| الأَربعونَ معاناةٌ ومعتصمُ |
| حديثُها الأَمسُ بالتَّذكار ينسجمُ |
| طِفلٌ رضيعٌ.. بحضن الأُمِّ مرتعهُ |
| والوالدُ الفذُّ.. أَفراحٌ ومُبتَسمُ |
| طفلٌ يتيمُ الأَب الماضي إلى جدثٍ |
| عفَّى عليه.. وزالَ الطَّيفُ والسَّأَم |
| والأُمُّ تحملُ عبءَ العمر ثانيةً |
| زوجان قد مضيا.. فالقلبُ يختصم |
| وعادَ يُذهلُها المقدورُ في أَملٍ |
| الطفلُ شُلَّتْ له ساقٌ.. فيرتطم |
| لكنها صَبرتْ.. والطفلُ يَحفِزُها |
| فَزُوِّجتْ عمَّه.. والشَّملُ يلتئم! |
| لم يعرفِ الأَبَ - إِلاَّ عمَّه، ومضَتْ |
| به السُّنُونُ.. وفي أَحنائها الحُمم |
| وأُدخلَ (المكتبَ) الداني لمنزلهمْ |
| يُلقَّنُ الحرفَ.. والقرآنَ يَستلمُ |
| قالوا: هو الطفلُ مسكينٌ بحالتِه |
| كم روَّعتْ أُمَّه الأَوهامُ والسَّقم |
| قالوا: سيمضـي مع الإِعصـار في دِعـةٍ |
| خيرٌ له ولتلك الأُمِّ ينهزمُ! |
| لكنه القدرُ (الخلاَّق) لاحظَهُ |
| أرادَ سبحانَهُ شأْناً له ذِمم |
| بحالِهِ.. قاومَ الأَدواءَ وانْتصرتْ |
| في كلِّ آنٍ علَى عِلاَّتهِ الهِمم |
| عاشَ العذابَ يُغذِّي منه شعلتَهُ |
| فتىً.. شباباً.. وعمراً كلُّه حُمم |
| واسْتقطبَ العِلْمَ وُجداناً ومنطَلقاً |
| وحافزاً للغدِ المجهول يَنتظم |
| واستعذبَ السُّهدَ في ليلاتِ عزلتِه |
| مفكِّراً.. دارساً.. والذِّهنُ ملتئم |
| يَطوي الشُّهورَ فلا يَضنَى بوَحدتِه |
| الكتْبُ شاغلُه والفكرُ والحُمم |
| وناغمَ الحبَّ إحساساً.. ويُشعلُه |
| حسنٌ تَساقاه كأْساً فجرُها نَغم |
| والقلبُ أَسلمه للحسنِ مبتهجاً |
| ليْلاه صفوُ الحياة البِكر والحُلُم |
| الحبُّ أَلهاه عن سَقمٍ به نَشَبتْ |
| أَنيابُه.. يا لقلبٍ راعَه الشَّبم |
| والحبُّ أَشعلَه.. يرنو لعالمِه |
| دنيا عواطفُها وُدٌّ به رَحم |
| إنْسانُ يرجو لكلِّ الناس صفوهَمُو |
| وأَن يضمَّهُمُ الإِسعادُ والنِّعم |
| وكانَ يحلمُ أَنَّ الحبَّ يَمنـحُه |
| يدَ الأَليفةِ.. والآهاتُ تنعدم |
| لكنَّ قيساً وليلَى القلبِ.. إِفْترقا.. |
| تغرَّبا في الصِّبا.. فالشَّملُ منحسِم |
| والزَّورقُ الحالمُ المنشودُ أَغرقَهُ |
| تيَّارُ عاصفةٍ ثارتْ بها الرُّجم |
| تحطَّم الأَملُ المرقوبُ وانْقبرتْ |
| أَشواقُ قلبيْن.. والأَحلامُ والدِّيم |
| لكنَّها قد صَحتْ شِعراً بلوعتها |
| فنّاً تُردِّدُه الأَجيالُ والرُّسم |
| * * * |
| أَوَّاه للقلبِ عانَى بالقُلاب
(1)
صِباً |
| وجاءهُ الأَلمُ المجنونُ يخْترم! |
| أَصابَ صمَّامه ضيقٌ يُغلغلُه |
| ويُرهبُ الجسمَ.. يا للنَّفس تَنهدم! |
| لكنَّ فيها إراداتِ الحياةِ صحَتْ |
| والرُّوحُ قدرتُها.. والعزمُ والذِّمم |
| * * * |
| تزوَّج الشاعرُ الشَّادي شريكتَه |
| دربَ الكفاحِ.. تُغنِّي حوله النُّسم |
| والوُلْدُ يأْتونَ في أَحضان مَرحمةٍ |
| هيَ الوجودُ توالتْ بينها الأُممُ |
| الماردُ انْطلقتْ آمالُه ومضَى |
| في موكب الشِّعر، تَحدوها له القِيم |
| يُصوِّر الحبَّ إِنسانيَّةً كمُلتْ |
| للْكلِّ.. حتى يسودَ العزُّ والشَّمم |
| وينظمُ النُّورَ إِنْشاداً وملحمةً |
| وينثرُ الفنَّ آداباً بها حِكَم |
| فكلُّ فنٍّ من الآدابِ عالجَهُ |
| وفيه أَبدعَ إِنتاجاً هو العِظَم |
| هذي رسالتُه يَحيا لها أَبداً |
| رفيقُه الكتبُ والأَفكارُ والقلم |
| تَمضي السُّنونُ.. ويأْتي مثلُها عَجِلاً |
| وفي خُطاها تذوبُ الرِّيحُ والظُّلم |
| وينتهي الزَّبدُ الطَّافي بلا أَثرٍ |
| والذِّكْرُ يبقَى حديثَ الدهر يَبتسم |
| هذي الحياةُ يَراها في تخيُّلِه |
| يُحسُّها واقعاً لم يُبله الهَرم |
| فلا يضِجُّ من الآلامِ في غدِه |
| كالأَمسِ لم تُثْنه الأَوصابُ والسُّدم |
| قد كان أَقوَى من الإِعصار مِشعلُه |
| والقلبُ والروحُ والأَنفاسُ والكِلم |
| * * * |
| الأَربعونَ وقد بُلِّغْتُها صُعداً |
| خطوي بها العنفُ والإِجهاد والنَّغم! |
| تَمتدُّ أَعوامُها.. والقيدُ يجذبُها! |
| لا يَرعوي عن شبابي فيضُها العرِم |
| لكنَّ إحساسيَ الورديَّ ملتهبٌ |
| يشدو الربيعَ وآمالاً بها ضُرَم |
| يَسمو تفاؤلُنا من كلِّ مشأَمةٍ |
| والعيدُ مطلعهُ الأَنغامُ والأَلم |
| هذي الحياةُ تحدٍّ لا ارْتياحَ بها |
| إِرادةُ الأَملِ الموؤودِ تَنتقم |
| حتَّى تُحقِّقَ للإِنسان نُصرتَهُ |
| علَى الزمانِ.. ويزهو المجدُ والقَلم |
| والشاعرُ الباسمُ المحزونُ.. شامخةٌ |
| أَيَّامُه.. في روابي الخلدِ تَحتكم |
| حديثُها الأَمسُ بالتِّذكار ينسجمُ |
| الأَربعونَ معاناةٌ ومعتَصم |