شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ديوانان.. وكتاب (1)
-1-
مهما قيل في هذا العصر فإنه على كل ليس بعصر الشعر "الذهبي".. إنه ليس عصراً للشعر الذي ترفرف أطياره وتتهدل ثماره، وتونق أزهاره وتوفض إليه بالإعزاز والإجلال والمحبة رجال هذا العصر المشتد المستكلب القلق.. والمستثنى من ذلك لا يستحق أي اعتبار ولا يجدر به حتى القليل من التنويه.
عصر الشعر الذهبي في الجاهلية على مختلف طبقات رجال المعلقات بلا حصر ولا تمييز.
وعصر الشعر الذهبي في الإسلام من حسان وابن الزبعري وكعب بن زهير والحطيئة وأشعار الفرسان والخوارج ومن انتظم في هذا السلك المتين.
وعصر الشعر الذهبي في غرة الدولة الأموية وما يلي تلك الغرة من الطرماح وابن حطان والكميت والأخطل وجرير والفرزدق والبعيث وذي الرمة وابن الدمينة وابن أبي ربيعة والعرجي والوضاح ونصيب وعبد بني الحسحاس، وعشرات غيرهم أستلهم الآن من ذاكرتي بلا ترتيب.
والعصر الذهبي للشعر العباسي على اختلاف عهوده وترى ذرا [عوالي سوامق] (2) يتحدر كل شعر على سفوحها إذا بلغ الشأو الرفيع، وخذ من أمثال بشار والحكمي وأبي تمام والبحتري واللاحقي وابن الوليد ودعبل وابن الأحنف والحمادين، ثم يذهب الشعر إلى آفاق قد تكون أحلى وأغلى من [أمثال] (3) : المتنبي ومهيار والمعري والرضي والمرتضى والحمداني والرفَّاء إلى هذه الأنماط الفاخرة الساحرة التي لا يستغرقها الإحصاء، ولا يحيط بها التعداد غير ما التمع في الأندلس، ثم سطع ثم ارجحن وهمع من أمثال: ابن زيدون وابن هانئ وابن حمديس وابن خفاجة.. وسواهم من الفحول الخناذيذ.
وعفواً إذا أعدت قولي بأني أوالي أسماءهم من ذاكرتي المرهقة بلا نظام، فربما قدمت متأخراً، وأخرت متقدماً، أو ذكرت مغموراً، وأنسيت مذكوراً..
تلك الصور الذهبية للشعر العربي الخالد التالد التي لن تتعوض منها -مطلقاً- بأي عصر آخر..
والذين درسوا الشعر في تلك العصور من قدماء ومحدثين ألفوا مئات الكتب وذهبوا في المقارنة والنقد والتحليل والتفضيل شتى المذاهب، إلى حد يعيا به الحصر، وتتقطع دونه الأنفاس.. وتفنى فيه الأعمار.. وتجد في ذلك كله من الاختلاف والنقاش والدقة والعمق والذوق والنفاذ ما يشبه الرياض الأريضة تعترك فيها الأذهان وتتصل البدائه والقرائح أو تنفصل وتقترب الآراء أو تبتعد، وتتفق الأفكار أو تصطدم ما يريك منه البدائع والطرائف في مختلف الاتجاهات والمشارب..
أستغفر الله أولاً، ثم أقول قولي هذا، وبين يدي الديوانان الأخيران للرضيف الكريم والصديق الوفي الشاعر الأستاذ طاهر زمخشري، وهما:
1- عودة الغريب.
2- ألحان مغترب.
إن الديوانين من طراز واحد طلي في أدائه مليح في معانيه متسق كل الاتساق في أسلوبه السلس الفريد الصادق.
إني عليم بمقدار نفسية أخي طاهر، ومكنون طويته، وعارف شيئاً من المعرفة.. تلك الصدمات التي توالت عليه دراكاً حتى لم تترك له من الراحة والزمن ما يتنفس فيه الصعداء، وحتى استغلقت عليه مسالك التعبير.. وأخذت منه بالإكظام.
أهذا هو إذاً السبب في تردد كلمة "الغربة" ومشتقاتها في أسماء ديوانيه، وفي ثنايا شعره الزاخر بالآلام والأحزان؟!
بعد تلك الأزمات والصدمات خيل إليه أن أبواباً عديدة من أبواب الرجاء والسلوان والأمل ارتجت في وجهه، وهي أبواب -ولطف الله معها ورحمته الواسعة- تسع الجمال والأفيال.. والجبال، لكن ينابيع الإمداد النفسية في أعماقه كانت منحلة أو ملتوية، أو ربما رشحت على شيء من الكزازة وأعان كل ذلك على حيرة معذبة.. وسام مر على حيلة كانت على ضآلتها تعوزه في أغلب خوالجه النابضة المستعرة.
لقد استشعر وربما كان على حق أنه أصبح مستفرداً وحداً.. أحسّ أنه فعلاً غريب لا في المادة والزمان والمكان وحسب، بل أحس بانفصال سريع مفاجئ في نفسه المجزأة وفي قلبه الطليح، ثم أكد له وعيه الباطن أن ذلك الانفصال لن يعقبه أي اتصال -بعد- بحال من الأحوال.
هذا هو معنى "الغربة".. المعنى الذي أمسى وما زال يعمق ويشتد عمقاً في المغاور الرئيسية من كيان حياته المتعبة..
على أنه لم يخل أبداً من جمال الصبر وحسن العزاء وملاحة الجلد وظرف الفتوة، فآثر الانطلاق وتحطيم قيود الانعزال.. بالتعبير.. وآلة التعبير هي اللغة وهو محسن فيها ما شاء.. ثم عرف بداهة أن تاج اللغة يتوهج في الملكة الشعرية التي تؤدي خير معطياتها في سلامة وأمانة وأناقة.
وإنه لذلك الشاعر على ذلك -المثال- الذي اصطفاه لنفسه.. مثال الغربة مشعشعاً بمدامة الطبع الرقراق محبوساً أبداً على عليا الهبات النادرة من الوفاء والصفاء والإخلاص..
لذلك جاء شعره منغوماً بوتر صحيح السليقة لا يتكلف ولا يتزلف ولا تعلق به الشوائب.. بارك الله له في بقية أفراحه وأتمها عليه في كرم وإنعام.
-2-
تكرم أخي الأستاذ المفضال عبد الكريم الجهيمان فأهدى إلي كتابه الحافل "آراء فرد من الشعب" وهو مجموعة مقالاته التي سبق أن نشرت في صحيفة "القصيم"، وهي آراء عديدة موجهة في أحوال مجتمعاتنا ومشاكلها وتقصي مسائلها إلى كثير من النقد الهادف النزيه.. وقد عودنا الأستاذ الجهيمان في كثير مما نقرأ له رصانة الأسلوب واتزان اللهجة واستقامة المنهج على كياسة ولباقة وفطنة تطبع نتاجه على اختلاف ألوانه بطابع صادق التمييز غير ميال إلى التحيز.. معتدل على سواء.
أكرمه الله على هديته وذكراه.. وجزيل شكر..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :415  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 117 من 182
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.