شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
علوي طه الصافي
المعاند في سبيل الحقيقة والصدق
بقلم: الناقد الأستاذ: عبد الله الماجد
هذا (( الجنوب )) المعطاء في بلادنا يحتل جزءًا ثريًا من ذاكرتنا الثقافية المعلنة، منذ (( امرئ القيس )) الجنوبي، وحتى (( علوي طه الصافي ))، ومن برز بعده، يشكِّلون عقدًا نضيرًا على جبين هذا الوطن.
كان هذا ((الجنوب)) سخيًا، حيث منح حياتنا الثقافية جيلاً كاملاً دفعة واحدة، ربما تتفاوت أعمارهم، لكنهم بكل تأكيد جيل حي نابض بحرارة الجنوب، وصدق عطاياه، وليس أصدق من هذا القول، إلاَّ تأثيرهم الذي أحدث أصداء في حياتنا الصحفية والثقافية، لم يكن هذا الجيل ((سكونيًا)) وإنما جاء ((كالرعد)) و ((البرق)) كريح الجنوب الملقحة للسحاب في السماء، فيهطل مطرًا، حيث تثيره ريح ((الشمال))، وملقحة ريح ((الجنوب))، فيهطل المطر.
وهكذا ازدادت حياتنا الثقافية بكواكب الجنوب المضيئة، أمثال (علي العمير ـ وهاشم عبده هاشم ـ وعلوي طه الصافي ـ وعلي عمر جابر ـ وعلي مدهش ـ وعلي أحمد النعمي ـ وعبد العزيز النهاري... وغيرهم)، وقبلهم الرائدان (محمد أحمد العقيلي.. ومحمد بن علي السنوسي) اللذان كانا مسؤولين عن تعريفنا بثقافة أهل الجنوب.
وبحكم أنني من أهل (( الجنوب الأوسط )) فقد كنتُ مشدودًا إلى هذه النخبة، ربما بدوافع سر المكان وامتداده وعبقريته، على نحو ما يفلسفه الراحل الفذ (( جمال حمدان ))، وعلى نحو من هذا فقد كنتُ سعيدًا بامتداد ((صفاء)) علاقتي الصحفية والثقافية والشخصية، بهذا (( الصافي )) الذي أتحدث عنه.
ولم تنجح دعاوى اختلاف الرأي أو النقد، أن تجعل أياً منا مرفوضاً من الآخر. فلقد استثمر كل منا، ما للآخر من نوازع إنسانية غائرة في النفوس، وما يطفو عليها، فهو نسق من حركية الحياة وتضادها، الذي يُنتج في أكمل حالاته عملاً إيجابياً.
ولهذا فقد تمكنتُ من أن أتعلم من ((الصافي)) أشياء كثيرة، وهو الذي حلَّ في مجتمعنا الصحافي في (( الرياض ))، دونًا عن بقية (( طيور الجنوب )) التي استقرت في (( المنطقة الغربية ))، وربما لفترة من الزمن كان ((علي العمير)) قد حلَّ بيننا، ثم انضم إلى بقية ((السِّرب)) في ((جدة))، كما هو الحال مع الشاعر المتميز ((علي أحمد النعمي)) الذي تعرفتُ عليه في باكر حياتي الصحفية، ثم آب إلى عشه في بلدته ((فيفاء)) (1) ، وغاب صوته الشعري العالي (2) .
تعلمتُ من ((الصافي)) روح ((المثابرة)) والدأب، التي ربما وصفها آخرون من محيطنا ((بالعناد)) . فقد كان (( علوي الصافي )) دائمًا يثير المعارك الصحفية والأدبية، ويكون فيها طرفًا إيجابيًا، يشعل حرائق هذه المعارك، ولا يطفيها، بل يؤجِّجها بوسائل شتى، مستخدمًا (( حرفيته الصحافية )) فيخترع شخصيات بأسماء وهمية، مستعارة، ينشر باسمها، ويدعها تفجِّر قضايا قابلة للنقاش، وفي أحيان يرد عليها باسمه الصريح، وقد تمكّن بذلك من إذكاء الحياة الراكدة والخاملة، في دائرة النقاش على صفحات الصحف.
وكانت هذه الموضوعات مدار نقاش الأوساط الصحفية والأدبية، بل أسهمت في بروز أسماء لمعت في حياتنا الأدبية والصحافية، من خلال تلك الردود والمناقشات.
وحين كان يشرف على القسم الأدبي في (( مجلة اليمامة )) في عهد رئاسة (( محمد الشدي )) تحريرها، فجَّر كثيرًا من المعارك الأدبية والصحفية، فقد كانت المقالات النقدية التي كان يكتبها باسم مستعار اختار له إسم (( مسمار ))، مثار متابعة أحدثت كثيرًا من الردود، ولا تزال أصداؤها ترن في مسامع جيلنا، حتى أن بعض زملاء جلينا اخترعوا لهم أسماء مستعارة انطلاقًا من هذا الاسم، استخدم في الرد على بعض ما كان يطرحه ((مسمار)) من قضايا.
وهكذا برز اسم (( مسيمير )) الذي اختاره زميلنا النابه (( حمد القاضي ))، مستخدمًا هذا الاسم في الرد على (( مسمار )).
ولفترة، شغل (( الصافي )) الوسط الصحافي، باسم نسائي لمع في صحافتنا على قلة من أسماء الكاتبات في ذلك الوقت. وهكذا لَفَتَ اسم (( ليلى سلمان )) أنظار الكتاب والصحافين الذين بدأوا يتساءلون عمن تكون (( ليلى سلمان )) ، هذا الاسم الذي برز دونما مقدمات، مكتمل الأدوات، نابضًا بالتجربة والثقافة، بشكل مفاجئ!!
ولم تكن هذه الكاتبة إلا قلم، وأداة، وفكر ((علوي الصافي)) الذي اخترع هذا الاسم ليعدل كفة الكاتبات، التي كانت تميل في ذلك الوقت لأصحاب الأقلام ((الذكورية)).
وعلى هذا النحو من هذه الوتيرة ((المتوتِّرة)) القلقة، كانت تتسامى هذه الروح ((الصافية))، وهذا العقل ((العالي)) في التفكير، والغريب أنه في هذه الدوَّامة الصاخبة، التي تؤجِّجها روحه ((القلقة))، كان لديه متسع من التفكير، في استكمال مشروعه الدراسي ((الاكاديمي)) فالتحق بدراسة ((الحقوق)) في ((جامعة بيروت العربية)).
وفي اختياره لدراسة ((الحقوق)) أحد تكوين شخصيته وعقله، لابد أن هذا المنهج قد أكسبه تأصيلاً لما تنطوي عليه نوازعه الإنسانية، لا أعلم إن كان بتخطيط منظم، أو أنه اهتدى إلى ذلك بفطرته التي تتكامل وتتوحَّد مع نسيج مكونات هذه الشخصية؟
فلقد كان ((علوي الصافي)) حقوقيًا في معظم تعاملاته الشخصية، يؤثر الحقيقة، والصدق، ولا يقبل لهما بديلا. وفي ظني أنه عانى بسبب هذا الإيثار، الذي يتخلَّى عنه كثيرون طوعًا تحت ضغوط الحياة، وإيثار المكاسب على الخسائر في صنائع حياة المجتمع البشري!!
ولا أعتقد أن ((علوي الصافي)) قد خسر نفسه، بل لقد كسب أجمل ما في النوازع الإنسانية، من ثبات تطمح به إلى إعلاء السمو، والشموخ الإنساني الخَلاَّق، وفي ذلك محاولة لجلاء أدران هذه النفس التي خلقها الله لتكون على هذا السمت الإنساني الطاهر، المجرَّد من أوشاب الدرائن، والمذلة!!
وفي ظل هذا السمو بالذات، أصبح (( علوي طه الصافي )) أول رئيس لتحرير (( مجلة الفيصل )) الثقافية الشهرية التي تصدر عن (( دار الفيصل الثقافية )) وقد وضع الملامح الأساسية لتأسيس هذه المجلة، التي لا تزال تصدر بثبات، وتعد من المجلات الثقافية المهمة على المستوى العربي.
وقبل أن يترك ((علوي الصافي)) عمله في ((مجلة الفيصل)) حدثت حادثة في حياتي معه، لابد أن تُذكر، فقد طفق يسأل عني، وكنت قد انقطعتُ عنه بأسباب إنشغالي بالتأسيس لدار المريخ، والعمل في الإعداد لأول معرض دولي للكتاب في الرياض عام 1398هـ / 1978م، وفوجئتُ به، وقد عثر عليَّ، وقد دهشتُ لهذه الواقعة!!
وكانت دهشتي الكبرى أنه يطلب مني مقابلة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، وأنه يمكنني مقابلة سموه في فندق (( عطا الله )) المطل على شارع المعذر، قبل إزالته، وأتذكر أنني صرختُ في وجهه بثورة لم يعهدها مني!!
فقد قرأتُ ما كنتُ أظنه صوابًا: هل ستترك ((الفيصل))؟ إذا كُنتَ ستتركها فلن أكون ذالك الآتي بعدك، لعدة أسباب أولها أنني عزمت على أن أتفرغ لمشروعي في (( دار المريخ )).
قال لي الموضوع ليس مجلة ((الفيصل))، وإنما هناك فكرة لإنشاء مشروع عسير للصحافة والنشر، وسوف تصدر جريدة يومية عن هذه المؤسسة (3) ، وأنت مرشح للإعداد لإصدار هذه الصحيفة، والموضوع لدى سمو الأمير.
وقد شرحتُ له أسباب تعارض هذا الترشيح مع ما يراه الآن ـ وكنتُ أطلعه على شحنات الكتب التي وصلت مشكِّلة أول معرض دولي للكتاب في الرياض برعاية (( جامعة الرياض )) ـ الملك سعود حالياً ـ، ولكنه كان يرى أن هذا لا يتعارض مع كوني مسؤولاً عن إصدار صحيفة مؤسسة عسير الجديدة.
وسألته بعد نقاش طال لأكثر من ساعة: هل أَنْتَ من دفع باسمي في هذا الشأن؟ فقال حينما يتعلَّق الأمر بالأمانة والمسؤولية فليس للإنسان إلاَّ أن يتجرَّد، ويقول ما يراه صوابًا، أنت في رأيي أصلح من يتولى هذا العمل.
لابد أن أذكر أن علاقتي الشخصية مع ((علوي الصافي)) قد تطوَّرت من خلال عملنا الصحفي معًا في مؤسسة صحفية هي (( مؤسسة اليمامة الصحفية )).
وكنا نتعايش يوميًا، ونلتقي مساء، نمضي لقاءاتنا في النقاش والحوار، ولم تتطوَّر علاقتي بزميلنا ((علوي الصافي)) إلى أي نوع من ((محاور المنفعة المتبادلة))، وفي حياته ليس هذا المحور موجود أساسًا، فهذه الحادثة في حياتي معه تشف عن شخصيته وكينونته ((الصافية)) كاسمه المتوحِّد مع ذاته الشخصية.
وعبر مشروعه الثقافي والأدبي يعد ((علوي الصافي))، أحد أولئك الذين تنوَّعت مواهبهم المدعومة بثقافة تراثية ومعاصرة، وسعة اطلاع، وحدب لا يعرف الكلل ولا القهر، فهو صحافي من طراز متميز يمسك بخيوط وأسرار ((حرفية المهنة)) ثم هو رئيس تحرير يجيد التخطيط للإصدار المستقل الذي لا ينحاز لهواه، ولاهتماماته الشخصية، حيث يعكس الاصدار كافة المناحي والاتجاهات دون ميل وهوى لاتجاه معيَّن.
وهو كاتبٌ مبدعٌ أصدر عدةَ مجموعات قصصيةٌ، وللأسف لم تجد عناية من النقاد، مما كان يتيح لها وهجًا وذيوعًا على المستوى العريض من قاعدة المتلقين، أكثر من ذلك الذي لقيته من خاصة المهتمين، وتلك آفة يعاني منها كثير من الكتَّاب والمبدعين، حيث ينعدم زخَم ((المناخ الأدبي)) في حياتنا الأدبية المحلية!!
وفي ظل هذا المناخ، تموت كثير من مباهج الإبداع الأدبي حتفًا بهذا القهر، وليس من حل لمواجهة هذه الحالة، إلا تنوع مجالات النشر، ومنابر الإبداع وتعددها، وإقامة المنتديات الأدبية لمناقشة هذه الأعمال (4) .
وهو ((ناشر)) لم يكتب لمشروعه هذا أن ينمو على نفس وتيرة الدأب والنمو في مشاريعه الثقافية الأخرى، وربما لم يكن تخطيطه لمشروع النشر إلا أن يكون استجابة لنشر أعماله الخاصة، مما حجب تنامي هذا المشروع بالقدر الذي حظيت به مشاريعه المتنوعة (5) .
ولا يزال (( علوي طه الصافي )) قامة عالية في حياتنا الثقافية، لم تستثمر الاستثمار الحقيقي بالقدر الذي تنطوي عليه من إمكانات، وقدرات عالية، فهو من الذين لم يمتهنوا عملاً غير الثقافة التي عاصرها منذ يفاعة حياته، وانغمر في طبائع أعمالها منذ أن كان يعمل في (( المديرية العامة للصحافة والمطبوعات )) بوزارة الإعلام، وحتى تفرغه (( الشخصي )) للكتابة، والتأليف والنشر.
وفي تقديري الشخصي أنه أحد أولئك الذين يجب أن يحظو بالتفرغ ((الرسمي))!! (6)
عبد الله الماجد ـ القاهرة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2874  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 43
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.