شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأدباء في بلادنا وما عليهم
تلك الصرخة التي أطلقها أديبنا (أبو عبد المقصود) لم تكن الأولى أو الأخيرة، فقد سبق له كتابة مقال أدبي يدعو فيه أدباء البلاد إلى العناية بالأسلوب الواضح، وتجنب الخيال الذي لا يخدم الحقيقة. وهو لا يعني بذلك الخيال المبدع في الأدب الراقي، لأنه –أي الكاتب– يتلذذ في قراءته في المعاني الرقيقة، لكنه يريد من أديب المرحلة التي يعيشها أن يكون -في أسلوبه- الأقرب إلى تبيان الحقائق دون الاستغراق في الخيال.
نشر هذا المقال في جريدة(صوت الحجاز) العدد رقم 7 للسنة الأولى بتاريخ 17/1/1351هـ بتوقيع (متألم) وتحت عنوان (الأدباء في بلادنا وما عليهم):
(قلة الصحف في بلادنا، وعدم وجود حرية في النشر طيلة الأيام الغابرة (1) جعلتنا في معزل عن العالم، لا يعرفون شيئاً عن أحوالنا، حتى أصبحنا نجد الكثيرين منهم إذا كتبوا عن الحجاز يكتبون بمجرد النظر الخارجي، والأقوال المنقولة، وكلا النوعين فيه ما فيه، وقليل منهم الذين يصيبون كبد الحقيقة في أبحاثهم وتحرياتهم، كما أننا نجد أن أغلب الذين كتبوا عن الحجاز لم يذكروا شيئاً عن أدبائه إلا عرضاً وهذا نادر أيضاً، والسبب في هذا يرجع إلى أن أدبائنا لم يظهروا كتاباتهم إلى حيز الوجود من جهة، وعدم وجود أندية أدبية من جهة ثانية، وانصرف الباحثين إلى الأحوال السياسية أو الجغرافية أكثر من غيرها من جهة ثالثة، كل هذا أظهر للعالم أن الحجاز خال من الأدباء، والحقيقة أن الحجاز اليوم يضم طائفة من الأدباء لا بأس بها، تعتني بالأدب القديم والحديث عناية يجوز أن نسميها حسنة بالنسبة لأحوالنا، فقط يعوز بعضهم شيء من التروي والترتيب.
وقفة:
- لعل شعور محمد سعيد عبد المقصود بجهل الغير عن أدب الحجاز -في تلك الآونة- دفعـه وزميله عبد الله بالخير، إلى إصدار كتاب (وحي الصحراء)، بعد أربع سنوات من نشر هذا المقال أي في عام 1355هـ، للتعريف بأدباء الحجاز، وإظهار بعض نتائجهم الذي لم يتح له الظهور إلى حيز الوجود. ونعود لمواصلة ما ورد في المقال:
خيال الأدباء:
- اعتاد بعض أدبائنا أن يسبحوا في أفق خيالهم، كثير البعد عن الأشياء الواقعة أمامهم، وأن يتلذذوا بأحلام وأوهام يصورها لهم خيالهم الذي كرسوا أنفسهم له، فأخذوا يرهفون الجمل والعبارات من غير ما معنى. خالية إلا من أوهام وخيالات لا فائدة منها، وإني أعرف عدة أدباء يحملون أفكاراً راقية جداً تملكهم الخيال فأصبحوا لا يستطيعون أن يكتبوا شيئاً إلا بعد أن يحلقوا بخيالهم في عالم الأوهام، حالة أن الموضوع يكون بعيداً عن ذلك.
إلى هذه الدرجة تملك الخيال من بعض أدبائنا، فتركوا جميع ما حولهم من حقائق، وما في أمتهم من أدواء تفتك بهم، وما لهم وما عليهم من واجبات، وما يربطهم مع غيرهم من روابط ضرورية لحياتهم الاجتماعية، وإني مع كوني أتلذذ من الكتابات الخيالية أو أقرأ بما تحمله من معان دقيقة، وأعترف بما لها من التأثير والذيوع في العالم المتمدن اليوم، إلا أننا نحن أهل الحجاز، احتياجنا للحقيقة في الوقت الحاضر أكثر بكثير من احتياجنا للخيال، وجميع أقوالنا وأفعالنا، وحركاتنا وسكناتنا تحتاج إلى بحث و تحقيق أي أن الشوط الذي قطعه غيرنا، أو بمعنى أصح العقبات التي ذللتها غيرنا من الأمم التي لا تزال حجر عثرة في طريقنا، يقضي علينا الواجب بتذليلها، كما إنه يجب أن نعتقد أن في ربوع هذا الوطن نفوساً تتألم وتشكو، ولا سبيل لإظهار هذا التألم، وإبراز تلك الشكوى، إلا عن طريق الأدباء الذين يستطيعون أن يكتبوا ويستعطفوا القلوب بكتاباتهم، ويلفتوا نظر المسؤولين إلى واجباتهم. وجميع هذه الأشياء لا يمكن أن ننالها إلا بالحقائق، أما الخيال فلا ننال منه الفائدة المطلوبة.
إني أكتب هذا وأنا على يقين من أنه يوجد في أدبائنا من لا يكتب الخيال، ولا يحب أن يقرأه، ولكن هؤلاء لا يمكن أن نعتمد عليهم وحدهم، لأن حالة الأدب في بلادنا الآن هي كالنهضة سواء بسواء، والنهضة تحتاج إلى المؤازرة والائتلاف، ونحن الآن ساعون إلى محاربة عادات فينا لا تقل مقاومتها عن الحرب، وسيغضب الكثيرون من رجال هذه الأمة التي نحن ندافع عنها، ونسعى لخدمتها ولكن هذا يجب أن نتغلب عليه بالصبر ونتحمل كل شيء في سبيله وسيأتي وقت يقدر أهله –من هذه الأمة نفسها– الجهود التي بذلت وسيحفظ التاريخ كل شيء. وعلى كل هذا واجب ملقى على عاتقنا فيجب أن نؤديه بدون أن نمن على أحد في أدائنا إياه، ويجب أن يكون الإخلاص رائدنا في كل ما تقدم عليه، ومتى قمنا بذلك فما علينا رضي من رضي، أو غضب من غضب.
كل هذا يدفعنا إلى أن نتبع الحقيقة في كتاباتنا ونترك الخيال جانباً، وإني أرجو أن لا يضيق صدر أهل هذا القسم من إخواني الأدباء لأنه ليس لي قصد إلا المصلحة، وإذا رأوا أن يتمسكوا بخيالهم، أو يسبحوا فيه فهم أحرار في ذلك).
وفي العدد 11 من (صوت الحجاز) الصادر بتاريخ 15 صفر سنة 1351هـ، واصل الحديث عن (الأدباء في بلادنا وما عليهم أيضاً):
- (كثيراً ما نقرأ في الصحف وكتب الأدب وغيره كتابات لا لذة لها ولا تحتوي على فائدة، وكما نرى لبعض المواضيع عناوين تلفت نظرنا فنخصص لقراءة ذلك الموضوع وقتاً وما نكاد نقرؤه وننتهي منه حتى نجد أن ذلك بعيد عن الموضوع وإن شأت فقل ليس له علاقة بالموضوع. وذلك لأن أولئك الكتاب لم يعتنوا بالمواضيع التي يبحثونها بل حصروا اعتناءهم في تزويق الكلام وصقله ورصفه وأبهته وبهرجته. وفي حجازنا أو بمعنى أوضح في أدبائنا يوجد قسم من الذين ذكرت (ما أبرئ نفسي لأني أحد أولئك الكتاب)، ولو أن هذا القسم اعتنوا كل العناية بجوهر الموضوع وبحثوه من كل جهة بدقة وترو لكان أولى وأحسن، ثم إن كثيراً من أدبائنا يطرقون مواضيع عظيمة تحتاج إلى بحث دقيق ومراجعات عديدة وكتاب متضلعين علماً وأدباً فنراهم يتخبطون في دياجيرها –وإن شئت قل في دياجيرهم– ويتيهون في فلواتها ثم يخرجون بنتيجة كثيراً ما تكون بعيدة عن المرمى الحقيقي وهذا من الغلط على جانب عظيم –على ما أرى– لأن المواضيع درجات بعضها فوق بعض. ولو أن هذا القسم من أدبائنا طرقوا المواضيع التي يستطيعون تحليلها وبحثها بحثاً مفيداً لأفادوا أنفسهم وأفادوا غيرهم. أقول يفيدون أنفسهم لأن ملكتهم في الكتابة تتقوى وتحسن ويفيدون غيرهم لأن القارئ يستفيد من آرائهم وأبحاثهم. إذ ليس القصد من الكتابة التحبير والتسطير بل القصد الفائدة - وكثير من أدبائنا –بدون مؤاخذة– يتخذون المواضيع سلماً لأغراضهم ويبنون ذلك على الانتقاد فيمسون الشخصيات ويجرحون العواطف مع أن الانتقاد بريء من ذلك، ثم حاجتنا الآن إلى التشجيع أكثر من حاجتنا إلى النقد والمنقود. ولو أردنا نقد كتاباتنا نقداً صحيحاً بعيداً عن التحامل لتعدلت خطتنا. على أننا لو تريثنا في النقد قليلاً حتى نوجد كتلة صالحة قوية لكان ذلك أولى وأحسن. وبدلاً من أن ننتقد كتابات بعضنا ونكن حجر عثرة في طريق بعض؛ ننتقد العادات السيئة فينا، ونحن الحجازيين الآن كالمرضى، حاجتنا إلى تشخيص الداء وإحداث الدواء أكثر من حاجتنا إلى غير ذلك، وإني أرجو أن تجد كلمتي هذه من أدبائنا قبولاً؛ فيتسامحوا معي فيها ويعيروا أدواءنا المنتشرة فينا صغيرها وجليلها شيئاً من عنايتهم، ويظهروا للأمة تأخرها الواقعة فيه، ويرشدوها إلى طريق النور والحياة، لأن هذا من الواجبات عليهم وهم المسؤولون دون غيرهم عن ذلك، ولقد كفانا ما مضى من سنين قضيناها نناجي فيها أنفسنا ونلقي الكلم همساً في آذان بعضنا وجلين خائفين، وإذا أبينا إلا أن نبقى على حالتنا فعلينا السلام.
مكة المكرمة: متألم
 
طباعة

تعليق

 القراءات :504  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج