شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مُقَدّمَةُ الطّبعَةِ الأوْلى
بقلم: قاسم بن علي الوزير
هل انتهى زمن الشعر فلا مكان له بعد.. لا أُذن تسمع، ولا عين تقرأ، ولا وجدان ينتشي ويطرب؟ منذ فترة غير قصيرة والناعون لا يكفّون عن نعي هذا الفن الجميل، والنادبون يندبون الأيام الذاهبة.. تلك الأيام المغسولة الحواشي بأشعته التي منحت الحياة عذوبتها وأناقتها.. ولونها الأليم منه والبهيج.
وكل ما جدَّ جديد.. مما يكتشفه الإنسان أو يخترعه، دقَّ المتشائمون الناقوس، وأذَّنوا في الناس أنَّ الشعر قد مات! وحلَّت محلّه أداة جديدة.. هي هذا الجديد المكتشف، أو المخترع أياً كان!
قالوا ذلك مع اختراع الراديو، وصاحوا به مع اختراع السينما، ثم رفعوا عقيرتهم حين قفى على أثرهما التليفزيون.. ثم الفيديو.. وسوف يرددون ذلك مع كل جديد؛ معلِّلين ذلك كل مرَّة بأن هذه الأداة الجديدة ستشبع الحواس جميعها؛ بالصوت المتأنق، والصورة المرئية، واللحن المسموع، والإخراج البديع.. فهل يتَّسع الوقت بعد ذلك لمتعة القراءة المتأنية المتذوِّقة للشعر.. هذا المخلوق اللطيف.. الرقيق.. الجميل البالغ الأناقة البالغ التعقيد أيضاً.. هذه الصورة السانحة بظلالها أكثر من ذاتها، والنغمة المعزوفة بأوتار الوجدان الأعمق للإنسان وليس بالإيقاع الخارجي للَّحن؟
لقد أغنى ما يُرى وما يُسمع وما يُقدَّم عن ذلك الجهد في "تفهُّم" المعنى القصيّ للقصيدة، واقتناص اللمحة الشاردة للصورة، واستماع اللحن بالوجدان؛ ليتناغم إيقاعه مع إيقاع النفس ذاتها؛ فيتولد ذلك النمط الفريد من "الموسيقى" الخاصة: موسيقى المعنى المضمر للكلمات، وموسيقى التقاء الكلمات نفسها في بناء هندسي يصدر عنه إيقاعه الخاص الملائم لذلك المعنى.. مضافاً إلى ذلك كله الإحساس الخاص للقارئ أو السامع الذي تتجاوب في جنبات نفسه تلك الموسيقى التي هي السمةُ الأساسية للشعر من حيث هو.. ولا وجود لشعر بدونه..
يا لها من عملية معقدة يمرُّ بها الشاعر وقارئه معاً.. وإذن: أفلا يكون الإنتاج الفنيِّ المتمثل في "فيلم" يتضمن ما شئت من "صورة" و "موسيقى مسموعة": ثم ما شئت من معنى يجسِّده حدث تدركهُ العين الشاخصةُ دون عناء – هو "البديل" الأيسر، في عالم يتجه إلى التبسيط، والتناول الواقعي العملي لشؤون الحياة وفنونها؟!
نعم! ذلك كان – في الحقيقة – تحدياً.. ولكنَّه لم يكن بديلاً!!! فمع ذلك! مع ذلك كله.. ظلَّ الشعر في مكانه العالي يرطِّب بنداوته جفاف الزمن الكالح وينير بأشعَّته ظلام هذه الأيام المتعاقبة كلياليها. سوداء مظلمة. ويمنح الركب السائر حداءه؛ في أداء لم يغن عنه شيء ولا أبدله بديل!
ثم جاءت الكشوف العلمية المذهلة: طار الإنسان في الجوِّ، واخترق أجواز الفضاء.. نزل في القمر، وأرسل آلاته إلى الكواكب النائية ليستنبئ أمورها. ويستخرج خبيئها، ويجعل منها "حقلاً" لدراساته و"مجالاً" لتأملاته.. لقد تفتَّحت أمامه الآفاق، فهو كل يوم منها في جديد يبهر الفكر والبصر، ويملأ الروح والنفس.
وهتف المتشائمون: ماذا بقي للخيال إذن؟ أوَ يستطيع العاشق الولهان – مثلاً – أن يسير حالماً سارحاً تحت ضوء القمر الساجي في ليلة هادئة لا يبدِّد أحلامه، إن هذا السَّمير الموغل في القدم ليس إلاَّ كتلاً من الصخور الميتة الخامدة التي لا تصلح للمسامرة ولا تنبض فيها حياة؟
وحقاً.. لقد أصبح العلم – أو على الأصح كشوفاته – ضرباً من الخيال البديع، وأصبح عمل العالم لا يقلّ متعاً عن عمل الفنان سواء بسواء، وأصبحت الأرقام الرياضية الجامدة تنبض بالحياة والجمال، بما تتبرَّج عنه من بدائع السماوات والأرض، وتتكشَّف به من عجائب الكون والنفس.. وبما يتصاعد من أعماق ذلك كله من تسبيح خاشع باسم الخلاَّق العظيم!
وعلى هذا فإن العلم – في هذه الحدود – قد أصبح مدداً للشـاعر، و"رفداً" للشعر لا تحدياً له، ولا بديلاً عنه، وحينما اقترب العلم من الحقائق الكبرى خرَّ ساجداً لله، من بعد أن كان أداة للإِنكار، ووسيلة إلى الجحود، وفي هذه اللحظة التي اقترب فيها العلم من الإِيمان نتيجة لتقدُّمه المستمر.. اكتسى تلك "الشفافية" المبهمة التي هي إحدى الخصائص الأساسية للشعر، وهكذا أصبح العلم رفيقاً للشعر ومدداً له ومسرحاً رحيباً لآفاقه وتصوراته!.
ثم قالوا: تعقدت الحياة كثيراً، وتعددت مسؤولياتها تبعاً لذلك، وتضافرت عواملها المستجدّة المختلفة على استهلاك قوى الإنسان ووقته، فليس له من الوقت ما يصرفه على عمل معقَّد كالشعر مهما كان جميلاً أو عظيماً؛ وإذا هو وجد الوقت، فلن يجد الجهد الذي استهلكته شؤون أخرى فرضتها دواعي الحياة؛ وإذا هو وجد الجهد والوقت معاً.. فلن يجد المستمع أو القارئ الذي لا يجد هو نفسه أيضاً، لا الوقت ولا الجهد، والذي يشبع أشواقه – فيما فضل له من وقت وجهد – بما هو متاح من وسائل المتعة المختزلة في "لحن"، أو"فيلم" أو ضرب من ضروب هذه "التخاليط" التي تزدحم بها الحياة من حوله.. ويُعدّ بعضُها-افتئاتاً- من الفنون الجميلة!.
هذا صحيح.. ولكن.. أصحيح – كذلك – أن الإنسان نفسه قد تغيَّرت عناصر إنسانيته؟ أَتَبدَّل خفقان قلبه فلا تتردَّد في جنباته خفقة حب؟ أفقد بصره فلم يعد يتصبّاه الجمال في أي مجلى من مجاليه؛ في الطبيعة والناس؟ أشَغَلَتْه "معدته" عن عواطفه، وغرائزه الدنيا عن أشواقه العليا، وعن أفكاره؟. أَفَتَحَ عقله المغاليق المغلقة من أسرار الطبيعة والكون؛ فلم يعد أمامه لغز يثير خياله، ويحرِّك كوامنه؟ أَحَلَّ مشكلة الموت والحياة؛ فلم يعد يقف أمامهما حائراً تتوزَّعه مشاعر الحيرة واليأس والأمل والإحباط؟ هل فقد الإنسان قيمة الخلود.. أي فقد "قيمة" الإنسان فيه؟
لا.. أيها الناس؛ لشدَّ ما نظلم الإنسان حين نجرِّده من قيمه وأفكاره وعناصره الإنسانية، ولا نُبقي فيه أو منهُ، إلاّ مكوِّناته العضوية – البيولوجية، كأيِّ مخلوق من المخاليق التي تدبّ على الأرض على اثنتين أو على أربع!..
إن الإنسان سيظل مبهوراً أمام بدائع السماوات والأرض، وأمام بدائع الإنسان نفسه، ولن تزيده الكشوف العلمية إلاَّ انبهاراً رشيداً، ولن يزيده الانبهار الرشيد هذا إلاَّ شعوراً بضعفه وعظمته معاً، وبعجزه وقدرته في آن!.. وسيظلّ يقف أمام الموت والحياة عاجزاً أن يفقه كنههما يطمح في الخلود ولا يقدر عليه؛ فيسمو ويهبط، وسيستمر يحب ويكره، وسيظل مشدود البصر والبصيرة، بمجالي الجمال فيما حوله، وفيمن حوله، وسيظلّ يطمح في العدل، ويكدح ضد الظلم، ويكره البشاعة في عمل أو منظر أو خُلق، وسيظل مشتاقاً على نحو موصول إلى ما هو أجمل، وأكثر كمالاً، وإلى ما هو أكمل، وأكثر جمالاً، وإلى ما هو عدل وحقّ وخير. وسيظلّ – بعد كل حساب – يكدح إلى ربِّه كدحاً.. حتى يلاقيه؛ فيوفِّيه حسابه. ويردّ على أسئلته الشجيَّة جميعاً..
وما دام الأمر كذلك؛ فسيظلّ للشعر مكانه الثابت من عطاء الإنسان وفي وجوده ذاته، لأنه واحدة من الوسائل التي يحقق بها ذلك الوجود، ويعمِّقه ويكثِّفه؛ فنحن لا نخشى على الشعر – في الحقيقة – وإنما نخشى على الإنسان، وحين يُصاب الشعر بأزمة: فلأن الإنسان يكون قد مُني بها قبل ذلك؛ فهي أزمة الإنسان أولاً..
إن الإنسان بالشعر، وبغيره من الفنون الجميلة، إنما يعيد طرح نفسه على الواقع.. كما سبق أن طرح الواقع عليه نفسه، فهو لا يريد أن ينسحق تحت وطأته، ولا أن يفقد ذاته فيه، ولهذا فإن الشاعر أو الفنّان. إنما يطرح نفسه – أي عالمه الداخلي – على الواقع.. أي على العالم الخارجي.. وذلك عن طريق إعادة طرح هذا الواقع ذاته، بالعمل الفنيِّ من وجهة نظره هو؛ من خلال تلقِّيه له، ورؤيته الخاصة إليه، وتعامله معه. و.. بوسائله؛ وهو بذلك – يعيد صياغة العالم الخارجي على نحو يلائم طبيعته، ويناسب أشواقه في رؤيته ذلك الواقع كما يراه، أو يريده، أو يحلم به.. إنه "ردّ" على المرفوض، أو "تمثّل" للمقبول، أو "تشكيل" للمنشود من الواقع.. وبهذا يكون الشعر أو الفنّ خلقاً من الخلق – وهذا هو الخلق الفنِّي بذاته.
وإذا كان المعول – عموماً – أداةً في يد الإنسان لإشبـاع حاجـات الجسـد – البيولوجية – فإن الإزميل في يد النحّات، أو الريشة في يد الرسّام، أو الكلمة على لسان الشاعر، إنَّما هي أدوات لإشباع أدوات الروح: وكما أن الإنسان لا "يعيش" بدون الحدّ الأدنى من إشباع حاجات جسده المادية؛ فإنه كذلك لا يحقق إنسانيته وسعادته؛ أي لا "يحيا" بدون إشباع أشواق روحه.. وقديماً قال السيد المسيح عليه السلام: "ليس بالخبز وحده.. يحيا الإنسان"!
وإذا كان الرسّام يرسم بالألوان؛ فيكشف عن الكامن في الظاهر، والنحّات يخرج – بالإزميل – غير المرئي إلى المرئي المحسوس.. وإذا كان الموسيقي يكثِّف – بالنغمة – ما لا يُسمع عادة؛ فيبصر الإنسان بسمعه ما لا يبصره بعينه، فإن الشاعر هو ذلك الفنّان الذي يرسم، ولكن بالكلمات.. وينحت ولكن بالمعنى.. ويغنِّي ولكن بالإيقاع الخاص على بناء تلك الكلمات بناءً موسيقياً متناسباً مع الإيقاع الباطني الخفي للمعنى.. المشخِّص للصورة، الساري كالروح لذلك البناء.
ومن عجب.. أن ليس إلاَّ الشعر وحده بين تلك الفنون جميعاً هو الذي يجمع خصائصها مجتمعة حيث قد يُغني عن أيّ منها، ولا يغني أيّ منها عنه أبداً..
لهذا كان الشاعر هو الفنّان الأكبر..
وليس الشعر أخيراً – إلا التحدي الإنساني للبعد الزَّماني – إذا صح التعبير – فإن الإنسان يتطلَّع إلى الخلود وهو يعلم أنه لا يقدر عليه في هذه الحياة.. من هنا فإنه بالشعر يريد أن يمتد في الزمان امتداداً يهبه بعض طمأنينة الخلود!..
وعلى هذا فإن زمن الشعر لم ينتهِ، وما هو بمنته إلاَّ بنهاية الزمن نفسه لأن الشعر – كما رأينا – حاجة من حاجات الإنسان الروحية غير المحدودة.. كما أن "الغذاء" حاجة من حاجات جسده المحدودة.. وكما أن الإنسان يشغل بجسمه حيزه في المكان، فإنه بروحه فقط يشغل مكانه في الزمان.. وحين يغادر الإنسان "مكانه بالموت"، فإنه يبقى بآثاره في الزمن.. وبأعماله في الخلود، أو في الأبد..
ومع ذلك فإن الشعر في أزمة.. ومصدر هذه الأزمة أمران:
• أوَّلهما: آتٍ من طبيعة الحضارة الغربية الباسطة ظلالها على الأرض، وطبيعة علاقاتنا بها.. فأما طبيعة هذه الحضارة فهي التي قادتها إلى أزمة شاملة نجمت عن ذلك التناقض المروِّع بين التقدُّم الرائع للعلم، والتراجع المخزي للضمير.. أي انهيار الأساس الأخلاقي على نحو مطرد تزداد به الأزمة تفاقماً.. يتجلَّى في هذا الفراغ الروحي المهلك الذي تتخبط فيه مجتمعات هذه الحضارة: بما تعلَّق بها من أخلاق وآداب وفنون وفلسفة.
وأما طبيعة العلاقة بها: فإن الاستعمار – كما هو معروف – كان هو أسلوب هذه الحضارة للاتصال بالعالم الواقع خارج نطاقها، وقد تولَّد من جرّاء ذلك شعور بالتفوق العرقي وليس الحضاري فحسب لدى المستعمِر.. وشعور بالنقص والتبعية لدى المستعمَر.. ونتج عن هذا أن اعتبرت مجتمعات هذه الحضارة (أوروبا وأمريكا) نفسها "مركز الكون" فما هو صالح بالنسبة لها فهو الصالح للعالم، وما هو غير صالح في نظرها فهو كذلك للعالم أيضاً.. ومن ثم أخذت تصدِّر لهذا العالم الكثير من أزماتها وقيمها الأدبية والاجتماعية.. مع منتجاتها، دون أن "تصدِّر" شيئاً من علمها ونظامها الدقيق..! أي تصدِّر فقط إفلاسها!.
ولأن المغلوب – كما يقرِّر ابن خلدون – مقلد للغالب عادة، فقد تقبل المغلوبون كل ذلك، وأضحوا يعيشون أزمات الحضارة دون أن ينعموا بمقدماتها أو أسبابها.. حتى لقد رأينا على أرصفة شوارعنا من يتباهى بتقليد "الهيبيز" (HIPPIES) و "البيتلز" (BETLES) دون وعي بأسباب هذه الظواهر الاجتماعية والنفسية في المجتمع الغربي الناجمة عن حالة الإشباع الحسي والمادي المفرط بحثاً عن إشباع روحي مفقود.. ومطلوب.. حتى بالهوس والتشرُّد، والتبطُّل، والعودة إلى حياة البدائية الأولى.
إن مجتمعاتنا لم تصل بعد إلى الحدّ الأدنى من الاكتفاء المادي، فضلاً عن التشبُّع، فلا مسوغ لشيء من ذلك.. إلاَّ أن يكون التقليد الأعمى، مضافاً إليه الجهل الذي يدفع بصاحبه إلى تقليد "الظواهر" مع انقطاع الصلات بالأسباب والمقدمات، وتلك هي آية "القابلية للاستعمار" على كل حال.
وإن الأمر لكذلك بالنسبة للأدب والشعر، فإن أزمة الحضارة الشاملة قد مسَّت الشعر كما مسَّت غيره من الفنون الجميلة.. فحسب الذين لهم صلة من الصلات المباشرة بهذه الناحية الأدبية "ظواهر" تلك الأزمة أشكالاً وقيماً جديدة للأدب أو الشعر فقلَّدوها.. دون مراعاة لأسبابها في مواطنها باعتبارها ظواهر أزمة شاملة، لا سبيل إلى الخروج منها، ولا دليل على الجدة الموهومة فوقع الخلط، وكانوا بذلك كهؤلاء الذين قلدوا جماعات "البيتلز" و"الهيبيز"، دون سبب مقبول، ولكن على صعيد آخر، يكشف عن وحدة العلّة في طبيعة العلاقة القائمة على "التقليد" لا على "التمييز".
ثم جاء الذين يقلدون هؤلاء المقلِّدين أنفسهم ممن لا يجيدون لغة من لغات هذه الحضارة، ولا يعقدون مع آدابها صلة مباشرة.. فكان ذلك ضغثاً على إبالة، أضافت إلى عقابيل التقليد السيِّئ جرائر الجهل الضار، فكانت هذه الأزمة التي يتخبَّط في أحابيلها الشعر من الركاكة، والخروج على قواعد اللغة والهروب إلى اللامفهوم حذراً من الانكشاف.
• ثانيهما: آتٍ من سوء المناهج التربوية والتعليمية في مجتمعاتنا وغياب المؤسسات الثقافية، التي أخرجت جيلاً لا يفقه لغته كما يجب، وليس متصلاً بتراثه كما ينبغي، ولا متصلاً – كذلك – بعصره على النحو المنشود حتى "يجدد" وهو مستكمل أدوات التجديد، منطلقاً من أرض ثابتة، لا هارباً إلى تجديد مقطوع الصلة بمقومات التجديد الحق.
فالأزمة في وجهها هذا هي أزمة نقص، وليست أزمة ضلال، كما هي في وجهها السابق؛ فما يزال للشعر مكانه المرغوب، وجمهوره المتحمِّس، وأنت لن تشكو من قلة المحصول حين تطالع المنشور في مجلاتنا ودورياتنا الأدبية.. فيما يزال الشعر هو الغالب عليها، أو هو يكاد يكون. ولكنَّك – على التأكيد – ستشكو من ندرة الجودة.. وضعف الوسائل، واستعجال المواهب على العطاء دون مران كافٍ دؤوب، لا بد منه لكلّ ذي موهبة، ولا استكمال للأدوات الفنية اللازمة للعمل الفنِّي الجيِّد، وبخاصة في مجال "القصيدة الجديدة" حيث لحقها من جرّاء ذلك أفدح الأضرار.
نعم! مصدران لأزمة واحدة يعاني منها الشعر، ولكنها – كما رأينا – أزمة مفروضة عليه من غير بواعثه أو مصادره، وإنما هي جناية التقليد من ناحية، وجريرة التقصير من ناحية أخرى.
أقول هذا وأنا أقدّم لمجموعةٍ كاملة تزيد على ستة عشر ألف بيت من الشعر (1) – حسب إحصاء الشاعر – فإذا أخذنا ذلك من حيث الكم فإنه سيشكِّك في وجود أزمة، بيد أننا إذا نظرنا إليه من حيث النوع أو الكيف، فإنه يصبح تحدياً قوياً للأزمة.. ذلك لأنه نوع من الشعر الرفيع الذي يتطلب وجوده وجود شاعر يجيد القول، وقارئ يجيد تذوقه، أو منصت يجيد الاستماع إليه.
أما هذا الشعر فهو هذا الديوان.. الآثار الكاملة للشاعر الشهير. أحمد محمد الشامي.
والشامي شاعر كبير لا يحتاج إلى من يقدّمه، معروف لا يحتاج إلى تعريف، غزير الإنتاج متعدّد نواحيه، قد شغل الناس شاعراً، وباحثاً، ومجاهداً وثورياً، ومحافظاً ورجعياً، وعالماً وسياسياً، وسجيناً وسفيراً، ووزيراً.. وعضواً في المجلس الجمهوري.. وما يزال يشغلهم، وسيظل – فيما أحسب – يشغلهم إلى أمد طويل.
الشامي متعدِّد الجوانب الشخصية.. وهذا أمر يجعل الحديث عنه صعباً؛ لقد عاش حياةً حافلةً، مليئة بالأحداث، ذات خطوط متداخلة، ومتناقضة، حتى لتشعر أنك أمام أكثر من شخص واحد.. بل أمام عدد من الأشخاص حين تتابع حياته العملية ذات التعاريج الكثر، والدوي المنداح.
بيد أنه من الحقّ أن خيطاً دقيقاً واضحاً يربط حياته كلها برباط يجعل منها "وحدة" متعدِّدة الجوانب، لشخصية مثيرة: لا أشخاصاً متنافرين: وذلك هو "الشعر" الذي يتألق به جانب الشاعر منه بين جوانبه جميعاً.. ذلك الجانب الذي يقلّ عنده الخلاف، ويسهل عليه الاتفاق بين مريديه وخصومه على السواء.
ترجع معرفتي بالشاعر إلى تلك الأيام النائية القصية، المواظبة بذكرياتها على الحضور الدائم حين هبطنا معتقل قاهرة "حجة" عام 1369هـ الموافق عام 1950م..
كان "الشامي" هناك لا تتخطّى العين مكانته المرموقة بين تلك الصفوة من العلماء والأدباء والسياسيين المناضلين جميعهم؛ وكانت زعامة الأدب والفكر قد انتهت إليه بينهم دون نزاع؛ فإذا صدرت مجلّة أدبية (وقد صدرت مجلّتان خطيتان هما السلوة، والندوة) أحمد الشامي هو كاتبها الأول، ورئيس تحريرها، وإذا احتدمت معركة فكرية كمعركتي الخير والشر، والقديم والجديد، اللتين انشغل بهما المعتقلون فترة طويلة: فهو نفسه فارسها السبّاق الذي لا يشق له غبار: وإذا أغطشت سماء الشعر وتنزلت ملائكته (إذ لم يكن ثمة مكان للشياطين في تلك القمّة العالية العامرة بالصلاة والفكر والجهاد) فإن أحمد الشامي هو الذي كان بيننا جميعـاً يخطـف البصر ويستأثر بالأسماع. وهو قبل ذلك، مع زميله الشاعر إبراهيم الحضراني قد رأسا تحرير مجلة "البريد الأدبي" لفترة عامَين قبل انفجار ثورة الدستور سنة 1367هـ/ 1948م.
نعم: كان شاعرنا قد بدأ حياته الأدبية قبل ذلك، واقترنت بحياته السياسية والوطنية بفضل الرفقة المباركة التي ربما كان أسطع نجومها عنده، وأكثرها تأثيراً عليه الشاعر الشهيد زيد بن علي الموشكي بدايةً.. ثم المجاهد الجزائري العظيم الفضيل الورتلاني من بعد..
فلم يدخل "الشامي" السجن إلاّ بعد أن كان قد أصبح مشهوراً بين الشعراء المعدودين ومشهوراً كذلك بين المناضلين البارزين: حتى لقد اقترب من قمم الكبار من زعماء الأمة، وقادة جهادها، وهو بعد في شرخ الشباب، وحسبك أن تعرف أنه هو الذي أؤتمن على نسخ "الميثاق المقدس" لثورة سنة 1367هـ/ 1948م الخالدة ثم اختير "سكرتيراً" عاماً لمجلس وزرائها القصير العمر، وهو بعد في الثالثة والعشرين من عمره المديد بإذن الله.
وهكذا كانت شهرته – حين طوته ظلمات السجن – قد صورته لنا شيخاً كبيراً، لا فتى في مقتبل العمر؛ فأولى مفاجآتنا به – تلك المفاجآت التي لن تنقطع مع الأيام – إنما كانت اكتشافنا له فتى غض الإهاب، في مقتبل العمر، يقتعد مكاناً بارزاً بين كبار المواقع الجهادية، وكبار الأعمار.
وأتاح لنا السجن أن نتتلمذ على أيدي الذين سبقونا بالجهاد، والعلم والسجن، وكانت "قاهرة حجَّة" – قد تحولت بفضل أولئك المجاهدين إلى معقل من معاقل العلم، ومصدر من مصادر الإشعاع العلمي والفكري والأدبي، دفع "الإمام أحمد" إلى إرسال برقيته الشهيرة إلى نائبه:
""ولقد اخترنا "القاهرة" داراً للتأديب (2) لا كلية للآداب"!!
وآثرنا "الشامي" في هذا السجن بجهده ووقته، ومنحنا من علمه وأدبه الكثير الكثير.. ومنذ ذلك الحين وأنا أشعر بالامتنان والعرفان اللذين يشعر بهما تلميذ قدّر له أن يشق طريقه نحو أستاذ أضاء له بعلمه ذلك الطريق الطويل، طريق المعرفة.
إنها ذات المشاعر التي تملأ النفس نحو كل أولئك الذين علّمونا في معقل المجاهدين، وبدَّدوا ظلمات السجن بأنوار العلم والمعرفة.. حتى أولئك الذين التوت بهم الطرق فيما بعد، وانحرفوا عمّا علموا وعلَّموا، ورجعوا عن مواقعهم المتقدِّمة إلى مواقع الذين ظلموا أنفسهم فإننا لم نستطع – بفضل تلك المشاعر – إلاَّ أن ندين منهم الانحراف اللاَّحق محتفظين في ذات الوقت بالولاء الحميم، والذكر الجميل لذلك الموقف السابق؛ فما كان لمن أضاءت عقولهم المعرفة الحقّة، وعمر قلوبهم الإيمان الصادق، أن يدفعهم الحنق على الخطأ إلى العقوق، أو يحملهم الغضب على الانحراف إلى مجانبة الإنصاف.
على أن "الشامي" كان – إذ ذاك – أكثر الأساتذة احتفاء بتلامذته. وأكثرهم نفعاً لهم، وبذلاً من علمه وجهده، ومن أكثرهم حرصاً على إبقاء جذوة النضال حيّة مشتعلة في أعماق تلامذته، وتوجيه المعرفة هذه الوجهة.
وضرب الزمن بيننا بعد ذلك، وخرج أستاذنا "الشامي" من السجن وبقينا، وتبعه "الأساتذة" والزملاء، ونحن نودّعهم واحداً بعد واحد، أو نفراً بعد نفر، والقلوب يومئذ عامرة بالثقة مفعمة بالحب، مستيقنة بالفرج لا ريب فيه، على يد هؤلاء الخارجين من السجون يحملون رسالة الشهداء إلى أمة تنظر إليهم في إكبار نظرة اليقين بأنهم سيستأنفون نضالهم الدائب حتى ينصرهم الله.
ولكن.. عندما خرجتُ من السجن كان أولئك النفر أنفسهم قد تفرّقوا شيعاً، واختلفوا مذاهب، وقنع من قنع منهم بفتات الباطل، مؤثراً السلامة والعافية، وغرق من غرق في حمأة الفرقة: عنصرية وطائفية. وبقي قليل: ينظرون بأسى شديد، ويواصلون السير على الطريق..
وفي الحقّ أن هذه الفاجعة كانت قد بلغت ذروتها عام: 1374هـ/ 1955م عندما تناهى إلى أسماعنا في ظلمات السجن أن ساحات الإعدام قد شهدت أفجع ما في المأساة حين كان بعض أولئك النفر تُضرب أعناقهم في الساحات العامة، والبعض الآخر يأخذون مقاعدهم على المنصة يشاهدون ضرب الأعناق! و"الأستاذ" الخطيب المفوه –إياه– يزاول مهمته المتقنة منذ انخرط في صفوف المناضلين الأحرار، محرضاً للطغيان ومندداً بالمؤمنين، في استدلال مقلوب بالآية الكريمة: لَّئِِن لَّمْ ينته المنافِقُون والَّذينَ في قُلوبهم مَرَضٌ، والمرجِفُونَ في المدينةِ لنغرينّك بهمْ ثم لا يُجَاوِرُونَكَ فيها إلاَّ قليلاً، مَّلْعونينَ أَينما ثُقِفوا أُخِذُوا وقتِّلُوا تَقْتيلاً، سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذين خلَوا من قبلُ، ولن تجِدَ لسُنَّة الله تَبْدِيلاً [سورة الأحزاب: الآيات60، 61، 62].
ولقد كان شاعرنا "الشامي" في قلب الدوّامة!. ومهما يكن من أمر فقد استطاع أن يحتفظ بينهم بتوازنه إلى حدّ لم يتجاوز به حدود التأييد الذي كان قد اتخذه للأَسف الشديد الكثير من الأحرار في الداخل والخارج، فهو لم يحرّض على أحد، بل جهد لينقذ من يستطيع إنقاذه؛ في حين اندفع سواه –وصولاً إلى مصالح ذاتية ظنوها– يحرّضون ويهيّجون شهية الإِمام المفتوحة إلى المزيد من الدم. دون اعتبار لقضية، أو وفاء لزميل، ولم يكتفوا بالتأييد وحده –على فداحته– كما اكتفى شاعرنا" (3) .
وأنا –في هذه السطور– لا أبرِّر موقف الشامي، ولا أدين غيره فذلك من مهمّة "المؤرخ" وعمل "التاريخ". ولسنا نهدف إلى ذلك وإنما هو استعراض لوقائع معروفة للجميع اقتضاها سياق الحديث لما له من علاقة بصاحب هذه المجموعة الشعرية التي لا يمكن التعرض لها دون التعرض لصاحبها، وفي حدود الإيضاح لمواقفه التي تأثَّر بها وأثر، ونجد أصداءها في هذا الديوان، وليس بغرض التاريخ الذي سيتقصّى الدوافع وراء الواقع، ويتولّى من ثم التبرير أو التجريم؛ قبل يوم الحساب الذي سيفصل في ذلك كلّه على نحو قاطع بين يدي الخلاّق، على مرأى ومسمع من الخلق أجمعين. يوم تجد كلُّ نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً!..
وهكذا كانت الحياة قد أخذت الأستاذ والزميل بعيداً عنا، وأخذتنا بعيداً عنه: وما زالت المسافة – بحكم الظروف، واختلاف وجهات النظر – تتسع حتى وجدنا أنفسنا في اتجاهين مختلفين، ثم في معسكرين متقابلين قد احتكما إلى منطق الحرب يفصل بينهما!.
ومع ذلك فقد ظلَّت العلاقة الحميمة السابقة تتمرّد على معطيات المواقف المستجدّة، إزاء شخصه لا موقفه أو نهجه: فكأنما كانت تجسد –واقعاً– بيتين لإسماعيل صبري كان قد لقَّننا إيّاهما في الأيام السالفة:
إذا خاننـي خـلّ قديـم وعقَّني
وفوّقت يومـاً في مقاتلـه سهمـي
تعرض طيـف الـودّ بينـي وبينـه
فكسرت سهمـي وانثنيـت ولم أرم
فلما التقينا.. تبيَّن لنا أن شاعرنا الكبير.. لم يكن في ذلك المعسكر يطالب بعرش، وإنَّما هو الغضب والرفض للأخطاء في المعسكر الآخر –معسكره المفترض– فكان ردّ الفعل من جنس الفعل نفسه – حسب تعبيره، وتقبَّل بصدر رحب نقاشنا له بأن الخطأ لا يعالج بخطأ مماثل، وإنما يواجه بالتصحيح؛ وحركة التاريخ لا تصحَّح أخطاؤها أو انحرافاتها بالرجوع إلى الخلف وإنما بالتقدم إلى الأمام.! ومن أجل ذلك كلّه كان هو الذي قاد –داخل معسكره– عمليَّة التقارب المستمرة ابتداءً "بمؤتمر أركويت" ثم اللقاء الكبير في مؤتمر "الطائف".. فمؤتمر "حرض" ثم المصالحة الوطنية عام 1390هـ/ 1970م التي أنهت الحرب حيث أصبح عضواً في المجلس الجمهوري إلى جانب رفيقه القديم الرئيس عبد الرحمن الإِرياني رئيس المجلس آنذاك.
والحقُّ أن الشهيد "الزبيري" رحمه الله – كان أوَّل من عرف من زميله "الشامي" ذلك؛ فقد ظل يردد عقب عودته من "أركويت" أن "الشامي" لا يختلف عنا.. إنه معنا.. وهو فقط ضد الأخطاء التي نحن ضدها ونحاربها.
على كل حال؛ لقد كان "الشامي" دائماً رجل المواقف والمفاجآت.. وعنده دائماً تفسيره الخاص لذلك: تقتنع به أو ترفضه.. فإنه يملكه لنفسه. ويصر على طرحه مقتنعاً به. ومحاولاً الإِقناع! "ما علينا"!.
وإنما يعنينا الآن جانب الشاعر من الشامي، وليس أيّ جانب آخر من جوانبه المتعدِّدة: وهو الجانب الذي ينعدم فيه الخلاف ويسهل عليه الاتفاق – كما قلنا آنفاً..
والشامي الشاعر يتسنَّم مكانةً عالية بين الصفوة من شعراء العربية في هذا الزمان: وقوام كل شاعر إنما هو موهبة، يصقلها مران، ترفدها ثقافة تمنح صاحبها القدرة على التخاطب مع أسرار الحياة والنفس؛ تتوافر لها أدواتها الفنية للأداء الرفيع أو الإفصاح البليغ!
وليس من جدال في أن هذه "المكونات" جميعها موفورة لشاعرنا على أفضل ما تتوافر لشاعر من الشعراء؛ فنحن أمام شاعر اتخذ مكانه بجدارة، وأحرز شهرته عن استحقاق.. وسيبقى – على التأكيد – بين الشعراء المعدودين، لأنه الشاعر الذي كونته مقوِّماته الحقيقية، وليس بالشاعر الذي خلقته طبول الأهواء ومزاميرها. وما أكثرهم في هذا الزمان.
والشعر الذي بين أيدينا شعر كثير لا سبيل إلى دراسته تفصيلاً وإنما تقنع عجالة كهذه بالإشارة إلى خصائصه.. وملامحه الرئيسية فحسب، وفي الحق أن تلك الخصائص إنما تتضح من خلال وضع هذا الشعر بمجموعه في مكانه من ديوان الشعر العربي المعاصر..
وقد استهل الشعر العربي المعاصر يقظته قبل قرن من الزمان. بيد أنَّ عودة الروح إليه قد جاءت على يد البارودي في مصر.. الذي لم يزد دوره على أن نفض عن الشعر غبار القيود التي كبَّلتها به عصور الانحطاط، وأعاد له رونقه القديم، وبلاغته الذاهبة، وكان هذا "القديم" هو "جديد" البارودي، غير أن الجديد الحقيقي إنما بدأ بعملية الإحياء هذه التي كان لسانها العضب الشاعر الفارس نفسه. أي محمود سامي البارودي.
وانتقل الشعر من الإحياء إلى الإبداع، ومن التقليد إلى الأصالة على أيدي شعراء عدّة.. هنا وهناك حتى بلغ ذروته على يد شاعر العربية الأول في هذا العصر: أحمد شوقي.
لقد شغل الشرق كله بشوقي، وتجاوبت أقطار العربية بقصائده الخالدات، ودار في فلكه شعراء عظام كحافظ في مصر، ومطران في الشام والزهاوي والرصافي في العراق، والزبيري – وإن تأخر زمنياً – في اليمن..
كان شوقي ظاهره أدبية كبرى، بلغ بالشعر العربي الذروة التي لا مطمح لشاعر فيما وراءها.. ولا قدرة له على ذلك، وكأنما هو بهذا قد حتَّم على اللاحقين من بعده أن ينهجوا طريقاً جديداً..
ذلك كان العصر الذهبي للشعر العربي المعاصر حقاً! وقد خيَّم الصمت بعد شوقي ورفاقه، ثم ما لبث الوادي في مصر أن صحا على أهازيج علي محمود طه، وإبراهيم ناجي، ومحمود إسماعيل وأضرابهم. وترنحت جنبات الشام بالألحان العذاب لأبي ريشة، وبدوي الجبل، وبشارة الخواري وغيرهم (4) .. وارتفع صوت الشابي قوياً برماً من تونس، وتفتحت الأسماع المغلقة على قديمها في اليمن منكرة حيناً وطربة أحياناً، وهي تستمع إلى "الشامي" و"إبراهيم الحضراني"، يعزفان على ذات الوتر "الرومانسي" الشجي.. وغير هؤلاء في الأقطار العربية كثير!
بين هؤلاء الشعراء إذن يأخذ الشامي مكانه، والخصائص العامة لشعره هي خصائص شعر هذه المرحلة على الإجمال، وهي خصائص وقفت لها دراسات عدَّة، أعتقد أن من أهمها وأكثرها نفعاً ما كتب عنها الناقد الكبير محمد مندور في سلسلة محاضراته القيمة عن الشعر المصري بعد شوقي التي ألقاها على طلبة "معهد الدراسات العربية العليا" في القاهرة ثم – إذا لم تخنّي الذاكرة – صدر في جزأين بنفس العنوان.
لقد تأثر الشامي عموماً بشعراء مجلة "الرسالة" الذائعة الصيت البعيدة الأثر في حياة الأدب العربي والثقافة المعاصرة، وبشعر مجلة "أبللو" الذي استهلَّت به "المرحلة الرومانسية" إشراقها.. ولكنه كان أكثر تأثراً بالشاعر المهندس علي محمود طه، والشاعر محمود حسن إسماعيل على وجه الخصوص. وانظر إذا شئت إلى قصائده الأولى: "النفس الأول" و"التقينا" و"بين الصخور" "تائياته" اللاحقات في جوانبها الوجدانية.
إن تأثره لا يعني التقليد أبداً وإنما هو الاقتفاء في الطريقة نفسها: طريقة التناول للأشياء، والإحساس بها، وطريقة التركيب الفني للجملة الشعرية بأسلوب خاص به ومتميز. وهذا في الواقع هو الذي يعطي كل مدرسة طابعها الموحد، القائم على التنوُّع المتعدِّد والمتميز والخاص لكلّ شاعر من شعرائها ضمن إطار من الخصائص المشتركة يجعل منها "مدرسة" كما يُسميها النُّقاد المعاصرون، أو "طبقة" كما كان يسميها النقاد الأول الذين عرفوا تقسيم الشعر والشعراء وفق مقاييس فنية دقيقة تتناول المضمون والشكل معاً – إلى طبقات – أي إلى مدارس بالتعبير المحدث والمتأثر بالتسمية والتقسيم الغربيين.
خصائص شعر الشامي تتجلّى – بوضوح – في شعره الذاتي.. ذلك الشعر الذي تسري فيه الروح "الرومانسية" الشجية. تشف عنها لغة شعرية مختارة بعناية، تمنح تلك الروح أو المعنى إيقاعه العذب والشجيّ!
ونحن نذهب بدون تردد إلى القول بأنَّ كل شعر لا ينطوي على قدر من "الرومانسية" أيّاً كان انتساب هذا الشعر مضموناً وشكلاً، هو – على الأقل – شعر غير جيد، ونجد لنا في ذلك سنداً من المرحوم الدكتور محمد مندور الذي ذهب إلى مثل ذلك في بعض دراساته القيمة للشعر المعاصر.
وأنت واجد في شعر الشامي قدراً غير قليل من "الرومانسية" التي يخذلها أحياناً وضوح شديد في الأداء، ولكنك تظل مأخوذاً بتلك الحيرة القلقة أمام المبهم في كثير من قصائده ومقاطعه، وفي أشعاره الأولى على وجه الخصوص؛ إن الشعور بالضياع والانسحاق والحزن الشفاف الذي منح "الخياليين" (الرومانسيين) لذة الألم لتسري في كثير من شعره هذا.. اقرأ مثلاً:
وإذا ما رجعـت يومـاً، ولا عشـ
ـك بـاق، ولا غديـرك جـاري
والغون الجدبـاء تبكـي بصمـت
والهزارى هشيمة الأوكار
وبقلب محطَّم، وبروحٍِ
مثقل بالأوجاع والأسرار
نحت تنعـى أهـلاً وجيـران أهـل
وتبكي داراً، وأصحاب دار
وقوله في قصيدة: "والتقينا":
اشهـدي يا نجوم كـم بتّ في محـ
ـراب حبّي أشكو ليالي الفـراق
أقلق الليل بالأنين وأبكي
وأناجي أطياف عهد التلاقي
لا أبالي مـرارة العيـش في سجنـي
ولا بالقيود تهصر ساقي
ونسينا ما كان في ساعـة الـوصـ
ـل كأنا لم ننفصـم عـن عنـاق
والتقينا.. لكـن.. وكفكفـتُ دمـ
ـعي وخنقت الآهات في أعماقـي
وغير ذلك كثير.
وللحب في هذا الشعر نصيب كبير!
ولن يفوت القارئ المتذوّق أن يدرك بوضوح أن شعر الحب هذا ليس من قبيل "الغزل" الذي تعود الشعراء التقليديون على أن "يزينوا" به أشعارهم؛ بل هو "نبض" تجربة حقيقية، و"بوح" معاناة تمور بالأسى الشجي الذي يبلغ به الشعر "الرومانسي" مداه.
ويبدو أن شاعرنا قد مرَّ بأزمتين عاطفيتين قاسيتين ألهمتاه كثيراً من هذا الشعر.. ولكنَّهما مختلفتان مذاقاً، ومختلفتان نتيجةً كذلك.
تجد عن التجربة الأولى قصائد ليس فيها غضب، وإنما فيها شجيّ وحب، فيها ألم كثير وشوق أكثر، وفيها شعور بالحرمان، وتوق لافح إلى تخطِّيه، وفيها – رغم ذلك كلّه – نوع من الرضا لأن الشاعر يعتقد أنه ليس بينه وبينها إلاّ "هي".
نجد ذلك في "والتقينا" و"تحت صورة" و"هجر ليلة" و"أين صنعاء". وتأتي قافيته المتأخرة وكأنها سعيدة لهذه التجربة التي استمرت أربعين عاماً وفيها يقول:
لا تعذلي دمعه إن غار، أو شرقا
وبات يشكو إليك الحـزن والأرقـا.
رفيقة العمر رِفقاً إن بكى.. فلـه
أشجان من فقد الأحبـاب والرفقـا
وأنت وحدك من واسى شبيبته
سيّان في القيد، أو حـرّاً، ومنطلقـا
تصغين إن قال تحناناً: وإن شطحت.
ظنونه ذدت عنه الخـوف والقلقـا
دهراً يردِّد أشعاراً.. مكرَّرةً؛
لم تسأمي منه تكرراً ولا نزقا
تهدهدين الأماني إن غفا؛ وإذا
صحا ابتسمت بلطف يرحم الحمقـا.
أما الأخرى: فتجربة متفجرة ليس فيها ذلك الحزن "المستطاب". وإنما الحب اللاّفح، وليس فيها التوق إلى الخلاص من العذاب، وإنما الغضب الجامع، وإنها لتبدو "معركة حب لا قصة محب"، كما تبدو التجربة الأولى، ويبدو أن ذلك كان لاقتحام السياسة ودوافعها ذلك المحراب، حيث نرى الشاعر موزع القلب بين الحب الذي يدنيه والغضب الذي يقصيه، فكأنما يشير إلى أنه قد كان دائماً بينه وبينها عارض من سياسة. ألقى ظلاله الكئيبة على هذه العاطفة فحوَّلها إلى لهب يشتعل ويخمد.
وشعر هذه التجربة – يدور في فترة زمنية حسب التواريخ التي وضعها الشاعر لقصائده.. تبدأ سنة 1963م وتنتهي سنة 1973م وهو قد نظمها بين "الرياض" و"بيروت" و"باريس" و"لندن".
والذين يعرفون حياة الشاعر، يعرفون أن هذه مرحلة عاصفة من حياته تميزت منذ البداية باندفاعه في اتجاه لم يكن اتجاهه، واتخاذه موقفاً حسب نفسه مضطراً إليه. وفي خضم ذلك كان حبّ متفجر كهذه المرحلة صادقاً فيه ولا شك، ولكن عوامل هذه الفترة قد ألقت بكلاكلها عليه حتى تركته حطاماً أو كالحطام.
واقرأ: "حب وسياسة" و"هروب الفارس" و"اذهبي" و"كيف أنساها؟" ولعل "نشيد الهارب" على نحو خاص هي أدل هذه القصائد على ما أشرنا إلى كونها من بدائع الشعر العاطفي حقاً:
انطلق.. انطلق على فرس اليأس إلى حيث لا يعيش غرامُ
لا تدر سمعك الغبيّ إلى الخلف؛ فلا موعد، ولا أنغامُ
الهوى مات، والصبا قد تلاشى، والتعاليل.. كلها أوهامُ
انطلق.. واسحق التعاليل؛ فالحب قد احتاجه فباد.. الزُّؤامُ
إنه البغض.. إنه البغض، لا دمعة رجوى تجدي؛ ولا أحلامُ
أجـل "عزرائيل" قد أصـدر "الأمـر" و"أمضـى"؛ وصـدَّق "الحكـامُ"
فانطلق وانفث الغبار على الأوهام؛ وليأكل الضياء الظلامُ
فارس الحبّ قد فشلت، وقد عقَّك فيه حصانه واللجامُ
فانطلق.. وابتعد.. وللحب في قلبك ما تستلذّه الآلامُ
تنهش العمر كالذئاب؛ ليالي – عيشه تستجير – والأيامُ
* * *
ويشتغل الشعر السياسي والوطني حَيزاً غير صغير من هذه المجموعة الكاملة.. ولعلَّ أوَّل ذلك "رائيته" التي قالها الشاعر عندما "خرج" هو والشهيد الموشكي إلى عدن عام 1944م: ثم ما قاله في عدن، وبعد فشل الثورة 1367هـ/ 1948م في المعتقل وهلمَّ جرّا.
ولو ذهبنا نبحث عن "محور" يدور حوله هذا الشعر لوجدنا دون عناء أنه يدور حول "قضايا" ثلاث: "الحرية، والدستور، والمساواة"
وحيثما رميت البصر في ثنايا هذا الأفق من آفاق الشاعر فستطالعك هذه القضايا على نحو يكاد يكون غالباً على ما قاله من شعر في هذا الصدد.. وحتى عندما يسبق به غضبه، أو يزلّ به قلمه إلى عنجهية المباهاة بالأنساب والأحساب في ردَّة فعل على الإثارة العنصرية الجاهلية التي جعلته يلتقي أحياناً مع مشيريها.. فإننا نجده – رغم ذلك – يرجع إلى نفسه ويخرج بها من تلك الحمأة التي غرق فيها دعاة الإِثارة العنصرية على اختلافهم بمثل قوله في "دامغته":
"حسين" ليس أفضل مـن "يزيـد"
إذا لم نعتبر خلقاً وديناً
وقوله:
هي التقوى يعزّ بها ذووها
ويخسأ من يجانبها لعينا
ألا ينتسبُ عذا النَّفس إلى قوله القديم:
أيها الظالمون قد مات عهد
الظلم فاستشرفوا نهاراً جديداً
السلالات قـد خَـوَتْ بالمسـاواة،
وأضحى الورى عليها شهوداً
إنها حكمة الشريعة تأبى
أن ترى الناس سيِّداً ومسوداً
مع اختلاف الزمان والمكان؛ فقد قال "دامغته" وهو وزير خارجية للملكيين يدافع عن قضية كان هو – في الأساس ضدها – في حين قال "داليته" تلك تحية للثورة المصرية وهو يومئذٍ في معتقل حجَّة يبشر بفجر جديد للحريَّة، وهو من أشد المؤمنين بمطلع فجرها..
ونحن نشير إلى هذه المقارنة عن عمد، لأن اختلاف مكان الشاعر أو موقعه، مع اختلاف الزمن أيضاً – ومع ذلك التقاء المعنى متجاوزاً اختلاف الزمان والمكان – إنما هو الدليل على أن هذه القضايا هي "مضمون" شعره الأصيل في كل الأحوال بشكل لا يقبل الجدل من ذي إنصاف.
وتتكرَّر تلك "القضايا" في شعره كثيراً وبخاصة في مراثيه للشهداء الذين سقطوا من أجلها.. في سبيل الله، ولرفاقه وزملائه الذين تخطفهم الموت من بعدُ.. وفي هذه المراثي لا تجد تلك "القضايا" فحسب. بل تكاد أن تسمع بكاءً شجياً؛ كأنما يبكي به الشاعر نفسه مستبطئاً أو مستعجلاً – سيَّان – ساعة اللحاق..! وهذا هو الذي منح تلك المراثي عمقها الذي جعل زميله الحضراني؛ يتوقف عندها في إعجاب.
وقد زادته الأيام تعلقاً بقضاياه هذه؛ فلا تكاد تخلو له قصيدة من قصائده الأخيرة – وبخاصة لزوميَّاته – من إشارة إلى واحدة منها؛ كأنما يعتبرها "رسالته" التي استخلصها من حياته الهائجة المائجة، يؤديها إلى الأجيال حتى لا يقع واقع في عنف المراحل التي مرت بها الأمة وتقلَّب في عواصفها الشاعر نفسه.
وربما يحسن الوقوف قليلاً عند شعر المديح في هذه المجموعة: فالشاعر قد حرص – كما هو واضح – على الاحتفاظ بكل الذي قاله من هذا القبيل؛ على غير عادة الشعراء الذين حذفوا من منشور شعرهم المدائح التي كانوا قد قالوها..!
أين وجه الصَّواب في ذلك؟
سؤال قد يجيب عليه البيت في شعر المديح نفسه.. فأولئك الذين يعتبرون هذا النوع من الشعر قد انقرض فيسقطونه، أو يحذفونه من أشعارهم.. قد يسوِّغ لهم اعتبارهم ذاك هذا الصنيع لاعتبارات فنية، أما أولئك الذين يحذفونه ليحذفوا مرحلة من تاريخهم؛ فلا مسوَّغ – فيما أظن – لمثل ذلك؛ فإن هذا الحذف اعتداء على واقع يتعلَّق بالتاريخ ولا يتعلق بالاعتبارات الفنية وحدها.
وفي هذا؛ فإنني أذكر أن الشاعر الكبير محمد محمود الزبيري قد تعرَّض لحملة مغرضة تولت كبرها – يومئذٍ – سفارة اليمن بالقاهرة من جهة – والدكتور البيضاني في مجلة روز اليوسف من جهة أخرى، قوامها مدائح الزبيري السابقة للإمام؛ فأخرج الزبيري رحمه الله للناس ديوانه الرائع "ثورة الشعر" وانشغل في إحدى مقدمتيه الحديث عن مبررات ودوافع تلك المدائح!. ويومئذٍ كتبتُ لمجلة "الآداب" البيروتية بحثاً مطولاً عن هذا الديوان، وذهبتُ فيما كتبتُ عن هذا الموضوع إلى أن المديح في شعر الزبيري هو حجة للشاعر الكبير وليس حجة عليه، فإن هذا دليل "ثوريته"، وآية ريادته في تلك الثورية؛ ذلك لأن الشاعر ابن مجتمعه أولاً، وهو قد فتح عينيه في مجتمع يصلِّي لله عز وجلّ بالقرآن، وللإِمام بالشعر، فميزة الزبيري هنا أنه "وعى" وتجاوز الواقع فثار، وبانتقاله من مدح الإمام إلى شعر الثورة عليه من أجل الشعب سجَّل ريادته، فامتيازه إذن أنه ثار، ولم يثر الحاقدون عليه، وريادته أنه عاش الواقع الذي عاشه الآخرون فتمرد عليه مستشرفاً واقعاً أفضل، ولو أنه قد وجد في مجتمع ثوري لكان له فضيلة الالتزام، ولم يكن له فضل الريادة، فمدائحه هذه إنما هي الدليل التاريخي الذي يكرِّسه رائداً لثورة الشعر دون منازع (5) . وأذكر أنه – رحمه الله – قد اغتبط لذلك البحث عندما قرأه، وقد روى لي صديقنا الأديب الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح أنه لمس ذلك منه أكثر من مرة!
ولكن الموضوع لا يتسق هكذا مع الشاعر "الشامي"؛ فنحن نجده قد مدح وثار كزملائه، وكان في وسعه مثل الكثير منهم أن يسقط مدائحه تلك ويبقي "ثوريته"، ولكنا نجده يصرُّ على إثباتها ليس فيما نشر من "دواوينه" الشعرية السابقة فحسب.. بل في هذه المجموعة التي يريدها كاملة وأخيرة، تضم ما سبق أن نشر وما لم ينشر!؟.
أفَمَردُّ ذلك إلى شجاعة تفرَّد بها فلا يريد أن يتراجع عن شيء قاله؟ أم إلى علاقة خاصة بالإمام أحمد تكشفها مدائحه له من ناحية، وثوراته عليه من ناحية أخرى؟.
يبدو لي (وهذا استنتاج خاص يستطيع الشاعر أن ينفيه أو يثبته ما دام – أمدَّ الله في حياته – ما يزال بين ظهرانينا) أن الشاعر يكنُّ للإمام أحمد عاطفة خاصة لم تغيِّرها حتى السياط التي شوت ظهره في "حجة"! وينطوي على "إعجاب" به، لم يذهب به وقوف الشاعر العنيد ضدَّه؛ فهذا هو السبب الذي جعل من شعر مديحه جزءاً من شعره الذاتي، بما انطوى عليه من حرارة ووجدان.. وهو نفسه السبب الذي جعله يحرص على إثباته والإبقاء عليه.. على غير السنة المعهودة التي درج عليها الشعراء الذين قالوا في الإمام مثل الذي قاله، بل وأكثر بكثير مما قال!.
ولكن كيف يتفق ذلك الاستنتاج من واقع علاقاته بالإمام.. التي جعلته على بعد خطوة واحدة وقصيرة من سيفه الطائش العجول؟ وجعلت من ظهره مراحاً ومغدى للسياط القاسية ليالي وأياماً قاتمة الآفاق والأعماق؟ وفجعته في آماله وأهدافه، وفي أعزّ رفاقه الذين ذهب برؤوسهم الغالية ذلك السيف الذي لا يرحم؟..
زعم لا يتفق والمشهور من ظواهر الأمور!..
ولكنه قد يتفق وطبيعة الأشياء إذا نحن سرنا معها منذ البدء على سنن المألوف من جبلة النفوس..
فمن جبلة النفوس السوية أن تحفظ الجميل، وترعى المعروف.. ومن شيم الإيمان في هذه النفوس أن يتغلَّب الحقّ على رعاية المعروف الخاص إذا كانت هذه الرعاية تؤدي إلى إسناد باطل، أو إهدار حق.
لقد نشأ "الشامي" يتيماً في جو ملائم من قسوة الحُكْم لتنشئة ثوري مثله.. أعطته الثقافة التي زود بها نفسه في عصامية مدهشة مثله ووجهته..! فلما استقر به النوى في مقام "ولي العهد" آنذاك – الإمام أحمد – كما استقر بآخرين كثيرين في تلك الأيام ومنهم "الموشكي" و"الزبيري" و"نعمان" أولاه "ولي العهد" رعايةً خاصة، عوضته عن حنان الأبوَّة التي افتقدها بعمق، وحلَّت مشاكل أسرته التي كابدت من العناء ما ناءت به فعلاً.. وهكذا وجد نفسه وقد حلَّت مشاكلُه، وبقيت مثلُه: تلك توقظه، وهذه تنيمه.. وكاد ينام على هذا.. حتى هز مضجعه أحبّ رفاقه إليه، وأكثرهم تأثيراً عليه الشهيد زيد الموشكي رحمه الله.. منبهاً له أن مشاكله ليست هي مشاكل الأمة التي لم تحل.. فاستجاب لنداء الواجب وخرج مع "الموشكي" إلى "عدن" مردِّداً قصيدته الشجية:
غريب يجوب الأرض والليل سـادرُ
ولا هادياً إلاَّ النجوم الزواهرُ
وفي قلبه ممَّا يكنّ معارك
نوازع يطغى شرها، وخواطرُ
ومن حوله الأخطار تَسْـري رهيبـةً.
تطارحه أوهامه، وتحاورُ
وتنشر أشواك الأسى فـي طريقـه
فيا ويحه.. كـم يتَّقـي ويحـاذرُ..
هو لم يفر إذن.. ولكنه "خرج" على الظلم.. وهو لم "يخرج" عن خوف ولا تهديد، ولا نقمة على شيء أراده فلم ينله، ولا ضيقاً بمشاكله الخاصة؛ لأنها كانت جميعها قد لقيت حلولها السعيدة.. وإنما خرج "استجابة" لنداء "مثله" مهاجراً من أجل قضية؛ مضحياً بخصوصياته من أجل شعب في هدى مبدأ، وبرفقة شهيد.
وهذه ميزة له يستطيع أن يجيء بها كلما أصرَّ خصومه أن يعدُّوا عليه كل زلَّة، ويحسبوا كل خطأ من أخطاء اللسان في القول، أو زلات القدم في العمل.
هاجر الشاعر إذن؛ مستشرفاً بفكرة المجهول الذي يقدم عليه مناضلاً ومكافحاً؛ وهو يضرب بقدمه الأرض المزروعة الصخور والأشواك في ظلام الليل، ولا يدري من أمر يومه ولا غده شيئاً.. وقلبه يتلفت إلى الدفء والدعة والأمن التي خلفها وراءه ويلحّ عليه نداؤها.. فلا يشدّ من عزيمته إلاّ ذلك النداء القدسي الخالد: نداء المبادئ العليا التي يعلو صوتها الجليل على كل صوت من نوازع النفس وهفوات الأهواء.
وقد امتحن في"عدن" بالمرض حتى أشرف على الموت.. وبالفقر حتى تعثرت رائحة الجوع بين شفتيه، وبالاضطهاد.. حتى لم يجد نوراً ولا ماءً.. ولا سريراً ينام عليه..! وبالخيبة الأقسى من كل ذلك في بعض من "خرج" معهم "لا ناقماً" و"لا خائفاً" بل مجاهداً.. فرأى ما رأى.. مما لا يتلاءم ودوافع الخروج والجهاد، فلما فشلت التجربة، وانفرط عقد الحزب الذي كونوه.. وعاد نتيجة لذلك عبد الله علي الحكيمي وزيد الموشكي، ومطيع دماج، وعبد الله أبو راس وغيرهم.. عاد الشامي.. وقد عقد العزم هذه المرة على أن يجمع بين مبادئه ومصالحه، بين رعايته لمن أسدى إليه المعروف، وأحسن استقباله بعد عودته، وبين وفائه لمبادئه التي ضحَّى من أجلها (6) .
وكأنه قد بدا له أن مبادئه وأهدافه ستحقِّق إذاً هو أناطها بولي العهد! وحاول أن يحمل الآخرين على الإيمان بمثل ما آمن به!. أي أنه بدأ التجربة التي انتهى منها "الزبيري" (7) وقد اندفع "الشامي" في هذا المضمار "الجديد" سعيداً؛ يجني ثمرة الوئام النفسي الذي صنعه لنفسه لكن حركة المعارضة في الداخل كانت تزحف نحو اليقين الثوري وترجمته إلى عملٍ منظم يوشك أن يزلزل بجلبته أركان الهيكل المتهيِّئ للتداعي والسقوط.. ثم.. ما لبث أن قدم إلى "اليمن" المجاهد العظيم الفضيل الورتلاني، فنسف ذلك الوئام المصطنع في نفس الشاعر، ووضعه بدفعة واحدة في قلب الثورة الهادرة.
واندفع شاعرنا بكل قدرته وشاعريته وشبابه، وأدَّى أدواراً تتجاوز المأمول من سنه وتجربته، منتشياً كما انتشى سواه.. من شيوخ وشباب بعظمة ما انطوت عليه الثورة الخالدة، ثورة السابع من ربيع سنة 1367هـ/ 1948م.
وفشلت الثورة..
وانتهى المطاف بشاعرنا إلى السجن مع العشرات من قادة الأمة وعلمائها ومثقفيها.. وأخذت رؤوسهم الكريمة تتساقط فيرتفع مع سقوط كل رأس عمود من النور يضيء طريق المستقبل لأمة تهيأت للنهوض..
وأيقن أنه مستشهد لا محالة.. ألم يذهب السيف بمن كان أقل دوراً في الثورة منه؟ ألم يكن هو الذي احتل "الإذاعة" وكان هو الذي أعلن نبأ قيام "ثورة الدستور"؟ ألم يكن صوته هو آخر صوت يسمع في راديو "صنعاء" قبل سقوطها بساعات؛ ويعلن النضال حتى النفَس الأخير؟ ألم يكن هو -بين أدوار وأعمال أخرى ذات خطر- السكرتير العام لمجلس وزراء الثورة، وناسخ ميثاقها بخطه المعروف؟ ألم يكن رأسه -بعد كل حساب- هو المطلب الذي ألحَّ عليه الكثير من الأمراء والوزراء، بل وبعض الشعراء؟!
بلى..! وأقلُّ من ذلك - في منطق الحكم الفردي - كان كافياً.. لإرساله إلى "المقصلة" دون إبطاء! ولم يكن ذلك هو يقينه وحده بل يقين كل من حوله.. ولكنه لم يرسل..!
صحيح أنه قد ضرب بالسياط أياماً متعاقبة ليفصح عن أسرار للثورة لم يتمكنوا من معرفتها، ومفتاحها بيده، فأبى أن يفصح عمَّا يعلم من ذلك مؤثراً الشهادة.. مردداً كلما عاد من التحقيق ملتهب الظهر من أثر السياط نشيده الجميل الذي نظمه في ذلك المعتقل وفي تلك الأيام:
بالأمة نقسم والجمهور
والعزّة والقدر المقدور
وبما في مصحفنا مسطور
أن نطلب "لليمن" الدستور
سنحاربُ كي نحيـا سعـدا
ونضحّي بالأرواح فدا
بدماء الأحرار والشهدا
نحقِّق لليمن "الدستور"
وشباب "الشورى" و"الميثاق".
ملأت أصواتهم الآفاق
كل يشدو جـذلاً مشتـاق:.
تحيا الحرية "والدستور"
ولكنه – مع ذلك، ورغم يقينه – لم يقتل..! لقد استبقاه الإمام إذن.. وأسرها الشامي في نفسه.. وحفظها له.. حتى أفصح عنها بعد سنوات طوال مخاطباً الإمام:
فدتك نفسي التـي أحييتهـا كرماً
وصنت عزَّتها بالجود مدرارا
بعد هذا أترانا على صواب فيما ذهبنا إليه من رأي واستنتاج في هذا الموضوع. أم أن شعر المديح هذا إنما كان كشعر غيره وسيلة يتوسل بها المادحون إلى الخلاص من السجن وبخاصة، وليس للشاعر إلاّ قصيدتا مدح فقط بعد خروجه من السجن، على الرغم من عمله في حكومة الإمام أحمد فيكون إثباته لهذا الشعر على هذا من قبيل عدم التنكر لشيء قاله؛ تاركاً لمن شاء الهجوم عليه، ولمن شاء الدفاع.
وسواء صحّ هذا أو ذاك؛ فإن ذلك لم يحجب قط ولاء الشاعر الحميم للقضايا التي ناضل من أجلها، ولا حمله على كبح شاعريته عن مواصلة حدائها الوطني الجميل: فإن هذه المجموعة لتزخر بألوان من هذا الحداء تجعل من شعره على الدوام شعراً وثيق الصلة بقضايا مجتمعه كما آمن بها هو.
إن هذا الولاء الفني الرائع قد بلغ عنده الذروة في "إلياذة" كاملة من الشعر كرسها لذكرى الثورة الخالدة ومصارع شهدائها.. أي "إلياذة من صنعاء"، ولم يحشرها في مجموعته الكاملة هذه، لأنها من الضخامة ووحدة الموضوع بحيث تظل "ديواناً" قائماً بذاته.. وهي الوحيدة – فيما نعلم – إلاَّ ما نشر أخيراً للرئيس – العلامة الشاعر عبد الرحمن الإرياني "ملحمة حجة".. على أن ملحمة الإرياني قد ركزت على مأساة الشاعر نفسه مستعرضاً من خلال ذلك بعض مشاهد المأساة، ومشيراً إلى بعض أحداثها، بينما ركزت "إلياذة الشامي" على الحدث الضخم نفسه؛ واقفة عند مصارع شهدائه؛ مشيراً من خلال ذلك إلى مأساة الشاعر نفسه.
ولأن هذه "الإلياذة" ليست ضمن هذه المجموعة.. فإننا لا نتعرض لها من حيث إنها أثر فني، وإنما نكتفي بالإشارة إليها.. من حيث موقعها من نتاج الشاعر وحياته ودلالتها على دخائله النفسية ونوازعه الفكرية. ومواقفه التي أفصحت عنها تلك "الإلياذة" فأبلغت الإفصاح..
إن "الشامي" لا يقبل العزلة على ما عنده، ولا يكتفي بذلك لأنه ذو عقلية مفتوحة؛ لهذا لم يقف من "القصيدة الجديدة" موقف العداء أو الرفض، بل أقبل عليها إقبال المتمكن؛ بل ذهب إلى القول أنه وزميله الحضراني قد سبقا إلى هذا النوع من الشعر.
ومهما يكن من أمر. فإن المؤكد أنه قد استقبل القصيدة الحديثة بحفاوة بالغة واقتحم حلبتها بثقة ملحوظة في نفسه، وفي هذا الشعر ذاته، و"القصيدة الجديدة" (8) قد جاءت أساساً مع نشوء "الواقعية الجديدة" في الأدب العربي، وهي واقعية ذات مضمون اجتماعي بالدرجة الأولى، وشعراؤها البارزون قد حبسوا تحليقهم في هذا الأفق.. إلاَّ ما كان من أمر السياب (شاعر القصيدة الحديثة غير منازع في رأينا) فإنه قد جعلها تتسع لأغراض الشعر عامة وحلق بها في جميع آفاقه.
ونشر شاعرنا جناحيه في هذه الآفاق فوفق أغلب الأحيان، وأخفق أحياناً.. إلاَّ أنه قد استخدم هذا الشعر "رومانتيكياً". وكما نقل صديقنا الشاعر الشهير عبد الله البردوني كثيراً من قاموس "القصيدة الجديدة" إلى القصيدة العمودية بنجاح؛ فإن "الشامي" قد نقل قاموس "القصيدة الرومانسية العمودية" إلى "القصيدة الجديدة" وبنجاح كذلك، فأثبت الشاعران الكبيران – بذلك – أن الجمود في الفنّ على نظرة محددة الحكم سلفاً هو أمر لا يتفق وطبيعة الفن نفسه.. الذي هو كالنفس الإنسانية التي لا يمكن "ضبط" أبعادها بدقة الأرقام الرياضية..
على أنني تروعني – في اجتماعياته وسياسياته قصيدته: "حاملو التابوت".. إنها إحدى "القصائد" المفجعة القليلة. المستوفاة التي يبرهن بها على صلاحية القصيدة الجديدة:
يا حيرة "التابوت" ضلَّ حاملوه..
وضيَّعوا معالم الطريق..
وظلمات اللَّيل قد تواثبت..
من كل فجّ.. موحشٍ عميق.
والخوف أشباح تحوم..
على مشارف الوادي السحيق،
و"زمرة الأجداث" في انتظار،
للزائر الصديق..
والعفن "المسلول" في انتظار،
يرتقب "التابوت"..
في كهفه العتيق.
وينسج البلى.. على هياكل "الرقيق"!
حتّى "وحوش" القفر.. و"عقارب" السهول..
حتى "الأفاعي".. و"عناكب" الكهوف..
الكلّ في "انتظار"
وفي"احتفال".. جائعين "للجدث" الجديد..
للزائر الصديق.
و"التائهون" بين أدغال الظلام..
حائرون..
و"حاملو التابوت".. ضائعون.
في الظلمات يعمهون
والموت والأجداث في انتظار..
وعناكب الفنا، والعفن "المسلول"..
ترتقب الطريق، في ملل وضيق.
وما دمنا قد تطرقنا إلى هذه الزاوية؛ فتجدر الإشارة إلى أن الشعر الشامي قد سبق له أن كتب شعراً خاصاً من "القصائد الحديثة" قرأتها له في سجن حجة – وما زلت أتذكرها – قبل أن أقرأ مثلها لأي شاعر عربي آخر.. وهي هذا اللون من القصيدة القائمة على "التدوير" بشكل مستمر ومحافظ على الإيقاع.. حتى ينتهي المعنى، دون تقيد إطلاقاً بالبحر مع الالتزام بالروي الذي يحفظ على "المقطع"، وعلى الأداء عامةً "موسيقيته".. دون خروج على هذا الروي في المقاطع التالية.. اقرأ:
مسكين.. ذاب هوى وذاب صبابةً..
في حبِّ من لا يستجيب، لصوته الباكي..
ولا يحنو عليه، ولا يرقّ.. لذائب الدمع السخين..
* * *
في الحبِّ.. ضيَّع عمره..
يجري.. وراء فراشة الحلم الغرير..
ثم استفاق على فحيح اليأس..
وهو بهوة البلوى.. سجين.
إلى آخرها.. وقد أصبح هذا النوع – على نحو قريب أو مماثل – متداولاً اليوم وفارسه السباق في بلادنا صديقنا الشاعر الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح..
ولم يكتف الشامي بذلك.. بل اندفع إلى كتابه "قصائد حديثة" "ملتزماً فيها ما لا يلزم"..! كأنما قد فرغ هذا النمط الحديث من الشعر من تثبيت وجوده، ولم يبق إلاَّ أن يبرهن على قدرته على مجاراة النمط القديم حتى في "لزوم ما لا يلزم".. ولا أرى في ذلك طائلاً أن تكون رغبة الشاعر في استعراض ثروته اللغوية، وقدرته البيانية، وإلاَّ فإن "القصيدة الحديثة" ليست إلاَّ تمرداً على قيود النمط القديم، ورفضاً للانحباس المطلق في قوالبه؛ بابتداع قوالب جديدة ذات ضوابط فنية ملائمة لدور الشعر كما يتمثله شعراء القصيدة الجديدة. وإذا كانت "القصيدة القديمة" تعتبر "لزوم ما لا يلزم" إيغالاً في تقييد الشعر فترفض "الالتزام" به. أفيكون من المقبول أن يأتي الشاعر الشامي ويجعل من شعر التمرد أكثر خضوعاً للقيود من النمط القديم نفسه؟.
ما أظن "الشامي" قد أحسن إلى "القصيدة الحديثة" بهذا: عن عمد أو غير عمد، ولعل الناظر في ذلك يذهب إلى أنها "مكيدة" "شامية" لهذا الشعر.. فلا يكون قد أخطأ فيما ذهب إليه. لأنه سيعثر على الدليل على ذلك في اعتذار "الشامي" لأبي العلاء المعري في مسرحيته الشعرية: "محاكمة في جنّة الشعراء" عن هذا النوع الجديد الذي عزف على أوتاره مع العازفين.. فهل تراه صادقاً في الاعتذار.. أم تراه راجعاً عنه إلى متاب؟.
لقد قيل: إن الكاتب هو ما يكتب.. والشاعر – على ذلك – هو شعره.. وهذا القول يصدق على شاعرنا تماماً؟ فإن شعره مرآة نفسه يعبِّر عن أطوار حياته ومواقفه ويتعامل به مع الواقع لحظة مواجهته له، وليس بمقتضى نظرة سابقة ومحدَّدة.. ولهذا تعدَّدت أغراض هذه المجموعة تعدّد مناحي حياة الشاعر نفسه: والمهم أنه في كل تلك الأغراض ظل محتفظاً بالسمات والخصائص ذاتها.. فمن حيث "المضمون" ظل مشبعاً على الدوام بذلك الشجي "الرومانسي" الحزين والشفاف، في كل حالاته على الإجمال.. ومن حيث "الشكل" ظل محافظاً على اللفظة المنتقاة، والتركيب الفني الملائم للمعنى، والأداء البليغ في وضوح يقترب أحياناً كثيرة من "التقرير". وهو في عموم شعره لا غموض فيه، ولا إبهام، وهو في هذا يعرض قدرة الشاعر اللغوية وثقافته البيانية التي وظفها في خدمة موهبته الشعرية فأحسن التوظيف. واحتل كرسيه المرموق بين شعراء العرب.
في هذا الشعر رصانة ستدركها، وفيه عمق كذلك؛ وفيه استبطان للنفس الإنسانية، وفيه أيضاً نزق وعنف، وفيه عمق كذلك؛ وفيه أحياناً دفاع عن باطل.. ومثل كل شعر غزير.. ومثل كل شاعر عملاق فيه تحليق وفيه إسفاف. نكتفي بالإشارة إلى كل ذلك دون الوقوف عنده.. لأن تلك هي مهمة الناقد الذي سيدرس هذا الشعر ويقوِّمه.. وما يعيب شاعرنا قط أن تكون له هنات؛ فلقد أحصى النقّاد على أكابر شعراء العربية ما يعرفه مثله، وفي طليعتهم "المتنبي" و"شوقي"، ومع ذلك فإن تاريخ الأدب مشغول بجيدهما.
ولست أدري أأحسن الشاعر أم أساء بنشر كل ما قاله حتى أشعار المناسبات العابرة التي ليس فيها جديد ولا إبداع؟
إن شاعرنا – كما يعرف قراؤه – يلح في انتقاد الآخرين على ضرورة التنقيح والمراجعة، ويشجّع بل يدعو إلى إسقاط ما يجب إسقاطه.. فلم إذن لم يطبّق ما يراه إحدى الضرورات الفنية على نفسه؟ أهي الرغبة لديه في أن يقدِّم نفسه في مجموعته الكاملة – كما هي – كأنما يقول: هاأنذا؟. أم هي ثقة مفرطة بالنفس؟ أم تضحية بها حيث يعرض صحيحها وسقيمها على حد سواء؟.
تمنيتُ لو أنه لم يفعل.. ولكن.. هل إلى الكمال المطلق من سبيل؟
قاسم بن علي الوزير
10محرم 1403هـ
27/10/1982م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1499  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 639
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.