بدأت الثنينية البث المباشر لفعالياتها بتاريخ 29-12-2014 مواكبة للتطور التكنولوجي
لمتابعة البث المباشر يمكنكم زيارة قناتنا على اليوتيوب أو متابعة الموقع الرسمي للاثنينية أثناء الفعاليات
تتوقف "الاثنينية" لموعد يحدد فيما بعد.
تعاود الأثنينية نشاطها في وقت لاحق بعد الانتهاء من الأعداد و التنسيق
الأن يمكنكم مطالعة و تحميل الجزء ال 31 من سلسلة كتب الاثنينية على الموقع
تم الانتهاء من الموقع الاليكتروني الحديث للاثنينية بما يتوافق مع العالم الافتراضي الحديث, نرجو ابداء الرأي في الموقع الجديد و التصميم الحالي عن طريق الاستبيان
يوجد في الموقع أكثر من 33 ألف صورة توثيقية لحفلات الاثنينية على مدار 33 عام , تابع ألبوم الصور
حضرة صاحب السعادة أخي الأغر الأديب الموهوب/الأستاذ الكبير عبد العزيز الرفاعي حفظه الله:
تحية وشوقاً وتقديراً.
وبعد فإني أرجو أن تكونوا بصحة تامة ولقد أتحتم لي الفرصة السعيدة بأن أحظى بالكتابة إليكم - بما قرأته لسعادتكم اليوم في (يوميات البلاد) وجاء فيه تحت عنوان (نعمة) أنكم تذكرون الشاعر الذي قال:
وفي بَلاَدةِ بعضِ الناسِ فلسفةٌ
فلا تهمهمو الدنيا وما فيها
وآثرت أن أذكركم به على الفور فهو شاعر الثورة العربية الكبرى فؤاد الخطيب باشا من قصيدة مطولة منشورة في ديوانه المطبوع.. وفي هذا المعنى استطرد يقول بعد ذلك البيت:
يمشون بين يديها طوعَ فطرتهم
رغم التصنعِ في أخلاقِ أهليها
وفي البَلاَدةِ ما في العزم من جلد
أن البليدَ قوي النفس عاتيها
قال هذا - وعلمته منه - قبل نحو خمسٍ وأربعين سنة بمكة المكرمة.. وهو إذ ذاك يشغل منصب وكالة الخارجية الهاشمية.. وفي قدومه إلى مكة المكرمة قبل سنوات في عهد جلالة المرحوم الملك عبد العزيز تغمده الله برضوانه كرمني بالزيارة وفي حديثي معه قلت يا باشا، إن في نفسي بعض الاستشكال من قولك.. عن البليد (أنه قوي النفس عاتيها) فإنك بذلك تثبت له الإحساس مع الجلد والاحتمال.. وما أحسبه في واقعه كذلك فهو طبعة كثيف الإحساس أو عديمه.. فلا يشعر به الذكي المرهف.. ولا يتألم ألمه.. وربما لا يلتذ لذته.. وقد يكون ذلك من النعمة أحياناً.. ومن النقمة أحياناً أخرى: قال هذا صحيح ولكن ما أعنيه أن البليد قد يكون متبلداً.. في إحدى صوره وأحواله - وليس هو البليد الطبعي.. قلت: ومع ذلك القصد فإن المراد لا يدفع الإيراد.. وشتان بين البليد طبعاً والمتبلد صنعاً.. أو تصنعاً.. وقد أدركت رجالاً أذكياء جداً.. ويسيرون في حياتهم ومعاشراتهم على حكم المودة والتغابي عملاً بقول الشاعر القديم:
ولكنا نعاشر من تلاقى
على حكم المودة والتغابي
وكان منهم من لا يكابر في ألمعيته ولماحيته وفرط إحساسه.. ويبدو أمامك عند المحنة أو البلاء كما لو كان عديم الشعور.. أخذاً بقاعدة منطقية مسلم بها وهي إذا لم يكن ما تريد - فأرد ما يكون.. وهو على ذلك كله صابر محتسب راضٍ بحكم القضاء وأن خيره وشره من الله تعالى - وهذا دون شك محل الإعجاب والإكبار ويدخل في نطاق من عناهم من لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (ليس الشديد بالصُرعة إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب).
أما البليد المفطور على البلادة.. فهو في حلٍ من كل ما يؤوده.. أو يكيده.. فقد أوتي بالجبلة ما يقيه كل مؤثر في سواء.. دون اختيار منه أو حيلة فتراه (لا أباليا) رغم أنفه.. لغلظ في الطبع أو كثافة في المخ.. أو علة في الأعصاب.. فهو في برزخ.. بين الموت والحياة.. وقد أراد به الله خيراً كثيراً عند المحن والإحن فلا يهمه ما يهم سواه من شؤون وشجون، ومن هنا تجد بعض الأفذاذ من كبار الأدباء أو الفلاسفة يتمنون أن لو كانوا على طريقته وسيرته.. لو تمكنوا من ذلك هيهات ولا عكس في ذلك فما سمعت ولا رأيت ولا رويت ولا زوي لي من تمنى من البلداء أن يكون ذكياً - يوماً ما .. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن البلداء خير من الذكاء.. إطلاقاً ولكن الظروف - وحدها - هي التي تهيئ الميل إلى أحد الجانبين، رغداً وهناء.. وكدراً وعناء.. وما قال شاعرنا الكبير أبياته تلك .. إذ قالها وهو يعاني من الأزمات النفسية ما اضطره إلى أن يغبط البليد - وحتى المتبلد - على رأيه ويخوله نعمة الحس المرهف ..والتجلد والاحتمال.. ومهما يكن من أمر فإني أشارك أخي العزيز رأيه في أن الإنسان لا يملك أن يتكيف كما شاء متى شاء إلا أن يكلف ضد طباعها (ويتكلف في الماء جذوة نار) وبالجملة فإن تطور الحياة.. وما أحاط بها من صعوبات ومؤثرات كل ذلك قد جعل البعض يودون - صادقين - إن لو كانوا - بعيدين كثيراً - عن مستوى الذكاء المرهق.. وقديماً قال الشاعر الحكيم ..
ومن هنا كانت الفترات الاستجمامية التي أدركنا من سبقنا يلجأون إليها في الخلوات والصبوات والقبلات والليلات تفريجاً عن الهموم.. وتخريجاً.. أو خروجاً من الغموم حيث يهزلون ويلعبون.. ويهزجون ويطربون.. فراراً من الجد الممل.. والكدح المتصل.. ولكن شتان بين من كانوا إذا خلوا بأنفسهم وراء العمران.. وبين الأغصان والغدران لم يكدر صفوهم.. نبأ أو خبر وورد أو صدر يحيط بهم - من وراء الآفاق ومن أعماق المحيطات.. وعلى أمواج الأثير.. عن ماذا؟ عن كوبا وكوريا.. وكونغو.. وما يعطف على هذه (الكافات) (3) .. وما يتبع ذلك من نتائج أو مقدمات؟؟ هذا إذا خلا صاحبنا من مشاكله الخاصة.. وما أرى يا سيدي من هداية ولا من سلامة.. ولا من وقاية ولا نجاة في الدين والدنيا والآخرة - لكل من يؤمن بالله واليوم الآخر - إلا أن يكون مؤمناً حقاً - مصدقاً بكل ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.. شاكراً لنعم ربه صابراً على ما أصابه من بلاء ومكروه ساعياً في الخير دارئاً ما استطاع للشر عن نفسه وأهله ووطنه وأهل ملته بل وجميع من تظلهم السماء وتقلهم الغبراء.. مستعيناً بالله جل وعلا في كل ما يرجو ويخشى ويحب ويرضى وشكراً جزيلاً لسيادتكم على أن أستعفتمونا بالتحدث إليكم بهذا الأسلوب العتيق والتفكير الضيق.. و (الرجعية).. المركومة - أو المزكومة .. والله المسؤول جل وعلا أن يهبنا جميعاً العون والتوفيق والهداية إلى أقوم طريق، وتقبلْ ياقرّةَ عينِ أم القرى وشعابها وشعرائها وكتّابها أخلص الحب والإكبار من أخيك.
المناسبة: رداً على مقال الأستاذ عبد العزيز الذي جاء فيه: (كان من بيان أساتذتي في الابتدائية، مدرس ضخم الهامة والجسم، رجل مفوه حسن السمت، حاد الذكاء، حاضر النكتة، بارع في الرياضيات، حتى ليضرب به فيها المثل جيد الخط، جيد الإنشاء يحسن الاستشهاد، وإيراد الأمثال.. كأنه كان حاضراً لكل شيء.. ذلك هو السيد محمد زيني كتبي رحمه الله.. عن هذا الأستاذ حفظت قول الشاعر:
وفـي بـلاده بعض النـاس فلسفـة
فـلا تهمهمـوا الدنيــا ومـا فيهـا
فقد كان أستاذنا كثير الاستشهاد به لكثرة ما يجد من بلادة البلداء.. ودارت الأيام وكتبت يوماً في يوميات "البلاد" عام 1384هـ كلمة قصيرة جداً بعنوان فلسفة البلادة. أوردت فيها ذلك البيت، الذي كان يستشهد به أستاذنا الكتبي رحمه الله وذكرت عرضاً أنني لا أعرف قائله. وكنت أظنه شاعراً قديماً. فكان أن تلقيت رسالة ضافية من الأستاذ الكبير أحمد إبراهيم الغزاوي شاعر الملك يذكر لي فيها أن الشاعر هو فؤاد باشا الخطيب - رحمه الله.. وقد رأيت من المفيد أن أنشر هذه الرسالة لما فيها من فوائد أدبية وتاريخية وأن أقدم أيضاً للقراء نموذجاً من خط الأستاذ الغزاوي رحمه الله ليعلموا منهجه في الخط وأناقته وجودة تجيره وتحريره. وعلى ذكر الشاعر المبدع فؤاد باشا الخطيب وما كنت نشرته عنه وعن لقائي به في فندق (لوكاندة مصر) بأجياد بمكة المكرمة. فلقد رجعت إلى كتاب الإعلام في طبعته الرابعة فوجدت الزركلي قد تحدث عنه حديثاً طيباً ملتزماً منهجه في الإيجاز والتركيز. وإن كنت لا أنكر أن الخطيب على وجه العموم لم يجد من مؤرخي الأدب المعاصرين عامة الإنصاف الذي يستحقه.