شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحالة الفكرية في البلاد العربية في القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي
مدخل
بعض المؤرخين يربط بين الضعف الذي اتسمت به الحياة الفكرية في العهد العثماني، وذلك الضعف الذي أصاب النظام السياسي للدولة العثمانية.
وكمثال على ذلك فإننا نجد ((كارل بروكلمان)) يفسر هذه الناحية قائلاً: ((الضعف الذي اعترى السلطة كان متوازياً مع ذلك التدني في الحياة الفكرية، فلم تكن شخصيات السلاطين العثمانيين، أو وزرائهم تظهر ميلاً أو رغبة تجاه النواحي الأدبية (1) .
وتجنباً للتعميم، فإننا سوف نقوم بقراءة سريعة للحياة الفكرية في الأقاليم العربية، التي كانت تشكل جزءاً هامًّا من الإمبراطورية الإسلامية العثمانية، ونشير إلى أثرها في التهيئة للحركات الإصلاحية والنهضة الفكرية التالية.
تكاد تكون الحياة الفكرية في مصر مقتصرة على ذلك النشاط الذي كانت تقوم به مؤسسة الأزهر التعليمية التي كانت تمثل مركزاً علمياً هاماً في البيئة المصرية، إلا أن هذه المؤسسة لم تكن في فترة الحكم العثماني - من وجهة نظر بعض الباحثين - مؤسسة خصبة أو عميقة في أبعادها العلمية (2) .
على أن ذلك لا يعني أنها كانت عديمة الفائدة، فلقد استطاعت أن تمد الحياة الفكرية ببعض الروافد الجيدة.
الحالة الفكرية في البلاد العربية في القرن الثاني عشر الهجري
الدكتور أسامة العانوتي في دراسته عن الحركة الأدبية في بلاد الشام - خلال القرن الثامن عشر الميلادي - يرى أن ظاهرات الثقافة في العراق وسوريا لا تقدر بدواً ونشاطاً عما هي عليه في مصر.
وإنه لخطأ كبير أن يظن أن الأزهر في القاهرة كان المؤسسة الوحيدة من نوعها، إنه - بدون شك - أهم تلك المؤسسات: لأنه كان أغناها في بلاد العرب.
أما مراكز التعليم في بلاد الشام فكانت: حلب، ودمشق، والقدس، ونابلس، كما وجدت مدارس في الرملة، وحمص، وغزة، وصيدا، وحماة، وعكا، وطرابلس، وبعلبك، ثم إن المدارس كانت في مساجد كل مدينة (3) .
أما الأستاذ عباس العزاوي في دراسته عن التاريخ الأدبي للعراق فيعتقد أن الأدب ابتعد عن منتصف القرن العاشر حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري إلا أنه - مع ذلك - ظل صوتاً مسموعاً للشعر، ومع حلول النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، بدأت الدولة العثمانية توجه شيئاً من العناية للنواحي التعليمية، بافتتاح عدد من المدارس في العراق، وحاولت أن تترك - في الوقت نفسه - شؤون مناهجها للسلطات الداخلية، وبهذا سلمت لهذه المؤسسات استقلاليتها، مما ساعد على تقوية المستوى العام للغة العربية، التي كانت تشهد شيئاً من التزاحم بين اللغتين: التركية والفارسية.
ولا شك أن النشاط اللغوي الجديد صاحبه تحسن في المستوى الشعري، الذي استفاد - أيضاً - من تشجيع بعض الشخصيات السياسية لذلك العصر، ويعود العزاوي للقول بأن الاستقرار السياسي الذي شهده العصر كانت له نتائجه الإيجابية في الإبداعات الفكرية والأدبية، والمتمثلة فيما خلفه المؤرخون العراقيون من مؤلفات، والشعراء من دواوين (4) .
وإذا أتينا لدراسة تاريخ السودان الأدبي قبل مطلع القرن التاسع عشر فإننا نجد الدكتور الناقد إحسان عباس يعتبر هذه الدراسة ضرباً من التوغل في المجاهل المظلمة، لولا بصيص من النور يلقيه في طريق الباحث كتابان قيمان، هما: كتاب طبقات ود. ضيف الله، وكتاب تاريخ السودان، والكتابان على بعدهما عن النواحي الأدبية يرسمان بعض الخطوط الكبرى للحالة الثقافية في المجتمع السوداني منذ القرن الخامس عشر، ويعرضان لبعض الأمثلة الشعرية من تلك الفترة البعيدة في أثناء سيادة الفونج ومن أتى بعدهم في مملكة سنار.
كما يرى أن مصر والحجاز هما القطران اللذان استمد منهما السودان الإيحاءات الأولى في بواكير انتعاشه الثاني، ويقرر لنا كتاب طبقات ود ضيف الله أن الشعاع الأول إنما تسرب إلى البلاد مع القادمين من الخارج، مواطنين كانوا أم غرباء (5) .
كما يشير إلى أن دراسة الفقه كانت تحتل منزلة كبرى بين متعلمي ذلك العصر، ومع الزمن أخذت تتسع المجالات الثقافية، فلم تعد تقتصر على هذا اللون من الدراسة، وإنما أصبحت تشمل بعض مبادىء النحو، والعروض، والمنطق، والحديث، والتفسير، والأصول، ونسمع عن أناس كانت لهم معرفة بالسير والأخبار، ولا سيما مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن آخرين برعوا في النحو، والصرف، واللغة، والمعاني، والبديع، والعروض، والبعض الآخر تضلع في المنطق ومصطلحاته (6) .
أما في تونس، فقد تأثرت الحياة الفكرية بإيجابيات الحكام الحسينيين، في الفترة 1127 - 1300هـ، وكان لهذه الجهود العلمية آثارها في ظهور عدد من الكتاب، الذين شغلوا مراكز إدارية هامة اعتماداً على مستواهم العلمي أو الفكري (7) .
ويرى الدكتور حسين بن عبد الله العمري في دراسته لفكر الإمام الشوكاني أن الحياة الفكرية والأدبية في اليمن في فترة القرن الثامن عشر الميلادي كانت حياة خصبة، رغم قسوة الحياة وصعوبتها، ورغم تعصب المتعصبين من الغلاة والمتزمتين، وهو يرجع تلك الخصوبة العلمية إلى المدارس الفقهية، التي نشأت في اليمن في تلك الفترة، والتي أنتجت عدداً من العلماء المجتهدين، مثل الشيخ صالح بن مهدي المقبلي، والشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني، المعروف بالأمير محمد بن علي الشوكاني (8) .
يضاف إلى ذلك أن الرحالة الدنماركي كارستن نيبور، الذي زار صنعاء في عام 1761م عبر عن إعجابه بشخصية أحمد بن علي النهمي (1130 - 1186هـ). الذي كان وزيراً لحاكم اليمن المهدي عباس بن القاسم (1130 - 1189هـ) لأكثر من خمس وعشرين سنة، واستغرب ((نيبور)) أن يجد عربياً في اليمن يعرف جغرافية أوروبا وميزان القوى السياسية فيها في ذلك الحين (9) .
ولقد أشار الدكتور طه حسين (10) أن أهم ما يميز ملامح فترة القرن الثاني عشر الهجري هو ظهور الحركة الدينية للشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - التي رحب بآرائها الإصلاحية علماء اليمن، من أمثال: محمد بن إسماعيل الأمير، والشوكاني، والأخير أثبت له الدكتور العمري قصيدة يرثي بها مؤسس الحركة الإصلاحية عند وفاته في عام 1206هـ، ويعرض حقيقة دعوته وأهميتها فيقول:
مصاب به ذابت حشاشة مهجتي
وعن حمله قد كل متني وكاهلي
أفق يا معيب الشيخ من ذا تعيبه
لقد عبت حقاً وارتحلت بباطل
أفيقوا، أفيقوا إنه ليس داعياً
إلى دين آباء له وقبائل
دعا لكتاب الله والسنة التي
أتانا بها طه النبي خير قائل (11)
وقد حافظت المدينة المنورة على مركزها العلمي والحضاري، حتى في تلك الظروف السيئة التي شهدت فيه الأمة العربية والإسلامية ذلك الانحطاط الفكري الذي أشرنا إليه سابقاً، ويصف الدكتور عبد الله العثيمين هذا الدور الذي أدته بيئة المدينة، وخصوصاً تأثيرها في طلاب العلم الذين يرحلون إليها ويأخذون عن علمائها، يقول: ((وكانت المدينة المنورة ملتقى العلماء وطلاب العلم من مختلف الأقطار الإسلامية، كان بعض هؤلاء يأتي إليها فيستقر بها. وكان بعضهم يأتي إليها فيستقيم فيها فترة ثم يغادرها إلى وطنه، وقد ضمت في تلك الفترة بالذات علماء درس عليهم وتأثر بهم عدد ممن أصبحت لهم أدوار مهمة في بلدانهم خلال ذلك القرن)) (12) .
ويذكر الدكتور العثيمين اسمي عالمين هامين من علماء المدينة في القرن الثاني عشر الهجري، كان لهما أثر كبير على الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ لا بالنسبة لتحصيله العلمي فقط، وإنما بالنسبة لاتجاهه الإصلاحي أيضاً.
وهذان العالمان أو المفكران الكبيران هما عبد الله بن سيف، ومحمد حياة السندي، وقد تلقى الشيخ السندي علومه على يد علماء معروفين، من أمثال الشيخ أبي الحسن بن عبد الهادي السندي، والشيخ محمد أبي الطاهر الكوراني، وتصدى بعد وفاة مشايخه للتدريس، وأثمرت هذه الدروس عن تأليفه لكتب هامة، منها شرح الترهيب والترغيب، ومختصر الزواجر لابن حجر، وشرح الأربعين (13) .
وإذا كان الشيخ السندي قد أخذ العلم عن الشيخ محمد أبي الطاهر الكوراني، فإن مصلحاً آخر ظهر في شبه القارة الهندية في النصف الأول من القرن الثاني عشر، وهو ولي الله الدهلوي، قد أخذ عن الشيخ الكوراني في المدينة المنورة أيضاً، وعاد إلى بلاده، ونشر دعوته الإصلاحية فيها، وبذلك يكون بروز المصلحين في العالمين العربي والإسلامي، وفي مقدمتهم الشيخان: ولي الله الدهلوي ومحمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله - له صلة وثيقة ببيئة المدينة المنورة العلمية في تلك الحقبة الهامة من التاريخ الإسلامي، ويكون لهذه البيئة نوع من التأثير في تكوينها وتوجهاتها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :3021  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 328 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.