شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يوميات مجنون (1)
تمنى كثير من العقلاء أنه لو كان لهم مثل هذا (المجنون) إذن لا نقطع دابر الجنون من جذوره! فما هو إلا إحدى الهبات التي لا تقدر بثمن.. هبات البصيرة النيرة والأسلوب الحكيم.
إن (يوميات مجنون) (2) لا يحتاج قارئها إلى وقت طويل ليفهم مراميها البعيدة.. وأهدافها العتيدة حتى ولو كان من المبتدئين! - فهي إلى ما يتمتع به - صانعها - أو قارئها أو كاتبها.. خلاصة التجارب الطويلة.. والنضوج التام.. والإدراك السليم وهي كما قال عنها الأستاذ الكبير (رضوان إبراهيم) في آخر صفحات غلافها "مبضع الجراح.." وأزيد على ذلك أن مؤلفها النابغة (إن كان يكفي أو يرضي أن نطلق عليه النبوغ بعد أن تجاوز الستين إلى الثمانين إن شاء الله!!) إنما كان بها في منزلة (الطبيب الحاذق) الذي يمزج لمريضه الدواء المر العلقم.. بالعقاقير الملطفة أو المخففة لاستساغة العلاج في غير ضجر أو كدر!!
والذي يحتال على الشفاء بما يؤدي إليه من وسائل تمس الأوردة والأنسجة.. وتتغلغل في الأحشاء لدفع ما يتخللها من مكروبات.. أو جراثيم مترسبة طوال القرون!! فلا هو بحاجة أحد بما يكره.. ولا يعني شخصاً بعين لئلا يتضرر.. أو تأخذه العزة بالإثم.. وإنها لكبيرة إلا على الأفذاذ الموهوبين!!
وما من شك أن أستاذنا الكبير (أبا أسامة).. أو بالصريح المكشوف (شيخنا المؤلف.. المعلم الأديب، المؤرخ! البحاثة. الصحفي الخ الأستاذ أحمد السباعي في غنى عن التعريف أو التشريف.. فإنه (لعلم فرد) بما يعترف له به كل نائي وكل منصف وكل قارئ لما كتب ويكتب سنوياً وشهرياً وأسبوعياً ويومياً.. وهو إلى عبقريته صاحب حلم وأناة.. حمول لما يتأفف منه الكثيرون في سبيل (الإصلاح الاجتماعي).. صبور على الكد والجهد في ذلك بما لا أحد له منافساً فيه.
وأعجب ما في أسلوبه الممتع - أو السهل الممتنع - أنه يستهوي قارئه بما يرسم ويصور حتى لا يتيح له فرصة الراحة من القراءة إلا أن ينتهي من كتابه ولو حرمه ذلك لذيذ المنام كذلك كنت عند قراءتي له في جميع مؤلفاته وهكذا وجدتني وأنا ألتهم (يوميات مجنون)!! فما ألقيتها من يدي ولا رفعت منظاري من فوق أنفي.. حتى كنت قد فرغت من آخر سطر في آخر صفحة من الكتاب. وما تلك بعادتي في أكثر ما أطالع..
وما كنت لأنتهي منه قارئاً فقط. بل ومتدبراً ومدركاً - على قدر الحال - أكثر ما هدف إليه وعناه من غايات تتصل اتصالاً مباشراً بالحياة العامة والأخلاق والتقاليد.. وأشهد أنني توقفت دقائق معدودات عند بعض الجمل والعبارات لا لغموض فيها أو التباس.. ولكن لتمكين الفهم والإحاطة. وعنّ لي في بعضها تعليق لم يبرح ذاكرتي بعد.. وذلك عندما انتهر هذا المجنون الفتاة التي كانت تتسول. فإنها لا ذنب لها في تسولها وهي تحتاج إلى العيش والارتزاق.. وربما مرت بها بعض التجارب المريرة التي حملتها على أن تختار هذه الطريقة - بما فيها من ذلة ومنعة وابتذال - على الخدمة التي لا تخلو مع مثلها من نوائب ومصائب!! هي أخطر وأكبر!! وما أقول هذا إقراراً لها ولأمثالها على ما تخيرت!! وإنما أصب اللوم كله على أولئك الذين يستطيعون أن يصونوا عفافها، ويؤمنوا كفافها.. من أصحاب اليسار فلا يشاركونها بالصيانة.. في مدرسة أو مؤسسة تخرج منها إلى عش شرعي كريم.. وعيش مرعي رحيم..
ولست بصدد التعليق على كل ما لاحظته من هذا القبيل.. فلذلك فرصة أخرى إن شاء الله.. مع الإقرار بصواب أكثر ما ذهب إليه مجنوننا الفيلسوف!
ولقد قرأت ما نشر الأستاذ الكبير الأخ عبد الله عريف في (البلاد السعودية) في عدد الجمعة 22 محرم 1378 عن هذا المؤلف الجديد.. وكان (كشأنه في كل ما يظفر به القراء من يراعة الفياض) أجدر من يتصدى لمناقشة ونقد أو تقريظ أي كتاب تخرجه المطابع عن نهضتنا الحديثة فما ترك لي ما أزيده على ما كتب إلا جملة واحدة.. أحسبني إذا قلتها أؤدي للسباعي بعض حقه كمواطن يشاركه شعوره المرهف وألمه المحض.. وأمله المتلاحق وحبه المضني لبلاده العزيزة وأمته الطموح.. أما الجملة التي أود أن أقولها فهي: إني أصبحت - دون تملق أو إغراق - أنظر إلى الأستاذ السباعي بعد كل ما قرأته من وطنياته الخالدة نظري إلى طبيب (عملاق) ينطح السماء برقيّه ويضع يديه على مواضع الألم من كل عضو في كياننا العام - ويقدم له من الوصفات العلاجية ما يزيله أو يخفف من شدته بقدر الإمكان وأن الرجل لم يعد ذلك الشخص الذي عهدته في مظهره الخاص.. أو حديثه العارض.. بل هو (مفكـر) يجـوس خـلال الآفاق..
ويغوص إلى ما وراء الأعماق ليصحح فاسداً أو يصوب خطأ.. أو يقوَّم معوجاً أو يدعو إلى ما هو أحسن وأفضل في غير تعسف ولا تطاول ولا ادعاء ولا غرور.. وقد آمنت أنه ومن على طريقته من رواد الخير والصلاح والإصلاح قد بدؤا فعلاً يتابعون الخطى نحو التقدم الحقيقي وقد قطعوا شوطا كبيرا إذا قيس بما مضى من الزمان والمحاولات التي تذهب أدراج الرياح.
ويسوقني الاستطراد إلى الإشادة بهذه المناسبة.. بهذه الوثبة الصحفية الكبيرة التي أخذت تقيم الأدلة على أن في (السويداء) رجلاً وأن (البيان) ما يزال بخير في مصادره الأولى.. أو في منابعه الأصلية الهادئة الصافية النمير.. وأتمنى لو خلصت من بعض ما يشوبها في بعض الأحايين من الهمز والغمز- في المجال الأدبي خاصة - وأن نترفع دائماً وأبداً عن كل ما يضر ولا ينفع من الشجون والطعون.. فإن لنا أكبر الرجاء أن تصبح مثلاً يُقتدي به في كل صلاح ولنا من الآداب الإسلامية والعربية ما يهيء لنا طريق النجاح والفلاح حتى في الدعوة إلى الله - فضلاً عما هو دونها - وبالحكمة والموعظة الحسنة والرفق واحترام شعور الآخرين نستطيع أن ندرك أبعد الغايات في أقصر الأوقات (وإنما الأعمال بالنيات).
وليسمح لي الأستاذ السباعي بتقديم تهنئتي الأخوية الخالصة إليه بما أتاه الله من حسن التأتي والتأني والتلطف والتعطف.. وبما طوع الله له من نواصي البيان والتبيان حتى استطاع أن يكون بحق صاحب جريدة (الندوة) التي لا ينبغي لها أن تكون إلا كما هي: جمالاً وكمالاً وإن أخذ عليها أن من يريد معرفة رقمها يجب أن يصعد تصعيداً.. ومن حاول أن يعرف تاريخ صدورها يجب أن يصوب تصويباً ولا يتم له الجمع بين الاثنين إلا أن يبسطها بسطاً.. وما كان أغنى القراء عن هذه المشقة كلها بجمع العنوان والرقم والتاريخ في صدرها الحنون أو رسها المكنون!!
فأما افتتاحيات الأستاذ - وجرأته في الحق.. وإخلاصه في النصيحة.. ودفاعه عن المصلحة العامة.. وصفحه عن التطاول.. وسلامة قلبه من التحامل.. فذلك هو سبيله إلى القمة.. بل إلى الله الذي يتولى الصادق.
وأخيراً - فإن شيخوخة السباعي أبرك من فتوته.. وهرمه أبرك من شيخوخته.. وقلمه أسبق من قدمه.. وسكوته أنطق من كلامه وكفانا الله شر (مجانينه) يوم يزيدون.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :650  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 608 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.