شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( الحوار مع المحتفى به ))
عريف الحفل: هناك العديد من الأسئلة، بعضها طويل، والأخوان المحامي عدنان محمد حسن فقي والأستاذ منصور السيد أكرم، طلبا قراءة بعض القصائد لقد قرأ الضيف بعض القصائد وسيقرأ فيما بعد، هناك سؤال من السيد عبد الحكيم خيران:
نظمتم القريض باعتماد القصيدة العمودية، ولكنكم اتجهتم أيضاً إلى شعر التفعيلة، باعتباري من المتذوقين للشعر ومتتبعاً له، أجد أن القصيدة العمودية تتوفر لها مقومات الشعرية وتخلق في قارئها المتعة والاستهواء والتشويق وتأسره من خلال جرسها الموسيقي، وأجد أن شعر التفعيلة ينتمي إلى الصنف الثالث من التصنيف المعروف عن الشعراء، فما قولكم في موجة الشعر الحر التي اجتاحت الشعر العربي وأراها شخصياً قد أفسدته؟ وطبعاً يريد من سعادة الأستاذ نور الدين صمود كيف يكتب الشعر وينتزع لقب شاعر، يشاطره نفس المحور الأستاذ علاء أحمد حول رأيه في شعر التفعيلة.
الدكتور نور الدين صمود: شكراً.. سؤالان طريفان، أولاً: الشعر عندما عُرفَ في أقدم عهوده كان شعراً موزوناً مقفى يعتمد قافية واحدة، وإن كنت قد رأيت في كتاب "العمدة" لابن رشيق شعراً منسوباً إلى امرئ القيس، له مقاطع تختلف وتتنوع قوافيه، ولأبي نواس شعر كذلك من هذا القبيل، الشعر العمودي هو الذي يُكتب بصدر وعجُز وتفعلية واحدة أو تفعيلتين أو يمكن أن يكون بمقاطع: ثنائيات.. ثلاثيات.. رباعيات.. إلى آخره، هذا كان في القديم عندما كانت هناك فحولة لدى الشعراء، وخَلَفَ من بعدهم خلف أضاعوا القواعد وأضاعوا اللغة وأضاعوا الثروة اللغوية إلى آخره، فضعف شأنهم، لكني أظلم هؤلاء الشعراء الذين حاولوا تجديد الشعر، لأن البعض منهم قد كتب شعراً جيدا لذلك لا أوافق على أن الشعر الحر والشعر النثري أو النثر الشعري والمسمى واحد، أنا لا أوافقه على هذا، الشعر عمودي له صدر وعجُز، تفعيلات الصدر تتفق مع تفعيلات العجُز إذا قلنا:
قِـفَا نبـك مـن ذكـرى حبيبٍ ومـنزلِ
بسقطِ اللوى بين الدّخولِ فحوملِ
 
منذ بداية القصيدة إلى نهايتها:
فَعولنْ مَفاعيلن، فَعولنْ مَفاعلن
فَعولنْ مَفاعيلن، فَعولنْ مَفاعلن
 
واللام في النهاية، وإذا قلنا مثلاً هذه الأسطر من الشعر الحر سنرى أن الشاعر وهو المتكلم.. قد التزم تفعيلة "فعولن" من بداية القصيدة إلى نهايتها، لكنه قد تخلى عن التقيد بعدد معين منها والمتقارب أربع في الصدر وأربع في العجز، منذ بداية القصيدة إلى نهايتها في الشعر العمودي، لكن الشعر الحر التزام بالتفعيلة ولا يمكن أن تختل إنما يقع تحرر من القوافي بقدر المستطاع والتحرر من الأربع أربع أربع باستمرار، فبقدر طول المعنى يطول السطر، لذلك لا نقول بيتاً نقول سطراً، نستمع إلى هذه الأبيات من قصيدة بعنوان "عندما يتلاشى الجوهر على المرمر"، منذ بداية القصيدة إلى نهايتها فَعولن فَعولن فَعولن فَعول، لكن لو حسَبنا كل سطر لوجدنا أن الأسطر تتفاوت:
5 إذا كنتُ أشعرُ أني أحبكِ جداً
2 وأشتاقُ جداً (1)
3 لعينيكِ يا حُلوتي
2 فماذا أقول؟
4 فهل أكتفي بلذيذِ الحنين؟
4 وهل أكتفي بالكلامِ الجميل؟
5 فحُبي لعينيكِ فوقَ حدودُ الكلامِ
3 وفوقَ حروفِ الهجاءِ
4 وفوقَ حُدودِ أغاني الغزل
5 وفوقَ اقتداري على نحتِ أحلى الكلام.
5 إذا كُنتُ أشعُرُ أن حديثكِ أشهَى
3 وأصفى من الجوهَرِ
4 إذا ما تلاشَى على المرمَرِ
4 كأعذَبِ لحنٍ عن النايِ ضاعْ
4 كأروعِ عِطرٍ من الزهرِ ضَاعْ
6 فكيف أعبِّرُ عن روعةِ الحسنِ كيفَ أقول؟
4 فهل أكتفي بلذيذِ السماع
4 وهل أكتفي بالكلامِ الجميل؟
5 وإنْ كانَ أحلَى وأصْفَى من الجوهَرِ..
4 إذا ما تلاشى على المرمَرِ؟
4 ويومَ لقيتُكِ كانَ لِقائِي
14لِعينيكِ..مثلَ لقاءِ المسافرِ للظِّلِّ..
.. مثلَ لقاءِ الأزاهيرِ للطَّلِّ..
.. مثل لقاء الفراشات للْفُلِّ..
.. بعدَ ذهاب الربيعْ،
4 .. وكنتُ أحِسُّ وأنتِ بجنبي
2 وأنتِ أمامي..
2 وأنتِ بقربي..
2 وأنتِ معي
4 بأنني تجاوزتُ حدَّ السعادة
3 وأني أحبكِ جداً
2 وأشتاقُ جداً
3 لعَيْنَيْكِ.. لكن أحارْ
3 وينْتَابُ رأسي دُوَارْ
4 وأبحثُ عمَّا يُعبِّرُ عن..
2 لذيذِ شعوري
3 ولكن يظل حنيني..
3 لعَيْنَيْكِ يا حُلوتي..
2 يُعذب قلبي
4 ويغرقُني في قرارِ الألم
إلى آخر هذه القصيدة،.. هم أخطئوا عندما سموه بالشعر الحر، كلمة حر تعني كأنما هناك تحرر من كل قيد ومن كل وزن، لا.. القصيدة مقيدة بفَعولن فَعولن فَعولن فَعولْ، يصل طول السطر أحياناً سبع تفعيلات أو أكثر، وأحياناً تفعيلتين، وأحياناً إلى تفعيلة واحدة، وهذه هي الحرية فقط، فهو شعر تفعيلي ومن المجاز أن نقول إنه شعر حر، أما الشعر المنثور فهو في لغته يرقى إلى مرتبة الشعر ولكنه ينحط عن الشعر لانعدام الموسيقى منه، فعندنا كلمة في الموشحات الأندلسية تُغنى يقول فيها الوشّاح: (والذهب يزداد حُسناً إذا انتقش).
الشعر كلام جميل لكن هو كالذهب يبقى ذهبا، ولكن إذا انتقش، وإذا زُيِّن بالموسيقى فإنه يرقى ويزداد رفعة، أما لو سألتني ماذا تفضل الشعر العمودي أم الحر أم المنثور؟ فإني أقول لك إني أُفضِّلُ الجيد من هذه الأنواع الثلاثة، قد تقول قصيدة عمودية رائعة زينتها الموسيقى والقوافي والوزن الموحد هذا لا يرقى إليه إلا العمالقة أو الفحول من الشعراء، وقد تكون القصيدة حرة وترقى إلى المستوى الراقي، وقد تكون القصيدة منثورة من مثل ما كتب جبران خليل جبران وأبو القاسم الشابي وبعض النصوص القديمة أيضاً، أذكر أني قرأت للماوردي وغيره فقرات شعرية في منتهى الروعة.
إذاً لا يعجبني قصيد عمودي مقفى كذا.. وهو ضحل ومعانيه رديئة أو لا يرقى إلى المستوى العالي، ولا مبرر له في دخوله عالم الشعر إلا كونه موزونا مقفَّى، إذاً نحن نفضل الشعر الجيد ويا حبذا أن يكون الشعر جيداً موزوناً مقفَّى، وماذا نفعل مع شبابنا الذين لا يعرفون الوزن؟ لو قرأت قصيدة موزونة على كثير من الناس وغَيَّرت فيها وجعلت الوزن يختل خاصة بالنسبة إلى بعض البحور مثل: المنسرح، ومثل: المديد، فإن كثيراً من الناس لا يدركون وزنه الشعري، ولذلك يُحسُّونَ باختلال فيه أو لا يستطيعون كتابة الشعر فيه، إذاً أنا أحب الشعر الجيد من جميع هذه الأنواع وقد كتبتها جميعاً. لا محالة لم أكتب نثراً شعرياً إلا قليلاً جداً، وكتبت شعراً حراً كثيراً وكتبت شعراً عمودياً كثيراً، ولا يعجبني إلا الجيد، والسلام.
عريف الحفل: الدكتور حامد صبحي السيوطي، يسأل:
قلتم في قصيدتك الشعر سهل وممتنع، وقالوا قديماً الشعر صعب.. فما معيار السهولة والامتناع والصعوبة؟
الدكتور نور الدين صمود: أنا قلت الشعر مثل الهوى سهل وممتنع، وأعذب الشعر ما قد كان ممتنعاً، وشبهته بالحب الذي يزداد إلحاحاً في طلبه المحب إذا كان فيه امتناع، أما المبذول وقديماً قيل: كل مبذول مملول، أنا عندما أجلس لكتابة قصيدة من الشعر إذا كتبت خمسة أو ستة أو سبعة أبيات بسهولة أتوقف، أقول: هذا كلام ربما يكون نظما تنقصه الحرارة تنقصه الشعرية فأترك الكتابة، لا أريد أن ينهال عليّ الشعر انهيالاً، وأخشى أن يكون انهياله وانسيابه من باب أنه أصبح مثل الذهب.. يعني الذهب إذا كثُرَ أصبح رخيصا، مثل تضخم العملة إلى آخره، بحيث أنا أؤمن بأن الشعر معاناة، وقد قلت ذلك في هذه القصيدة التي قرأتها عليكم لكن أنا أؤمن بالاثنين.
ما الشعر إلا مخاض كله ألمٌ
لا تنجب الأم إن لم تنتفضْ وجعا
 
عريف الحفل: سؤال من الأستاذ عثمان محمد مليباري،
ما هي ذكرياتكم في المعهد العالي للموسيقى كأزهري؟
الدكتور نور الدين صمود: أولاً أنا لست أزهرياً، أنا درست في الزيتونة ثم ذهبت إلى القاهرة لأواصل تعلُّمي في جامعة القاهرة، وبعدما تتلمذت على شيوخ الزيتونة ومنهم أستاذنا محمد الحبيب بن الخوجه، ولا أذكر البقية لأنكم لا تعرفونهم، قرأت على طه حسين، شوقي ضيف، عبد العزيز الأهواني، حسين مؤنس، زكي نجيب محمود، وجماعة كثيرين، وأنا قد ورثت الشعر عن خاليَّ، فلي خالان يكتبان الشعر الشعبي، ما تسمونه بالنبطي، فازا بجوائز كثيرة في الإذاعة التونسية، وهناك أغانٍ الآن تُغنى في تونس وتتغنَّى بمدينة إقليبية وبشاطئها الجميل تغنيها المطربة نعمة:
شطـك يا قليبيـة مـا أبهـاه
سعـد اللـي جـاه واتنعّـم بلذيـذ هواه
 
وهي من شعر خالي محمد صمود -رحمه الله- وقد فاز في مهرجان صليحة، هذه مطربة توازي أم كلثوم في الشرق، فاز مرتين بجائزة، والعربي صمود خالي أيضاً فاز بجائزة الإذاعة في الأربعينات، وله أغانٍ الآن في الإذاعة، ومنذ صغري كنت أسمع الشعر منهما، فالشعر عندي وراثة، ثم حفظت شعراً فصيحا كثيراً، وابن خلدون يقول في مقدمته -لأنه سأل شيخه عن سبب ضعف شعره وأن شعره علمي فقهي ليست له لغة شعرية معبرة مؤثرة فقال له: لعل ذلك من أثر تشبثك بالعلم وبالقواعد وكذا، وذكر له كلمة قال له: فقولك كذا هذه كلمة علمية وليست شعرية.
إذاً أنا حفظت القرآن، وحفظت كثيراً من الشعر، وكنا ندرس في الزيتونة الشعر العربي الأصيل ونحفظ المعلقات، كل المعلقات وخاصة أنا كنت أُعجب كثيراً بمعلقة الشاعر الشاب عمرو ابن كلثوم:
ألا هبي بصحنـك فاصبحينـا
ولا تبقـي خمـور الأندرينـا
 
وأفضله على الحارث بن حِلِّزة ومعلقته:
آذنتنـا ببينـهـا أسـمــاء
رُب ثـاوٍ يُمـلّ منـه الثـواءُ
 
إذاً كنا نحفظ هذا الشعر ونحفظ كثيراً من الشعر المهجري، وشعر أبي القاسم الشابِّي الذي يعتبر وهو زيتوني مجدداً، فإذاً من هنا كتبت الشعر.
أما المعهد العالي للموسيقى فإني قد دَرَّستُ فيه موسيقى الشعر، لأن الطلبة يدرسون قواعد الموسيقى، ولكن عندما يلحن أغنية يخطئ في قراءتها، يخطئ في الحروف التي تُمَد والتي لا تُمَد، لا يعرف الأوزان الشعرية الملائمة، التي تلائمها الألحان الفلانية أو لا تلائمها، فكنت أُدرس العَروض أو ما تسمى مادة موسيقى الشعر في المعهد العالي للموسيقى طوال عشر سنوات.
عريف الحفل: حقيقةً الوقت يداهمنا، وسنضطر لتجاوز الأسئلة المكررة، وهناك سؤال للمهند باشا، ما رأيكم في شعر نزار قباني؟
الدكتور نور الدين صمود: الأستاذ نزار قباني شاعر، ويخطئ من يقول فيه كلمة سوء، فقد كان شاعر الجيل، كما كان المتنبي شاعر الجيل الماضي له لغته الشعرية وأسلوب شعري يعني متفرد، وبين قوسين "أنا كنت أخشى على نفسي من البحث العلمي"، فنحن عندما ندرس أو نُدرِّس في الجامعة، نطالب ببحوث علمية وبقواعد وبمقدمات البحث التي تفضي إلى نهايات إلى آخره، لكن الشعر ليس كذلك، ولذلك كنت أحاول دائماً وأبداً أن أعود إلى الشعر وإلى منابع الشعر وأن أكون طفلاً عندما أكتب الشعر ولا أتحدث بلغة المنطق ولغة العلم والعلماء لأن هذه اللغة تكون صالحة في ميدانها ولكن إذا دخلت الشعر أفسدته أو أضعفته)، وأذكر عبارة علي بن عبد العزيز الجرجاني، في كتابه "الوساطة بين المتنبي وخصومه" وهو قاضي قضاة الشافعية في ذلك الوقت، قال: الشعر بمعزل عن الدين، فإذا دخل الدين ضعف، ألا ترى.. وهذا قول آخر لابن قتيبة: الشعر نَكِدٌ بابه الشر، فإذا دخل الخير ضعف، ألا ترى أن شعر حسان قد قُصم ظهره بالإسلام، وكان فحلا في الجاهلية:
للهِ دَرُّ عِصابـةٍ نادمتُهُـم
يوماً بجلَّقَ في الزمانِ الأوَّلِ
إنَّ التي ناوَلتَنِي فَرَدَدتُّهـا
قُتِلَتْ قُتِلْتَ فَهَاتِها لم تُقْتَلِ
 
لكن عندما يدخل الشعر في الأخلاق وفي القواعد وفي كذا يضعف، لأن الشعر يعتمد على الكذب، والكذب يكون في هذه الميادين له حرية أكثر.
عريف الحفل: السؤال الأخير من الأستاذ عبد الحميد الدرهلي، يريد معرفة من هو الشاعر العالمي الذي تقدره عن غيره؟
الدكتور نور الدين صمود: الشاعر العالمي.. أولاً: يجب أن نعرِفه في لغته، فنحن نعرف أن طاغور شاعر عالمي وهو هندي، ولكنه كان يكتب باللغة الإنجليزية، فما يصلنا منه هو ما يترجمه من لغته البنغالية في عقله بلغته الإنجليزية التي يجيدها ثم يترجمه لنا مترجمون آخرون من الإنجليزية إلى العربية فتصلنا أطياف من هذا الشعر، فنزعم أننا نُعجب بطاغور، ولكن في الحقيقة لا نستطيع أن نقول أننا نعرف طاغور، كذلك أراغون الشاعر الفرنسي الشهير الذي هام بإيلزا وألف فيها ديواناً شعرياً عنوانه "مجنون إيلزا" ونُقل إلى العربية وفيه روح عربية حتى أنه كتب الشعر بالفرنسية على أوزان عربية، لأنه كان يعرف العربية أو يبدو أنه كان يحبها حباً شديداً، ومع ذلك فيجب أن يُتذوق في لغته، الشاعر العالمي كيف يكون؟ مثلاً: عندما أخذ سان جون بيرس جائزة نوبل في الشعر لم يكن مشهوراً في لغته الفرنسية، كان سفيراً وكان يعني كذا.. ولكن يبدو أن داك همرشولد هو الذي رشحه وترجم شعره، وحبب الناس فيه.
فإذاً هل يعرف الغرب أدبنا ؟.. أنا كتبت مقالة في جريدة "الجزيرة" بعنوان "عرفناهم فهل عرفونا؟" نحن نحاول أن نعرف الآخرين.. وأن نترجم أشعارهم إلينا.. وننشر مجلة عن الآداب العالمية، لكن هل يعرفون هم المتنبي؟ اسم المتنبي فقط! لذلك المسألة نسبية، في شعرنا العربي لدينا شعراء الدكتور غازي القصيبي يستطيع أن يكون شاعراً عملاقاً لو تُرجِمَ شعره إلى الإنجليزية، وبين قوسين "تعرفت على مستشرقة، هي في الحقيقة مستشرقة بالروح وبالقلب أسترالية كان قد ترجم لها الدكتور غازي القصيبي مجموعة من القصائد إلى الإنجليزية نثراً، وهي صاغتها بأسلوب شعري من بينها قصيدة لي كان الفضل في ترجمتها إلى صديقنا الشاعر غازي القصيبي،" إذاً المسألة نسبية في هذا الموضوع.
عريف الحفل: نختم هذه الليلة بقصيدة نستمع إليها من ضيف الاثنينية.
الأستاذ نور الدين صمود: أنا أفضل أن أقرأ نماذج صغيرة، كما وقعت الإشارة، في دواويني الستة التي كتبتها خلال سنة 2003م مجموعة بعنوان "ديوان المشارق" بعد "ديوان المغارب"، في هذا الديوان مجموعة شعرية عن (النيل) وعن الخليج العربي وعن جدة وعن الرياض والطائف وأبها ورائد الفضاء العربي الأول، مثلاً هذه أبيات عن المتنبي، أحمد بن الحسين، هو "اسمه الحقيقي أحمد بن الحسين الجعفي، وكنيته أبو الطيب ليست صحيحة لأن ابنه اسمه المحسَّد، فهو أبو المحسَّد".
أحمدُ بنُ الحُسينِ أسْكَرَ قلـبي
برحيقِ الأشعارِ من غيرِ شُرْبِ
ملأَ الكونَ باسمهِ الفخمِ، حتى
شَغَلَ الناس، واستَبَى كُلَّ لُبِّ
هُوَ كالأنبياءِ حِيـنَ يُنَـادِي
كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ النِّداءَ يُلَبِّـي
فأبو الطيبِ العظيـمُ نَبِـيٌّ
في دُنا الشِّعْرِ، لَيْسَ بالمُتنبِّـي!
 
وهذه رباعية أخرى.. "إلى الشاعر":
لم تكـن ساقيـاً ولا نبـَّاذا
فبماذا أسكرتَ قلبي؟ بمـاذا؟
تملكُ القلبَ حين تُنشدُ شعراً
وعليه تستحـوِذُ استحـواذا
قـد جَـرى السّكرُ فـي لساني فأضحـى
اسمُ بغـدادَ في فمي بغـداذا
شِعرُكَ العذبُ يأخذُ القلبَ أخذاً
وسيبقى على المدى أخّـاذا
وهذه "ظائية" قصيدة على حرف الظاء، والظاء هي أخت الطاء، والضاد أخت الصاد، و(العالم العربي تقريباً كله لا يكاد يفرق أو يميز بين الظاء والضاد، فنقول على ظهر الأرظ، والصحيح أن نقول: على ظهر الأرض). والفرق في الكتابة والنطق بين هذين الحرفين.
ذا قصيدٌ مُسْتَعْذَبُ الألفـاظِ
ما سَمِعْنا أمْثَالَهُ في عُكَـاظِ
أو قَرَأْنَا لَهُ شبيهـاً جديـداً
أوْ قديماً، يُرْوَى عنِ الحُفَّـاظِ
كُلُّ بَيْتٍ كَوَجْهِ رَبّةٍ حُسْـنٍ
ظَلَّ يُرْمَى، مِنْ حُسْنِهِ، بِاللِّحاظِ
أيقَظَ العَاشِقينَ فَهْوَ لَعَمْـري
لَمْ يزَلْ مِنْ دَوَافِعِ الإيقَـاظِ
 
وأعود فأقرأ عليكم القصيدة التي أشرت إلى أن بحرها غريب أو جديد، قصيدة تفعيلاتها مستفعلن فاعلن فاعلن، وهي التي قلت إن ابن الحناط قد كتب في الأندلس قصيدة على منوالها. قصيدة كتبتها في الحقيقة في ابنتي ميلاء، هذا وزنها: مستفعلن فاعلن فاعلن.
ميـلاءُ يـا وردةً تعـبـقُ
أشذاؤها أوشكت تنطقُ
في روضةٍ عطرهـا ساحـرٌ
قد ضاعَ منها شذى يُنشقُ
والطَّلُّ مـا بيـنَ أوراقهـا
كالنورِ في كوكبٍ يَخفُـقُ
أخالها قمـراً مـرسـلاً
إشعـاعـه حولنـا يدفـق
نافـورةٌ مـاؤهـا راقـصٌ
مثل السَّنَا في الفضا يَسْمُـقُ
كأنهـا، إذ رَنَتْ نحـونـا
وطرفُهـا بحـرُهُ مُـغـرِقُ
دالـيـةٌ كَرْمُهـا لُـؤلُـؤٌ
موسمهـا أبـداً يَـصْـدُقُ
عُنقـودُهـا دُررٌ عُلِّـقَـتْ
يكادُ مـن حُسنـهِ يُعشـقُ
والعنبُ الضاحكُ المزدهـي
كأنـهُ خـمـرةٌ تُـهـرقُ
في أكؤسٍ لونُهـا عسجـدٌ
ونورُهـا فوقـهـا يُشـرِقُ
يا طفلـةً غضـةً كالمُنَـى
كزهرةٍ في النـدى تغـرقُ
يَروقُنـي منـكِ بحـرٌ بـدا
فـي مقلـةٍ لونُهـا فُسْتُـقُ
وحُسْنُـكِ التونُسيُّ الـذي
تيَّمني جَـلَّ مـن يَخلـقُ
وثوبُـكِ القُزَحـيُّ السنـى
ذيلُ الطواويسِ بـل أرشـقُ
تتبعَـهُ مُقلـتـي دائـمـاً
والقلبُ من شَوقِـهِ يخفُـقُ
اللـهَ يا حُسنَهـا إذ بَـدَتْ
كـوردةٍ غضَّـةٍ تعـبَـقُ!
وإكراماً لأختها شيراز، أقرأ عليكم هذه القصيدة "إلى شيراز"، وقافيتها طريفة لأنني كتبتها بالحرف اللاتيني (z) و(z) بالنطق الفرنسي هو حرف (زاد) والمعاني عربية:
ضياءُ عُيونكِ أثمنُ z
وشوقي لطيفكِ في البُعدِ z
وحُبي لعينيكِ في القلب ِ z
ولم تحكِ عن مثلهِ شهر z
لو اخترتُ من اسمِهَا حرفَ z
وأعلنتُ عن بيعهِ بالمـ z
لساوى كُنوزَ الورى واستـ z
 
وعدتكم بقراءة قصيدتي التي وجهتها إلى الشاعر السعودي محمد حسن فقي، الذي أعلن في وقت من الأوقات أنه سيتخلى عن كتابة الشعر فغمّني ذلك ووجهت إليه قصيدة، وعندما زارنا أثناء تولي صديقنا الأستاذ عباس فائق غزاوي سفيراً للمملكة العربية السعودية بتونس أنشدتها أمامه:-
يا شاعر الحُسنِ الذي هزني
وشاعر الحزن الـذي هَدَّني
أبعدنـي الشـوقُ ولكنـه
على بساط الريح قد ردنـي
يا ساقيَ الشربِ لذيذَ المُدامْ
تعصره من قلبك المُستهـامْ
أسكرتنا بالشعـرِ مستلهمـاً
ما الشعرُ إلا كيمياءُ الكلامْ
خَيَّام أهلُ الشعر أسكرتهـم
بدون خمرٍ تصرع الشاربينْ..
مَنْ غيبوا الإحساس في كأسها
ليهربوا من تبعات اليقيـنْ..
لا تسكر النفس التي قد سَمَتْ
ببنت كرمٍ بل بأحلى قصيدْ..
ما الشعرُ إلا خمـرةٌ عُتِّقَتْ
منذُ امرئِ القيس وعهد "لبيدْ"
عصيرُ أعصابٍ ودمـعٍ ودم
وذوبُ روحٍ ونقيـع الألـمْ
سكبتها في أحرفٍ كالسنى
فانبعثت بعد البلى والعـدمْ
ترفرفُ الأحرفُ إنْ مَسَّهـا
يراعُكَ الشادي كسرب الحمامْ..
له هديلٌ مُتْـرعٌ بالشجـى
كصوتِ نايٍ في عميق الظلامْ..
يا ساهرَ الليلِ أمـا تنتهـي
من سهرٍ مضنٍ لنحت الحروفْ؟..
هل تنحت الألفاظ أم يا تُرى
تُسَيّر الروح بدرب الحتوفْ؟..
تعصرهـا خمـراً لأحبابهـا
ليشربوها في قصيد جديـدْ..
وقد حسبنا ذاك درب الفنا
لكنه، عندك دربُ الخلـودْ..
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :999  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 177 من 197
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج