شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ينابيعه.. شخوص وحارات مضيئة بالصفاء الروحي (1)
هذا الرجل كرس حياته للعلم والأدب وفضلاً عن دوره النبيل في تعليم الأجيال الجديدة بالجامعة.. فهو لم يكتف بهذا الدور.. بل خاض الكثير من المعارك الأدبية والثقافية دفاعاً عن تراثنا الأدبي والثقافي في مواجهة الهجمة التي يتعرض لها من قبل مدعي الحداثة.. وأثرى مكتبتنا بالعديد من المؤلفات التي تستسقي منابع الأيام من حياتنا الخصبة والثرية والمليئة بالنماذج المضيئة والنبيلة.
إنه الدكتور عاصم حمدان الذي التقت معه ثقافة ((الأسبوعية)) في هذا الحوار.
عن تجربتي
* لكل كاتب تجربته الخاصة في الكتابة.. ماذا عن تجربتك؟
السؤال مثير ويستدعي الكثير من الذكريات والحكايات الكامنة في نفسي.. فقد ظللت أكتب في صفحة الأصدقاء بجريدة ((المدينة)) سنوات طويلة قبل أن يعترف بي ككاتب.. وأنا في الحقيقة سعيد بهذا... فقد أتاحت لي هذه التجربة أن أتمرس في الكتابة.. فبعد عشر سنوات بدأتها في عام 1385هـ إلى عام 1395هـ اعترفت بي ((المدينة)) ككاتب وكان ذلك في ملحق ((التراث)).. لذا يدهشني الكتاب الناشئون الذين يريدون البداية من الصفحات الأولى.. أي من آخر الطريق وليس من أوله.
والحمد لله.. فبعد هذه التجربة الطويلة أصبح لي عدد من المطبوعات والكتابات الدورية.. لعل أبرزها كتابات في هذه الصحيفة المحببة إلى قلبي.. صحيفة المدينة.
شخوص عديدة
* المتتبع لأعمالك الأخيرة سيلاحظ أنك منذ حارة الأغوات والمناخة ترصد عالماً واحداً تكاد تتطابق أشخاصه؟
الحقيقة اختلف معك في أن شخوص أعمالي تتطابق إلى هذا الحد.. فالاتفاق بينهم في سمة عامة هي طيبة النفس والصفاء الروحي.. وربما لأنني أردت أن أرصد عالماً كنت جزءاً منه.. وهو عالم تسوده طيبة النفس والعفوية والبعد عن التصنع الذي بدأت تفرضه علينا الحضارة الوافدة.
وعدا ذلك.. فكل شخص أكتب عنه يختلف في مسيرته عن الآخر.. بمعنى أنهم وإن كان يجمعهم عالم واحد وبيئة واحدة تتسم بالصفاء. إلا أن تفاصيل حياة كل منهم تختلف عن الآخر.
تجربة مضيئة
* إذن.. كيف ترى شخوص أعمالك؟
أراهم كما أرى أرضنا الطيبة.. أراهم مضيئين مشرقين إيجابيين.. فأنا ضد الدخول في العوالم القاتمة أو السلبية خاصة إذا كانت مفردات شخوص الواقع المحيط بك إيجابية.
ما أردت أن أقوله من خلال تجربتي وشخوصي.. هو أن هناك تجربة مضيئة في الحياة.. في زوايا وأعماق النفس الإنسانية وهي تجربة تحتاج إلى اكتشاف ونستطيع من خلال تسليط الضوء عليها أن ننشر الفضيلة.. وأنا بخلاف تصورات البعض لم أكتب عن تجربة لم أعشها.. وأذكر أن مجلة ((اليمامة)) كتبت عن ((حارة الأغوات)) عند ظهورها في كتاب أن هذا المؤلف مشابه لتجربة نجيب محفوظ في روايته ((زقاق المدق)) و((خان الخليلي)) باعتبار أن الحارة هي القاسم المشترك بين تلك الأعمال.. وإن كان في هذا القول شيء من الصحة فالحقيقة إن حارات نجيب محفوظ تختلف عن الحارات التي كتبت عنها.. محفوظ ركز في حاراته على السلبيات.. وحاراتي التي كتبت عنها أحدها ملاصق للمسجد النبوي.. ومليئة بالنماذج التي تستمد سلوكياتها من الآفاق والعبق الروحي لهذه الأماكن.
الحنين
* مناخات ودوافع الكتابة لديك.. هل تحدثنا عن مفرداتها وطقوسها؟
في صغري.. لم أكن ذلك الطفل الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب.. فأنا من أسرة متوسطة الحال.. وقد كنت كثير الحركة والتنقل.. وما أدركته ووعيته لم يدركه زملائي الذين هم في سني، والسبب في ذلك أن محور حركتي كان ينطلق من الحرمين المكي والنبوي واختزنت في ذاكرتي صوراً عديدة للحياة في هذه الأماكن المقدسة.. هذه الصور كانت مخزوناً لكتابة بعض فصول عن حارة الأغوات عندما كنت أدرس خارج المملكة وقبل أن أنشرها على صفحات ملحق الأربعاء الأسبوعي.. فالحنين هو دافعي الأول إلى الكتابة.. ومع كتابة كل حلقة كان القلم يسقط من يدي واستقر في غرفتي مغلقاً الباب على نفسي وأهلي يطرقون الباب علي ولا يعلمون ماذا بي.. ولا يعلمون ماذا يحل بي من تعب وأنا أحاول أن أذهب بعيداً في أعماق نفسي وذكرياتي مقتطعاً التجربة من وجداني ومشاعري وأحاسيسي وهذا فيه من التعب ما فيه.
البعض يقول أو يتصور أنني أكتب المقالة في خمس دقائق.. وهذا غير صحيح.. فلا أحد يستطيع الكتابة بإخلاص في مثل هذا الوقت.. فأنا أكتب وأعود مرة واثنتين إلى ما كتبته.. ولم تكن الصنعة هي هدفي بل الولوج إلى عالم اللاشعور في نفسي.. وإلى عوالم حقيقية عرفتها وتفاعلت معها عن قرب.. ولعل هذا التفاعل وتلك المصداقية جعلا لها قبولاً بين الناس.. فالذي أكتب عنه حقيقياً وصادقاً.. وليس تاريخياً.. وإنما تجربة ذاتية وكتابات عن الناس وأماكن أعرفهم.. والذاكرة كما نعرف انتقائية.. وما قصدته بالدرجة الأولى هو الكتابة عن سلوكيات وليس عن أفراد.. وبمعنى أدق سلوكيات من خلال أفراد بعينهم.
أصول بعيدة
* في كتاباتك ارتباط شديد بالمكان.. خاصة أحياء المدينة المنورة بالرغم من أنك من أبناء الجنوب.. وبالتحديد من بلاد غامد؟
هذا رابع جيل من أسرتنا ينشأ في المدينة المنورة.. أي لنا حوالى قرنين في المدينة.. والناس عندما يجاورون الحرمين يتشرفون بالانتساب إليها لا لشيء إلا لأنها بقاع مقدسة.
وأسرتنا في المدينة معروفة باسم حمدان وإن كنا ننتسب بالفعل إلى بلاد غامد.. وكثير من الناس يعتبرني غامدياً.. والبعض يعتبرني مدنياً.. وآخرون يعتبرونني مكياً.. فنشأتي الأولى كانت في المدينة ولكني انتقلت إلى مكة المكرمة قبل عشرين عاماً وعشت فيها زمناً طويلاً.. والتقيت بعدد كبير من العلماء في المدينتين المقدستين وعرفت شوارعهما ودروبهما.. فأنا غامدي بالنسب ومدني بالمولد والنشأة والتعليم والرعاية.
عن المكان والزمان
* هل نفهم من ذلك أن كتاباتك عبارة عن علاقة بين أشخاص وأماكن تنتمي إليك أو تنتمي إليها؟
نحن كبشر مرتبطون بأماكن وأزمنة محددة ولا نستطيع أن نتصور أنفسنا إلا في حيزها.
عن النقد
* كيف ترى حركة النقد في حركتها مع الإبداع؟
بصراحة حركة النقد حركة تنظيرية أكثر منها مواكبة للإبداع.. برغم أن البدايات التي رأيناها مع عبدالله عبد الجبار وهاشم الفيلالي وعزيز ضياء ومحمد عمر توفيق وأحمد محمد جمال كانت بدايات مبشرة لم تقيد نفسها بالنظريات والمناهج النقدية التي يعرفها بعض نقاد اليوم أو بعض الأكاديميين.. ومع ذلك فقد خدمت الحركة الأدبية والإبداعية في بلادنا.. أما نقاد اليوم فهم ينظرون أكثر مما ينقدون.. فالنقد إبداع في حد ذاته.. أما إذا تحول إلى نوع من التنظير فلن يستطيع خدمة الحركة الإبداعية.. فكثيراً ما تستخدم مناهج نقدية لا تتفق مع أشكالنا الإبداعية والسبب هو النقل الحرفي من المناهج النقدية الغربية دون محاولة للاستفادة من هذه المناهج أو تطويعها بما يتناسب مع أدابنا وفنوننا.
أي أزمة؟!
* إذن.. هل هي أزمة نقد.. أم أزمة إبداع؟
لا هذا ولا ذاك.. وأذكر حكاية للأستاذ محمد حسين زيدان رحمه الله حين كان يوماً في بلد غربي وقرأ في جريدة سعودية مقالاً باسم مستعار.. لكنه اكتشف وبسرعة أن هذا المقال للأستاذ حمزة شحاتة.. والمسألة ترجع باختصار إلى أن الأستاذ حمزة شحاتة، استطاع أن يكون له لغته وأسلوبه الخاص.. وكذلك لو قرأ أحد مقدمة كتاب شعراء الحجاز في العصر الحديث للأستاذ عبد السلام الساسي لاكتشف بسهولة أن هذه المقدمة أيضاً للأستاذ حمزة شحاتة برغم أنه لم يذكر اسمه.. حبذا لو رجع إليها النقاد الذين يكتبون اليوم.. فسوف يكتشفون أن هذه المقدمة التي كتبت قبل أكثر من 30 عاماً أو أكثر واستندت إلى التراث النقدي والثقافي لهذه الأمة برغم أن كاتبها كان كثير الإطلاع على الأدب والثقافة العالمية لكنه لم يفقد هويته الذاتية.. باختصار فالنقد لا يصنع كاتباً هشاً ولا يسقط كاتباً جيداً.
بدون جذور
* ما تعليقك على قول الحداثيين بأن الحداثة تطور نفسها؟
بعض الذين جعلوا من أنفسهم رواداً للحداثة غير مطلعين الإطلاع الكافي على ثقافتهم وتراثهم.. إن لم يكن بعضهم يحمل هذا على الثقافة العربية.. بل إن بعضهم للأسف الشديد لا يعرف الثقافة الغربية معرفة حقيقية... بل ولا يجيدون أي لغات أجنبية.. وبالتالي لا يمكن القول إن حركة الحداثة أضافت لمسيرتنا الفكرية والأدبية خاصة وإن الحداثيين انسلخوا عن هوايتهم وفقدوا جذورهم... ولا يمكن الحديث أو القول بأي تطوير دون أن يستند إلى الجذور والهوية الذاتية للأمة.
الهوية أولاً
* أين نضع شعر محمد حسن عواد؟
محمد عواد رمز من رموز الحركة الأدبية في بلادنا وأتمنى من الأخوة الذين يسعون وراء التجديد أن يقرأوا شعره وأن يستفيدوا من أدواته ووسائله المتمكنة من التراث الأدبي العربي.. بل إنه استطاع أن يخرج لنا كتاباً في موسيقى الشعر وهذا دليل على امتلاكه ناصية الشعر العربي..
والذي أطلبه من مبدعينا أن يجيدوا الوسائل.. فإذا أجدت الوسيلة وتمكنت منها بقوة استطعت أن تخرج أدباً جيداً.. وإذ لم تتمكن من لغتك لن تستطيع إجادة لغات الآخرين.. وإذا لم تتعمق في ثقافتك وتدرك أبعادها فلن تستفيد من ثقافة الآخرين.
خارج الأسوار
* أستاذ الجامعة بشكل عام.. لماذا يتقوقع داخل أسوار الجامعة؟
هذا يعتمد على التصور الذي يحمله أستاذ الجامعة.. فالبعض منهم يرون أن مهمتهم هي التدريس وأنت لا تستطيع أن تلومهم على ذلك لأنهم كرسوا أنفسهم لمهمة سامية رفيعة.. والبعض الآخر يكون قبل مجيئه للجامعة مرتبطاً بالحركة الثقافية والفكرية والأدبية والجامعية لا تفصله عن هذه الحركة.. فهو يستطيع أن يؤدي واجبه العلمي وأن يشارك في دعم الحركة الثقافية والأدبية والفكرية على قدر جهده وإن كان في ذلك جهد كبير ومشقة على حساب الكثير من الواجبات الأخرى في حياته.. فالتقوقع ليس إلى الدرجة التي يراها البعض.. وهناك عدد من رؤساء تحرير الصحف أساتذة بالجامعة.. وهي مسألة ليست رهناً بأساتذة الجامعات وحدهم.
عن صحافتنا
* الصحافة المحلية وأنت أحد المتعاملين معها.. كيف تراها الآن؟
الصحافة المحلية قطعت شوطاً كبيراً من حيث الشكل والمضمون وهذا شيء يدعو للفرح والسرور.. ولكن لي وجهة نظر تتلخص في أن وسائل الإعلام الحديثة وبالتحديد التلفزيون أصبحت تزاحم الصحافة في مهمتها الأساسية وهي نقل المعلومات.. وأظن أنه بات على الصحافة أن تعاود التفكير في العودة إلى مسيرتها الأولى حين بدأت صحافة أدبية وفكرية.. فهذا ادعى لبقائها ومنافستها لقنوات الإعلام الأخرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :629  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 449 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.