شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سَعْد بن مُعاذ
الحديث عن سعد بن معاذ أهابه.. مثل الحديث عن صديق الأمة الأول أبي بكر الصديق. كلاهما أتهيب التحدث عنهما. كأنما أحسب ما قرأته عنهما قد قرأه الناس جميعاً. يتذوق كل قارئ من سيرتهما العطرة معاني الصدق والتضحية والإيمان. أبو بكر صديق الأمة الأول، وسعد بن معاذ صديقها الثاني.
وبعد، فإن الرسول لم يحب مهاجراً مثلما أحب أبا بكر.. ولم يحب أنصارياً أوسياً مثلما أحب سعد بن معاذ وهذا ما نطقت به ألسنة على ألسنة رواتها من الصحابة الصادقين في السيرة الصادقة. وسأترك الحديث عنه لفعاله، لبطولته، تظهر من خلال الروايات التي نقلت سيرته.
سعد بن معاذ من بني عبد الأشهل من الأوس من الأنصار.. كان سيد الأوس الأول من الأنصار. يقابله القبيل الثاني ((الخزرج)): وصفوه بأنه كان رجلاً أبيض، طوالاً، جميلاً، حسن الوجه، أعين، حسن اللحية.. سيما الفحول من الرجال.
وأسلم سعد بن معاذ وأسيد بن الخضير، على يد مصعب بن عمير العبدري، فأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل جميعاً رجالاً ونساء، لم تبق دار من دورهم غير مسلمة، ثقة في سعد وبركة الله يُسبغها على قوم سعد. لم يترك مصعباً وحده بل آواه إليه. هو والنقيب العظيم علم العقبة الأولى أبو أمامة أسعد بن زرارة.. ابن خالة سعد.. سكنا عنده وسكنا إليه.. وأخذ هو وأسيد معاولهما يكسران أصنام بني عبد الأشهل. فلا معنى لوجود الصنم مع وجود (لا إله إلا الله). وآخى الرسول بينه وبين الترب الخدن العظيم. سعد بن أبي وقاص. وقيل بينه وبين أبي عبيدة.. وأنعم وأكرم بأمين الأمة قائد فتوحها، يصبح أخاً لسعد بن معاذ.. أما ورب الحق لو تخير سعد بن معاذ أحدهما لتخير كيف يختار، كان لواء الأوس يوم بدر في يده وشهد أحداً وكان من الذين لم يستزلهم الشيطان ومن الثابتين معه كأخيه سعد ابن أبي وقاص، وشهد الخندق. وقريظة ثم وافاه الأجل.. فكيف؟
قالت عائشة رضي الله عنها: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس فسمعت وئيد الأرض ورائي، تعني حس الأرض، فالتفت فإذا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث ابن أوس يحمل مجنة فجلست إلى الأرض. قالت: فمر سعد وهو يرتجز ويقول:
لبَّث قليلاً يدرك الهيجاء حمل
ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: وعليه درع قد خرجت منه أطرافه فأنا أتخوف على أطراف سعد. وكان سعد من أطول الناس وأعطفهم، قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين وفيهم عمر بن الخطاب رحمه الله، وفيهم رجل عليه تسبغة له، تعني المغفر. قالت: فقال لي عمر: ما جاء بك؟ والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون نحور أو بلاء، قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها، قالت: فرفع الرجل التسبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبد الله، قالت فقال: ويحك يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله؟ قالت ورمى سعداً رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم فقال: خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فدعا الله سعد فقال: اللَّهم لا تمتني حتى تشفيني من قريظة، وكانوا مواليه وحلفاءه في الجاهلية، قالت فأرقأ كلمة، تعني جرحه، وبعث الله تبارك وتعالى الريح على المشركين فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً. فلحق أبو سفيان بمن معه بتهامة، ولحق عيينة بمن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأمر بقبة فضربت على سعد بن معاذ في المسجد، قالت فجاءه جبريل صلى الله عليه وسلم وعلى ثناياه النقع فقال: لقد وضعت السلاح؟ فوالله ما وضعت الملائكة السلاح بعد، أخرج إلى بني قريظة فقاتلهم، قالت فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذّن في الناس بالرحيل، قالت فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني غنم وهم جيران المسجد فقال لهم: من مر بكم؟ قالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية تشبه لحيته وسنه ووجهه بجبريل عليه السلام، قالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمساً وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء عليهم قيل لهم أنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال لهم رسول الله: أنزلوا على حكم سعد بن معاذ فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فحمل على حمار عليه أكاف من ليف، وحف به قومه فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو. حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية، ومن قد علمت ولا يرجع إليهم شيئاً حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن لي ألا أبالي في الله لومة لائم. فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، فقال عمر: سيدنا الله، فقال: أنزلوه، فأنزلوه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحكم فيهم، فقال: فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم وتقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله. قالت: ثم دعا الله سعد فقال اللَّهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئاً فأبقني لها. وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فأقبضني إليك. قالت: فانفجر كله وقد كان بريء حتى ما يرى منه شيء إلا مثل الخرص، ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر، قالت: فوالذي نفس محمد بيده أني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي، وكانوا كما قال الله رحماء بينهم. قال فقلت: فكيف كان رسول الله يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وحد فإنما هو يأخذ بلحيته. فلما ألحد وقف الرسول على قبره وسبَّح ثلاثاً، فارتفع صوت الصحابة يرددون التسبيح وكبر ثلاثاً فارتفع صوتهم يرددون التكبير حتى أرتج البقيع. وقال لهم الرسول: لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد. وتحدثوا عنه فقالوا: إنه نام رسول الله. فلما استيقظ أتاه جبريل يسأل: من رجل من أمتك مات الليلة استبشر بموته أهل السماء. فقال الرسول: لا أعلم، إلا أن سعداً أمسى دنفاً.. وسأل أصحابه عن حال سعد؟ ما فعل سعد؟ فقالوا: قد قبض وجاء قومه فاحتملوه من القبة التي وضعت له في المسجد قرب النبي يمرض فيها، ويعوده الرسول. قالوا: فصلى رسول الله الصبح ثم خرج ومعه أصحابه فبتّ الناس جميعاً، حتى أن شسوع نعالهم لتقطع من أرجلهم، وإن أرديتم لتقع عن عواتقهم. فقال رجل بلى: يا رسول الله. قد بت الناس أي ((انقطعوا)). فقال الرسول إني أخشى أن تسبقنا الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة.. يعني إلى غسله كما غسلت حنظلة يوم أُحد. وبكت عليه أمه. فنهاها عمر.. كعادته.. فنهاه الرسول: مهلاً يا عمر فكل باكية مكذبة إلا أم سعد، ما قالت من خير فلم تكذب.
أقدم بالقول الصادق يوم بدر ((لو أمرتنا أن نخوض البحر لخضناه ولو اقتحمت بنا النار لاقتحمناها)) فأقدم الصحاب بالفعل الصادق. ولم يتأخر هو عن الفعل الصداق. بل كان أول المبارزين.
هذا سعد بن معاذ صديق الأمة الثاني رضي الله عنهم أجمعين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 147 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج