شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المياه بمكة في أدوارها التاريخية (8)
2- بركة السلم:
وكون بركة (السلم) كانت تملأ بماء المطر قبل سنة 745هـ أمر غير مستبعد إذ قد ذكر صاحب (الأرج المسكي والتاريخ المكي) ما يلي:
"ومن البرك بركة السلم وهي في طريق منى بالقرب من عقبتها، وماؤها من ماء المطر من جري العين وهي مسبلة لم تكن ملكاً لأحد".
فهذا القول يدلنا على أنها كانت تملأ من ماء المطر، فعليه يكون هذا القياس صحيحاً - كما وأن الموقع الطبيعي لبركة السلم، مسيل والجبال التي حول البركة تجتمع فيها المياه أيام الأمطار.
ولا يعلم بالتأكيد متى قطعت عين منى إلا أنها كانت في القرن الحادي عشر مقطوعة وكانت تملأ من ماء المطر. عرفنا هذا من قول صاحب الأرج المذكور سابقاً، وهو من القرن الحادي عشر.
يقول صاحب (إتحاف فضلاء الزمن): "وفي سنة 745هـ جدد نائب السلطنة بمصر بركة السلم وأجرى العين إلى داخلها من طريق منى، قلت (القول لصاحب الإتحاف): وقد خربت الآن ولعلَّ الله يوفق مريداً للخير يعمرها لينتفع الناس بها".
وصاحب الإتحاف توفى سنة 1163هـ، رأيت ذلك على غلاف النسخة الخطية الموجودة في المكتبة الماجدية. والخراب الذي نبه عليه هو خراب في العين لا خراب في البركة. وقد أغفل رحمه الله عمران البركة في ذلك الوقت.
وقد بقيت البركة تملأ من ماء المطر إلى زمن قريب، ولا يزال المعمرون يذكرون لنا أنهم كانوا يذهبون للسباحة فيها؛ وقد روى لي غير واحد أنه حصل عند هذه البركة في حدود عام 1320هـ فتنة (هوشة) بين أهل محلة شعب عامر وأهل محلة النقا قتل فيها غير واحد، وبعد الوقعة نزل بعضهم في البركة للاغتسال فيها - كان بعد أن هجرت بركتا الشامي والمصري، وضعف أمر الاعتماد على البرك، وهذا الضعف بدأ في مكة في العُشْر الأول من هذا القرن أي بعد أن أمنت المحلات بالبازانات واتجهت أنظار الجمعيات التي تولت أمر العيون بمكة إلى العيون والنظر في أمورها دون البرك.
ومكان بركة السلم يسمى (الأجرع) نبه على ذلك الحضراوي في تاريخه (هذا التاريخ لا توجد منه إلا نسخة واحدة بخط المؤلف. وهي اليوم من كنوز المكتبة الماجدية) "تاريخ تواريخ البشر بقوله" "الأجرع يجمع على أجارع، الأرض ذات الحزونة كثيرة الأحجار، وقيل للرملة التي لا نبت فيها، وهي المحل المتسع المبني فيه بركة تعرف ببركة السلم.
وفي ديوان البارودي ما يلي: "الأجرع والجرعاء: الأرض ذات الحزونة تشاكل الرمل، وقيل هي الرملة السهلة المستوية.
وقال ابن الأثير: الأجرع، المكان الواسع الذي فيه مرونة وخشونة.
وفي الأجرع يقول البارودي:
ردي التحية يا مهاة الأجرع
وصلي بحبلك حبل من لم يقطع
وفيه يقول الأمير شكيب:
درعت حسنك بالكمال وفتية
من حول خدرك حاسرين ودرع
في كلة تذر الضراغم عندها
من ذله أمثال عفر الأجرع
وفيه يقول العباس بن مرداس:
وكانت نهايا تلافيتها
بِكرِّي على المهر في الأجرع
وفيه يقول أبو صخر الهذلي:
ألا أيها الركب المخبون هل لكم
بساكن أجراع الحمى بعدنا خبر؟
وبركة السلم مستطيلة يقرب طولها من خمسة وعشرين متراً وعرضها من خمسة عشر متراً، وعمقها من أربعة أمتار، وينزل إليها بتسع درجات من أقصاها، وبتسع درجات من أدناها وكلاهما في الجهة الغربية. ومصب مجرى العين الذي ذكر التاريخ أن مصدر مائها من منى لا يزال ظاهراً إلاَّ أن داخله مردوم بالتراب، وهو يقع في الجهة الشمالية، ومصب ماء المطر المطل على البركة لا يزال موجوداً في الجهة الغربية، أما المصفاة التي تكون عادة قبل المصب فهي مدفونة، وكذلك الشحاحيذ. وقاع البركة ظاهر بعضه، وبعضه مدفون، وهو خرب يحتاج إلى ترميم بسيط، أما البركة فإنها تحتاج إلى إصلاح جيد.
وقد حدثني الشيخ عبد الستار الكتبي الدهلوي أنه كان يوجد بأحد أركان البركة نصب بنى عليه حجر نقش عليه تاريخ بركة السلم واسم منشئها، وأن بعض الكتابة قد محيت، وبعضها باق. ويقول أنه رأى ذلك قبل خمس وخمسين سنة (تخميناً)، ويقول أنه لا يذكر التاريخ الذي هدم فيه النصب المذكور، ونميل إلى أن النصب فقد حينما أهمل أمر البركة فتهدم، وسقط الحجر المكتوب، ولربما يكون الرمل تكاثف عليه فدفن بالقرب من البركة.
وإنا نلفت نظر من أوكل إليهم أمر المياه إلى مسألة واحدة تستحق الاهتمام وهي البحث عن أصل العين التي كانت تصب مياهها في بركة السلم، والتي حدثنا التاريخ بأنها من منى. إذ أن ذلك سهل ومستطاع وقريب التناول، وما حادثة عين الوزير منه ببعيد.
وهذا الأمر نعتقد أنه لا يكلف كثيراً إذا أعطي جانباً من الاعتناء. فهل هم فاعلون؟
"للبحث صلة"
(ابن عبد المقصود)
جريدة (أم القرى): العدد: 529
19 شوال سنة 1353هـ
الموافق 25 يناير سنة 1935م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :612  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.