ولست بصدد أن أكتب بحثاً عن البحر الأحمر فقد أكتفي بهذه البحوث التي نشرت في هذا العدد كتعريف مبسط لمكانته وأهميته فإن تشعبت الأحداث حواليه فقد جعلت له أهمية خاصة مع أنه في كل التاريخ ذو أهمية مما تظهره البحوث المنشورة بعد هذه المقدمة وإنما سأكتب تعريفاً لا تنساق به العاطفة إلى حد لا يعقله عقل، فأصدق التاريخ عقل لا يجور على العاطفة، وعاطفة لا تقصي العقل.
إن البحر الأحمر كان أرضاً براً كأنما هو قد جعل جزيرة العرب أفريقية، بل وعلى الأصح قد جعل من شرق أفريقيا أرضاً عربية. كان براً اتصلت به آسيا بأفريقيا فإذا الانشطار يحدث به هذا الخليج: بحرنا الأحمر، وكأنما برزخ السويس قد كان الإشارة أو العلامة لتلك الصلة فحين كان برزخ السويس لا يعد البحر الأحمر إلا خليجاً عربياً، وحين تم فتح قناة السويس أصبح مضيقاً عربياً، لا يملك أي شبر من سواحله الآسيوية الأفريقية إلا أهله العرب، وإن أخذت الحبشة بعض ساحله، فحين كان خليجاً عربياً لم تكن هناك حدود إقليمية داخل البحر تحدد بالأميال، بل كله كان إقليماً عربياً، ولكن قناة السويس جعلته بحراً ترتفق به التجارة العالمية، فهو ممر للتجارة وليس ملكاً لأحد غير أهله.