شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جولة في شمال إفريقية
(2)
اخترنا كما قدمنا ركوب القطار السريع لأنه مريح ويمر على مزارع وجنائن ومدن وقرى وأناس راكبين وآخرين نازلين على اختلاف أزيائهم ومشاربهم ولتتاح لنا الفرصة للتكلم معهم ومناقشتهم.
وفي صباح يوم الأحد الموافق 29 ـ 6 ـ 85هـ كنا بمحطة الجزائر نقطع تذكرتين في الدرجة الثانية إلى عنابة البلد الأولى في الجزائر، وكانت عربة القطار نظيفة ومريحة لا تقل فخامة عن قطار باريس وكنا نمر على فجاج ووهاد وأراض خضراء حافلة بأشجار الزيتون وشجر البرتقال واليوسفي وألوف الفدادين من كروم العنب ونرى أنابيب الماء تمتد ذات اليمين وذات الشمال. وكان الجو غائماً وقطرات المطر تتساقط على زجاج نوافذ القطار كاللؤلؤ المنثور ولم يكن هناك رعد أو برق (1) .
وكان هنا في عربة القطار امرأة نصف متعلمة، مهذبة ذاهبة للجزائر فتجاذبنا معها أطراف الحديث ولم تكن فيما ظننا مسلمة ولعلها كانت يهودية، بيد أننا لم نرد إزعاجها والذي دلنا على ذلك عدم ذكر اسمها وبخلها من زادها.
ففي الوقت الذي كنا نقدم لها الفاكهة كانت لا تقدم لرفيقي مما تتفكه به ساعة بعد ساعة مما معها.
في عنابة
وصلنا عنابة ليلاً ونزلنا في أحد الفنادق المتوسطة القريبة من المحطة بعد أن وضعنا حقائبنا في مستودع الأمانات، وفي الصباح خرجنا نتجول في المدينة وإذا هي بلدة جميلة بمبانيها وشوارعها وشاطئها فركبنا عربة (حنطور) وتجولنا من الصباح حتى الظهر وتغدينا في أحد مطاعمها ورجعنا للفندق واسترحنا ساعة قمنا بعدها نؤم المحطة لنلحق بالقطار الذاهب للجزائر.. وبعد نصف ساعة من انتظارنا كنا داخل القطار على المقعدين المطلين على النافذة لنستمتع بمناظر تلك البلاد الكبيرة.
قال لي رفيقي مبهوراً مما نرى من المشاهد الخلابة: ما هذا يا أستاذ؟ هل نحن في جنة الآخرة أم في جنة الدنيا؟
فأجبته: اللهم عمر بلادنا...
قطعنا ما يقرب من مائة كيلو متر في أراض فيحاء وتجلت لنا سلسلة جبال ((أوراس)) ذات التاريخ المجيد والذكرى الخالدة، وكان معنا نفر من الجزائريين نجاذبهم أطراف الحديث حتى إذا جن الليل أخذنا النعاس وأخذ رأس كل منا يميل ذات اليمين وذات الشمال وعند الصباح يحمد القوم السرى.
في مدينة الجزائر
وصلنا الجزائر وركبنا سيارة أجرة ننشد البحث عن فندق ملائم فلم نجد مكاناً بفنادق الدرجة الثانية. وأخيراً عثرنا على فندق بشارع ابن المهيدي فنزلنا به وبعد أن صلينا صلاة القضاء وأفطرنا إفطاراً خفيفاً بدلنا ثيابنا المتسخة وخرجنا إلى السوق نسأل عن عنوان الحاج أحمد طالبي وكان صديقنا بدمشق الحاج سامي آغا صناديقي زودنا بكتابين: أحدهما للحاج أحمد المذكور والثاني لابن أخيه بالدار البيضاء نور الدين، وبعد دقائق كنا أمام دكان الحاج أحمد.. وكان الرجل يعرفنا فأخذنا بالأحضان.. فسألناه كيف عرفنا؟ فقال: عرفتكم من زيكم إنكم غرباء وقد جاءني كتاب من السيد سامي يخبرني بقدومكم، مكثنا بدكان الحاج أحمد فطلب لنا الشاي (الشاهي) وبعد أن قلنا له: في فندق قريب. قال: ولم تأتوا إلى داركم؟ قلنا: لم يكن بالنية النزول عندكم وإنما لمعرفتكم، أقسم الرجل إلا أن نأتي بحقائبنا من الفندق لننزل في داره... فتخلصنا منه بكل شدة على أن نعود إليه غداً فقال: سنتغدى معاً، فأجبناه ومشينا نسأل عن مطعم مناسب، وكان قريباً من الفندق فتغدينا غداءً شهياً ورجعنا إلى الفندق فصلينا الظهر ونمنا لنعوض سهر القطار في الليلة الماضية، وبعد العصر خرجنا نتجول في البلد إلى المغرب ثم دخلنا داراً للسينما وكان الفيلم فرنسياً، والقصد أن نمضي السهرة كيفما كان.
وفي اليوم التالي كنا قصدنا دار السفارة السعودية بالجزائر وفيها من أصدقائنا السعودية بالجزائر وفيها من أصدقائنا عبد العزيز العقيل، ولكننا سمعنا بقدوم سعادة السيد عمر السقاف وكيل وزارة الخارجية الدائم، للاشتراك في لجنة وزراء خارجية الدول العربية الذي سيعقد بالجزائر للتحضير لمؤتمر القمة الآسيوي الإفريقي، فعدلنا عن الزيارة نظراً لانشغال السفير وموظفي السفارة باستقبال سعادته ومرافقيه وذهبنا إلى صديقنا الحاج أحمد في دكانه قبيل الظهر فذهب بنا للجامع لصلاة الظهر فعلمنا أن المسجد المذكور كان جامعاً قبل الاحتلال الفرنسي وكان قد بناه الأتراك في القرن السابع عشر فاغتصبه المستعمر وجعله كاتدرائية لمدة قرن وثلت ثم عاد مسجداً بعد تغيير بسيط.
وبعد الصلاة ذهبنا لدار مضيفنا في سيارته التي يملكها: ((رينو)) بضاحية تبعد عشرة كيلومترات عن المسجد. والدار أشبه بدارة ((فيلا)) تحيطها جنينة صغيرة زاهرة بأنواع الورود والرياحيين ذات طريقين. الطابق الأول مجهز بالفراش والأثاث الدمشقي القديم ـ أي من الكنب المطعم بالصدف ـ وبالتحف الدمشقية، وغرفة أخرى مجهزة بالفراش العربي مراتب ووسائد وسجاد عربي، وهذه الطبقة خالية لنزول الضيوف، وفي الدور الثاني يسكن الحاج أحمد مع أهله، فأطعمنا طعاماً جزائرياً لذيذاً.
وبعد استراحة قليلة وأداء صلاة العصر ذهب بنا مضيفنا في سيارته يجوب بنا في داخل البلدة وضواحيها القريبة.
وصف مدينة الجزائر
والبلدة واقعة في إطار محفوف برواب مشجرة تتخللها عمارات عالية منتشرة في كل حارة ومحلة، وما أشبهها بمدرج ملعب يمتد من الشمال إلى الجنوب كأنها القصور المعلقة ونخص بالذكر القصبة البيضاء المدينة القديمة موطن بطولات رجال الثورة، وأينما ذهبنا نجد منظراً خلابا للعاصمة ذات الخليج البديع والشاطىء الجميل.
ومر بنا الحاج أحمد على بناء المجلس التأسيسي وقصر رئيس الجمهورية وبناء البلدية والبرق والبريد والفنادق الممتازة والمبنى الفخم الذي صمم بناؤه لاجتماع المؤتمرات الدولية وفي مقدمتها مؤتمر القمة الآسيوي الإفريقي.
وبعد هذه الجولة الطويلة الممتعة رجعنا لقواعدنا بالفندق وتناولنا عشاءً خفيفاً بالإضافة إلى الشاي الحجازي، وأدينا صلاة العشاء ونمنا للصباح وكان الحاج أحمد قد ألح علينا بالغداء في اليوم التالي وكان يوم الجمعة، فذهبنا إلى دكانه في الضحى، ومكثنا مليا عنده ودكانه مخصصة لبيع التحف الدمشقية وكلما ذهبنا وجلسنا لم نر أحداً من السياح.
سألنا الحاج أحمد عن أسباب ذلك فأجاب قائلاً: إن الجزائر كان يأتيها كل عام مئات الألوف من سياح أوروبا وأمريكا وأكثرهم من فرنسا وهم الذين كانوا يبتاعون هذه التحف وغيرها من مصنوعات الجزائر؛ وفي سنة الثورة بدأ يخف مجيء السياح كما أن ما يقرب من نصف مليون أجنبي وجلهم من الفرنسيين غادروا الجزائر بعد الاستقلال ولم يرجع إلا بعضهم بسبب أملاكهم ومزارعهم ومثل هذا الشارع واسمه الآن ((شارع أبو زرينة)) كان يزدحم بالشارين في ما مضى من الزمان، وها أنتم ترون أن الجزائريين لم يضحوا بأرواحهم وأموالهم وتجارتهم إلا من أجل الاستقلال.
ولكن الله سيعوض الجزائر بما فتح عليها من كنوز الذهب الأسود في صحاريها الجرداء.
ولقرب أداء صلاة الجمعة ذهب بنا إلى الجامع الكبير وكان المقرىء يتلو سورة ((الكهف)) ولم نسمع أذان الجمعة.
وبعد نصف ساعة سمعنا الأذان وكان الجامع مكتظاً بالمصلين وصعد الخطيب إلى المنبر وكان خطيباً بارعاً مؤثراً في كلامه... فقيل لنا إنه الحاج أحمد سحنون أكبر الخطباء والعلماء بالجزائر.
خرجنا من الصلاة إلى دار الحاج أحمد المذكور وكان قد دعا معنا الحاج مصطفى الزموشي المستشار القانوني وهو رجل ضليع في الحقوق وذو أخلاق كريمة فتناولنا طعاماً شهياً وفاكهة لذيذة وامتزجنا في الحديث مع المستشار الوقور وأخذ يحدثنا بما لاقاه الجزائريون من العنت والجور أيام الاستعمار وكيف كانت خيرات الجزائر كلها مغنماً للمستعمر، ثم كيف كافح الأحرار والمجاهدون طيلة ثمان سنوات حتى نالوا الاستقلال ولم يكن هذا الاستقلال متوقعاً لولا لطف الله وكرمه وأن المليون من الشهداء، كانوا ثمناً للحرية والاستقلال.
آمنا بقوله واستشهدنا له بقول المرحوم أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
أخبرنا حضرة المستشار بأشياء وأشياء وكان آخر كلامه أن هذا الاستقلال الذي نلناه إنما هو نعمة ومكرمة من الباري جل وعلا فنسأل الله أن يوفقنا دائماً إلى سواء السبيل.
إلمامة عن تاريخ الجزائر
وهنا لا بد من إلمامة بسيطة من تاريخ الجزائر المناضلة: فقد حكمها الأتراك العثمانيون عام 1515 ثم استقل عنها ولاتها المعروفون بالدايات (2) واحتلتها فرنسا سنة 1830 وتخلت عنها سنة 1962 بعد أن شنت عليها حرباً شعواء أو حرب الإبادة مدة ثماني سنوات، وأخيراً وبعدما فقدت الجزائر من أبنائها أكثر من مليون شهيد وألحق بها الخسائر الكبيرة من الجيش الفرنسي نالت الاستقلال هذا بعدما أعلن ديغول سنة 1960 أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا وإن الثوار حفنة صغيرة من المتمردين ـ ولكن أولئك الثوار الأحرار أقضوا مضاجع ساسة الفرنسيين واخلوا خزينة دولتها بما أنفقوا على كبح جماح الثوار حتى اضطر ديغول إلى الإنسحاب من الجزائر وتركها لأهلها فنفدوا بجلدهم واوقعوا الخراب في المصانع وأحرقوا مخازن الذخيرة، هذا عدا ما قامت به الجمعية الإرهابية من اغتيال الجزائريين وإحراق الحارات، وإحراق الجامعة ومكتبتها التي كانت تحوي (600) ألف كتاب وما قيمته أربعة عشر مليون دولار كما قيل وجددوا بذلك مأساة ما أحرقه الإسبان في الأندلس من المكتبات العربية في قرطبة وغرناطة قبيل ستة قرون خلت. ولكننا لا ننسى ما تعرض له ديغول من التهديد بالقتل من جنرالات فرنسا الذين لم يوافقوا على الانسحاب من الجزائر ومنحها الاستقلال وكم مرة تعرض للاغتيال ولا أعلم هل يستحق رجل فرنسا شكر الجزائريين أم لا على أن التاريخ هو خير حاكم في الأمر وسيسجل له ما يستحقه من شر أو خير.
تعيش الجزائر من واردات العنب والبلح وأحسن التمر هو (دقلة نور) ويعلب أكثره ويصدر للخارج وما تتحصله من المساعدات والقروض، ولكن الأمل معقود على مورد آبار البترول من الصحراء. وأكثر سكان الجزائر يتكلمون العربية وكثير منهم لا يحسن القراءة والكتابة بالعربية ويتكلمون الفرنسية والإسبانية بطلاقة حتى النساء وما زال النساء محتشمات؛ والمعيشة أغلى منها في تونس ومن أعجب ما شاهدنا نظافة المقاهي والكازينوهات ووجود الأواني الكهربية للشاي والقهوة وأرخصها يكلف ألفي ريال إلى عشرة آلاف ريال ولا يوجد مثلها لدينا بالمملكة ولا حتى بالقاهرة.
إلى المغرب
مكثنا بالجزائر خمسة أيام وفي اليوم الخامس قصدنا السفر إلى المغرب وكان لا بد لنا أن ننزل في وهران البلد الثاني في الجزائر من حيث الفخامة والجمال، وكانت فرصة طيبة لأن نرى ثالث بلد في الجزائر لأنه لم يكن لدينا الوقت للسفر إلى مدائن الواحات كبسكرة وبوسعادة كما فاتنا أن نذهب إلى قسطنطينية بعد بلدة عنابة.
وفي صبيحة يوم الأحد جاءنا الحاج أحمد بسيارته للفندق وحملنا أمتعتنا وقد أبى كرمه إلا أن يزودنا بكيس مليء من الطعام والفاكهة فقصدنا المحطة وهي كبيرة وما أشبهها بمحطة باريس وكان في انتظارنا فيها سيادة المستشار ونفر من الجزائريين الذين تعرفنا بهم بوساطة الحاج أحمد، وبعد نصف ساعة تحرك القطار يتهادى في سيره بين العمارات الشاهقة حتى خرجنا من أرباض البلدة وتعرفنا بالركاب الذين كانوا في الديوان في الوقت الذي كان القطار يمر بنا على أراض خضراء وسباسب فيحاء وأشجار الزيتون واللوز والبرتقال ومساحات كبيرة للكروم.
في وهران
وبعد العصر وصلنا ((وهران)) واخترنا أحد الفنادق القريبة بعد أن وضعنا حقائبنا في غرفة الأمانات، وتعشينا عشاء خفيفاً في الفندق وكنا تعبين فنمنا وفي الصباح خرجنا نتجول في البلد وإذا وهران بلد كبير وهي العاصمة الثانية في الجزائر على ما أظن.
استأجرنا عربة حنطور وجبنا البلدة ووقفنا على عمارتها وشوارعها المنظمة وثنينا إلى قطع شاطئها الممتد طويلاً ورجعنا إلى الفندق بعد أن تغدينا في أحد المطاعم، وتوجهنا نحو المحطة لنأخذ القطار الذاهب إلى ((وجدة)) أول بلد في المغرب.
قصة حزام النقود
وانتظرنا في المحطة نصف ساعة حتى جاء القطار فركبنا بالدرجة الثانية وركب معنا بعض المغاربة وأخذنا نتجاذب طرف الحديث ولم نسر مائة كيلومتر تقريباً حتى أخذت أتحسس الحزام في وسطى الذي به أكثر نفقتنا من الدولارات وهو ثمانمائة دولار لم أجد الحزام فتذكرت أني نسيته تحت الوسادة بالفندق حيث كنت معتاداً أن أضعه كل ليلة تحت الوسادة وفي الصباح أتحزم به فأنسانيه يومئذ الشيطان ولم يكن معنا غيرها غير بضع مئات من الشيكات. ذهبت السكرة وجاءت الفكرة فهمست لرفيقي بواقع الحال ولقد رأيته وقد امتقع لونه قائلاً: وكيف يا أستاذ؟ وقلت إني أضع الحزام كل ليلة تحت الوسادة واحتزمه في الصباح واليوم إنسانيه الشيطان سمع الرفاق بما نهمس به فقالوا ما بكم؟ فأخبرناهم الخبر فقالوا عليكم أن تنزلوا في بلدة ((أبي العباس)) وتأخذوا سيارة أجرة وتتفقدوا أمانتكم في الفندق وكانت المحطة القادمة هي بلدة ((بلعباس)).
نزلت ورفيقي وهو لا يكاد يؤمل أن نتحصل على الحزام ولو كان المبلغ شيكات لهان الحال ولكنها أوراق نقد ليس لها غريم فقلت له: لا تحزن سنرجع من الجزائر بما بقي معنا من الشيكات استأجرنا سيارة صغيرة إلى عنابة فكنا فيها بعد ساعة وقابلنا رب الفندق فضحك منا قائلاً: اطمئنوا ودخل بنا إلى حجرة وارانا الحزام بما فيه من النقود وتنفست ورفيقي الصعداء فقلت له: لقد تدركنا الله بلطفه والشكر لله، وقال لنا الرجل: عدوا نقودكم فعددناها فإذا بها كما وضعتها بالتمام ثم عقَّب قائلاً: أن الفضل يعود لهذه الخادمة التي دخلت بعدكم لتنظف الغرفة فوجدت الحزام فجاءتني به وهي تستحق الإكرام. ولقد نفحنا الخادمة بما كان معنا من الفرنكات ولكن كان صاحب الفندق آمن منها فقد كان في إمكانه إخفاء النقود وأجابته بعدم علمه بالحزام وأظن أن الأمناء في مثل هذه الحوادث قليل في هذا الزمان.
في مدينة بلعباس
رجعنا في السيارة التي جئنا فيها واضطررنا للإقامة أربعاً وعشرين ساعة في بلدة (بلعباس)، وقد نزلنا في فندق أنيق كان صاحبه يرغب في أن يحج في هذا العام فدعانا إلى العشاء في مطعم الفندق على حسابه ثم تجولنا في البلد وكان يوم عطلة بعيد الثورة أو الاستقلال وفي اليوم الثاني كنا بالمحطة نرقب القطار الذي جئنا به في اليوم السابق وكنا أسرع الناس وأشوقهم إلى ركوبه وبعد هنيهة صفر مؤذنا بالتحرك إلى بلدة ((وجدة)) أول بلدان المغرب العربي وصادف أن ركب معنا يهوديان أحدهما حاخام والثاني من التجار. وسرعان ما تعرفت بهما فقال لي صاحبي الشريف: ما أسرعت في التطفل بمعرفة الناس قلت له: إذا لم أكن كذلك فمن لي بتسقط الأخبار قال: صدقت فواجبك كصحفي أن تسائل من أحببت حتى من الجنس اللطيف قلت له سامحك الله يا شريف لقد صدق المثل ((اللي بباله أم الخير تحلم به طول الليل)) سألت التاجر اليهودي بلغنا أن قسماً كبيراً نزح من المغرب إلى إسرائيل؟ قال: صحيح إن مائتي ألف يهودي هاجروا بالفعل إلى إسرائيل وبقي ما يقرب من خمسين ألفاً، لم يرضوا بمغادرة وطنهم الأول لاسيما ونحن نتمتع كباقي الرعية من المسلمين، دردشنا معه في أشياء كثيرة لا محل لذكرها ثم ثنينا بمناقشة الحاخام قلت له: وكيف ترون حالتكم باعتباركم الرؤساء الروحيين لليهود: أجاب نحن نتمتع بحرية في كنيسنا وتطبيق شريعتنا الموسوية على أفراد اليهود الموجودين في بلدان المغرب وقد مضى ذلك الزمان الذي كان اليهودي منا مهاناً ذليلاً يمشي حافي القدمين ويرسل ذوابة من شعر رأسه ليعلم إنه يهودي وكان لا يركب الخيل إلا الحمار أو الأتان وإذا رأى في طريقه شريفاً أو ثَرِيًّا من المسلمين انحنى أمامه أو جلس على قارعة الطريق حتى يمر المسلم عنه بسلام وإذا لم يفعل يهان ويضرب ولا ناصر له ولا معين إننا لا نعلم ما كانت عليه حالة اليهود هم الذين هاجروا من المغرب إلى إسرائيل أما المتمولون منهم ومن بيدهم اقتصاديات البلاد فما زالوا مقيمين يمتصون خيرات البلاد.
في بلاد المغرب
وصلنا إلى آخر حدود الجزائر وهناك بعد التفتيش وملء الأوراق الجمركية بما معنا في الحقائب وتحرير سمة الخروج بدأنا ندخل بلاد المغرب الأقصى وهنا لا بد لنا أن نشير لما حدث لنا لدى دخول الجزائر والخروج منها فأن الأوراق التي سمحت لنا في الدخول والخروج في الجمرك كان بها شقان بالعربي والإفرنسي ولما حررنا بالإفرنسية فقلنا نحن وأنتم عرب وما لنا والافرنسية ومحرر بالورقة شق بالعربية قال: لا يمكن! واضطررنا لنعطي من يكتب لنا ببضع فرنكات أليست هذه غريبة تحصل في جمارك الجزائر العربية بلغ الغضب منا فقلنا سنكتب عنه في الصحف إن شاء الله ولكنهم أخذوا بخاطرنا طالبين الصفح عن غلطتهم لأن المأمور المسؤول لا يعرف العربية، بلعنا غضبنا وفي الوقت نفسه أخرج العرب من عروبتهم حتى أصبحوا عنها غرباء وإننا نسجل هنا هذه الحادثة ليطلع عليها سفراء الجزائر في البلاد العربية لتلافي مثل هذه الهنات والهينات.
دخلنا تراب المغرب العربي ولم تكن مناظر أرضه أقل روعة من أرض جارتها الجزائر من حيث جودة الأرض وكثرة المزارع وأشجار الكروم والفاكهة والزيتون وفي المساء وصلنا أول بلدان المغرب وهي بلدة (وجدة) بسلام وإلى اللقاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :713  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 45 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج