شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لمحة عن بطولة عالم إسلامي جليل في سبيل إنقاذ فلسطين من الصليبيين
في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي تفاقم أمر المغول التتار في بلاد ما وراء النهر فزحف هولاكو خان على بلاد إيران وكانت دويلات صغيرة، فاستولى عليها عنوة ولاية بعد ولاية ودان له أهلها بالطاعة والاستسلام فزحف بجيشه الجرار إلى العراق في خلافة المستعصم بالله (1) وجرت مخابرات بينه وبين الخليفة بوساطة وزيره (مؤيد الدين العلقمي) بل (هادم الدين) فخان الخليفة، ودخل هولاكو بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله وأباح المدينة ونهب قصور الخلفاء وقتل مئات الألوف من السكان حتى سال نهر دجلة بالدماء.
وفي نشوة ظفره وظلمه بعث رسله لسلطان مصر والشام مظفر الدين قطز، من سلاطين الأتراك المماليك ليسلمه ما في يده من البلاد مصر والشام بدون حرب وقتال، فرفض هذا السلطان طلبه بإباء. ويعود الفضل إليه في حماية الشرق الأدنى من مصر إلى بلاد الشام.. فعبر هولاكو نهر الفرات متوجهاً إلى بلاد الشام.. فعبر هولاكو نهر الفرات متوجهاً إلى بلاد الشام.. ودخل حلب ظافراً، وكان السلطان يتأهب للجهاد بالتشاور مع قواده في مصر وأمراء مملكته يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، ولم يبق لهولاكو غير أيام حتى يدخل إلى دمشق ويعيد مذبحة بغداد.
في تلك الأيام الرهيبة والأوقات العصيبة انبرى عالم كبير وفاضل جليل مشهور بالتقوى والصلاح، وصاحب تصانيف مشهورة، وداعٍ إلى الرجوع لعقيدة السلف ألا وهو الإمام تقي الدين ابن تيمية الحراني عالم الشام والذي يصدق عليه الحديث الشريف: العلماء ورثة الأنبياء.
قام هذا الشيخ يحض الناس على الجهاد والذود عن حياض الوطن الإسلامي وبذل النفوس رخيصة في سبيل الله لدفع العدوان، وأخذ يتنقل بين الأهالي والجند ويطوف في الدساكر يثبتهم ويرغبهم في الجهاد مذكراً بقوله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (آل عمرن: 175).
وقائلاً: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم فتحولت أرواحهم المنهزمة إلى جبهة صلبة تواقة للقتال والجهاد ولم يكن بعد قد تحرك السلطان قطز من مصر، فركب إليه الشيخ واجتمع به وبأمراء مملكته وقواده وكان السلطان كما قدمنا يقدم رجلاً ويؤخر أخرى حتى دخل عليه الشيخ وذكره بقوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ (التوبة: 24). فنفخ فيهم روح الحمية ورجع من وقته، إلى دمشق ليقوي من عزيمة الشعب الإسلامية لخوض الجهاد والقتال ومعركة المصير، وبعد أيام تحرك ركْب السلطان قطز بجنوده الجرارة وكبار قواده وأمرائه واجتمعوا بجنود الشام ومن ورائهم الأهالي داعين لهم بالنصر والابتهال إلى الله.. والتقوا بهولاكو الذي جاء بجحافله وجنوده كالجراد المنتشر بين السماء والأرض.. التقى الجمعان بعين جالوت (2) ، والشيخ تقي الدين مع المحاربين بسيفه ولسانه يحرض على الجهاد والقتال.. وكانت هذه المعمعة في شهر رمضان مثل هذا الشهر. وكان الشيخ ابن تيمية يمر بصفوف المجاهدين قائلاً لهم:((افطروا وقاتلوا فإن الرسول صلَّى الله عليه وسلم أمر بالفطر في فتح مكة في شهر رمضان)) وحمى الوطيس، ونادى السلطان (قطز): يا خالد ابن الوليد متفائلاً بسيف الله المسلول بالفتح والنصر.. فصاح به الإمام ابن تيمية قائلاً له: قل يا الله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.. وقل ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله في المعارك: اللًّهُمَّ أنت عضدي ونصيري، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. فاستجاب السلطان لنصحه وبايع الله على الموت في الجهاد.
يقول العلامة ابن القيم تلميذ ابن تيمية: (لقد شاهد العسكر من قوة الإمام يومئذ أمراً عظيماً). وثبت السلطان في تلك المعركة الهائلة، وفي هذا قال الإمام ابن كثير: ((وجرت خطوب عظيمة في ذلك اليوم وقتل فيها كثير من القواد والأمراء والجند، وما اقتربت ساعة العصر حتى انكسر هولاكو وقتل من جنوده ما لا يعلم عدده إلا الله، ونزلت من قدس الله ريح النصر والفتح المبين وكشف الله عن المسلمين تلك الغمة العظيمة ولله الحمد والمنة)).
فهل نرى اليوم من علمائنا الأعلام عالماً يحذو حذو ذلك الإمام، يجاهد بسيفه ولسانه، وقائداً مثل مظفر الدين قطز يهب روحه للجهاد (بعد أن أعلنها مدوية في آفاق العرب وبلاد الإسلام جلالة الملك فيصل بعد حرق ثالث الحرمين وأولى القبلتين (3) ؟
اللَّهُمَّ وفق جلالته لما تحب وترضاه يا رب العالمين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :599  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل