شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مع إبليس والمعري
ـ وتحت ضغط التجريد وجدتني أصل إلى وادي عبقر، في صحراء نجد، فسمعت حواراً مع الشاعر العبقري أحمد المعرِّي، وقد لعن إبليس فثارت الجن في وادي عبقر، كأنما تحمي أباهم إبليس من لعنة المعري. وإذا الشيطان الأكبر يقول لبنيه دعوني مع هذا الإِنسان، لماذا تلعنني؟ لقد أصبحت عاجزاً عن غوايتكم لأنكم برعتم في غواية أنفسكم، فحققتم كل ما أريد، فيوم كنتم الصالحين كنت استخزي من اللعنة، ويوم أصبحتم الطالحين احلتم العلم وما تصنعه المدنية المتفوقة إلى طعام شيطاني تدمرون به أنفسكم، يوم كانت للأخلاق قيمة كنت حريصاً على غوايتكم، ولكني الآن أتناول بعض الراحة لأن لعنتكم قد عادت إليكم.
فقال المعرّي: من أجل هذه الفلسفة ألعنك أكثر، فأنت الغواية الدائمة للإِنسان.
فقال إبليس، هناك من يعجب بشعرك ويكفر بالفلسفة التي كانت غوايتي لك. لم يعذروك شاعراً، وإنما جحدوك فيلسوفاً! انظر إلى هذا التناقض بين ما قلت من إيحاء العبقرية لك، فالعبقرية أصلاً وإن فخرتم بها هي من صنع الجن لكم.. أنتم العرب تقولون العبقري نسبة إلى وادينا نحن الجن. وحتى العامة منكم إذا ما وصفوا إنساناً ممتازاً مثلك قالوا جني.. شيطان.. مارد. والأعاجم في الغرب إذا ما وصفوا عبقرياً قالوا عنه ((جينيوس)) أي جني. فكل هؤلاء وهؤلاء قد امتدحوا وفخروا بنا نحن الجن.
قال المعري: لقد شطحت شيطانياً، فأين هو التناقض الذي قلت عنه؟
فقال إبليس: هو على هذه الصورة. فقد قلت أنت:
ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة
وحق لسكان البسيطة أن يبكوا
وتتركنا الأيام صرعى كأننا
زجاج ولكن لا يعاد له سبك
ظنوا بك الظنون حين اتهموك أنك تنكر البعث، بينما أنت قلت في مرثيتك البارعة الفارعة:
غير مجد في ملتي واعتقادي
نوح باك ولا ترنم شاد
فقد جاء بعد المطلع ما أثبت به البعث:
خلق الناس للبقاء فضلت
أمة يحسبونهم للنفاد
إنما ينقلون من دار أعمال
إلى دار شقوة أو رشاد
وصرخ إبليس صغير: يا أبت.. لقد أعطيت المعري البراءة التي لا نريدها. فتعاسة المعري في ألسنة قومه أحب إلينا من هذه البراءة.
فقال إبليس: أردت أن أرزقه ليجتر أصدقاؤه الخلاف حتى التناحر بينهم.
وصحوت أبارح التجريد لأعيش في راحة من شيطنة الشياطين وأبلسة الأبالسة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :602  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 246 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.