حضر أشعب مائدة (زياد بن عبد الله) في أناس من أهل مكة.. وكانت له صفحة يحضر فيها (مصيرة) من لحم جَدْي فأتى بها، فأكل منها أشعب حتى أتى على ما فيها، فاستبطأ زياد (المصيرة) فقال: يا غلام الصفحة التي كنت تأتيني بها قال: أتيتك بها أصلحك الله فأمرني أن أضعها بين يدي أبي العلاء.. فقال هنأ الله أبا العلاء وبارك الله فيه، فلما رفعت المائدة قال: يا أبا العلاء - وذلك في استقبال شهر رمضان - قد حضر هذا الشهر المبارك.. وقد رثيت لأهل السجن لما هم فيه من الصريمة لا يهجأ من الصوم عليهم.. ولقد رأيت أن أصيرك إليهم فتلهيهم بالنهار وتصلي بهم في الليل وكان أشعب حافظاً. فقال: أو غير ذلك أصلح الله الأمير؟ قال: ما هو إلا ذلك.. فقال: أعطى الله عهدك أن لا أكل مصيرة جَدْي أبداً...
وما أشد ذكاء أشعب وفطنته إذا أدرك أن ولايته السجن لم تكن (إلا) انتقاماً وعقوبة على ما آثر به نفسه ولم يرع حرمة مضيفه..