شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(المشهد السابع)
 

(ولما أيقن ((فؤاد)) - على مر الأيام - أن لا رجعة لعمه، طرأت عليه فكرة لم يشعر معها إلا ورجلاه تقودانه إلى سيارته الفخمة فيستقلها ويتخذ طريقه إلى بيروت. وفي أحد مراقصها الجميلة يجلس إلى مائدة، وتراه ((سونيا)) وهي مغنية وراقصة كان ((فؤاد)) يهواها وهي تحبه حباً جنونياً فتسرع إليه وتحييه بشوق، ولكنه لم يبادلها هذا الشعور بل كان غارقاً في تفكيره، فتلكزه قائلة):

سونيا:

((فؤاد)) - قل لي - أراك اللّيل مضطرباً

 

فيم التفكر يا روحي وما السببُ؟

فؤاد:

لا شيء يا سونيتي، لا شيء أكتمه

   

سونيا:

   

لا شيء! إنك مهمومٌ ومكتئبُ

 

(ثم تستدرجه وقد علمت بحبه الجديد ((للِيلِي)) وبحادث خطف أبيها فتفاجئه قائلة):

 

لعل ((لِيلِي)) بخير بعدما خطفوا منها أباها وضلَّ السعيُ والطلبُ

فؤاد:

قد هدّها الحزنُ واليأس المرير بها أزرى وساء لها حال ومنقلبُ

سونيا:

إذاً تُفكّر فيها؟

   

فؤاد:

كيف لا....

   

سونيا:

وأنا نسيتني....

   
 

(ويدرك ((فؤاد)) خطأه فيعمل على تدارك الموقف قائلاً):

فؤاد:

ما نسيتُ العهدَ

   

سونيا:

   

ذا كذبُ

 

نحرت قلبي على عهد الوفاء فدى

 

لقلبك الصخر ما حنّت به شعبُ

 

(ثم تنهض وتذهب فيناديها):

فؤاد:

((سونيا))

   
 

(وتجيبه سونيا وهي ضاحكة بمرارة):

سونيا:

أتحسِبُني بلهاء غَافلةً

 

تلهو بها، بئسما ترجو وتطَّلبُ

 

(وتذهب وهي في حالة جنونية. أما ((فؤاد)) فقد ظل بعد ذهاب ((سونيا)) يقلّب تلك الفكرة على وجوهها. فلما انتهت السهرة كان هو قد انتهى إلى قرار بشأن فكرته. فعاد إلى ((سوق الغرب)) وهو عازم على التنفيذ. فيطرق باب اثنين من شياطين أعوانه فيفتح ويدخل ويغيب ثم يخرج بعد ذهابه اثنان يتّخذان طريقهما إلى بيت ((لِيلِي)) فيرجمان زجاج الشبابيك بالحجارة ويهربان فتهب ((لِيلِي)) من نومها مذعورة على صوت زجاج شباك غرفتها المهشَّم وقد تطاير وتناثر على فراشها وأرض غرفتها وكاد الحجر المهشم يصيبها فتسرع ((لِيلِي)) إلى التليفون فتطلب البوليس، وقد تملَّكها الذعر والخوف):

لِيلِي:

هلو: يا شرطة أدركونا

 

لصوص هاجمونا

 

هدّموا الدار حطموا الأبواب

 

هشموا الزجاج: بالحجار

     

أدركونا..... أدركونا

 

(تضع السمّاعة، وهي ترتجف هلعاً، يدخل خادمها ((محمد)) ليطمئن عليها قائلاً):

محمد:

لعلك لم تُروَّع

   

لِيلِي:

أيُّ روع

 

لقد بلغ التخوُّف بي ذراهُ

 

(ثم تسأل بلهفة):

 

وهل عُرِف الجناةُ؟

   

محمد:

لقد طواهمُ

 

سوادُ اللَّيلِ في بيدا دجاهُ

لِيلِي:

وأين الحارسون؟ ألم يروهمْ

   

محمد:

   

إذا الرَّاعي غفا ضاعتْ شياهُ

 

(يدخل ضابط البوليس وجنوده قائلاً):

الضابط:

لقد فرَّ الجناةُ وقد تبعنا

 

خُطاهم والدَّليلُ بدا سناهُ

لِيلِي:

أهم من خاطفي أبتي؟

   

الضابط:

   

يقيني بأنَّ لهمْ يداً فيما نراهُ

 

يحفظ الله...

   

لِيلِي:

أشكرُ ما بذلتمْ

 

من التفتيشِ

الضابط:

   

وفَّقنا الإلهُ

 

(ويذهب ضابط البوليس ومن معه، وتقضي ((لِيلِي)) ليلة ساهدة، وفي الصباح يدخل عليها ((محمد)) فتقول له):

لِيلِي:

تعقدت الأمورُ وطال لَيلِي

 

وليلُ الهمّ ليس له صباحُ

 

غياهبُ ما لها صحوٌ وعمرٌ

 

بكاء أمسهُ وغدا نُواحُ

 

تُرى كُتِبَ الشَّقاء عليَّ...

   
 

(ويدخل ((فؤاد)) مسرعاً متصنّعاً الاهتمام والحزن ويقول بلهفة):

فؤاد:

((لِيلِي))

   

لِيلِي:

   

فؤاد: أحَالف المسعى النجاحُ؟

فؤاد:

لقد عمِيَ الدَّليلُ وضلَّ جُهدٌ

 

وتاهَ بمهمهِ الدُّنيا كفاحُ

 

(تبكي ((لِيلِي)) ولكنها سرعان ما تتجلد، فيهوّل ((فؤاد)) الأمر ويعقّد الموضوع ليفسح للرعب مجالاً في قلب ((لِيلِي)) فيقول):

 

وأخشى....

   

لِيلِي:

ما الذي تخشي؟....

   

فؤاد:

أتاني

 

حديثٌ لا يَسُرُّ إذا يباحُ

 

(وتتلهف ((لِيلِي)) وتسأله):

لِيلِي:

وما هو؟

   

فؤاد:

إنه غدرٌ بلِيلِي

   

محمد:

(ساخطاً)

 

أأصبحنا سبايَا تُستباحُ

 

أهُنَّا هكذا حتَّى غدونا

 

مواتاً لا تَؤزُّهُمُ الجراحُ

لِيلِي:

فأين حُماتُنا

   

فؤاد:

(متهكَماً) ضعُفوا فهانُوا

   

لِيلِي:

   

أما للأمرِ يا ربّي صلاحُ؟

 

(ويمتقع لونها فزعاً وفَرَقاً فتقول):

 

إذاً ترويعهم ليلاً نذيرٌ

 

بشرّ

 

(ويرمي ((فؤاد)) بقنبلته في الوقت المناسب فيقول):

فؤاد:

   

إنَّهُ شرٌّ صراحُ

 

يرومون اختطافَكِ

   
 

(ويهول ((لِيلِي)) الهدف فتصرخ):

لِيلِي:

يا إلهي

 

إذا اللَّيثُ اخْتفى كثُرَ النُّباحُ

 

(ثم تقوم من مكانها إلى الغرفة المجاورة وترمي بنفسها على المقعد باكية منتحبة، ويأخذ ((فؤاد)) الخادم ((محمداً)) وينتحي به جانباً ويقول له):

فؤاد:

وحيدة أصبحت وليس لها غيري

   

محمد:

   

أجل ورجاها أنت والطلبُ

 

(ويخيلّ لـ ((فؤاد)) أن الفتاة ومربيها قد أصبحا بحاجة إليه، فيقول بلهجة الآمر الناهي):

فؤاد:

أريدها - قل لها - زوجاً فقد عبست لها الحياة وعين الشر ترتقبُ

 

والمجرمون متى ما زُوِّجت حذروا بطشي وزُلزل ما كادوا وما نصبُوا

 

(يجري كل ذلك و((لِيلِي)) تسمع وتكاد تتميز غيظاً أن ينتهز هذا الوغد الفرصة ليفرض نفسه عليها. ويذهب ((فؤاد)) إلى حديقة منزل عمّه ينتظر النتيجة، ويدخل ((محمد)) إلى ((لِيلِي)) فتبادره قائلة):

لِيلِي:

محمد.. جئت من عند ابن عمّي

 

رسولاً: ينقل الخبر المسرّا

 

(ثم تضحك ضحكاً جنونياً فيستحي ((محمد)) ويقول):

محمد:

لعلّي مخطىء

   

لِيلِي:

بل أنت نذلٌ

 

تَآمر واللئام عليَّ جهرا

 

محمد.. كنت لي درعاً وردءاً

 

إذا الأيام جارت كان ذخرا

 

محمد.. جئت تخطبني لوغد

 

محمد.. كيف تطلب ذا وتجرا؟!

 

(ويسوء محمداً اندفاعها وطعنها في إخلاصه فيقول):

محمد:

فديتكِ خفّفي لوماً وذمّا

 

لعمرك ما أتيت اليوم نكرا

 

لقد طلب ابن عمّكِ منكِ أمراً

 

حلالاً ما ابتغاه وليس كفرا

 

وتقاطعه ((لِيلِي)) محتدة):

لِيلِي:

محمد.. قل له طلبٌ محالٌ

 

يَعِزُّ عليَّ تلبية المحالِ

 

لقد آليت ما أنفك أبكي

 

على أبتي، على زين الرجالِ

 

لعلِّي أستطيع لقاه يوماً

 

وإن شطَّ المزار على سؤالي

 

(وتبكي... فيقول محمد):

محمد:

سأفعل...

   
 

(ويذهب تاركاً ((لِيلِي)) في حيرة لا تدري ماذا تفعل وماذا سيكون رد الفعل - عند فؤاد - على جوابها، فتقول وهي شبه نادمة على تسرّعها):

لِيلِي:

ويح قلبي! ما لعقلي؟

 

أراه اليوم نهباً للخيالِ

 

تردّى في مجاهلَ من ظلامٍ

 

فمن حالٍ يقود لشرِّ حالِ

 

تكاثرت الهموم عليَّ حتّى

 

تكسّرت النّصال على النّصالِ

 

(ويسرّ ((محمد)) إلى ((فؤاد)) بجواب ((لِيلِي)) فيزمجر ويتوعد):

فؤاد:

رفضت يا ويلها إذ رفضتْ

 

وبقلبي نقمة قد أيقظتْ

 

سأجازيها على ما فعلتْ

   
 

(ثم تتغلب عليه العاطفة القديمة فيقول):

     

ليتها ما ارتكبت.. ما ارتكبتْ

 

(ويخرج مسرعاً فيعود ((محمد)) لسيدته فيراها جالسة حزينة فتسأله):

لِيلِي:

محمد: ما وراءك؟

   

محمد:

كل شرٍّ

 

لقد آلى ابن عمّكِ لن يناما

 

سيثأر منكِ يا لِيلِي

   

لِيلِي:

إلهي

 

أعِنِّي واكفني شراً ترامى

 

(ويدرك محمد بعينه البصيرة وعقله المجرّب، أن فؤاداً سيفعل المستحيل لإخضاع لِيلِي، وأنهم مقبلون على تجارب مريرة فيرى أن يهرب بـ ((لِيلِي)) بعيداً عن منطقة نفوذ ((فؤاد)) حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فيقول لها):

محمد:

أرى أن تهجري لبنان حتَّى

 

ينير البحث سراً قد تعامى

 

ويعرف ما جرى لأبيك حقاً

 

وأين تراه يا لِيلِي أقاما

 

ونخلص من أحابيل ابن عمّ

 

عليه لعنة المولى دواما

 

(ويظهر أن الفكرة قد راقت لـ ((لِيلِي)) فاستجابت لها بقولها):

لِيلِي:

أؤيد ما ارتأيت، ونِعم رأي

 

ولكن، أين نذهب يا محمد؟

 

(وكان محمد مصري الأصل قدم لبنان في طلب العيش وانتسب لخدمة ((خطّار)). وقد هاجه الحنين لوطنه حين ردّد اسمه، وإذا به يقول):

محمد:

إلى مصر العزيزة يا لشوقي

 

ويا وطني إليك العود أحمد

 

(وتدرك ((لِيلِي)) - لأول مرة - أن مربيها مصري فتقول له):

لِيلِي:

أمصري؟

   

محمد:

أجل، وطناً وقوماً

 

ومجداً، نوّر الدنيا وأسعدْ

لِيلِي:

وأهجر موطني لبنان قهراً

 

يعزّ عليَّ أتركه وأبعدْ

 

(ثم تندفع مغنية والموسيقى تصاحبها):

الغناء:

وطني لبنان يا مهد الجمالِ

 

يا منار المجد يا دنيا الجلالِ

 

خلُد الحسن بهامات الروابي

 

وتسامى الفكر في مسرى الخيالِ

 

وطني لبنان حيّتك الأماني

 

في قشيب البرد والسحر الحلالِ

 

فانسياب النهر أنغام هيامى

 

تبعث النشوة في صمّ الجبالِ

 

صفّق الوادي وأشجاه سراها

 

وشدا الطير وصحب في التلالِ

 

وندامى ضمّهم راحٌ وروحٌ

 

في ظلال الأرز في دنيا الجمالِ

 

كيف أسلو؟ كيف أنسى ما جرى لي

 

وطني لبنان ما أقسى اللياليِ

 

يتّمتني، أجهدتني، عذّبتني

 

فمصيري ساء من حال لحالِ

 

فوداعاً منبت الأرز وداعاً

 

يا رُبى الخلد وأقيال الرجالِ

 

(ثم تنصرف وخادمها لتهيئة وسائل السفر):

 
طباعة

تعليق

 القراءات :607  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 150
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.