شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شمعة مضيئة
نحو قراءة واعية لعطاء (محمد حسين زيدان) الفكري (1)
حسين عاتق الغريبي
كنت أصغي إليه ـ بوعي وانتباه ـ حين يكون محاضراً في منتدى، أو متحدثاً في ((الإذاعة)).. يأسرني بأسلوبه الساحر ((الجذَّاب)).
وعندما أقرأه أرى في شخصيته الثقافية الأدبية مجموعة مفكري العصور.. (محمد حسين زيدان) ـ رحمه الله ـ أستاذ في التاريخ والأدب والسياسة والاجتماع والتربية. ارتوى من نبع ((التراث الحضاري الإنساني)) فأنار بصيرته ليصبح ذا رؤية واعية في ((الكون والعالم والمجتمع)).
إذا كتب أو أملى فإنه ـ كما قال تلميذه سباعي عثمان ـ رحمه الله ـ:
((يوفي كل موضوع حقه ((من خلال رؤية مستنيرة، وفكر ذي خصائص أصيلة، ومتميزة.. إنها حصيلة غنية بالتجارب الطويلة في ميادين مختلفة، مع الحياة، والناس.. فيها المعاناة بين الإخفاق والنجاح، والتطلع والإحباط..)).
وعندما نفتقد الأنموذج الأصيل للمثقف (الحقيقي) الذي يُعلي ـ بفكره ـ من شأن أمته ووطنه، ويحترق ليضيء شمعة تنير السبيل نحو حياة أفضل، فإن أستاذنا ((الزيدان)) يأتي في طليعة المثقفين (التاريخيين)، ممن تفخر بهم أممهم، وتعيد في كل زمان ومكان قراءة عطاءاتهم الفكرية النيرة، لأنها لا تدفن مع أجسادهم، وإنما تظل حية في ذاكرة الأجيال. والرؤية الفاحصة تتفاعل مع تطلعات الحاضر، وتستشرف ـ في نفس الوقت ـ صور المستقبل وتوقعاته.
إن ((المثقف التاريخي)) ـ كما وصفه أحد المفكرين هو: (الذي يرتفع بالممارسة إلى مستوى الحاجات التاريخية الكبرى، الذي لا يكف عن ممارسة النقد البناء ضد كل مطلقات الفكر والممارسة لتحرير العقل من العقائد الجامدة. الذي ينتصر للحرية ضد الاستبداد، وللوحدة ضد التجزئة، وللعدالة ضد الإجحاف الاجتماعي، وللاستقلال ضد الاحتلال والهيمنة. إنه المثقف الذي يحترم الشعب فيتعلم منه، ثم يلتزم قضيته فيؤدي دور تنمية وعي الشعب من دون استعلاء).
وفي حاضر لا يخلو من الهموم والمنغصات التي تقلق المجتمع، يظل الفرد يبحث عمن يبصِّره ويكشف له الحقيقة ليعرف طريقه، ويتقلّد دوره لمواجهة أي خطر يهدد أمنه واستقراره.
والمثقّف ((الحق)) ينطلق في توعيته من ثوابت عقدية وفكرية أصيلة تجذّرت في وجدانه، وأكسبته مناعة قوية ضد المؤثرات الخارجية التي تسعى للنيل من أصالة الأمة، وتدمير ما تحقق من منجزات حضارية، وتفتيت وحدة الوطن، وإشاعة البغض والكراهية بين الناس.
تذكرت هذا، وشؤون أخرى في الحياة، وأنا أعيد قراءة التراث الفكري الذي خلَّده أديبنا السعودي الراحل (محمد حسين زيدان) تغمده الله بواسع رحمته. وقد أتاح لي هذه الفرصة الذهبية الأستاذ الجليل محب الأدب والثقافة، ومكرِّم الأدباء والمثقفين (( عبد المقصود محمد سعيد خوجه )) فقد أدرك القيمة الفكرية لأستاذنا الزيدان وسعى إلى جمع وطباعة تراثه الفكري ضمن أعمال أدبية أخرى لروادنا الأوائل ممن كتبوا في (( وحي الصحراء ))، لتقدم هدية في مناسبة ((مكة المكرمة عاصمة الثقافة الإسلامية)) عام 1426هـ فجزاه الله خيراً.
وتذكرت أيضاً أستاذنا وأديبنا المبدع السيد ((عبد الله الجفري)) واحتفاءه بالزيدان ((الأب الروحي)) له، فقد كتب وألّف عنه، ما يعبر عن وفاء التلميذ لمعلمه، وأحسبه الجدير بكل مبادرة تقودنا نحو أي خطوة تذكرنا بأستاذنا ((محمد حسين زيدان)) ومدرسته الفكرية الراقية.
من بيان ((الزيدان))
(السعادة منحة تطمئن لها النفس، لكن المتعة بها تكبر حينما يطمئن الإنسان إلى خلقه، يحدده سلوكه مع الناس.
أنا سعيد بكثير مما أشقى به لأني تعلّمت احتراف الطرد، سعيد بأني مع الناس للناس، لا أبخل بعون وإن لم يشكر، ولا أرفض الشكر لمن أسدى معروفاً إلي. فشاكر المعروف هو القادر على صنعه وناكر المعروف هو العاجز عن صنعه الباخل به. والقدرة على شكر المعروف وصنعه السعادة.. إذا أردت أن تكون سعيداً فإياك أن تكره أحداً. ولو شعرت بمن يكرهك، لأن الكراهية عطاء كالحب، لأنها إشغال للوجدان، وجدانك يشغل بمن تحب وأنت تشغله بمن تكره، فالكراهية صفة يشقى بها السعيد. إن السعادة أن تكون مسلماً، يسلم الناس من يدك ولسانك).
ـ كلام من ذهب، يصلح لمن لديه استعداد للفهم والتعلم! ورحم الله قائله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :564  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 68 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.