لا تلمني إذا أتيتك وحدي |
أقفر الحيُّ من سعيدٍ وسعد |
رحل الصحب للمقابر "يابا" |
ثم "يابا" على الرصافة بعدي |
جئت أسعى من السماوة شوقاً |
رافعاً مشعلي وسيفي وزندي |
حاملاً في يدي شهادة حر |
وعلى جبهتي ملامح عبد |
جئت أطوي إليك آفاق حزني |
والأسى والجراح كأسي وبردي |
جئت أروي مقاطعاً من وصايا |
جدتي في الهوى وأخبار جدي |
جئت في ليلة تُكرَّمُ فيها |
بين صيد من الكرام وأسد |
تخصب العمر رحمة وأماناً |
شهبٌ ترشد الحيارى وتهدي |
من سنا مكة استمدت فطوبى |
للميامين بالسنا المستمد |
أمة تعشق الحياة كفاحاً |
لم تجىء قومها بإصرٍ وإدِّ |
لغدٍ شيدتْ وللأمس صانت |
وبنت باليقين أروع سدِّ |
إن يكن للبحور مد وجزر |
فنداها بغير جزر ومد |
أين يممت لا ترى غير صرح |
سرمدي العطاء من غير حدِّ |
سامقاً قبلت يديه الثريا |
ينتمي للحجاز فخراً ونجدِ |
يا رفيق النوى أتيتك خلواً |
مـن كنـوزي فمـا الَّذي لك أهـدي؟ |
ليس فيما حملت إلاَّ شكاوى |
أنكأتها سهام كيدٍ وحقدِ |
لم يزل للشجون ملهى بقلبي |
والليالي العجاف حبلى بسهدِ |
سوف أبقى ولن تموت ويخبو |
من دمي برقه ويصمت رعدي |
كم تغنيت بالعلا ودمائي |
نازفات بحربة المستبدِ |
أتحدى العذاب والظلم صُلْباً |
أعشق النصر في دورب التحدي |
في سمائي أبو العلاء وبدر |
وحبيب ونازك وابن بردِ |
حملوا رايتي تضوع شموخاً |
غرسوا في القلوب فلِّي ووردي |
يا فتى الرافدين ما زال فينا |
فئة ترتدي الهوان وتردي |
بعض أتباعها جياع النوايا |
سرقت خلسة قلادة عقدي |
تركتني على الرصيف صريعاً |
أتنزى وأحكمت ثم قيدي |
إن بسطت اليدين للحب أدعو |
نصبوا تهمة الخيانة ضدي |
ومن العار أن نموت جميعاً |
كي تطيب الحياة يوماً لفردِ |
ومن العار أن نبيع ببخس |
إرثَ أجدادنا العظيم لوغدِ |
إن للشعب صولةً تتهاوى |
تحت أقدامها ضروب التعدي |
يمتطي صهوة المنايا ليحيا |
وليحيى أزفُّ آياتِ ودِّي |
طائر خافق الجناح معنى |
غارق الفكر في جهادٍ وجهدِ |
يا فتى الرافدين للحزن صوتٌ |
فوق ما تفضح الجراح وتبدي |
كلما أيقظته ذكرى عبوسٌ |
أطفأت حَرها سكينة وعدِ |
ورضاب الوعود أحلى مذاقاً |
في فم الصبِّ من سلاف وشهدِ |
يتلهى به شغوفاً طروباً |
يزرع العمر بالأماني ويسدي |
وكأن الحياة إحدى جواريه |
كما شاءها لوصل وصدِّ |
فإذا زمجر الزمان غضوباً |
لا الونى منقذ ولا الركض يجدي |