الحَلْقَةُ الثَّالِثَةُ والأَرْبَعُونَ |
جلس الفتى أمام أستاذه الشيخ وعنده سؤال إعرابي يريد إلقاءه على شيخه فسمح له الشيخ بطرح سؤاله.. قال الفتى: حبذا لو تفضل علي الأستاذ بإعراب الآية الكريمة الآتية: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى (البقرة: 263). قال الشيخ: قول مبتدأ نكرة ومعروف صفة له.. وأجيز الابتداء بالنكرة هنا بالوصفية بلفظة ـ معروف ومغفرة: معطوف على قول مرفوع مثله ـ خير: خبر المبتدأ. من: حرف جر. صدقة: اسم مجرور لا محل له من الإعراب. يتبعها: فعل مضارع مرفوع والهاء ضمير متصل في محل مفعول به منصوب. أذى: فاعل مرفوع بضمة مقدرة على آخره ليتبعها. |
رفع الفتى إصبعه مشيراً إلى سؤال آخر.. قال له الشيخ: هات سؤالك يا بني.. قال الفتى: يقول النحاة إن الخبر يجب أن يطابق المبتدأ إفراداً وتثنية وجمعاً ولكني وقفت على بعض الأمثلة خارجاً عن هذه القاعدة.. قال الشيخ: مثل ماذا يا بني؟ رد الفتى: مثل قولنا: النافذة فتحتان، الظلام ظلمات، الفقه أحكام، القلب نبضات، الباب ضلفتان.. أحس الشيخ أن سؤال فتاه ينم عن إحساس راهف واستجلاء موفق فرد قائلاً يجوز هنا مجيء الخبر على هذه الصورة غير المطابقة للمبتدأ على أن الخبر تفصيل للمبتدأ جزء لا يتجزأ عنه وكذلك أجازوا إن كان المبتدأ مفرداً والخبر جمعاً مكسراً نحو قولهم الطريق شوارع فسيحة أو العلم أنوار مضيئة.. المجد سلالم من جهد ومثابرة.. سأل الشيخ فتاه: هل عندك ما تسأل عنه يا بني؟ قال الفتى: شكراً لأستاذي الشيخ وعلى بركة الله نبدأ درسنا الجديد. |
استعد الشيخ لإلقاء درسه الجديد فقال بعد أن خلصنا من تقديم المبتدأ وجوباً فمن الطبيعي اليوم أن يكون درس الليلة هو تقديم الخبر وجوباً.. إذ هناك مواضع معروفة يجب فيها تقديم الخبر على المبتدأ منها: |
1 ـ إذا كان الخبر من ألفاظ الصدارة في القول نحو أسماء الاستفهام إذ لها الصدارة في القول نحو أين سكناك؟ متى فصل الربيع؟ كيف السبيل إلى النجاة؟ |
2 ـ إذا اختصر الخبر على المبتدأ نحو قولنا إنما الخالق الله.. أو ما الصديق إلا الوفي. |
3 ـ إذا جاء الخبر ظرفاً أو جارًّا ومجروراً والمبتدأ نكرة غير مخصصة بوصف أو إضافة نحو عندي كتاب.. لدي سيارة. |
4 ـ إذا عاد على بعض الخبر ضمير من المبتدأ نحو في المدرسة طلابُها.. في السيارة سائقها.. للعامل جزاء عمله.. |
رفع الفتى إصبعه مستأذناً بطرح سؤال عاجل.. لاحظ الشيخ إصبع الفتى مرفوعة فأذن له بطرح سؤاله. قال الفتى: عفواً يا أستاذي الشيخ ليس ما عندي سؤال بل هو طلب من أستاذي الشيخ بتزويدي بنموذج إعرابي مفصل. قال الشيخ: لا بأس.. نقول مثلاً: أين منزِلُك؟ أين إسم استفهام مبني في محل رفع خبر مقدم وجوباً لأنه له الصدارة في القول.. منزلك مبتدأ مؤخر وجوباً مرفوع بالضمة الظاهرة في آخره وكاف الخطاب ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر بالإضافة فأصل العبارة قبل التقديم. منزلك أين؟ فأنت تسأل عن المنزل ولما جاء الخبر هنا اسم استفهام وجب تقديمه لا أحد يجيز قول من يقول منزلك أين؟.. ثم سأل الشيخ تلميذه الفتى: هل لديك ما تسأل عنه يا بني؟ قال الفتى: حتى الآن ليس عندي أي سؤال أستاذي الشيخ. |
راح الشيخ يدخل في درس جديد إذ الوقت مازال مبكراً فقال: نحاول الآن درس المواضع التي تسوغ حذف المبتدأ من الجملة وجوباً وأنت تعرف أن الأصل في الجملة الإسمية أن يكون المبتدأ والخبر موجودين محسوسين ولكن المتتبع لكلام العرب يجد تعبيرات بيانية تفيد حذف المبتدأ وجوباً في بعض المواقف يمكن لنا إيجازها في الآتي: |
1 ـ إذا جاء الخبر مخصوص ـ نعم وبئس ـ متأخراً عنهما نحو قولنا نعم المجد الطالب. بئس الخلق عادة الكذب. |
2 ـ إذا جاء الخبر صفة مقطوعة لمدح أو لذم أو لترحم.. نحو لقيت عليًّا الكريمُ، فلفظة الكريم صفة مقطوعة لغرض مدح علي تعرب خبراً لمبتدأ محذوف وجوباً تقديره هو الكريم.. وفي حالة الذم تقول: عجبت من نذير اللئيمُ.. فالصفة هنا قطعت لغاية الذم.. وكذلك قولك تصدقت على المسكين المحتاجُ.. فالصفة هنا قطعت لغاية الترحُّم عليه. |
رفع الفتى إصبعه مستأذناً بسؤال عنَّ له سمح له الشيخ بإلقاء سؤاله. قال الفتى: هل يمكن إعراب هذه الصفة المقطوعة صفة لما قبلها؟ فنقول مثلاً: لقيت عليًّا الكريم بفتح الكريم بدلاً من رفعه؟ قال الشيخ: نعم يمكن وعندها تصبح الجملة فعلية لا خبر فيها ولا مبتدأ. ثم استطرد الشيخ قائلاً: |
3 ـ إذا جاء الخبر مصدراً نائباً عن فعله كأن تقول مثلاً: سعيٌ مشكورٌ.. حجٌ مبرورٌ.. متاعٌ قليلٌ.. صبرٌ جميلٌ.. إذ المبتدأ تقديره.. سعيك، حجك، متاعك، صبرك. |
4 ـ إذا كان الخبر اسماً يشعر بالقسم المتعارف عليه نحو قولك في عنقي لأفعلن الخبر، أي قسم في عنقي ومنها قولهم: في ذمتي لأحاربن المُخَدِّرَات.. أي قسم أو يمين في ذمتي.. |
اكتفى الشيخ بهذا القدر من الشرح هذا المساء خشية الإملال.. ثم سأل فتاه هل عندك ما تسأل عنه يا بني؟ قال الفتى: عندي ولكني أرى أن أستاذي الشيخ قد بلغ به التعب مبلغه فحبذا لو أجلنا الأسئلة للدرس القادم.. ثم ذهب كل منهما إلى طريقه على أمل اللقاء المتجدد غداً إن شاء الله. |
|