شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
فشل المطاردين
وكان أبو سفيان قد أرسل كوكبة من الفرسان للحاق بعمرو وسلمة وذهب هو إلى دار الندوة للاجتماع ببعض وجوه قريش. ولم يكن يدري صفوان بن أمية أن أبا سفيان بدار الندوة فشخص إلى داره يتلمس أخبار المطاردة وإذا به يفاجأ بعودة الفرسان وليس معهم عمرو أو صاحبه، فلم يتمالك نفسه فصرخ في وجوه الفرسان قائلاً:
ـ ألم تلحقوا بهما... ويحكم أيها الجبناء.. إنكم على متون الخيل وهم على ظهر الأرض ومع ذلك لم تدركوهما..
ويرد عليه أحد الفرسان قائلاً:
ـ لم نترك سهلاً ولا وعراً ولا مفازة ولا وادياً ولا كهفاً ولا جرفاً إلا فتشناه ومع ذلك فلم نعثر عليهما كانما ابتلعتهما الأرض...
ـ تباً لكم اثنان أعجزاكم فكيف لو داهمكم محمد بأكثر منهما. اغربوا عن وجوهنا..
تقول هند وكانت تشهد الموقف وهي على عتبة دارها...
ـ عندها ستكون الطامة الكبرى يا أبا خلف...
ـ صدقت يا هند صدقت... لقد ضفنا في الوقت الذي اشتد فيه ساعد محمد وقويت شوكته...
ـ إن الأمر أصبح من الخطورة بمكان يا صفوان...
ـ أجل يا بنت عتبة.. ولعلك تساعديننا على زوجك أبي سفيان عسى أن يخرج على الناس بما يثبت قلوبها على دينها ويجمع كلمتها على الوقوف صفاً واحداً في وجه محمد..
ـ سأفعل يا صفوان فنذر الشر بسوء المصير أكاد أسمعها تدوي من أعلى جبل أبي قبيس...
ويتطلع صفوان فيرى أبا سفيان قادماً فيقول:
ـ هذا أبو سفيان في طريقه إلينا...
ـ لقد جاء في الوقت المناسب.
ـ ولكني أراه يا هند ساهماً مطرقاً لعله منشغل بأمر هام..
ـ إن ما نحن فيه يجعل كل واحد منا متجهم الوجه قلق البال.. فكيف بأبي سفيان وهو يحمل أكبر عبء مما نحن فيه...
ويدخل أبو سفيان وهو يقول:
ـ أنعمت مساءً يا صفوان... أنعمت مساءً يا هند...
ـ أنعمت مساءً يا أبا سفيان. لقد جئت دارك أتلمس أخبار الفرسان المطاردين وإذا بي أفاجأ بهم عائدين بخفي حنين...
ـ بلى قل بدون خف يا أبا خلف..
ـ ولذلك أراك منشغل البال... أمن حدث جديد؟؟
ـ بلى يا صفوان بلى..
وتقول هذا بلهفة.
ـ ما هو بأبي أنت.. قله..
ـ عدا عمرو بن أمية الضمري وصاحبه على جثة خبيث بن عدي المصلوب في التنعيم (1) فأخذها مع الخشبة على مسمع ومرأى من الحراس...
ويصرخ صفوان مغضباً..
ـ الحراس ثلاثة والمغيران اثنان فكيف يكون ذلك؟
ـ هذا الذي جرى يا صفوان.. أخذ الجثة والخشبة وغيباهما في مكان لم يهتد إليه الحراس حتى الآن.
وتمتعض هند وتقول:
ـ يا لهم من حراس جبناء أغبياء يجب أن يلاقوا أشد القصاص..
ـ وماذا ينفع القصاص يا هند وقد طارت الطيور بأرزاقها...
ـ إنه عمل يدل على أن محمداً قد استصغر شأن قريش فطفق يبعث بقطاع الطرق والفاتكين يعبثون بأمنها وسلامتها...
ـ والله ما أدري ماذا سيكون عليه أمرنا لو أرسل محمد أكثر من اثنين...
ـ لقد أحس محمد بضعفنا يا هند ولكي يتأكد من ذلك أرسل هذين الفاتكين يتجسسان ويعبثان بهيبة قريش ومكانتها وتؤمن هند على كلام صفوان بقولها:
ـ صدقت يا صفوان صدقت. لم ير محمد بعد نكستنا في معركة الخندق أيَّ انتفاضة لغسل عارها فرفع رأسه وبدأ يصول ويجول ويتهدد أمننا وسلامتنا..
ـ أجل يا هند أجل..
ويرى أبو سفيان أن في كلامها غمزاً وتصغيراً بزعامته فيصرخ محتداً..
ـ كفاكما لوماً وتقريعاً.. لم يعد في قوس صبري منزع. العتب واللوم على أبي سفيان وليس أحد منكم مع أبي سفيان... ماذا أفعل وحدي... ماذا تصنع يد واحدة؟ هل يمكنها أن تصفق أجمعوا أمركم وسترون أني في المقدمة...
ـ يا أبا سفيان! نحن لم نهدف إلى لومك أو تقريعك وإنما كنَّا نستعرض أمامك وضعنا السَّيىء وما آلت إليه حال قريش بعد انتكاسة الخندق...
ـ أكنت أنا المسؤول وحدي عن معركة الخندق.؟؟
ـ أسمع يا أبا سفيان.. إذا كنت حقاً تريد أن نصارحك ونتبادل معك الرأي فتجنَّب الغضب وجادلنا بالتي هي أحسن...
وتؤمن هند على كلام صفوان بقولها:
ـ إنما يقول صفوان هو الحق. أما أنك تحتدُّ وتغضب كلَّما صارحك أحد مدفوعاً بإخلاصه لك ولقومه، فهذا يعني أنَّك لا تحب الشورى بل تريد أن تستبد برأيك...
ـ ومتى رأيتني يا هند أو أنت يا صفوان استبد برأي؟؟
ـ الغضب عند قوله الحق بداية الاستبداد يا أبا سفيان...
(تدهور الوضع الاقتصادي بمكة):
لا شك أن نكسة معركة الخندق أثرت على زعامة قريش بين القبائل العربية في الجزيرة كما أن قريشاً لم تقم بعد تلك المعركة بأية اتصالات بتلك القبائل ولا بأي نشاط حربي قد يعيد إليها هيبتها ومكانتها بينهم ولذلك راجت الإشاعات وكثر القيل والقال عن قوة مركز محمد صلى الله عليه وسلم وجبن رأس المال عن المغامرة فانخفض سير القوافل بين مكة والشام وبينها وبين اليمن. وزاد الطين بلة دخول فاتك خطير كعمرو بن أمية الضمري إلى مكة وتحدِّيه لرجالها وحراسها وفرسانها وشيوع القلق والخوف بين الأهلين بعد فشل رجال الأمن في القبض عليه هو ومن معه، وإننا لنجد صدى لهذه البلبلة في الحديث الجاري فيما يلي بين عكاش وهذَّال وهما من أهل الطائف قدما لبيع فاكهتهما بمكة وقد اضناهما السير والخوف من قطاع الطرق.
وفوق ذلك عدم جودة موسم الفاكهة هذا العام بسمع بكاش يقول:
ـ لم يكن موسم الفاكهة بالطائف جيداً هذا العام يا هذال إقبال أهل مكة على الشراء ضئيل بالإضافة إلى حذقهم في المفاصلة.
ـ قلة الأفكار واضطراب حبل الأمن كانت هي السبب ولعلنا نجد في ارتفاع أسعار العنب والرمان بمكة ما يعوقنا عن رداءة المحصول..
ـ ما أرانا يا هذال إلا مقبلين على سنين عجاف فقلوب الناس أسودت ونياتها ساءت وطغيانها وفجورها ازداد بشكل ما عهدناه من قبل.
صدقت يا عكاش... لقد شاعت الفوضى وانفلت زمام الأمن من أيدي قادتنا فأصبح كل منا خائفاً مترقباً.
ـ أكنا نستطيع دخول مكة بدوابنا المحملة بالعنب والرمان لو لم ندخل في حمى خويطب بن عبد العُزَّى.
ـ لا درب البيت يا عكاش...
ـ وإلى متى نظل على هذه الحال...
ـ حتى يأتي لنا المنقذ مما نحن فيه..
ـ وأين هو هذا المنقذ...
ـ إنه... إنه... أتكتم السر يا عكاش...
ـ قل وأنت آمن يا هذال...
ـ إنه... إنه.
ويلتفت يمنة ويسرة خشية أن يسمعه أحد. وعندما لا يرى أحداً يقول..
ـ إنه... إنه...
ويقاطعه عكاش قائلاً وقد رأى لسانه يتلجلج من الخوف:
ـ سأقول أنا لك من هو المنقذ...
ـ أراك تعرفه ولم تجاهلته من قبل...
ـ إنه محمد بن عبد الله... صلى الله عليه وسلم...
ـ صلى الله عليه وسلم.. أنت مسلم يا عكاش؟؟
ـ منذ جاء محمد يدعونا لدين الحق بالطائف فسلطنا عليه غلمائنا وصبياننا يرمونه بالحجارة...
ـ لعلمنا أسلمنا في نفس اليوم يا عكاش... لقد كنت قريباً من الكرم الذي لجأ إليه محمد فسمعته، بالرغم من أذية قومنا له يقول:
اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون.
ـ وأنا أيضاً سمعت نفس هذا الكلام فكرمي ملاصق للكرم الذي لجأ إليه محمد فرق قلبي وتمنيت الدخول في دين هذا الرجل الكريم الحليم...
ـ وكيف بلغت أمنيتك يا عكاش؟؟
ـ فيما بعد على يد خباب بن الأرث في مكة وأنت؟؟
ـ على يد عبد الله بن مسعود في مكة أيضاً...
ثم يتنهد عكاش تنهيدة عميقة ويقول:
ـ والله يا هذال لولا ارتباطي بكرمي وأولاد لي صغار لهاجرت إلى محمد في يثرب. على أنني أنتظر اليوم الذي يدخل فيه مكة لأعلن فيه إسلامي..
ـ وأنا والله مثلك ارتباطي بكرمي ووالدي الكهل وأمي العمياء هو ما يحول بيني وبين الهجرة، ولكن الفرج آت بإذن الله...
ـ إن الفوضى التي تعيشها هذه البلاد إيذان باقتراب الفرج يا هذال. وإني لعلى يقين من أن الله سينصر نبيه وسيطهر هذه البلاد من رجس الوثنية..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :571  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 83
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج