فيما قاله الأستاذ محمد علي قدس، وهو يعالج الأزمة التي يرى أنها قائمة بين الكاتب والقارئ مقولة لا بد أن نلتمس صدقها من جهة، وأثرها في عملية التفاعل بين الكاتب والقارئ من جهة أخرى.
يقول الكاتب، في كلمته في مجلة اقرأ الغراء (هاجس الحداثة يطغي على فكر هذا القرن) ولكن أي فكر؟ وأي قرن؟ والأرجح أنه يعني الفكر العربي، والقرن العشرين أو القرن الرابع عشر.. لا فرق..). ولست أدري، إن كان ينفي بهذه المقولة أن هاجس الحداثة، ظل يعايش الفكر في جميع مراحل التاريخ الذي عرف فيه الإنسان وميض الحرف، وقدرته على البوح بما يشعر به، في محيطه المحدود، ثم في محيط القبيلة أو المجتمع أو الشعب أو الأمة.
هاجس الحداثة في هذا العصر لا يختلف عن هذا الهاجس في جميع العصور.. ولولا هذا الهاجس الذي يلح أبداً على الإنسان في مسيرة ثقافته، ومنطلق تعامله مع الفكر، لما بلغ إنسان هذا القرن، ما بلغه من مستوى فكري، واجهه بمعاناة البحث عن الأفضل والأجمل، والأقدر على التعامل مع عناصر الحضارة بحجمها المذهل، وتعقيدها العنيد، وتباعد أو تشابك سبلها التي تحتم طبيعة الحياة، أن يقتحمها، مكتشفاً، أو متطلعاً إلى التماس الدرب الذي يتوهّم أو يطمح إلى أن ينتهي به إلى مضامينها البعيدة.
أما الفكر العربي، وتعامله مع هاجس الحداثة هذا، الذي يرى فيه الكاتب الأستاذ القدس، ما يكاد يشبه الفجوة بين القارئ والكاتب، فإن هذا الفكر، لا يزال في مرحلة التماس وبحث، لم تصل بعد إلى أكثر من القشور، والمشوار في تقديري لا يزال طويلاً ليصل إلى اللباب. وهذا هو السبب، فيما تعانيه الحياة الفكرية أو الثقافية عندنا من قلق يصل أحياناً إلى مستوى الزلزال، الذي يكاد يهدم بناء الثقافة العربية من أصوله، بحثاً عن الحداثة، وجرياً وراءها ربما أحياناً بعيون شبه مغمضة، لا ترى إلاّ البريق في مفاهيم سر غموضها، وكذلك سر بريقها أنها آتية من هناك.. من الآفاق البعيدة، التي أعطيناها نحن الحق في أن تملي علينا الضياع.
الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.