شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تماماً.. مثل ما نادى به "الغربال" قبل (67) عاماً
لفت انتباهي عنوان بارز في جريدة "الشرق الأوسط" العدد (6882) جاء على النحو التالي "الشهادة الصحية قبل الزواج تحد من التهور العاطفي في لبنان".. والعنوان لتقرير من مراسلة الجريدة في بيروت، وملخصه: "إن وزارة الصحة في لبنان فرضت على الراغبين في الزواج إجراء جملة فحوصات طبية، الأمر الذي ساهم في تسهيل مشروع الزواج، وإنجاحه أو إلغائه، فأصبح من الضروري على كل اثنين يرغبان في الاقتران أن يبرزا "شهادة صحية" مفصلة وموقعة من الطبيب المختص، يستطيعان بموجبها إجراء مراسم الزواج بصورة شرعية" وأشار التقرير إلى إحصاءات أخيرة قامت بها جمعية "الفردوس" المختصة برعاية الشباب اللبناني وتشجيعه على الزواج إلا أن القرار الأخير تسبب في إيقاف عدد من معاملات الزواج أو تأخيرها لدى 20% من الشباب اللبناني، وهي حالات خاصة بينت إصابة أحد الطرفين بمرض مزمن "العقم السكري" أو مرض مفاجئ خطير "القلب أو السرطان أو الإيدز، أو التيليسيميا".
ويؤكد التقرير على لسان أحد الأخصائيين الاجتماعيين أن الفحوصات الطبية قبل الزواج كانت أهم ما أصدرته الدولة اللبنانية فيما يخص الزواج، خصوصاً أن 80% من الشبان لم يكونوا يعيرون الأمر اهتماماً كبيراً معتقدين أن بالحب وحده يحيا الإنسان".. انتهى ما جاء في التقرير.
ما أدهشني أن هذه الخطوة التي اتخذتها وزارة الصحة اللبنانية والمتمثلة في ضرورة إصدار شهادة صحية للزوجين قبل الزواج، هي ذاتها الدعوة التي أطلقها الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه رحمه الله، والذي كان يكتب تحت توقيع "الغربال" وهو الاسم المستعار الذي اتخذه في كتاباته الصحفية، كان ذلك قبل (67) عاماً تقريباً حيث كتب مقالاً تحت عنوان "الكشف الصحي ضروري للمتزوجين من الرجال" ونشره في جريدة "صوت الحجاز" العدد 36 وتاريخ 2/6/1351هـ.
وقد أثار هذا المقال جدلاً واسعاً في الوسط الأدبي آنذاك، ومما يؤسف له أن الردود والتعقيبات حول هذه القضية لم تكن تحمل سوى الاستغراب أو الاستهجان من أدباء زمانه، كما أن المجتمع كانت تكتنفه عادات موروثة، تمسك بها، ولم يجد التوعية الكافية لتعديل السيئ منها.
فماذا جاء في مقال "الغربال"؟
يقول الكاتب: "جرت العادة، وهي عادة مبنية على غير شيء من الحكمة والتروي، بأن الزوج إذا اتفق مع أهل العروس على الزواج، يقدمون حالاً لإعداد الأفراح دون أن يفتشوا أو يبحثوا عن الحالة الصحية، وإني أرى في ذلك خطراً عظيماً لا على حياتهما فقط، بل على حياة نسلهما أيضاً، وأن النظر الخارجي لا يكفي لنفي المرض، لأنه قد يكون الإنسان مريضاً وهو نفسه لا يشعر بذلك، إلا بعد أن يحمل عليه المرض بخيله ورجله، نسأل الله السلامة والحماية، كما أن كثيراً من الأمراض تكون داخلية فلا يعلم بها أحد غير المرضى، أو من أراد أن يطلعه على ذلك، ومع الأسف فإن هذه الأشياء كلها لم نلاحظها، ولم نعتن بها، لأن أكثرنا يعتقد أن بحثها أو التفتيش عنها فضيحة وعيب، وهذا الاعتقاد فاسد، يجب أن نضرب عنه صفحاً ونتغلب عليه بقوة حديدية ما دام في ذلك سلامة مجموعنا وتحسين حياتنا الزوجية، وسلامة نسلنا، أفلاذ أكبادنا.
ثم يشدد "الغربال" على ضرورة الاهتمام بالجانب الصحي قبل الزواج، "إني أقول وأكرر بضرورة إخراج كشف صحي للزوج فقط قبل النكاح"، وأستثني الزوجة لظروف اجتماعية آنذاك لم يبدها وأكتفي بالقول: "لأسباب لا تخفى على من تدبر وأبصر".
وقد أدرك الكاتب –يرحمه الله– أن دعوته هذه ستقابل بالرفض من البعض إلا أنه تمسك بموقفه وأعلن صراحة: "أعتقد أن كثيراً من الناس –سامحهم الله– يسخطون من طلبي هذا، وربما قالوا عنه: "هذه مجازفة" ولكن ذلك لا يهمني لأني متيقن من أن الحاجة ماسة إليه، وأعرف أن كثيراً من الزوجات المسكينات خرجن من بيوت أهلهن وهن صحيحات الأجسام فأعداهن أقرب الناس إليهن "أزواجهن".
وفي ختام مقاله حث مجتمعه على الإسراع لتطبيق مبدأ "الكشف الصحي" لفائدته العامة: "الكشف الصحي يفيدنا من جميع الوجوه، وربما كان منبهاً لأحدنا على مرض لم يشعر به ولم يعلم عنه شيئاً فيقاومه، ثم لا يوجد أقل ضرر إذا نحن قمنا به، فهو والحالة هذه إذا لم يفدنا وينفعنا لا يضرنا، وما دام كذلك فيجب أن نجعله كعادة بيننا، إذا قلنا ذلك، فنكون قد حافظنا على صحة الكثير منا وقاومنا الأمراض التي تعترض أجسام بعضنا، وإذا أهملنا ذلك فنكون مسيئين أو مذنبين فأيهما أحسن؟ أيهما أصلح؟".
الأصلح بالتأكيد هو الكشف الصحي الذي طالب به "الغربال" خاصة إذا علمنا أن هناك بعض الحالات المرضية "النفسية" كانت ولا تزال تعكر صفو الحياة الزوجية لم يذكرها الغربال، وقد أدركت بعض أحداثها، ويمكن وصفها على النحو التالي:
يحدث أن يفاجأ "الزوج" ليلة عرسه بحالة غريبة لا تمكنه من المعاشرة الزوجية، فيقال عنه بأنه "مربوط" أي عمل له سحر يمنعه من معاشرة زوجته، فيذهب المسكين إلى الدجالين والمشعوذين على أمل إخراج السحر وفك الرباط.. وغالباً ما يكون الانفصال بين الزوجين بالطلاق! بينما الحالة في حقيقتها مرتبطة بالصحة العامة، فالزوج إما أن يكون مصاباً بمرض مزمن له علاقة بالجهاز التناسلي، أو أنها مجرد حالة نفسية تتطلب علاجاً نفسياً لا أكثر.
ومع الأيام والشهور والأعوام تفتحت العقول، ووعت أهمية العناية بصحة الجسد، وذهب الجهل بما يحمل من عادات وأفكار خاطئة عانى منها المجتمع كثيراً.. غير أن مسألة "الكشف الصحي قبل الزواج" لم تزل غائبة عن الأذهان، ولم يزل معظمنا في الوقت الحاضر يتجاهلها، بينما نحن الآن في أشد الحاجة إلى تطبيق المبدأ الصحي الذي نادى به الغربال منذ (67) عاماً خاصة وقد تنوعت الأمراض واتسع مداها فهل نحن فاعلون؟
(حسين عاتق الغريبي):
جريدة المدينة المنورة
العدد (12624) بتاريخ 6/7/1418هـ
 
طباعة

تعليق

 القراءات :637  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 115 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج