شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قمة الجزائر
ـ واستأخرت أستأني.. أستكنه البشائر تزفها الأخبار إلينا عن زيارة جلالة الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية إلى الجزائر. وانتظرت فوجدتني أطرح هذا السؤال.
هل فاجأ الملك فهد بن عبد العزيز دنياه العربية وإنسانها بهذه الزيارة بكل ما فيها من دقة التوقيت يحالفه التوفيق؟ نعم، لقد فاجأ الملك فهد الذين يحبون الصيد في الماء العكر وتقذف أشداقهم السباب الكدر، ويتمنون أن لا يكون لقاء بين الملك فهد والرئيس الشاذلي بن جديد، سواء كانوا من شرق السويس أو غرب السويس.
إن المفاجأة أحدثت أثرها، أسقطت الظنون. فقد كان هؤلاء الذين لا يريدونها يعتقدون ولا أقول يظنون أن علاقة المملكة العربية السعودية الوثيقة بالمملكة المغربية قد تكون حائلاً بين العلاقة الوطيدة بين المملكة وجمهورية الجزائر.
لقد حسبوا لذلك حسابهم وأقنعتهم أحاسيسهم فكذبهم جواسيسهم، ذلك لأن علاقة المملكة العربية السعودية بأي شعب عربي وأي زعيم عربي علاقة يحتمها المكان وما أقدسه! والإِمكان وما أجوده! والمكانة التي عرفت مجد ماضيها ونبل حاضرها والتفاؤل بمستقبلها. فالعلية الوارثون لنازع التاريخ وحتم التاريخ ووازع النضال لا يبخلون بأن يكونوا الحافظين لذمة إسلامهم والعارفين بقيمة عروبتهم والمعترفين بواقع يدعو إلى التضامن، يصرخ في أذن الأصالة يقول لها: كونوا وأنتم الوارثون للأصالة أخوة لأخوانهم، تصبرون على من عق وانشق. لعلّ الأحداث تهديه إلى رشد، وتصدقون مع الذي أوفى وما جفا حرصاً على أن يكون دائماً في موقف الوفاء وإسقاط الجفاء.
إن الملك فهد يجري في عروقه دم الشهداء، فهو بقية السلف ينمو أثره فعلاً يزين وإسقاطاً لما يشين. والشاذلي بن جديد قد ورث دم المليون شهيد، فمسؤولية الوراثة هذه تجعله في عداد الذين تأصل بهم تاريخهم لأنه لا يمكن لهم أن يتنصلوا من دم المليون شهيد.
إن علاقتنا بالمغرب نصنعها الآن ولكن المغرب صنعها قبل الآن، لأن هؤلاء المغاربة أسميهم أهل الحفاظ، حفظوا القرآن وحافظوا على الإِسلام وعشقوا المشرق العربي وكانوا أكثر عشقاً إلى الحجاز لأنهم ما زالوا على مذهب مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وما زالوا على قراءة نافع مولى أبي نعيم قراءة أهل المدينة. هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى فما أكثر حنينهم إلى نجد موطن الذين سعوا إليهم من بني هلال وسليم وزغابة الذين إن قيل إنهم خربوا فقد قال ابن باديس إنهم عربوا. أما علاقتنا بالجزائر، وقلت إنها وطيدة، فكل ما اتصف به المغرب مما سبق كانت الجزائر مثلهم، أعني مثل أهل المغرب في الحفاظ وفي الحنين. إن الجزائر لا تنسى أن المملكة العربية السعودية طوال تاريخها ما كانت إلا للجزائر في ثورتها واستقلالها وبعد استقلالها. فابن باديس قال له عالم من أهل المدينة السيد حسين أحمد: ((البقاء هنا ليس جهاداً، فالجهاد في الجزائر)) ما سمعناها من قائلها وإنما من شاكرها سليل الملوك الذي شبع من لغة القرآن وتعاليم القرآن عبد الحميد بن باديس.
في فمي كلام كثير أفطم القلم أن ينطق بشيء. فعلاقتنا مع الجزائر علاقة إذا ما عرفت أنا الكثير منها فكل جزائري يعرفها، ليس أولهم الشاذلي بن جديد وليس آخرهم أحمد طالب الإبراهيمي.
إن الجزائر مركز ثقل في أفريقيا العربية، فتراني الآن أرفع أكف الضراعة أن يكلل الله مساعي الملك فهد برأب الصدع بين الملك الحسن والرئيس الشاذلي بن جديد، فقد كنت أحد الحالمين الذين يأملون أن يتم الاتحاد الكامل على صورة أو بأخرى بين الشعوب والزعماء العرب الأفارقة. لقد وقفت بين أحلام أبي خلدون ساطع الحصري الحلبي اليمني التركي العراقي المصري وبين واقع ابن خلدون عبد الرحمن الحضرمي التونسي المصري فلم أكن في موقف الاستجابة لأبي خلدون ولا في موقف الاسترابة من ابن خلدون، وإنما كان موقفي موقف الآمل في أن يتحقق حلم وأن يطاح بظلم. فالحلم أن يتفق العرب على أقل قدر من الوحدة وأجل قدر من التضامن، والظلم أن لا يبقى طابع ابن خلدون وصمة في تاريخ العرب.
إن الشعوب هي التي تعبر عن الحب وعن التقارب وعن وحدة الأصول، فلدينا أصول خمسة تجمعنا، وحدة الدين وحدة اللغة وحدة الأرض وحدة التاريخ، وحدة المصير، أما السادس من الأصول فهو الجهاد ضد اليهود، فإذا لم يجمعنا ضيم فإننا نصبح وكأننا ننم عن سوء خيم. فمن حب الشعوب هذه الحكاية طالما سمعناها من أصحاب العزوة ((شبابه)) يتحدث بها حربي أو عتيبي فيطرب لها سامعها من كل قبيل.
قال: إن ((هوشة)) - أي معركة - شبت بين القبائل في منى فخندف من خندف وشبب من شبب، فإذا الجزائري يخطف عصاة يكون في صف ((شبابة)) وفي العام القابل جاء جزائري كأنما سمع بخبر المعركة في العام الماضي فأخذ يطوف بين القبائل يقول: ((يا مشبب ذا العام شبب ذي السنة)) يريد أن تكون معركة يكون الجزائري فيها ((شبابيا)) من ولد بني هلال وبني سليم الذين لم يرحلوا للنجعة وإنما رحلوا وهم بقايا بني الأخيضر إلى المعز الخليفة الفاطمي في القاهرة، فتناسلوا في مصر وما أكثر أنسالهم في شمال أفريقيا، هم عربوا وإن خربوا.
فالجزائر والشمال العربي الأفريقي كله ذا ما حج أيام الإتاوات وقبل هذا العهد الآمن يمر من مكة إلى المدينة وكأنه في أرضه الشمال الأفريقي. فطريق المدينة ((شبابه)) والليبي والتونسي والجزائري والمغربي والشنقيطي والصعيدي لا يعترضهم طالب إتاوة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :859  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 210 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.