شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه ))
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خير من تعلّم وأعلم بالله عزّ وجلّ، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين، وصحابته الغر الميامين.
الأستاذات الفاضلات:
أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أرحب بكم أجمل ترحيب في أمسية يضيء مشكاتها علم من رجالات العلم والثقافة في هذا الكيان الحبيب، مرحباً باسمكم جميعاً بضيفنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الله الصالح، مدير جامعة أم القرى بمكة المكرمة.. فما أسعدنا بالاحتفاء بأستاذ جليل يتسنّم موقعاً أكاديمياً وإدارياً، فيشكل بعطائه وفضل جامعته موئلين للنور، يتشحانه شرفاً، ويرسلانه قبساً تلو قبس لإنارة القلوب، وجلاء البصائر، وشحذ الهمم.. صنوان اتحدا لأداء رسالة سامية يتضاءل أمامها كثير من الهموم والآمال والطموحات.. إنها رسالة العلم، رسالة العطاء والغرس الطيب الذي يؤتى أكله كل حين بإذن ربه.
وعندما يأتي التكريم وإزجاء الشكر والتقدير لقامة مؤثرة في ميدان العلم، فإن المبررات تنطوي على نفسها، فقد كرّم الحق سبحانه وتعالى العلم والعلماء في محكم التنزيل.. وما أحرانا ونحن نسبح في فضاءات هذا الوهج الرباني، أن نقتدي بسلفنا الصالح، أداءً لواجب الشكر والعرفان تجاه حملة الأمانة، وأصحاب مشاعل التنوير.
إن كل منصف يعلم يقيناً أن المد الإسلامي الحضري في أوجه إنما قام على عاتق العلماء الذين آزروا وعاضدوا الفتوحات، وكانت لهم اليد العليا في إرساء قواعد الدولة الإسلامية التي امتدت من الصين شرقاً إلى جبال البرنس غرباً.. شكّلت في مجملها وتجانس مجتمعاتها -رغم اختلاف ألوان البشر وألسنتهم- أروع مثال للتعايش السلمي والأخذ بأسباب الرقي والتمدن إلى أن وصلت بعض الحواضر مثل بغداد، ودمشق، وقرطبة، وإشبيلية، وطليطلة، وغيرها من مدن الأندلس إلى ذروة المجد في مختلف الفنون والحرف والمهارات، فانتعشت العمارة الرائعة، وشقت القنوات لري مساحات شاسعة وإنتاج محاصيل لم تكن متوافرة من قبل.. وبنيت الجامعات، والمشافي مع تطور العلوم الطبية، وأنشئت الدور الفخيمة، والحدائق الغنّاء.. وانداح مفهوم الثقافة ليشمل قوائم الطعام وأنواع الملبس والمركب والزينة والموسيقى، وكل ما يدخل ضمن إطار مقوّمات الحياة الحضرية بمقاييس ذلك الزمان، كان نتاج عقول استكشفت البيئة وسبرت غور العلوم الفيزيائية والطبيعية والتقنية، وعملت على تطبيقها لفائدة الإنسان.
وفي الوقت الذي يستأسد فيه الغرب اليوم، مادياً وفكرياً وعسكرياً، وفي المجالات كافة.. فإن البوصلة تشير إلى ما حققه من نهضة شاملة في مجالي: التنمية البشرية والمعرفة.. وهما باختصار قطبا الرحى تجاه أي تحوّل إيجابي نحو مستقبل مشرق.. فالتنمية البشرية -وما يدور في فلكها وخطوط منحنياتها- متضمناً أصول العمل المؤسسي، لا يمكن أن تتم بدون هياكل تعليمية ذات قدرات عالية وبصيرة نافذة.. كما أن المعرفة بمعناها الواسع، وتفكيك مناهجها التعليمية، تحتاج إلى جهود مكثّفة لتقف قريباً من عتبات ما وصلت إليه رصيفاتها حولنا شرقاً وغرباً.
إن الحديث عن ضيف أمسيتنا الكبير لا ينفصم عن هموم التعليم العالي والبحث العلمي.. فهو على قمة هرم علمي نفخر به.. ويزيدنا هذا الشعور مسؤولية بشأن التطور المنشود، مقروناً بسباق حاد مع الزمن، لتجاوز عقود من التخلف الذي دمغ العملية التعليمية على كل مستوياتها، ليس في المملكة فحسب، بل في جميع الدول العربية، فكانت النتيجة تلك الهوة السحيقة التي تفصل بيننا كأمة عربية، وبين الأمم الأخرى التي أسعفت نفسها في الوقت المناسب، فحققت إنجازات ننظر إليها بكثير من الدهشة المشوبة بالحسرة على ما آل إليه واقعنا، ثم نتساءل عن الأسباب.. وبراءة الأطفال في عيوننا!!
إن أمة وصفها المولى عزّ وجلّ بأنها خير أمة أخرجت للناس، لا بد من أن تستعيد مجدها التليد، ويتوقف ذلك على ضبطها إيقاع حركتها مع الكون والحياة من جديد، فهناك بون يتسع شاسعاً بين حقائق الأمس واليوم.. وكل لحظة في عمر الإنسانية تقود إلى مزيد من التباعد بين من يأخذ بأسباب العلم والرقي، ومن يركن إلى الأطلال والدمن، يبكي كالنساء مجداً لم يحافظ عليه كالرجال.
وقد أثلج صدري مؤخراً ما اطلعنا عليه جميعاً عبر الصحف بخصوص إنشاء مجلس للبحث العلمي بميزانية مستقلة، تحت مسمى (المجلس الوطني للبحث العلمي) يكون مرتبطاً برئيس مجلس الوزراء مباشرة.. ويواكب مجلس البحث العلمي، وتحت إشرافه، صندوق باسم (صندوق البحث العلمي) لا يقل رأس ماله عن ملياري ريال، تسهم فيه الدولة بنسبة 50٪.. هذه الخطوة الرائدة، جديرة بالتقدير والثناء، وتمثل تحولاً نحو الاتجاه الصحيح.. ذلك أن العمل تحت قباب البحث العلمي في الجامعات أو المؤسسات المستقلة، سوف يؤطر الكثير من الجهود المشتتة، ويحث العقول والخبرات المهاجرة على العودة للجذور، والعمل معاً لإرساء نهضة علمية من الطبيعي أن تتبعها نهضة صناعية شاملة تتفق مع الإمكانات الاقتصادية والبيئية التي تزخر بها المملكة.. والعمل في الوقت نفسه على إقامة حزام من مراكز البحوث العلمية حول بعض المدن الكبرى لاستقطاب الكفاءات النادرة والنوابغ في مختلف حقول المعرفة.. ثم المضي بخطوات ثابتة نحو التحول الصناعي والتقني والصعود بهيكل الاقتصاد من وهدة الاستهلاك إلى ذروة الإسهام في الناتج القومي، ورفع دخل الفرد، والقضاء على البطالة السافرة والمقنعة، وبالتالي قطع الطريق أمام كثير من الشرور التي تحدق بالمجتمع ثقافياً، وأمنياً، واقتصادياً.
إنني أتطلع معكم أن نسمع من ضيفنا الكريم عن تصورات معاليه لآفاق المستقبل تحت قبة (المجلس الوطني للبحث العلمي)، وكيفية اشتراك المجتمع بكل فئاته في تمويل الجزء المتبقي (50٪) من صندوق البحث العلمي؟ ومدى إمكانية الخروج من شرنقة البيروقراطية التي أصبحت غولاً يهدد أي مشروع حضاري؟ وضمانات شفافية التصرف في هذه الأموال؟ وماذا عن إشراك المرأة للقيام بدور فاعل ومميّز في إدارة دفة هذا العمل، بالإضافة إلى وجودها كباحثة متخصصة؟ وهل للجامعات دور معيّن في المجلس أم أنها جزر منعزلة تعمل وفق إمكاناتها المتاحة؟ وغيرها من الأسئلة والمواضيع التي تسهم في إثراء هذا اللقاء.
هذا ضيفنا الكبير، بـ "ديناميكيته" المعروفة، وعلاقاته الاجتماعية الواسعة، وحدبه على التواصل مع كثير من القطاعات التي تسهر على قضايا المواطنين، أحسب أنه من خيرة من يحدثونكم عن هموم وشجون التعليم العالي، وعنق الزجاجة الذي يؤدي ببعض فلذات الأكباد مغتربين من أجل التحصيل العلمي في الوقت الذي شعّ نور "إقرأ" من ربوع بلادهم.. لو كان الأمر (فقراً) لوجدنا العذر، ولو كان (قلّة حيلة) لالتمسنا الصفح، غير أن الوضع الراهن بكل سلبياته وتداعياته يشكّل تشوهاً غير مفهوم على الإطلاق!!
وقد حفظ التاريخ القديم والمعاصر المكانة العلمية الرفيعة للحرمين الشريفين، منارتي العلم وحاديتي الركب، حيث يرتادهما أفاضل العلماء والأدباء والطلاب من معظم بقاع العالم الإسلامي للتزوّد منهما بكل مفيد، مستفيدين من ثراء الجوهر الذي يتدفق بالعلم والمعرفة، متمنياً أن يستمر هذا العطاء الجزيل، والإشراقات الضافية، فلا نتكفف العلم وهو بضاعتنا التي سدنا بها العالم.
أرجو المعذرة.. فلو أطلقت لنفسي العنان للحديث عن الضيف وما يحمله من هموم تنوء بها العصبة من أولي القوة لاستأثرت بكامل الأمسية.. فهو كما تعلمون قد انشغل في مؤلفاته العديدة بالأرض وجغرافيتها، وأحسبه بحث طويلاً وتأمل في كيف يشكّل الإنسان المكان؟ وكيف يشكّل المكان الإنسان؟ ولم تنحصر مساهماته العلمية في موضوع تخصصه الأكاديمي، بل إن حاسته العلمية الفطنة دفعته إلى أن يتأمل ما تفرزه الحياة المعاصرة من تأثيرات على بنية المكان.. متمنياً لكم وقتاً ممتعاً مع شاهد من داخل ساحات البذل والعطاء، وهو بما عرف عنه من شفافية قمين بأن يجيب عن كثير مما يعتمل في نفوسنا.. فمرحباً به مجدداً بين محبيه وعارفي فضله.
آملاً أن نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله لتكريم سعادة الأستاذ الدكتور عبد الكريم بكار، المفكّر والكاتب الإسلامي المعروف، الذي عمل في سلك التعليم العالي مدة عشرين عاماً بالمملكة، ثم تفرغ لمؤلفاته العديدة.. سعيداً بتشريفكم دائماً اثنينيتكم التي كثيراً ما أردد أنها منكم وبكم وإليكم. وأنها ليست لديها دعوة وكل من يشرفها يكرمها، لقد أطلت عليكم في كلمتي ولكن النفس اشتملت بأشياء عديدة وعندما يتعلق الأمر بالتعليم وما نحن فيه، المجال يتسع لكثير من الأسئلة التي تراودكم وتراودني وآسف لما أخذته من وقت الضيف ووقتكم فأرجو المعذرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
عريف الحفل: أيها السادة والسيدات كما درجت الاثنينية في برنامجها تعطى الكلمة لأصحاب السعادة المتحدثين والمتحدثات وقبل أن تعطى الكلمة لفارس الاثنينية سيفتح باب الحوار مع معاليه فمن له أي سؤال أو استفسار مع معاليه فليرسله لنا ليكن سؤالاً واحداً لنعطي وقتاً وفرصة أكبر للسائلين.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1711  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.