شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأخلاق
ـ 1 ـ
هذه فصول في علم الأخلاق كنت لخصتها حينما كنت معلماً لهذه المادة بمدرسة العلوم الشرعية والمدرسة السعودية قبيل ثلث قرن ألقيتها على تلاميذي بالأمس وأخواني اليوم (1) عثرت على هذه المسودة بينما كنت أنبش أوراقي المهجورة فأحببت أن أتحف بها قراء المنهل تعميماً للفائدة وليعلم نشء اليوم ما كان عليه نشء الأمس في تلقي مثل هذه الدروس في آخر مراحله الابتدائية التي تماثل المرحلة الثانوية اليوم وبالله التوفيق.
علم الأخلاق: علم يوضح معنى الخير والشر وما يلزم من معاملة الناس بعضهم لبعض من فعل الخير واجتناب الشر ويبين الغاية التي يقصدها الناس في أعمالهم ومعايشهم.
وموضوعه: أعمال الإنسان التي تصدر عن إرادة وعمد.
وفائدته: من عمل بتعاليمه كان من الخيار الصالحين.
وغايته: تنظيم أعمال الناس لإسعادهم وهذه التعاليم الأخلاقية تتجلى بأروع صورة في الأخلاق المحمدية والشمائل المصطفوية والأوامر الشرعية الإسلامية ففي الحديث الشريف بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وفي الأثر اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن.
والأخلاق الحسنة هي ملكات فطرية في الإنسان وجدت فيه يوم خلق تصقلها التربية والمعرفة وتقومها الحوادث الطارئة كما أن الرذائل صفات خبيثة في النفس لا تؤثر عليها التربية والمعرفة إلا عرضاً لا جوهراً كالأخوين اللذين يولدان من أب واحد وأم واحدة ويدرجان في بيت واحد فيكون هذا شجاعاً كريماً وذاك جباناً بخيلاً وهكذا في غير الصفات وقديماً قال الشاعر:
إذا كان الطباع طباع سوء
فلا أدب يفيد ولا أديب
إنما هناك صفات كسبية لا تلبث أن تصبح طبيعية راسخة في الإنسان وتلك هي طبيعة بلاده وحالة بيئته ومعاشرة أصدقائه ولذلك كان التباين في الصفات والنعوت بين مختلف الأمم فالأمة التي يتصف مجموعها بالكرم واللطف يؤثر في أفرادها ويقل أن يظهر فيها بخيل غليظ وأن وجد يستر ويتخفى لئلا تسقط كرامته بينهم والأخلاق من حيث هي تصلح وتفسد وترقى وتنحط تبعاً لقوانين ثابتة لدى علماء النفس والأخلاق وإذا عرفنا تلك القوانين أمكننا إصلاح أخلاقنا بقدر ملاءمة الطبيعة وتلك بقوانين لم تكتشف كلها حتى اليوم ولما كان علم الأخلاق متعلقاً ببعض فروع الفلسفة كعلم النفس من حيث بحثه في قوى الإحساس والإدراك والحافظة والذاكرة والإرادة والخيال والوهم والشعور والعواطف واللذة والألم فهذه المباحث مقدمة لازمة علم الأخلاق ويتعلق علم الأخلاق أيضاً بعلم الاجتماع لأن دراسة أعمال الإنسان تجر حتماً إلى دراسة الحياة الاجتماعية لاحتياج الإنسان إلى المجتمع. وعلم الاجتماع يبحث في الجمعية الأولى من الناس ويبحث في اللغة والدين والأسرة والقوانين والحكومات ويتعلق علم الأخلاق بعلم القانون من حيث موضوع العمليين أعمال الإنسان وعلم الأخلاق أوسع دائرة في علم القانون من حيث تأمر الأخلاق بكل ما له نفع وتنهى عن كل ما يضر من نتائجها الداخلية والخارجية وهنا لا بد من إلمامنا ببعض المباحث النفسية فنقول:
كل عمل إرادي يسمى سلوكاً ولهذا السلوك أسس نفسية يصدر عنها العمل كالغريزة والعادة لا نرى هذه الأسس وإنما نرى آثارها وهي الأعمال الإرادية والأخلاقي لا يقنع إلى ظواهر الأعمال إلا إذا عرف أساس تلك الأعمال ثم عالجها بما يناسبها وأهم تلك الأسس هي الغريزة والغريزة ملكة يتوصل بها الإنسان إلى غاية عمل من غير سابق نظر إلى تلك الغاية من غير سابق تدريب عليها ويولد الإنسان وفيه كثير من الغرائز منها غريزة حفظ الذات وحفظ النوع والخوف وكل كائن مهما كبر أو صغر علا أو سفل يسعى لأن يعيش وينمو بكل ما أوتي من قوة الدفاع والمناعة وتلك هي غريزة حفظ الذات وغريزة حفظ النوع تظهر الميل للجنس والعاطفة الأبوية بين الذكر والأنثى والعاطفة الأبوية تظهر في المرأة بصورة أقوى وهي سبب في حياة العاطفة في الإنسان وميله إلى الأدب والفن وبهاتين الغريزتين عمر العالم وكان ميداناً للتزاحم والقتال وهما أساس لكثير من الأعمال.
وخصائص الغريزة يختلف باختلاف الأشخاص فترقى وتضعف نظراً لرقي عقل الفرد وعقول الأمة ومواعيد ظهور الغرائز ليس محدوداً ولا منظماً في الإنسان كما في الحيوان وكثيراً ما تتعارض الغرائز ببعضها وقد تظهر في شكل بواعث للعمل وهي قابلة تثبت وتنمو بالتربية كما أنها قابلة لا تضعف وتفنى بالإهمال وفي كل هي المادة لتكوين الأخلاق وتربيتها يكون بمقاومة الحوادث إذا كانت سيئة أو الترحيب بها إذا كانت حسنة.
وغريزة الخوف متأصلة في الإنسان أيضاً ملازمة له من حين يولد حتى يموت وإن كانت الشرائع السماوية والقوانين أزالت كثيراً من أسباب الخوف بيد أن شبح الحروب ومسألة المعاد والحساب والعقاب ما زالت ماثلة لكل إنسان.
وإذا تكرر العمل حتى صار الإتيان به سهلاً سمي عادة وأكثر أعمال البشر من قبيل العادة وتتكون العادة من ميل النفس إلى الفعل وإجابته بإصدار العمل مع التكرار الكافي وكل ما يشعر به الإنسان أو يعمله مرتبط بمجموعه العصبي سيما المخ ومن خصائص المجموع العصبي قابليته للتشكيل وإذا تشكل واستمر عليه كأن الورقة إذا أثنيناها اتخذت شكلاً جديداً بعد الضغط الأول ثم تعود لحالتها إذا بسطت وكذلك الشأن في الأعصاب كمن يعتاد أن يضع رجلاً على أخرى فهو يميل إلى ذلك الوضع إذا فعله باستمرار ومن أهم خصائص العادة سهولة العمل المعتاد وتوفير الزمن والانتباه وهي في قوتها تكاد تكون طبيعية راسخة في الإنسان ومن نتائج هذه العادة المتأصلة جعل المسنين يرفضون الآراء الحرة المفيدة والمكتشفات العلمية الحديثة بينما الشباب والأحداث يسرعون للتصديق والإيمان وعليه يلزمنا الأخذ بالعادات الحسنة والتجنب عن العادات السيئة ومعرفتنا بتكوين العادة يغنينا عن التخلص منها بالعمل عكس ما تكونت وبمقاومة الميل إلى العمل نستطيع إماتة العادة ولتغيير العادة السيئة يجب عمل ما يأتي:
العزم القوي الذي لا يشوبه تردد بعد أن يعلم أن ذلك في المقدرة أو أخذ النفس بالتدرج في الأمر بقدر الاستطاعة حتى ينتهي الأمر أو انتهاز فرصة لتنفيذ العزم واتباع كل انفعال نفسي يعين على التنفيذ والمحافظة على قوة المقاومة وإبقائها حية تعين على تغيير العادة ومن القواعد المسلم بها عند علماء النفس أن الفكر يسبق العمل حتماً فإذا أريد الاعتياد على عمل أو العدول عنه وجب النظر إلى أساس ذلك الفكر والفكرة إذا عرضت على المخ فقبلها ورحب بها طويلاً أنتجت العمل لا محالة فإيجاد الفكرة في المخ قبل البدء في العمل هو إيجاد شعلة فيه فإذا تركت وشأنها عمت النار المخ وأشعلته كله وإذا رفضت في بادئ الأمر ولم يسمح لها بالبقاء طويلاً أمن من شرها وطريقة إطفائها هو عدم السماح للفكرة أن تحل بالمخ بتاتاً وثانياً إشغال المخ يشبه الفكر الأول ومن كل ما تقدم علمنا أهمية العادة في الإنسان فهو يكاد يكون مجموعة عادات تمشي على الأرض وقيمته تعتمد كثيراً على عاداته ومع الأسف أن الطفل في السنين الأولى من عمره عند تكوين العادات لا تكون له قوة تمييز بين الطيب والخبيث فكثيراً ما تعلق به عادات وطباع مبذولة من حيث لا يعلم المسكين عاقبتها فإذا كبر صعب عليه تغيير عاداته وطباعه وفي هذه الحالة لو كان له أبوان صالحان أو رفيق طيب أو بيئته حسنة استفاد كثيراً في تعلقه بالعادات المحمودة وتجنبه عن العادات الممقوتة فكل قرين بالمقارن يقتدى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :525  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج