شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
من هنا... نقطة الضوء
ـ هنا - من هذا البلد - نقطة الضوء دائماً.
نقطة الضوء التي استهدفت - قبل كل شيء - داخل الإنسان المتناقض الحائر المضطرب.. فعالجت اِنفلاشاته، وهدَتْه إِلى شعور الأمان والسلام والخير، وشذَّبته من القبح والسوء والجهالة.. فإِذا الإنسان في صياغة جديدة ترتكز مميزاتها على العلم، وعلى الكرامة، وعلى قيمة المعاني، وعلى إِرادة قدرة الحق المؤكد للعدل فوق هذه الأرض!
نقطة الضوء التي بدَّدت من نفسية الإِنسان اضطرابها، فتوحدت على عقيدة، وتوحدت على إِدراك، وتوحدت على إِيمان ينشر اليقين، وتوحدت على ((خُلق)) يحسن المعاملة، ويوصل الأرحام، ويصدع بالقول الحق والكريم، ويحفظ الجوار، ويرعى الأمانة، ولا يخون العهد، ويتشبث بالوفاء!!
نقطة الضوء التي انتشرت إِلى كل المسافات وفوق كل المساحات لنصرة حق الإِنسان في الحياة الكريمة، وفي العيش الآمن الرغد، وفي التضامن الذي يجعل الأرض واحدة، ويجعل الكلمة واحدة، ويجعل الهدف واحداً، ويجعل القدرة فعّالة لسيادة العقيدة والحق قبل التسيُّد بالمال!!
نقطة الضوء.. كانت هي التحديد المرغوب في عالم الرغبة اللا محدودة.. كانت إِرهاصاً، ونوراً، وإِرهافاً، وبناء لقوة الإِنسان أمام كل الذين أرادوا استضعافه!
كانت الصوت الواحد في زمن الصوت المتعدد.. والرؤية المباشرة لليقين، بعد أن كانت الرؤية خلفية، وكانت ظهور الناس هي التي تتلفت بحثاً عن الرؤية!
كانت الارتواء والنور.. بعد أن كان الظمأ يغمر الروح، وبعد أن كانت العتمة تسود الدرب!
نقطة الضوء تلك.. هي الإسلام الذي زرع الأمان في النفس، وبدد العتمة، وارتفع بقيمة الإنسان من الجهالة والتفسخ.. إِلى الهداية والإِدراك والقيم!
ومن هنا.. انطلق الإسلام إِلى كل الأرض يهدي، ويُعلِّم، ويوحِّد، ويبني.
ومن هنا.. انبثقت تعاليم الخير والمحبة، والتضامن، والكفاح حتى الاستشهاد ذوداً عن العقيدة، ودفاعاً عن مكتسباتها، وترسيخاً لمعطياتها!
فكان هذا الضوء هو تاريخنا الحقيقي، وتراثنا، وقيمنا، ومبادئنا، وإِرادتنا في اكتساب المستقبل المميز بالعدل، وبالحرية، وبالسلام!
وهذا البلد المعطاء: هو الذي أهدى إِلى الناس رسول الحق والعدل والحرية، والذي نشر الهداية، والمحبة والخير في كل مكان، والذي دعا إِلى التضامن والتماسك والكلمة الحق.
هذا البلد: لا يستحق النكران أو الجحود، ولا يستأهل أن يُرمى بالسباب والتشنج!
فما زال هذا البلد يعطي من نقطة الضوء تلك.
وما زالت نقطة الضوء: ضميره، وخلقه، وأفعاله لخير الأرض، ولخير الحق، ولخير الأهل، ولخير التضامن.
ولسنا - هنا في هذا البلد - في مجال التعبير وإِبراز معطياتنا.. لكننا في مجال التذكير، وإِغداق معطياتنا المجندة دائماً للتضامن الإسلامي، وللنصرة مع الحق، وللقدرة على تفتيت الباطل!!
نحن في هذا البلد.. ما زلنا نستلهم قدرنا وقدرتنا، وندرك مسؤوليتنا كاملة تجاه كل المقدسات، وكل الأرض المسلوبة، وكل محاولات تمزيق التضامن لنقف في وجه المتربصين دوماً بمميزاتنا، وبحريتنا!!
ونحن في هذا البلد.. لن نستمزج أسلوب التلاحي وضرب الأخ بأخيه، والاستفادة المؤقتة من التلاعب بالألفاظ، والتلاعب بمستقبل نقطة الضوء.. تلك التي هدتنا وعلَّمتنا وزرعت بين صدورنا المؤمنة إيماناً لا تُصدّعه الرغائب المادية، ولا تشرخه طموحات الذات.
إِن قدرتنا وقدرنا.. يتضحان في حفاظنا على نقطة الضوء هذه، غير ملتفتين إِلى المواقف المؤقتة المرهونة بمحاولة القفز فوق كتف التاريخ.. لأننا - بنقطة الضوء - صنعنا تاريخ الإِنسان الكريم.. الحر.. المؤمن.. المنتصر.. القادر على الوجود والحياة في مناخ العزة والرفعة!
إِننا تعلمنا من تشريعات ديننا العظيم: أن نرتفع دائماً إِلى مستوى قيمنا وأهدافنا، وأن نسقط في سبيلهما موقف الاضطراب النفسي، وأن نسقط التنابذ والتجهيل، وأن نسقط الغرور والبحث عن تفرد الذات.. ذلك لأن خلق الإِسلام قد علمنا الهداية والهدوء، وعلَّمنا التسامح ونكران الذات، وعلمنا التضامن المنطلق بنا إِلى الإِدراك والرؤية الواضحة، وعلمنا أن اختلاف الرأي لا يعني السفه والسباب!
* * *
ـ وبكل هذا الذي تعلمناه.. استطعنا أن نرتفع بمستوانا الإِنساني، فلا يجرنا الانفعال والتشنج إِلى قطيعة الأرض، ولا إلى قطيعة الدم، ولا إِلى قطيعة الجوار، ولا إِلى قطيعة الحكمة والعدل.. ولقد تأدبنا بهذا السلوك لنحقق ونتمسك بالصفة التي كرّمنا بها القرآن بقول الله عزّ وجلّ: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (آل عمران: 110)!!
وبهذ الخُلق أيضاً تمكنّا من إِضافة إِضاءة على المستقبل.. نستمدها من نقطة الضوء الأصل.. من أهداف الإِسلام.. لتكون انطلاقة هذا الوطن بركيزتين هامتين:
ـ الركيزة الأولى: تعزيز الدعوة إِلى الله ونشرها، وجمع كلمة المسلمين ودعم قدراتهم.. حتى نتمكن معاً من استرداد الحق التاريخي لهذه الأمة الرائدة، ونجعله من جديد في مصاف الأمم القوية القادرة على تأكيد وجودها، وتحقق أدواراً هامة وتساهم في صناعة ورخاء المجتمع البشري، كما وأننا نحرص على خدمة المقدسات ورعايتها والحفاظ عليها!
وبلا شك.. فإِن أهم ما يقلقنا الآن هو: استعادة القدس الشريف من فجور ودنس الصهيونية الحاقدة، ولا بد أن يكون المسجد الأقصى قبل كل شيء، وقبل أي أرض مُحرَّراً!
ـ الركيزة الأخرى: تكريس الأمن والاستقرار في الداخل.. ليكونا أساس التعاون مع الغير، ومنطلقاً إِلى خدمة الأمم الأخرى والعيش ضمن إِطار الأسرة الدولية على أرفع درجات المشاركة وأعظمها!
وبهاتين الركيزتين نستطيع أن نُقدم للإِنسان في كل مكان ترتفع فيه دعوة الحق، ونداء الإِسلام: كل دعم، ومحبة، وخير!
وبتأمل مضمون هاتين الركيزتين.. يتبلور موقف هذا الوطن نحو قضايا الأمة الإِسلامية، والأمة العربية ونحو مسؤوليتها تجاه تضامنهما وعزتهما وآمالهما.
وإِدراك بلادنا لهذا الموقف.. يجعلها لا تلتفت أبداً لسلبيات الغرور والتفرد الذاتي.. لكنَّ اهتمامها ينصبُّ بالضرورة على كيفية الحفاظ على التضامن ورأب الصدع، وتجاوز المواقف الجانبية التي يضخمها التشنج فتتحول إِلى عناد يخلو من التأمل والتفكير.
وهذا الاهتمام من المملكة.. لم يأت مخاضاً للأحداث الموجودة الآن على الساحة العربية، وإِنما هو اهتمام ينبع من دور بلادنا الإسلامي.. وتلك المواقف كانت وما تزال تُركِّز على: التضامن، وتحذر من التحديات الخطيرة التي تواجه المسلمين في كل مكان. وتعمل على دعم جبهات الصمود ومناضلي الكفاح لتحرير المقدسات والأرض، وحماية الإِنسان المسلم.
* * *
ـ خطورة مرحلة اليوم:
ـ لقد حدّد خادم الحرمين الشريفين - في خطاباته إِلى الحجاج - دور المملكة، ومسؤوليتها، والتزاماتها.. وأشار إِلى خطورة وأهمية هذه المرحلة التي نحياها، والتي ينبغي فيها: أن نرتفع بتفكيرنا، وبعملنا، وبعواطفنا إِلى الرؤية الحقيقية.
وأوضح - ولي الأمر - ذلك التحديد في نقاط هامة.. يركِّز عليها دائماً في كل خطاباته، وحواراته وتصريحاته، وهي:
ـ أولاً: إِن المرحلة الحاضرة تعتبر من أكثر مراحل التاريخ خطورة.. لا بالنسبة للأمة الإِسلامية قاطبة، ولعلّها مناسبة طيبة أن نؤكد مواقفنا الثابتة مجدداً من القضايا العربية والدولية الراهنة، وهي غير قابلة للتغير أو التبديل.. لأنها تنبع من إيمان صادق.
ثانياً: إِن ما أصبح عليه حالنا.. إِنما هو نتيجة لتمزقنا، وتباعدنا، وتجافينا عن بعضنا البعض.. وعندما تتوافر لنا القناعات المشتركة بضرورة العمل على تكتل الجهود ووحدة الأهداف.. فإِننا سنكون قادرين على مواجهة كل الأخطار!
ـ ثالثاً: إِن المملكة تؤمن بأهمية السلام العادل القائم على استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعودة الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك القدس الشريف، وأن تتحقق للشعب الفلسطيني إِمكانية التعبير عن إِرادته وسيادته وكيانه!
ـ رابعاً: يجب أن نؤكد أهمية العمل على إِدراك حجم المخاطر المحدقة بنا، ووضع سياستنا على أسس علمية ومنهجية تعرف كيف تُسخِّر الجهود والطاقات وتوظفها لخدمة الأهداف الكلية.. بعيداً عن التشنجات والتفاعلات، حتى تظل قراراتنا تاريخية، وحتى نبعد عن تأثير المتغيرات المفروضة علينا!
ـ خامساً: بدون أن تكون أهدافنا على قدر كافٍ من الوضوح.. فإِنا لن نفقد أدوارنا التاريخية الهامة، وإِنما سنفقد ذاتنا الإِسلامية المتميزة، وقد يعود بنا استمرار الخلافات والانقسامات إِلى وضع جديد تتبدل فيه خارطة المنطقة تبدلاً كاملاً، ونعيش ظروفاً جديدة أقل ما يمكن أن توصف به: أنها ظروف تعسفية وخطيرة!
ـ سادساً: إِذا كانت المملكة قد وجدت نفسها في مركز المسؤولية من القضايا المصيرية، وسعت بكل جهودها إِلى جمع الكلمة وتسوية الخلافات، وإطفاء نيران الفرقة والقضاء على مؤثرات الفتنة، وعملت على امتصاص الكثير من الأخطار والكوارث.. وتحمَّلت في سبيل ذلك الكثير.. فما ذلك إِلا لأنها تؤمن بهدف واحد هو: أن تعود هذه الأمة قوية متماسكة خلاّقة!
ـ مسؤولية وطننا:
ـ إِن المملكة التي تضطلع بدور حضاري وإِنساني كبير تجاه مستقبل الأجيال المتطلعة إِلى المزيد من الاستقرار والرخاء: حريصة على أن ينعم هذا الإِنسان بالخيرات، وأن يحقق قفزات جديدة لخيره، وخير الإِنسانية جمعاء، وسوف نظل حريصين على أن نستمر في هذا الطريق: بجمع الصفوف، وتوحيد الخُطى، وتعزيز الجهود الإِيجابية المخلصة، ونعمل على تحقيق جميع المعطيات الخيرة لهذا الإِنسان!
وبعد ذلك كله.. إِن هذه هي مسؤولية بلادنا منذ وحدة كيانها الكبير.. دائماً هي الكبير الذي يضم بقية الأشقاء إِلى حضن واحد غامر المحبة.. دائماً هي الكبير الذي يسدي النصح، والدعوة إِلى الحكمة، وإسقاط التشنج وابتذال مواقف الرجال.. دائماً هي الكبير الذي يتجاوز المهاترات، ويعفّ عن سقط القول، ويرتفع فوق الآلام والجراح والأنانية!!
وسنبقى هكذا: مسؤولية دينية قومية إِنسانية تجاه أشقائنا وأصدقائنا، تجاه المجتمع البشري.. وفاء بالتزامنا، وانطلاقاً من قناعتنا في تحقيق أقصى درجة من التوازن بين مصالحنا الذاتية، وبين مصالح سائر الشعوب!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :878  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 528 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج