شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تقديم
وحضرت مؤتمر الأدباء السعوديين الذي عقدته جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 1394هـ وخرجت تُلفُّني غلالة النسيان، وتعتصرني مرارة الحرمان ألا أرى إنتاجي بين إنتاج الأدباء السعوديين.
وسرت على غير هدى، أجترُّ آلامي وأحزاني، وفي نفسي ما فيها على القائمين بتنظيم ذلك المؤتمر، وفي رأسي أفكار يساجل بعضها البعض، وما أكثر ما قتل منها في هذه المساجلة.
وكدت وأنا في زحمة ذلك الصراع الفكري أن أطلق كتابة المسرحيات الشعرية ما دام قومي يتنكرون لي بالرغم من أني كنت بين شعراء الرعيل الأول الذين احتواهم ديوان (( وحي الصحراء )).
على أن ثورة غضبي لم تلبث أن هدأت بعدما تلوت ما تيسّر من آي الذكر الحكيم، فتابعت سيري، ورأيتني وقد رست سفينة الظلام أفيء إلى ربوة تطل على الساحل حيث استقبلني نسيم البحر العليل، فخرجت من سيارتي، وافترشت أديم الأرض أستروح نسمات الشاطىء الباردة، وأستجلي نجوم السماء الساطعة، وسبح تفكيري في ملكوت الله تعالى فتناسيت ما جرى لي، وحملت ما فعله قومي معي على محمل حسن، وطفقت أردد ما قاله الشاعر:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وقومي وإن ضنّوا عليّ كرام
وامتدت يدي إلى حقيبة السمسونايت ففتحتها وأنا أشعر بأني خلقت من جديد، وكأن شيئاً مما كان لم يكن.
وصمّمت أن أكتب مسرحية جديدة إن لم تكن في مستوى مسرحية ((غرام ولاّدة)) فلن تقل عنها شأناً، وقلت في نفسي يجب أن أنحو فيها منحىً لم يتطرق إليه من سبقوني من أساتذتي مؤلّفي المسرحيات الشعرية.
وكان أول ما فكرت فيه هو: أن أنطق شخوص مسرحيتي الجديدة بلغة البيئة التي يعيشون فيها. فشيخ القبيلة في سكنه بالصحراء، والخادم بمنزل سيّدها، وابن الذوات في المدينة، والحشاش في إحدى علب الليل... عندما يستشعرون تحسُّ في شعرهم بجو المكان الذي يقطنونه، وأنه مستمدٌّ من البيئة التي هم فيها.. وأن شعر الخادم لا يرتفع إلى مستوى شعر أبي تمّام والبحتري والمتنبي كما جرى عليه كتّاب المسرحيات الشعرية السابقون... حينما كانوا يستنطقون الخادم أو شيخ العشيرة، أو ابن الذوات، أو رواد علب الليل بشعر يسمو إلى منزلة فحول الشعراء في العصر العباسي...
ففي مسرحية (( الشوق إليك ))، عندما أدرك ضيوف شيخ العشيرة المساء، واستأذنوه السفر، وأصرّ هو أن يبيتوا في ((شِقَّه))، لم يخاطبهم بلغة المجاملات الحضارية، لم يقل لهم: (( والله تشرفونا، وتسعدونا، وتتفضلوا علينا، وتناموا عندنا... )) ومن هذا القبيل... بل قال لهم:
يميناً تمرحون اللَّيل عندي
وإن الصُّبح يا ضيفي قريبُ
نُقيم اللَّيل حفلاً يعرُبياً
يُغني فيه شبانٌ وشيبُ
على نَغَمِ الرَّباب ولحن شادٍ
وسُمَّارٍ لهم صوت رطيبُ
ومزمار يغردُ والبوادي
تُصفقُ والرمالُ لها وجيبُ
ونايٍ يغمرُ القيعان أنساً
وللقَيْنات ترديدُ حبيبُ
فكلمات: (( يميناً )) التي ربما شفعها بكلمات (( الطلاق )) و(( تمرحون ))، و (( الرباب ))، و(( الشادي ))، و(( البوادي ))، و(( وجيب الرمال ))، و(( الناي ))، و(( القينات )) و(( القيعان ))... كلها كلمات منتزعة من البيئة التي يعيشها شيخ القبيلة.
كذلك عندما غادرت (( لِيلِي )) وطنها، أنشدت أبياتاً تنضح برقة المدينة، وجمالها، وآثارها وروائعها....
ومثل هذا القول يصدق على شعر رفقاء (( هارون )) الحافل بالتهكم والسخرية، وبعض الكلمات العامية المصرية بالإضافة إلى الوزن الشعري الذي ساعد على إضفاء مسحة المرح عليه...
وقد حاولت ألا يقتصر فهم شعر هذه المسرحية على الطبقة المثقفة كما فعل أسلافي من مؤلّفي المسرحيات الشعرية، بل توخيت أن يكون شعر هذه المسرحية من البساطة بحيث يفهمه العامة، وأنصاف المتعلّمين، بالإضافة إلى المثقفين... وفي ذلك تعميم للفائدة المرجوة من وراء كتابة المسرحيات الشعرية...
وهذه المسرحية تعتمد في جملتها على الموضوعية والواقعية، وليس فيها افتعال للحوادث، كما راعيت أن يكون انسياب شخوصها وتحركاتهم على مسرح الحوادث طبيعياً، وقد استفدت من (( بحر الرجز )) أو (( حمار الشعراء )) كما يسمونه في تقارير الشرطة والنيابة، واستغليت (( تفعيلات المجازي )) في حوار المسرحية...
وأملي، أخيراً وليس آخراً، أن يجد قارئي الكريم، في هذه المسرحية ما يرضيه....
المؤلف
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1056  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 150
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.