شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الإنفاق في سبيل الله
لا غرو أن الزكاة هي ثالث ركن من أركان الإسلام، فأولها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وثانيها إقامة الصلاة وثالثها إيتاء الزكاة، فلو امتنع جماعة من المسلمين عن الزكاة لوجب قتالهم كما قاتل الخليفة الأول أبو بكر مانعي الزكاة بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم فعارضه عمر بن الخطاب قائلاً كيف تقاتل قوماً يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله؟ فأجابه ابو بكر: ثكلتك أمك يا عمر والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم. وآيات الزكاة كثيراً ما وردت في القرآن الكريم مقرونة بإقامة الصلاة ولو دفع كل مسلم زكاة ماله على الوجه الأكمل لسدت ثغرات كبيرة من حاجات الفقراء، ولسنا في مقالنا هذا بصدد شرح الزكاة فالقول فيها مفروغ منه. ومقدار الزكاة في النقد والعروض والأنعام والثمار والمزروعات قررته السنة واتفق عليه الفقهاء، ومقالنا هذا في صدقات النوافل التي ليس لها حد معلوم وقد حض الله سبحانه على الإنفاق في سبيله فأول ما بدىء في سورة البقرة قوله تعالى: هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (البقرة: 2 ـ 3) ومما يدل على أن صدقات النوافل غير الزكاة المفروضة قوله سبحانه: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ (البقرة: 177).. وقوله.. صلى الله عليه وسلم: إن في أموالكم حقاً غير الزكاة.. وهناك عشرات من الآيات في فضل الصدقات منها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ (البقرة: 267) وقوله جل من قائل: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ (البقرة: 270) وقوله جلا وعلا: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران: 92)، وقوله مخاطباً نبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ (التوبة: 103) وقوله عز من قائل: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (التوبة: 34) وقوله سبحانه: فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الروم: 38) وقوله: وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 19) وقوله تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد: 18).
هذا مجمل الآيات التي وردت في القرآن الكريم عدا الأحاديث النبوية ولو نظم أخذ هذه الصدقات وصرفها على البؤساء والمعوزين لما بقى هناك فقير أو جائع والاختلاف بين الفقراء والأغنياء هو أصل كثير من المشاكل الاجتماعية. والتباين بين الفقراء والأغنياء يزداد ظهوراً بشكل محسوس. وشعور الفقراء بهذا التباين يزداد عمقاً ومرارة، فالغني والفقير موجودان دائماً، في كل العصور كيف لا والله سبحانه يقول في حكم كتابه: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً (الزخرف: 32). والأغنياء في الزمن الماضي يختلفون عن أغنياء اليوم، فالأغنياء الذين كانوا يملكون المال في ما مضى كانوا يتميزون بسخاء وكرم لا نظير له اليوم إلا ما قل وندر فكانوا يضيفون ويطعمون ويتصدقون بالأموال عن طيب خاطر وكانوا يوقفون العقارات في مشروعات خيرية كالأربطة لسكنى الفقراء وبناء المساجد وبناء الزوايا لذكر الله وإقامة التكايا لإطعام الطعام وعتق الأرقاء وإقامة السبل للمياه العذبة، ولم تكن هذه الطريقة لتثير حفيظة البؤساء لعدم تجاهل وجودهم وتعرضهم للمذلة والهوان. أما فقير اليوم فقد أخذ يشعر بأنه مظلوم وأن يد الغني الآثمة هي التي تكسب الغنائم وتبني رؤوس الأموال. والمخترعات الحديثة اليوم زادت من دخل الغني وأوجدت البطالة في كثير من العمال، وهذا ما دعا كثيراً من الزعماء والفلاسفة لبذل الجهود لتحسين حالة الفقراء ومنها نشأت المبادىء الماركسية والاشتراكية العالمية.. ونحن المسلمين لو نظرنا في نظمنا الإسلامية وتعاليمنا الدينية لأغنتنا عن كل فلسفة هدامة واشتراكية مستوردة وخاصة ما ورد في البذل والإنفاق من الأجر والثواب ورحم الله أحمد شوقي إذ يقول في مدح الرسول: صلى الله عليه وسلم:
الاشتراكيون أنت إمامهم
لولا دعاوى القوم والغلواء
داويت متئداً وداووا طفرة
وأخف من بعض الدواء الداء
ظلموا شريعتك التي نلنا بها
ما لم ينل في رومة الفقهاء
أنصفت أهل الفقر من أهل الغنى
فالكل في حق الحياة سواء
فلو ان إنساناً تخير ملة
ما اختار إلا دينك الفقراء
وهنا لا ننسى أن حكومتنا السنية لم تأل جهداً في تبني المشروعات الخيرية كالضمان الاجتماعي وإنشاء دور للأيتام ودور للعجزة، بيد أن هذا لا يغني الأغنياء والموسرين عن صرف أموالهم في وجوه البر والخيرات كفتح صناديق للبر في كل بلد وفتح المدارس لتحفيظ القرآن الكريم وعمارة المساجد والمدارس في القرى وابتعاث عدد من الطلاب للاختصاص في العلوم العالية. وأين نحن من مساعدة فلسطين الدامية فلسطين الجريحة التي اغتصب الصهاينة أرضها المقدسة وأخرجوا أهلها من ديارهم ونكلوا بهم وقتلوهم وشردوهم. ولئن قصرنا بالجهاد بنفوسنا وأرواحنا أفلا نساعد بأموالنا؟
فإلى موسري هذه الأمة وأغنيائنا والمحسنين أزجى ندائي هذا وإن في ذلك لذكرى وتبصرة لأولي الألباب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :572  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 53 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.