شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لـمحـــة تاريـخيــــــة
بدأت علاقة الأتراك بالحجاز على شكل اتجاهات خيرية نحو أعمال البر، يصب عطاؤها في أحضان سكان الحرمين الشريفين.
وكان السلطان محمد الفاتح قد خصص جزءاً من أمواله ليكون وفقاً على فقراء الحرمين، وتعهدهم بهداياه (1) ، وكذلك ابنه مراد الثاني، وغيرهما من سلاطين الدولة العثمانية. وعندما سقطت حكومة (الشراكسة) في مصر على يد العثمانيين، بدأت العلاقة تأخذ منحى جديداً يعكس اهتمام (السلطان العثماني) بمكة كمركز ديني تتوجه إليه أنظار المسلمين وأفئدتهم.
ففي عام (923هـ) -بعد زوال الشراكسة، الذين كانوا يديرون شؤون مكة ومرافقها الهامة عن طريق أمر منتدب منهم (2) -؛ أرسل (بركات) شريف مكة ابنه (نميِّ) إلى مصر، (وقابله السلطان سليم بحفاوة بالغة وأكرمه، وأقره هو ووالده على إمارة مكة، وجعل لهما نصف الواردات في مكة وجدة، وظل بركات بعد هذا في إمارته يدعو للخليفة العثماني) (3) .
وتشير أحداث القرن العاشر الهجري إلى (بسط الأتراك نفوذهم على سائر البلاد العربية: الحجاز، واليمن، وسواحل الخليج العربي، وأصبح القسم الأكبر منها جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وبقيت معتبرة جزءاً منها في العرف الدولي حتى إعلان الصلح مع تركيا) (4) .
كما تكشف هذه الفترة عن سوء العلاقة التي كانت تربط بين الحكومة التركية وأمراء العرب المحليين (وقيام ثورات ضدها نتيجة للعسف التركي أو لجهل الأتراك عادات وتقاليد العرب) (5) .
أما (مكة المكرمة) فقد ظلت علاقتها –لفترة– بعيدة نوعاً ما عن مظهر النفوذ الكامل، ويذكر السباعي في (تاريخ مكة) بأن مكة (ظلت معفاة من مرابطة العثمانيين فيها ما يقارب من قرنين، ولم يكن للعثمانيين بها –في أكثر سني هذا العهد– موظفون من الأتراك يتولون شيئاً من شؤون الحكم إلا ما كان من أمر القاضي والمحتسب، وكانت أوامر الخليفة العثماني ترسل عن طريق الوالي في مصر ليبلغها إلى أمير مكة).
ثم تغير الحال؛ حين فرضت الأحداث وجود بعض الفرق (الانكشارية) التي رابطت في مكة حوالي القرن الثاني عشر. وبرزت صورة أخرى تظهر وجود (الوالي) في الحجاز، يعبر عنها المؤرخ الحجازي المعاصر حسين نصيف في قوله: (كانت الدولة العثمانية تجعل بجانب شريف مكة والياً من قبلها من الرجال العسكريين والإداريين، وُكِّلَ إليه الجيش النظامي، والمحاكم، وإدارة الأموال، وعلى العموم كل مصالح الحكومة النظامية، وكان العمل الرسمي للشريف يكاد ينحصر في شؤون البدو وما إليهم. ولكن بعض أمراء من الأشراف كان يتدخل في كل شيء، ويستبد بشؤون الحكومة النظامية أو بعضها حسب قوة الوالي وضعفه، وحسب كثرة العنصر الحجازي من موظفي الحكومة الموالي للشريف.
ولقد نشأ من تغالب هاتين السلطتين متاعب كثيرة للدولة وللأهالي وضاع بسببه أموال كثيرة وحقوق، فإنه لا يمكن أن تصلح بلد فيها سلطتان عاليتان تسير كل منهما إلى اتجاه، وتحاول كل منهما التغلب على الأخرى) (6) .
ولا أود التعرض - هنا للصراعات الكثيرة التي كانت تحدث بين الشريف والوالي، وأنتقل بالحديث إلى عهد الشريف حسين بن علي الذي جاء به الاتحاديون، (جماعة الاتحاد والترقي التركية) من الآستانة ليكون (أمير مكة) () (7) ، ووصلها في ذي القعدة 1326 هـ.
ويبدو أن اختيار الاتحاديين للشريف حسين لم يكن في صالحهم، ولم يتمش مع أهوائهم، وهو ما أكدته الأحداث التي تعاقبت بعد ذلك، وأدت إلى استقلاله عنهم، ذلك لأن الحسين كما يقول المؤرخ الأديب أحمد السباعي: (كان من أشد المحافظين تمسكاً بما ورث من عقائد.. وكان بحكم إقامته في الآستانة عرف الكثير من خفايا أصحاب الدستور واختلط ببعض شبابهم، وشاهد شيئاً من تهاون بعضهم بروح الدين .. وكان يعرف مبلغ الفوضى التي خلفت ظفر الدستوريين في الآستانة).
وقد ظهر أن الحسين لم يكن يطمع في الاستقلال عن الأتراك فحسب، بل تجاوزت طموحاته هذا الحد لتصل إلى الرغبة في استعادة (الخلافة) منهم، ودارت مفاوضات بينه وبين الإنجليز لإعداد خطة عمل ضد تركيا التي انحازت إلى الألمان، ولم تخل تلك المفاوضات من وعود خلابة يمكن أن تحقق تطلعات الشريف حسين لو أوفوا بها.
يقول "لورانس" في كتابه: (أعمدة الحكمة السبعة): (إذا ربحنا الحرب فإن عهودنا للعرب أوراق ميتة، غير أن الاندفاع العربي كان وسيلتنا الرئيسية في كسب الحرب الشرقية، وعلى ذلك أكدت لهم أن بريطانيا تحافظ على كلمتها نصاً وروحاً، فاطمأنوا إلى هذا القول، وقاموا بكثير من الأعمال المدهشة، ولكنني بالطبع بدلاً من أن أكون فخوراً بهذا الذي فعلناه معاً كنت أشعر دائماً بحرارة الخجل!).
وفي ربيع عام 1334هـ أعلن الشريف الحسين الثورة على الحكم الدستوري في الآستانة، وانفصاله عن الدولة العثمانية، وترتيب أموره كملك للحجاز. ونترك الحديث للأستاذ حافظ وهبه، ليذكر لنا تلك الترتيبات (8) :
(لقد قضت الثورة العربية على الملك حسين أن يغير الوضع الإداري الذي كان سائداً في الحجاز، بوضع آخر يتفق مع روح الثورة وما يطلبه العرب منه، فأمر في أوائل سنة 1335هـ (1917م) بتأليف وزارة، كما أمر بإحداث مجلس شيوخ معين من قبله لوضع القوانين والنظم الإدارية).
وينتقد حافظ ذلك الوضع التنظيمي في قوله: (غير أن الباحث في سجلات الحكومة الهاشمية، يرى أن الملك حسيناً كان المتصرف في كل صغيرة وكبيرة، وأن الوزراء والمجلس لم يكونا إلا طلاء، كما أنه لم يكن هناك نظام لتوزيع العمل والمسؤوليات، فأقل المسائل أهمية تأخذ سلسلة طويلة من التحويل من وزارة إلى أخرى حتى تنتهي إلى الملك الذي يأمر فيطاع).
إن المتابع لمجريات الأحداث المتعاقبة على الحجاز إبان عهد الشريف حسين ليجد أثر تلك السياسة على المجتمع، حتى السياسة الخارجية لم تكن من التوازن بحيث توجد علاقة طابعها حسن النوايا مع جيرانه فكان الرجل –يرحمه الله– رغم حنكته السياسية، يبالغ في الاعتداد بنفسه (ويشعر أنه لا يدانيه فيها مدان، ولذا كان يحصر ثقته في نفسه) (9) .
ويلقي الأستاذ عبد الرحيم أبو بكر، نظرة "تحليلية" على تلك السياسة ويرى بأنه (لا بد لتلك السياسة من أن تنعكس آثارها على حياة الحجاز، فبعد ما كان مجمع الشخصيات والمفكرين والوطنيين من البلاد العربية في أول عهد الحركة لم يعد كذلك في السنوات الأخيرة التي تلت ذلك، وزاد الطين بلة أن الغرور جمع بأصحابه إلى افتعال عداء مع (زعيم نجد) حينذاك، ومع حاكم مصر، ومع جماعة الخلافة الإسلامية في الهند التي لم تكن راضية عن الخروج على الدول العثمانية.
ولذا كانت النتيجة الأخيرة التي وصل إليها الحسين هي التنازل عن ملكه لابنه "علي" الذي لم يطل عهده، بل سرعان ما توالت الأحداث في أيامه، واستولى الملك عبد العزيز يرحمه الله على الحجاز، وبهذا انتقل حكم الحجاز من الأشراف إلى السعوديين، وأصبح جزءاً من كيان كبير شكل أقطار الجزيرة العربية، وكان نعمة كبرى تحققت على يد المغفور له الملك عبد العزيز موحد الجزيرة، وصقرها الظافر) (10) .
وقد وصل موكب السلطان عبد العزيز آل سعود إلى مكة المكرمة في 8 جمادى الأولى سنة 1343هـ (5 ديسمبر 1924م)، بعد أن دخلها جنوده محرمين في صبيحة يوم 17 ربيع الأول 1343هـ.
وفي الثاني والعشرين من جمادى الثانية سنة 1343هـ (7 يناير سنة 1924م) بويع السلطان عبد العزيز ملكاً على الحجاز ليصبح لقبه (ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها).
وفي 21 جمادى الأولى 1351هـ (22 سبتمبر 1932م) صدر مرسوم ملكي، وحدت به أجزاء المملكة الحجازية والمملكة النجدية وملحقاتها، وجعلت مملكة واحدة باسم: المملكة العربية السعودية (11) .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1062  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 5 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج