شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحَلْقَةُ السَّادِسَةُ وَالعِشْرُونَ
تماثل الشيخ للشفاء من الوعكة الصحية المفاجئة التي مر بها خلال أربع وعشرين ساعة.. وحضر اليوم وليس عليه ما يوحي ببقاء أثر للرشح والحرارة.. حمد الفتى ربه على صحة شيخه وفرح بذلك كثيراً.. جلس الشيخ يعد نفسه لشرح الدرس الجديد بعد أن سأل فتاه هل لديك ما تسأل عنه؟ فأجاب الفتى ليس عندي أي سؤال خاصة بعد أن أرهقت أستاذي الشيخ بكثرة الأسئلة في الدرس السابق.
قال الشيخ: إذن نبدأ درس اليوم.. ثامن العشر من منصوبات الأسماء هو أسلوب.. الاختصاص.. وفيه يجيء الاسم منصوباً بعد فعل مقدر بـ ((أخص أو أعني)) ولا بد أن يكون بعد ضمير منفصل كأن نقول مثلاً نحن.. لنا.. أنتم.. هم فمثاله نحن المسلمين لنا حضارة قامت على الأخلاق الكريمة.
فلفظة المسلمين وقعت بعد ضمير ـ نحن ـ وهو ضمير منفصل فجاءت منصوبة وعلامة نصبها الياء لأنها جمع مذكر سالم فكأنك تقول أخص.. أو أعني المسلمين ـ ومنه قولنا ـ لكم أنتم المجدين جهد كبير في العمل.. أي أعني وأخص المجدين.. رفع الفتى إصبعه مستأذناً بسؤال عاجل.. لاحظ الشيخ أصبع الفتى مرفوعة سمح له بطرح سؤاله.. قال الفتى حبذا لو تفضل علي أستاذي الشيخ بذكر إعراب شامل مفصل لأسلوب الاختصاص.. أجابه الشيخ لا بأس تقول مثلاً ـ لكم أنتم المجدين جهد كبير.. فـ ـ لكم جار ومجرور خبر مقدم.. أنتم ضمير منفصل مبني في محل نصب على الاختصاص ـ المجدين ـ اسم منصوب بالياء نيابة عن الفتحة لأنه جمع مذكر سالم بفعل محذوف تقديره ـ أخص ـ جهد ـ مبتدأ مؤخر كبير صفة مرفوعة للمبتدأ.
شكر الفتى أستاذه الشيخ على إسهابه في الإعراب وتفصيله. ثم انتقل الشيخ قائلاً أما التاسع عشر من منصوبات الأسماء هو أسلوب الإغراء والتحذير حيث ينصب الاسم على المفعولية بعد فعلين متعديين يفيدان الإغراء أو التحذير.. حسب مفهوم العبارة واستشفاف معناها فمثلاً نقول.. النارَ النارَ.. الفشلَ الفشلَ.. الكسلَ الكسلَ.. فكأنك تحذر المخاطب من النار والفشل والكسل.. فيعرب الاسم منصوباً على التحذير بفعل مختف مقدر بـ أحذر أو تجنب. أما الإغراء فهو أسلوب تغري فيه المخاطب بالإقدام لعمل محبب له يعود عليه بالفائدة والنجاح فتقول مثلاً الجنةَ الجنةَ.. الصلاةَ الصلاةَ.. النجاحَ النجاحَ فكأنك تغري مخاطبك بالجنة والصلاةِ والنجاحِ.. لما فيها من أثر طيب المجتنى.. وفي حالة الإعراب نقول.. الرحمةَ الرحمةَ. الرحمة اسم منصوب بالفتحة الظاهرة في آخره بفعل محذوف تقديره الزم الرحمة والفاعل ضمير مختف فيه وجوباً مقدر بـ ((أنت)) والرحمة الثانية مؤكدة للأولى.. رفع الفتى إصبعه مستأذناً بسؤال عاجل عنَّ له لاحظ الشيخ إصبع فتاه مرفوعة تشير بسؤال ما.. أذن له بطرح سؤاله.. قال الفتى.. قرأت قول الشاعر:
أخاك أخاك إن من لا أخا له
كساع إلى الهيجا بغير سلاح
على أن نصب ـ أخاك ـ بالتحذير أي أحذر أخاك وإذا غيرنا لفظة ـ بغير ـ بلفظة ـ كل ـ كان وجه الإعراب على الإغراء.. الواقع أني لم أستوعب المعنى من البيت لا قبل التغيير ولا بعده فحبذا لو أفضل أستاذي العزيز بشرحه لي.. قال الشيخ هو لك يا بني.. النصب على الطريقة الأولى كأنك تقول لمخاطبك أحذر أخاك الذي إذا دخل الحرب كان كداخلها بلا سلاح ولا عدة.. وذلك لعدم وجود أنصار له ومعارف يعتز بهم فهو كداخل الحرب ـ بغير ـ سلاح.. أما بعد إبدال لفظة ـ غير.. إلى ـ كل ـ فيكون له سلاح فكأنك تغريه بإلزامه لأنه أخ قوي يعتد بمصاحبته فهكذا ترى أنه بلفظة واحدة استطاع الشاعر أن يغير معنى البيت ويقلبه على عقب من التحذير إلى الإغراء. وتلك من أسرار اللغة العربية الواسعة وهذا ما يؤكد لنا مقولتنا السابقة التي مفادها أن النحو أصل المعنى.. فإذا فهم المعنى واستقام في الذهن.. جاء الإعراب مستجيباً له.
أما العشرون من منصوبات الأسماء فهو ـ خبر ما الحجازية ـ وما هذه تعمل عمل ليس ترفع الاسم وتنصب الخبر وذلك في لغة أهل الحجاز التي تشرفت بنزول القرآن الكريم بها. واستعمالها دون سواها من اللغات وغالباً ما يقترن جوابها بالباء الزائدة أما أنا فأراها تفيد التوكيد وليست زائدة كما ذهب معظم النحاة. وقد جاء في القرآن الكريم قول الحق سبحانه وتعالى.. مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ (1) فـ ((محمد)) اسم ما مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في آخره ـ أبا ـ خبرها منصوب وعلامة نصبه الألف لأنه من الأسماء الستة ولك أن تقول ما مجتهد في عمله بمذموم ـ فالباء هنا حرف جر زائد دخل على خبر ما يفيد تقوية الحكم ومذموم خبر ما منصوب محلاً مجرور لفظاً..
رفع الفتى إصبعه مشيراً بسؤال عنَّ له سمح له الشيخ بإلقاء سؤاله قال الفتى عفواً أستاذي الشيخ قلت إن ما الحجازية تعمل عمل ليس وقد نزل بها القرآن الكريم.. فهل هناك ـ ما ـ أخرى؟ قال الشيخ ردًّا على سؤال الفتى.. سؤالك نير وبصير يا بني. نعم هناك ـ ما ـ التَّميمية التي ليس لها عمل إعرابي في الجملة سوى أنها أداة نفي فقط. فتقول ما محمدٌ كاذبٌ في رسالته. فـ ((ما)) تميمية نافية محمد.. مبتدأ.. كاذب خبر. في رسالته جار ومجرور.
نظر الشيخ إلى ساعته فوجد الوقت متأخراً قال لفتاه هل لديك أي سؤال يا بني؟
قال الفتى حتى الآن. فلا.. آمل أن يكون عندي كثير من الأسئلة في الدرس القادم إن شاء الله وودع كل منهما الآخر على أمل اللقاء غداً إن شاء الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :630  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 29 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.