شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
باستيل زخاروف
((الرجل الغامض الذي قد يكون مسئولاً عن قتل بعض معارفك وأعزائك)).
زخاروف - اسم رجل عرف بأنه من أغنى رجال العالم وأكثرهم غموضاً وأشدهم كرهاً بين الناس على وجه الأرض، وقد خصصت قبل سنوات جائزة قدرها عشرون ألف جنيه لأي شخص يقوم باغتياله، وكتبت عنه عدة كتب صورت ما اتصف به من الغرابة والغموض وإجماع الناس على كرهه في جميع الأقطار.
ولد باستيل زخاروف في حالة مزرية من الفقر، وجمع أكبر ثروة جمعها إنسان عاش في هذه الدنيا جمعها من بيع آلات الدمار: الرشاشات والمدافع والمتفجرات بكل أنواعها، وقد افتتح أحد الذين أرخوا له كتابه بهذه العبارة: ((إن صورة ملايين القبور من البشر تصلح أن توضع شاهداً على قبره تكتب عليه أنات الألم التي قاستها الملايين وهي تموت)).
عندما كان زخاروف في الثامنة والعشرين من عمره، اشتغل في بيع الذخيرة بأجر قدره أربعة جنيهات في الأسبوع وعمالته على مقدار كمية البيع. كان يعيش في ذلك الحين في اليونان. وكان يعرف أن الطريقة الوحيدة لبيع الذخيرة هي إيجاد مجال لحاجتها وطلبها فعمل على بث المخاوف في نفوس اليونانيين وأوحى إليهم أنهم يعيشون محاطين بأعداء عطشى للدماء وأن عليهم أن يستعدوا بالآلات الحربية والذخيرة للذب عن حياضهم.
كان ذلك قبل نصف قرن تقريباً حين اجتاحت العالم موجة من القلق، فبدأت الفرق تتدرب والخطباء ينثرون العواطف ويهيجون النفوس، وازداد عدد الجيش في اليونان واشترت من زخاروف كمية وافرة من الذخيرة وغواصة أيضاً - الغواصة الأولى التي أنتجتها المصانع الحربية في ذلك التاريخ - وبعد أن جمع ثروة كبيرة من راتبه وعمالته على الكمية الكبيرة التي باعها انسل إلى تركيا، واجتمع برجالاتها وقال لهم: انظروا ماذا تصنع اليونان! إنهم يستعدون ليمسحوكم من على وجه الأرض، واقتنع الأتراك واشتروا منه غواصتين وكمية وافرة من الذخيرة.
وبدأ سباق التسلح بين تركيا واليونان على أشده.. وهكذا نجحت خطة زخاروف فجمع ثروة قدرها ستون مليوناً من الجنيهات كانت كلها مشبعة بالدماء.. ولمدة نصف قرن اشتغل زخاروف بإشعال نار الفتنة بين الأخصام التقليديين من الدول والمساعدة على تحريك أسباب الحروب وإعلانها، وفي اصطدام روسيا مع اليابان شجع الفريقين وباع لكل منهما أكبر مقدار من الذخيرة، وفي النزاع الأميركي الأسباني باع الذخيرة التي قتل بها العسكري الأميركي.
وفي الحرب العالمية الأولى شجع مصانع الذخيرة في ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا بمساهمة مادية كبيرة في رؤوس أموالها.
وهكذا نمت وتضخمت ثروته فكانت أكثر مما يتصوره الخيال. وكان عمله لمدة نصف قرن أن يتسلل إلى رجال الحرب في أوروبا في صورة قط وديع وفي غاية من السرية والكتمان ليوغر صدورهم ويشجعهم على المضي في سبيل الحرب. وكان يستخدم شخصين شبيهين له تماماً ليضلل بهما المتربصين به، فكان كل عملهم أن يخرجوا في المجتمعات لتكتب عنه الصحف أنه في برلين أو مونت كارلو حالما يكون في مهمة سرية في بلد آخر يعقد صفقة حربية.
كان يكره أن يقف لتؤخذ له صورة ولا يسمح للصحفيين بمقابلته ولا يدافع أو يدحض ما يكتبونه عنه. وعندما كان في السادسة والعشرين من عمره وكان جميل الشكل جميل القوام وقع بجنون في غرام سيدة شابة في السابعة عشرة من عمرها تقابل معها في القطار في إحدى سفراته من أثينا إلى باريس وطلب يدها فوراً ولسوء حظه كانت حديثة الزواج بأحد النبلاء الإسبانيين وكان الزوج يشكو من مرض عقلي وعمره ضعف عمرها وكان طلاقها منه مستحيلاً بسبب عقيدتها الدينية. فلم يتزوج زخاروف واحتفظ بحبها في قلبه زمناً طويلاً بلغ نصف قرن تقريباً.
وأخيراً وفي عام 1923 ميلادية توفي زوجها في إحدى المستشفيات العقلية. وفي عام 1924 تزوجها زخاروف وكان عمرها في ذلك الوقت الخامسة والستين وكان هو في الرابعة والسبعين. وتوفيت بعد عامين من زواجهما وقد هام بها مدة ثمانية وأربعين عاماً واستمتع بها كزوجة ثمانية عشر شهراً.
وكان يقضي أيام الصيف حتى وفاته في قصره الفخم بالقرب من باريس.
هذا الشخص الذي ولد في إحدى قرى تركيا في كوخ من الطين ليس به نوافذ عندما كان صبياً كان ينام على الأرض القذرة ويلف قدميه بالخرق البالية لتقيه شر البرودة القاسية. وكثيراً ما كان يمضي أيامه جائعاً. لم يستمر في دراسته أكثر من خمس سنوات، غير أنه كان يتكلم بأربع عشرة لغة ومنحته جامعة أكسفورد شهادة الدكتوراه الفخرية في القانون المدني، وأول مرة دخل فيها لندن سجن بتهمة اللصوصية، وبعدها بثلاثين عاماً أقام له ملك إنكلترا حفلة تكريمية على شرفه.
وفي أحد أيام صيف عام 1909 كان رجل أوروبا الغامض هذا يزور حديقة الحيوانات في باريس، فأزعجه أن يرى بعض القرود مرضى بالجرب وعليها آثار الجوع وكثيراً من الأسود تتألم من مرض الروماتيزم، وضايقه أن يرى آثار المرض على جميع أنواع الحيوانات في الحديقة، فدعا مدير الحديقة وأنبه بشدة على ما رأى من حالة الحيوانات في الحديقة، ولم يكن المدير يدرك أنه يتحدث مع أغنى رجل في العالم، فأجابه هو الآخر بحدة قائلاً: ((ومن أين لي نصف مليون من الفرنكات حتى أستطيع أن أعتني بكل هذه الحيوانات الموجودة في الحديقة. وأجابه زخاروف: إذا كان هذا هو كل ما يعوزك فخذ. وكتب له شيكاً بعشرين ألف جنيه.
ومن الغريب أن الرجل الذي قتل برصاصه ملايين البشر يدفع هذا المبلغ الضخم لإنقاذ عدد ضئيل من الحيوانات، وأخذ مدير الحديقة الشيك وهو يظن أن الرجل الذي يحدثه يريد أن يستهزىء به وينكت عليه، وحاول أن يقرأ الإمضاء على الشيك فلم يستطع فرمى به فوق كومة الأوراق المكدسة على مكتبه.
وبعد عدة شهور زاره أحد أصدقائه فحدثه بحديث الرجل وبالشيك الذي كتبه له. وكانت دهشته عظيمة عندما أخبره صديقه بأن الشيك صحيح وأن الرجل الذي أمضاه هو زخاروف أغنى أغنياء العالم.
ومات زخاروف في الخامسة والثمانين من عمره كومة من العظم تراكمت عليها الأمراض، وكان خادمه يضعه في عربة يد ويدفعه داخل بستان الزهور الذي كان يحبه ويفضله.
وقد كتب مذكراته لمدة ربع قرن في ثلاثة وخمسين مجلداً. وقيل إنه عندما حضرته الوفاة أمر بحرق كل تلك الوثائق والأسرار.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1563  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 124
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج