شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأخلاق
ـ 2 ـ
قدمنا أن علم الأخلاق يوضح معنى الخير والشر وما يلزم من معاملة الناس بعضهم لبعض ويبين الغاية التي يقصدها الناس في أعمالهم ومعايشهم.
وموضوعه أعمال الإنسان التي تصدر عن إرادة وعمد.
وفائدته أن من عمل بتعاليمه كان من الصالحين الأخيار.
وغايته تنظيم أعمال الناس لإسعادهم، والتعاليم الخلقية تتجلى بأروع صورة في الأخلاق المحمدية والأوامر الشرعية بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وقد سبق منا أن تكلمنا في مباحث نفسية تتعلق بعلم الأخلاق كالغريزة والعادة وموعدنا هنا في بحث الوراثة والبيئة والإرادة.
الوراثة والبيئة: يقول القانون الطبعي أن الفرع يشبه أصله والأصل ينتج مثله وفي الأثر: الولد سر أبيه، وورد أيضاً: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس. وقديماً قالت العرب:
بأبيه اقتدى عدي في الكرم
ومن يشابه أبه فما ظلم
وقال آخر:
اعرف منه قلة النعاس
وخفة في رأسه من راسي
وقد أصبح قانون الوراثة من الأصول المسلم بها ولا مجال للشك فيها وإنما الاختلاف فيما يورث وما لا يورث. فالمورث كالحواس والشعور بالعواطف والعقل والإرادة وطبيعة الأب وشكله وكفاءته وصحته وضعفه، والمختلف فيما لا يورث كالعاهات من العمى والعرج والصمم وأنواع العلوم كالفقه والأدب والطب والهندسة أو خلق من الأخلاق كالكبر والذل والجبن والشجاعة إلى غير ذلك من الصفات مع ملاحظة أننا لا نرث من الأصول غرائز نامية ولا ملكات ناضجة وإنما نرث الاستعدادات والجراثيم وإلا لكان ابن العالم عالماً وابن الطبيب طبيباً. والتربية العالية والتعليم هما اللذان يساعدان في ظهور تلك الغرائز والملكات والبيئة تطلق على الأشياء المحيطة بالإنسان من بلاد ومجار وأنهار وأشجار وجبال وقوم وهي إماً مادية كما ذكرنا أو اجتماعية وهي ما تشمل النظم الاجتماعية المحيطة بالرجل من منزل ومدرسة ومهنة وحكومة وشعائر دينية وطقوس موسمية ومعتقدات وعلوم وأخلاق فالبيئة الصالحة تساعد كثيراً في نمو الغرائز الحسنة كما أن البيئة الفاسدة تثير السيئة منها فالوراثة والبيئة يحددان قيمة كل إنسان ويقدران خيبته ونجاحه وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
عن المرء لا تسل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدى
على أن أكثر المواهب الإنسانية يعتمد على البيئة أكثر من الوراثة.
والإرادة: قوة من قوى النفس كالبخار والكهرباء فهي المحرك للإنسان وعنها تنشأ جميع الإرادات، فملكة الإنسان وقواه تكون كامنة في النفس حتى توقظها الإرادة فكل الصفات النفسية لا أثر لها في الحياة ما لم تدفعها الإرادة القوية لتظهرها إلى عمل في الوجود، والإرادة قد تكون دافعة بأن تدفع الإنسان إلى عمل أو مانعة كأن تحرم عليه القول أو الفعل وهي بنوعيها منبع للخيرات والشرور، والإرادة القوية في الأعمال المحمودة هي سر النجاح وهي عنوان عظماء الأمة ونوابغها وقد قيل عن بعض الحكماء إنه كان يقول لكل من فشل في عمل: إنك لم تكن لك إرادة قوية، وإذا كانت الإرادة ضعيفة كان لا يستطيع الإنسان عمل الخير والكف عن الشر ثم لا يلبث أن يتماهل عن عمله كسلاً أو بخلاً أو يستسلم للشرور عند وجود المغريات أو قد تكون الإرادة قوية ولكنها متجهة نحو عمل الشر كما يشاهد في المجرمين يقدمون على نوع من الإجرام فلا يثني عزمهم شيء فتظهر قوة إرادتهم بأقوى مظاهرها.
والعلاج للإرادة المريضة هو إلزام النفس أعمالاً تطلب جهداً أو مشقة وبذلك تكتسب الإرادة قوة وعلينا أن لا نترك إرادتنا تتبخر من غير أن ننفذ ما عزمنا عليه لأنه بذلك يكتسب الإنسان فشل التنفيذ والكثير منا يضع في قائمة أعماله أعمالاً طيبة ليقوم بها أو يتفوه بأنه سيقوم بعمل كذا وكذا ثم لا يقوم بشيء منها كسلاً وتجاهلاً ثم لا نجد لتلك الأعمال أثراً يذكر وإذا سئل في ذلك أجاب بلا خجل ولا استحياء: إنما الأعمال بالنيات وتناسى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصف: 2-3) فالواجب علينا دائماً محاولة ما أردنا عمله من الأمور الحسنة ولا نسمح لإرادتنا أن تتلاشى سدى. وأما علاج الإرادة المتجهة نحو الشر فعلاجها تعريف النفس طرق الخير والشر ونعلمها بنتائج ذلك وما يترتب على عمل الشر من الجزاء والعقاب وبذلك نلزمها إطاعة بواعث الخير واجتناب بواعث الشر وهنا علينا أن نعلم هل إرادة الإنسان حرة في إتيان العمل أو مجبورة بالرغم عنها ففي هذا خلاف كبير بين علماء الدين والفلاسفة. فذهب بعضهم إلى أن الإنسان مجبور على أعماله وليس له إرادة حرة بل القدر يصرفها كما يشاء وذهب فريق آخر قائلاً إن أعمال الإنسان حرة وفي استطاعته أن يفعل ما يشاء والصحيح في هذا أن الإنسان مجبور نوعاً ما من الحرية بمعنى أن الله منحه قوة لمزاولة الأعمال وهذا هو الجزء الاختياري المعروف لدى العلماء وهو المترتب عليه الثواب والعقاب ولولا ذلك لكانت الأوامر الخلقية والشرعية ضرباً من العبث ولما وجد المدح والذم ولما كانت جنة ولا نار.
وجاء في الحديث الشريف أن الرسول صلاة الله عليه وسلامه كان يوماً مع أصحابه فذكر مسألة القدر وقال: جف القلم بما هو كائن الشقي شقي والسعيد سعيد. فقال الصحابة: إذن نتكل يا رسول الله فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
والحقيقة أن مسألة القضاء والقدر تعلو عن متناول عقول البشر القاصرة وجلها يقضي أن يعلم الإنسان تفصيلات عنها من عالم الغيب والشهادة ولذا كان الخلاف قديماً وحديثاً بين الفلاسفة وعلماء الأديان ونحن في بحثنا هذا لا نطيل الكلام عملاً بقوله عليه السلام: إذا ذكر القضاء فأمسكوا.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :562  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.