيق البكري، صاحب، صهاريج اللؤلؤ:

قد كنت أحلم قبل اليوم في سنة