شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري (3)
الشاعر الناقد حمزة شحاتة بعد حديثه عن الشعر والدور الذي يؤديه في الحياة، وعن تلك الصلات القائمة بين الفن الشعري وفن الغناء أو الإنشاد، وهي صلة لا يخلو منها أدب أمة من الأمم، ينتقل بعد ذلك كله إلى الحديث عن أغراض الشعر، ونراه يُلقي السؤال بهدف استشارة الأذهان وتهيئتها، وهذا يدخل في تمكن (شحاتة) من لغة النثر كتمكنه من لغة الشعر وإبداعه في كليهما. ويأتي سؤال شاعرنا على هذه الصورة البسيطة التي لم يفسدها ما عهدناه عند بعضهم من زج للمصطلحات الغامضة، والتنظيرات التي أصبحت حاجزاً بين المبدع والمتلقي. ويستفسر شحاتة: ولو سألنا الآن ما هي أغراض الشعر؟ ثم يجيب عن استفساره: لتوشيتها وجلائها، وتلوين الحقائق والأفكار أو صنعها، أو ما شاءت المذاهب والطاقات.
لقد أراد الشاعر من الحديث عن أغراض الشعر أن يلج بنا إلى موضوع شُغل به النقاد قديماً وحديثاً وهو الأسلوب والأثر الذي يؤديه في تقريب الصورة الشعرية من ذهن المتلقي، ونلاحظ أن (شحاتة)، يؤكد على أهمية الأسلوب ليس في الشعر وحده فحسب بل في فنون أخرى كالغناء. بل إن ((شحاتة)) الذي عُرف بكتاباته المستفيضة في علم (الجمال) على صفحات جريدة ((البلاد))، كما يذكر الأستاذ محمد حسين زيدان - رحمه الله - في كتابه (ذكريات العهود الثلاثة: ص 243)، يجعل الأسلوب قواماً لصور الجمال المتعددة في هذه الحياة. يقول شحاتة في هذه القضية ما نصه: ((إن الأسلوب قوام الشعر، كما هو قوام الغناء، أو كما هو قوام كل فاتن وجميل وقوي ومؤثر في جملة ما يتوقف حصول تأثيره على اجتذاب الرغبة فيه، وإثارة الإعجاب به، وتحريك الميل إليه، وربط (شحاتة) بين دور الأسلوب في الشعر وفي الفنون الأخرى، إنما هو من باب ولع شاعرنا بتقليب المعنى على أوجه عديدة حتى يتضح المعنى الذي يرمي إليه، وهو هنا التأثير الذي يمكن أن يُحدثه الشعر، وما يترتب على هذا التأثير من سمو للنفس، وتطهير للروح للارتقاء بها عن الساقط من السلوكيات، والمرفوض من الأخلاق. وهنا نضع أيدينا على أثر مهم وهو: كيف يتأتى للكلمة أن تؤدي دورها في الحياة؟، فهي تحتاج إلى كثير من الصقل والتهذيب، ولعل شاعرنا الكبير صاغ هذه القضية النقدية القديمة بأسلوب عصري بعد أن تمثلها في داخله وعالجها من خلال ما أبدعه من شعر بلغ الذروة من حيث معناه ومبناه، ثم فصّل القول فيها في هذا البيان الشعري المهم. وليس هناك ما يمنع أن نورد رأي بعض النقاد العرب القدماء، كضياء الدين بن الأثير، في هذه القضية حتى نقف على جهود علمائنا الأوائل في هذا الميدان من جهة، ولنكشف عن المنابع الأولى والأساسية التي تذوقها (شحاتة) ثم نهل منها حتى ارتوى عن وعي وإدراك، وهذا هو الفرق بينه وبين بعض معاصريه، بل بينه وبين من أتوا بعده بزمن طويل، وعجزوا عن تقريب الأسس النقدية الأصيلة في تراثنا للأجيال التي هي أحوج ما تكون إلى الدليل، وأشد افتقاراً إلى الساري في ليلها البهيم من حيث جميع مناحي الثقافة، وضروب الفكر، وصنوف الإبداع التي تتحدد من خلالها هوية الأمة الحضارية بين الأمم الأخرى، فيكون لها وجود وترتفع لها قامة.
يقول ضياء الدين بن الأثير في كتابه (المثل السائر) عما اصطلح على تسميته في عصره بالجمال اللفظي: ((إن الكلام الفصيح هو الظاهر البين، وأعني بالظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة لا يحتاج في فهمها إلى استخراج من كتاب لغة)). ثم يوضح ابن الأثير دور الجمال اللفظي في اجتذاب الرغبة، وإثارة الإعجاب، وتحريك الميل، كما فضّل (شحاتة)، يقول هذا الناقد العربي الأصيل في المثل السائر: ((لأن الألفاظ داخلة في حيز الصوت، فالذي يستلذه السمع، ويميل إليه هو الحُسن والذي يكرهه وينفر منه هو القبيح)) (1) .
ذهنية ((شحاتة)) المتأثرة بعلم المنطق والمناظرة، لا تنتهي من قضية حتى تدخل في أخرى بعد أن تكون أشبعتها بحثاً بما يكفي لإيضاحها وتبيان معالمها، فهو ينتقل من قضية الأسلوب على المعنى، والقضيتان منذ القدم مترادفتان، بل إن كتب الأدب العربي شُغلت بهما إلى درجة كبيرة، وهذا نابع من الربط بين اللفظ والمعنى في بيان القصيدة ومعمارها، إن لم يكن نابعاً من الحياة نفسها، التي تجمع بين عوالم الحس والغيب، والمادة والروح، والعقل والقلب، ولا تستقيم الحياة بدون هذا الكل المترابط الذي يجعل لهذا الوجود معنى وغاية وهدفاً.
يقول (شحاتة) مفصلاً في الربط بين الأسلوب والمعنى: ((ولكننا نسأل: أي جمال ((أسلوبي)) يخلو من صفات التأثير ودواعيه وأسبابه؟ كما نسأل أي كلام يمكن أن يخلو من المعنى؟ إنما أسوأ الفروض أن يكون وجود صفات التأثير ودواعيه وأسبابه في الجمال الأسلوبي وجوداً ناقصاً أو مرجوحاً فلا يكون بهذا النقص سبباً مباشراً في التأثير أو السبب المباشر له، بل معنى فيه، أو عنصراً في جملة عناصره، أو عاملاً من عوامله فهذا أخلق بأن يكون المعقل والواقع المفسر)) (2) .
إن ((شحاتة)) يدمج بهذه المقولة دمجاً فلسفياً بين جميع عناصر الصورة التي يقتضيها إبداع الشعر. وهو يرى أن حظ المبدعين من جمال اللفظ، أو روعة الأسلوب ودهشته هو حظ متفاوت. وهو من تجربته الرائدة في الشعر والنثر - معاً - يميل إلى أن المبدع المتمكن هو الذي يستطيع أن يُحيك الأثر الإبداعي بجميع العناصر التي يتطلبها وجود هذا الأثر بحيث إذا تفكك إلى وحداته الصغيرة والمتداخلة، لا نجد فيه المتعة الأدبية المطلوبة، وهو معنى بعيد الدلالة ولكنه ليس بمستحيل التحقق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :877  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 267 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الخامس - حياتي مع الجوع والحب والحرب: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج