فهارس الكتب عناوين الكتب محتويات الكتب أسماء المؤلفين الكل          البحث   

مكتبة الاثنينية
الرئيسية > كتب "مكة المكرمة عاصمة الثقافة الإسلامية 1426هـ" > الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ محمد حسين زيدان > الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ محمد حسين زيدان - الجزء الثاني - النثر - تمر وجمر > وجدانيات > ما زلت مشغولا بها
ما زلت مشغولاً بها ـ وما زلت معها، فكلما غابت عن تذكري لم تغب عن ذاكرتي، فقد حضنتها الذاكرة ويحلو لوجداني أن يتنفس، يخاطب نفسه عنها، كأني قد انشطرت اثنين، أتحدث أنا الأول مع أنا الثاني.. عنها، كأني أخاف نسيانها.. فعملية التجريد واردة، وعملية التجربة كانت وردي الذي نهلت منه. من هي؟ هي التي أعرفها ولا أعرفها، ولعلّي حين رأيتها كانت هي التي تعرفني. ولكن أين رأيتها وكيف رأيتها؟ فلقد كنت نائماً هادئ البال، لا أشعر بأي شيء يحملني هماً أو يسقط عني غماً. رأيتني واقفاً في صحن قاعة كأنها إحدى قاعات المدينة المنورة. وكان الوقت ليس فيه فضيحة النهار ولا وضوح الليل للذين تأخذهم السكينة لا يتضح بها الظلام وإنما يتضح بها شعور الإِنسان إذا ما لبس الليل نعمة يهدأ بها. وأضاءت المكان حين فتحت الباب. كأن الصبح قد تنفس. استضيء بضوءين.. نورها الذي أشرق، ونور الوجدان الذي شع كأن نورها أضاء الوجدان. فتحت الباب وأطلت منه، بهرني وجهها وقهرني صمتها. فالجمال كانت هي كله حين بهرت. والجلال كانت هي كله حين قهرت. ما كنت رأيتها من قبل، وما رأيتها بعد، ولم أر من يماثلها. إذا ما تذكرتها بحثت لأرى من شاكلها، كأنها هي التي وصفها عروة بن أذينة: بيضاء باكرها النعيم فصاغها بلباقة فأدقها وأجلها ومضة نور لم تقف إلا ثوان، أما أنا فقد وقفت دقائق أنظر إلى الباب الذي امتلأ نوراً، ثم ذهب النور لا أراه على الباب وإنما استقر في وجداني. من هي؟ أهي واحدة عطفت على الطفل اليتيم، ماتت أمه ولم يعرفها؟ أم كانت هي أمي أبرزها العقل الباطن يصورها في الصورة الجميلة التي قالوا لي إن أمك كانت جميلة. كانت من نبات وادي الرمة، بدوية تحضرت، وحضرية هي التي فتحت الباب، ماذا يقول عالم النفس؟ هل يقول إنها أمك، أشرقت بنور وجهها لتراها؟ وكان صمتها برهان الموت، تجسد في حياتها تحيا لحظة أراها. لو كنت أنساها لقلت إنها أنثى عابرة، ولكن بقاءها في الذاكرة والتذكير برهان على أنها.. الأم.. أرادت أن ترى ابنها وأن تريه نفسها ليحبها أكثر.. حب الأمومة وحب الحبيبة. فما زلت مشغولاً بها، ففي الشباب كنت لا أتذكرها كثيراً. وفي الشيخوخة كانت هي شباب الحياة وحياة الشباب. إنها أمي. فلا يمكن أن تبقى في الذاكرة حبيبة إلا الأم.
طباعة تعليق  القراءات :591  التعليقات :0
صفحة 419 من 1092

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان

هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع
	تسجيلات كاملة
	مقتطفات لتسجيلات مختارة
	لا أؤيد
النتائج