شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خطاب ألقاه الأديب محمد سعيد عبد المقصود
بين يدي سمو ولي العهد (1) في حفلة الاستقبال بجرول
يا صاحب السمو.
إن موقفاً كموقفي هذا بين يدي سموكم، لهو موقف عظيم على أمثالي، ولكن الإخلاص دفعني إلى ذلك وجرأني عليه.
يا صاحب السمو.
إني أقف هذا الموقف، لا بصفتي الحجازية، ولا بصفتي النجدية، بل بصفتي عربي، من العرب، يهمني أمر العرب، وتهمني الوحدة العربية.
مولاي:
إذا كانت الأمم تظهر شعور إخلاصها في أيسر المواقف وأعسرها، فالأمة التي تقودونها، والشعب الذي تحكمونه، أمة تشعر بالواجب الذي عليها، فتؤديه في إخلاص وجذل (2) ، تؤديه في سرور وغبطة، مدفوعة بالشعور الإنساني، والواجب المقدس، فإذا رأيتم يا مولاي هذه المهرجانات التي قامت احتفاء بمقدمكم وإذا نظرتم هذا الحماس المتأجج في قلوب أفراد شعبكم لتكريم سموكم، وإذا شاهدتم الوجوه تطفح بشراً، وسروراً فرحاً بلقائكم، فما ذلك كله إلا مظهراً من مظاهر الإخلاص الكامن في قلوب أفراد الشعب، تغلبت عليه العاطفة، فأظهرته في صورته الطبيعية.
قدتم الجيوش باسم الله، وعقدتم البنود اتكالاً على الله، وخضتم نار الحرب من أجل المحافظة على عز أقمتموه بحد السيف وشيدتموه بسنان الرمح، من أجل المحافظة على بلاد أمتكم المخلصة لكم، ودفاعاً عن أرواح شعب قلدكم أمره، وأسلمكم زمامه، فعلتم ذلك بعد أن بذلتم قصارى الجهد في السلم والسلام لا عن خوف ورهبة ولكن لحقن دماء العرب، مصلحة العرب، وحب العرب، وعز العرب وسعادة العرب في بلاد العرب، والعرب يا مولاي فوق كل شيء وعلى كل شيء، فالأمر الذي أقدمتم عليه كنتم مساقون إليه بدافع الذود عن بلادكم.
إذا لم تكن إلا الأسنة مركباً
فما حيلة المضطر إلا ركوبها
مولاي:
خضتم نار الوغى للدفاع عن بلادكم وحمى ذماركم، فلم تكن إلا عشية أو ضحاها حتى هزم الحق الباطل، وعلا العدل الظلم، فوقفت جيوشكم المنصورة أمام أبواب صعدة وبداخل الحديدة، مرفوعة الرأس، عالية الجبين، مهللة مكبرة، فالتقدم الذي نلتموه، والنصر الباهر الذي أحرزتموه لهو بحق دليل قاطع وشاهد عدل، على شرف مقصدكم وغور مرماكم، هو بحق معجزة من المعجزات، فيها آيات بينات لمن ألقى السمع وهو شهيد.
مولاي:
قطعتم الفيافي المقفرة، والصحراء المترامية، وتكبدتم المشاق، وتحملتم الصعاب للدفاع عن عزكم، وشرفكم، فأحرزتم الشرف الأسمى، بالنصر الباهر ثم لما دعاكم داعي السلام، لم تأخذكم العزة، ولم يغركم ذلك المظهر، بل هرعتم إليه بنية صادقة صاغين لنغماته مرتلين لآياته مؤمنين بفائدته، ومددتم أيديكم مصافحين مسالمين، بصدور رحبة، ووجوه ضاحكة مستشرقة كل ذلك حباً في السلم وحقناً لدماء العرب، فعلتم ذلك ولم تطالبوا بتعويضات حربية، ولا خسائر مالية، ثم لم تطمعوا في بلاد اخذتموها بحد السيف، بل غضضتم الطرف عن كل ذلك، ووقعتم أعظم معاهدة عرفها التاريخ وإنها يا مولاي كانت بحق معاهدة صداقة إسلامية وأخوة عربية.
مولاي. سادتي:
إن معاهدة الطائف قد استقبلها العالم في الشرق والغرب بالإجلال والإكبار، وقد عقدت كبريات صحف العالم من أجلها الفصول الطوال، وكلهم معجبون بالروح العالية التي أملتها عليكم محبة العرب، وعز العرب لقد كان في إمكانكم يا مولاي أن تفرضوا على اليمن ما فرضته دول الحلفاء على ألمانيا في معاهدة فرساي، ولكن هي الروح السامية التي تجلت بكم عن ذلك الموقف، فنظرتم إلى اليمن، ومن في اليمن، نظرة الجار لجاره، والشقيق لشقيقه، وكيف لا يكون ذلك منكم، ومن في اليمن عرب منا وإلينا، وعرب من لحمنا ودمنا، عرب ننحدر وإياهم من سلالة واحدة.
مولاي:
إن معاهدة الطائف، قد أثبتت للعالم أجمع في وضوح تام، إن جلالة والدكم رجل السلم الوحيد، فأوروبا التي ما فتئت تعقد المؤتمرات، وتوالي الاجتماعات وتصدر البلاغات، للوصول إلى السلم فقد أمضت السنين الطوال بدون جدوى وغير نتيجة، وذلك لأن حب الفتح والاستعمار يشغل أفكار أهلها، أما جلالة والدكم فقد أعطى برهاناً عملياً، على أنه لم يخض هذه الحروب الضروس إلا لحفظ كيان بلاده لا رغبة في التوسع والفتح فهو بحق رجل السلم، وجزيرة العرب هي بلا ريب بلاد السلم، ومؤتمر الطائف هو بلا شك مؤتمر السلام، مؤتمر الإخاء لا يشابهه مؤتمر لوزان، ولا تضاهيه اجتماعات جنيف. إن العرب وبلاد العرب، ومؤتمرات العرب، هي بحق فوق كل شيء وعلى كل شيء.
إن معاهدة الطائف يا مولاي هي برهان ساطع على الوحدة العربية، والتي يتطلع إليها العرب اليوم، في أنحاء المعمورة وستكون دستوراً لهم يسيرون على ضوئه ويسترشدون بهديه، إن ذلك التسامح الذي تضمنته معاهدة الطائف، والذي أدهش العالم في الشرق والغرب فاستقبلته الأمم بالإعجاب والإكبار لَهُوَ آية من آيات العز والسؤدد، آية من آيات الخلود والأبدية، شكرته لكم اليوم أمم الأرض وسيشكره لكم التاريخ في الغد، ويحفظه لكم بين دفتيه، فيضيفه إلى أعمالكم المجيدة ومآثركم الخالدة.
مولاي:
إن جلالة والدكم الذي قاد الجيوش وخاض المعارك وشيد هذا الملك الباذخ (3) لهو بحق إمبراطور العرب، وأن هذا يا مولاي لم يقله العرب، بل قاله أعداء العرب.
ومليحة شهدت لها ضراتها
والفضل ما شهدت به الأعداء
يا مولاي:
إن الأمة العربية اليوم، تتطلع إليكم للأخذ بيدها نحو وحدتها، التي ننشدها والتي وضعتم أساسها، إن الأمة العربية اليوم تتطلع إليكم لجمع شملها - ولم شعثها وجبر صدعها، ورتق فتقها لأن فعالكم المجيدة، ومقاصدكم السامية، قد أكدت في جلاء أنكم الأطباء المهرة والقادة المحنكون، والملوك الوحيدون.
إن العرب يا مولاي قد ذاقوا الأمرين، وقاسوا الويلين، فبلغ منهم الحزم الطيبين قاموا يطالبون باستقلالهم وينادون برفع نير الاستعمار عن كواهلهم فزهقت أرواحهم وطحن شبابهم ويتمت أطفالهم وترملت نساؤهم وأثكلت عجائزهم لكونهم قاموا يطالبون بحق من حقوقهم وينافحون عن قضية هي قضيتهم. ففي ذمة التاريخ ما لاقت سورية، وفي ذمة التاريخ ما تعانيه فلسطين في ذمة التاريخ ما تكابده مصر في رحمة الله ما يقاسيه المغرب الأقصى.
مولاي:
لا غرابة بعد هذا إذا رأينا العرب اليوم كالبركان الثائر وكالقنبلة المشتعلة والنار المتأججة وكلهم يولون وجوههم شطر دولتكم العربية التي قامت على أسنة الرماح وشيدت تحت أزيز الرصاص للوصول بهم إلى الغاية التي ينشدونها ولها يعملون.
إن غاية العرب يا مولاي هي الوحدة وأن جلالة والدكم المعظم، وقد وضع أساسها ودعا العرب نحو تشييدها، وما الجواب الذي أرسله ملك العراق ببعيد، قد أكدت الحوادث، وأثبتت الأعمال إن جلالة والدكم هو الملك العربي الوحيد الذي يستطيع أن يقوم بهذا العبء ويحقق هذه الفكرة التي كانت في دور الأحلام فأخذت تبرز إلى عالم الحقيقة بفضل مساعيكم.
مولاي:
الوحدة العربية هي عز العرب، وجمع كلمتهم، وتوحيد صفوفهم، وتكاتف جهودهم وعمل كهذا جدير بأن يحقق، ولا توجد دولة عربية تستطيع تحقيقه إلا دولتكم فالآمال اليوم معقودة بكم، ووحدة العرب في أعناقكم وأنتم المسؤولون عنها والمطالبون بها.
سادتي لنهتف قائلين لتحيى الوحدة العربية وليحيى واضع أساسها عبد العزيز الأول.
يا مولاي:
إن هذا الشعور الذي أشعر به هو شعور فرد واحد من أمة زاخرة أتتك تحييك لأن دولتكم قد أكسبتها عزاً. وبنت لها أمجاداً وحققت لها آمالاً كانت لا تحلم بنوالها وبعد فإن في أفراد هذه الأمة المحتشدة الخطيب والشاعر والكاتب وكل فرد منهم يشعر بما أشعر به ويحس بما أحس ويود لو أن يظهر شعوره لو وجد لذلك متسعاً. ختاماً أسأل الله أن يبقي أسرتكم ملجأ للإسلام والعروبة.
جريدة (صوت الحجاز)
16 جمادى الأولى 1353هـ
27 أغسطس سنة 1934م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :754  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.