شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التعليم في الحجاز بين الماضي والحاضر (1)
لقد تجلت شمس المعارف في أربعة أقطار المعمورة واستنار الناس في هذا العصر لدرجة سخروا بها القوى الصامتة والمياه المنحدرة وأقلقوا سوابح البحار وراعوا ذوات الجناح في أجوائها، وكشفوا من أسرار الكون وعظمة الخالق وقدرته ما يجدر بالمسلمين أن يكونوا فيه عند أوامر دينهم، وأنار أسلافهم الذين كانوا نبراس الفنون ومصابيح الوجود يوم كانت حنادس الجهل تخيم على ربوع الغرب.
نعم - انطلق المجدون وراء الأسباب المعقولة والغايات النافعة التي أدت إلى رفاهية الجنس البشري وخففت من مشاق الحياة الدنيا.. وواصلوا الدأب فيما يأخذ بأقوامهم إلى قمم المجد ومواقف التفوق وغالبوا الصعاب بالثبات حتى كان من أمرهم ما نشاهده اليوم من روائع الابتكار وبدائع الاختراع.
ولقد شعر الحجازيون بما كانوا عليه من الانزواء والانكماش وبدأت روح الانتعاش تدب فيهم منذ أوائل هذا القرن ولكنها كانت قصيرة مرمى الطرف بطيئة المطي، ومازال هذا شأنها حتى اندلعت نيران الحرب الكبرى فلحقهم شررها وانصرفوا يبحثون عن موارد العيش وضروريات الحياة فكان لذلك أثر يذكر في تأخر النهضة الفكرية وغل الأيدي عن مواصلة العمل في سبيل الثقافة المنشودة.
حقاً - إن الطبقة المستنيرة التي تكونت أذهانها في غضون تلك الطامة العظيمة لهي من أسطع الأدلة على أن العربي لم يزل كما عرفه التاريخ حدة وذكاء وصفاء ذهن وقوة استعداد للتبريز في كل ميدان والسبق إلى كل رهان.
ومما يملأ النفس غبطة ورجاء أن تجد أمامك اليوم في بلدان الحجاز عدداً متناسباً مع ظروف يتطلع إلى مجاراة أرقى الأمم في وسائل النجاح ومعالي الأمور ويعمل قدر طاقته على إنماء هذا الشعور في كل حديث يجري بين زوايا الدور ونوادي الاجتماع.
وما كانت هذه النهضة العلمية العظيمة التي قامت بها الشعوب في بلاد الغرب بعد أن تهيأ لها القوم عصوراً عديدة ومهد المصلحون السبيل إليها فجاءت نتيجة التفكير الصحيح والاختيار الطويل والشعـور المتحفز وعلى مقتضى سنة التطور في حياة الأجيال وسائر الموجودات.
وإذ كنا اليوم في دور التكوين من حيث النهضة العلمية والفكرية رأينا أن نسلم بشيء من سير التعليم في الحجاز وما نرجو له من تقدم مطرد ونجاح محقق إن شاء الله. بتوفيق الله تعالى ثم بفضل العناية التي بذلها صاحب الجلالة قرة عين العرب والمسلمين وإمام المصلحين. وبقية السلف الراشدين. مليكنا المعظم - أنابه الله -.
ففي العقد الأول من القرن الرابع عشر بدت بشائر التعليم في (المدرسة الصولتية) (2) التي أسسها الأستاذ (الشيخ رحمة الله الهندي) صاحب كتاب إظهار الحق بمعاونة المثرية الهندية الشهيرة (صولة النساء) رحمها الله في عاصمة الإسلام فتلقى فيها بعض الطلبة دروساً على شيء من النظام وحسن الترتيب وكان لرجالها ومعلميها بعض الأثر في إحياء ما انطمس من معالم التعليم وأخرجت عدداً ليس بالقليل من التلامذة الذين كانوا باكورة المتعلمين في الحجاز وشغلوا بعدئذ مراكز في المدارس ودوائر الأعمال ومناصب الحكومة العالية.
ثم أنشئت المدرسة الفخرية بمساعي الشيخ (عبد الحق الهندي) فقامت بواجبها في إنهاض الأحداث من كبوة الأمية التي كانت مستحكمة الحلقات في جميع الطبقات وهيأت عدداً صالحاً من أبناء البلد الأمين لتلقي الفنون الابتدائية وسلكت بهم سبيل التدريج في الترقي على حسب استعدادهم فتخرج منها نفر تألفت منهم ومن أولئك طائفة فتحت أبصارها لرؤية الصباح المسفر.
وأن الحجازيين ليحفظون بين قلوبهم للأستاذ الجليل (الشيخ محمد الخياط) المكي مؤسس المدرسة الخيرية يده البيضاء بإنشائها فهو صاحب الفضل الأكبر بين مواطنيه بإقدامه على هذا العمل العظيم وإدخاله التحسينات العصرية في نظام مدرسته حتى جعلها مهوى أفئدة الطلاب ومرتعاً خصيباً يرتاده المجدبون في ذلك العهد المغبون.
ولا أنسى لحضرة الأستاذ الجليل (الشيخ عبد الله حمدوه) جهوده المتواصلة في مدرسته التي كانت تكتظ بالتلاميذ على اختلاف درجاتهم فقد رشفوا من مناهل مدارسه التي فتح أبوابها في عدة جهات من أم القرى فكانت أعذب مورد يرتوي منه عطاش الناشئة من معين صفت مناهله وفاضت غدرانه ومازال على تطاول الأيام يجود بسلسبيله ويجاهد صاحبه فيما هو بسبيله فللَّه ما قدم من خدمة جليلة يذكرها الأباء للأحفاد بلسان التقدير والامتنان.
ومن دواعي الفخر والابتهاج ما قام به الرجل الفذ والشهم والغيور (الشيخ محمد علي زينل) (3) من مشروع (المدارس الفلاحية) في مكة المكرمة وجدة. التي هي أشبه بالجامعات بالنسبة للحجاز في الوقت الذي أنشئت فيه. وكان عضده المتين وساعده الأقوى في ذلك الشاب الصالح والوطني المخلص (الشيخ عبد الرؤف جمجوم) رحمه الله، الذي خلفه في هذه المساعدة أخوه الفاضل (الشيخ محمد صالح جمجوم).
أجل: قد اختار المؤسس المشار إليه للمدارس المذكورة التي بذل ويبذل لها حتى الساعة أقصى ما يمكن أن يجود به محسن في سبيل الخير العام من جيبه الخاص - أصلح الأساتذة وأمثل المعلمين وعلى رأسهم مدير مدرسة الفلاح بمكة الشيخ (عبد الله حمدوه) السالف الذكر وبجدة (الشيخ حسين مطر) فقامت بدورها وقطعت شوطاً بعيداً في التثقيف المبني على أصول الدين الحنيف وكان لها القِدحُ المعلّى في نشر العمل بين الناشئين وأخذت في التقدم من سنة لأخرى إلى أن تمكنت بفضل الله تعالى ثم بمثابرة مؤسسها وحمية رجالها من تبديد سحب الجهل الكثيفة التي كانت تغشى عقول الأحداث والطلاب وزاحت عن قلوبهم رين الخرافات العالقة بنفوسهم منذ كانوا في الأراجيح يتلقونها من أفواه الأمهات الساذجات والقرناء المصدقين بقيود الترهات.. فأذن ليل الجهل بالبلج وبرز في الميدان شباب متنور قبض على أزمة مصالح عديدة استطاع أن يقوم بواجبها كأفضل ما ينتظر من أي متخرج في أي بقعة تحت الشمس ولو أتيح له من الفرص الاقتصادية والحكومية في العهود المنصرمة سبيل النهوض لكان له أثر حميد في حياة الأمة وسمو مكانها.
وثم بضع مدارس أميرية أقيمت في الحجاز وثغوره إلى غاية العهد الماضي تقلبت في أدوار من التقدم والتأخر عاقت دون إنضاج ثمرتها واقتطاف جناها، إلا أنها أفادت كثيراً بإخراج طوائف من النابتة تقلص عنها ظل الأمية وضربت في العلوم الرياضية بسهم، وأعدتهم لما هو أسمى درجة عن مستواها لكن طما على أكثرهم سب الحاجة فانصرفوا بحكم الضرورة إلى أسباب الرزق يتطلبونه من كدح اليد فذبلت الزهرة المتأرجة وخبت الشعلة المتأججة.
هذه حالة التعليم في الحجاز في الحقبة الماضية من التاريخ القريب: أما اليوم فحدِّثْ عن مستقبل زاهر وجهد مستمر وأيد عاملة فقد ابتسم وجه الرغبة وقام البرهان المحسوس والدليل الناطق على إرادة جلالة الملك العادل (4) في نشر العلم والمعارف وتفيؤ الحجاز بظلهما الوارف بإرسال البعثتين اللتين هما أول من عرف التاريخ خروجهما من بلاد العرب لارتشاف مناهل العلم واقتطاف أزهاره ولن يمضي وقت يسير بمشيئة الله حتى يعود أفرادهما رافعين راية الفوز باليمين فيقومون بواجبهم نحو أمتهم ودينهم وبلادهم وما ذلك على الله بعزيز.
ومن أهم ما يلفت النظر وقوي اليقين في حسن مقاصد جلالة الملك أيده الله نحو رعيته التي هي على مراتب ثلاث لديه (الشيخ والد والكهل أخ والناشئ ابن) اختيار العالي لدارة المعارف العمومية في الحجاز. رجلاً من خيرة أخصائه وأصدق أوليائه يضن به على غير مهماته وجليل خدماته ألا وهو (الشيخ حافظ وهبه) ذلك الذي حاز ثقة مليكه العالية فكان سماحه به لهذا المنصب دليلاً ساطعاً وبرهاناً قاطعاً على أنه يحب لقوم الخير والفلاح والنهوض ويقدم منافعهم العمومية على اختصاصاته الملوكية وإن صاحب الفضيلة المشار إليه قد شمر عن ساعد العمل وأخذ يعد الأنظمة ويرتب الأسباب ليكون في الحجاز رمزاً أعلى لما بلغه العرب من الرقي والتقدم في أزهى عصور تاريخهم المجيد وإليك أيها المتتبع لهذه النهضة المباركة القطرة الأولى من الغيث المنتظر انهماره.
(1) إنشاء قسم التخصص للتعليم في المعهد السعودي العلمي.
(2) تنظيم التدريس في المسجد الحرام.
(3) تشكيل هيئة مراقبة الدروس والتدريس.
(4) تعليم المطوفين حسب البرنامج الموضوع.
(5) إصلاح المدارس الابتدائية وتنظيم برامجها واختيار الأساتذة الأكفاء لها.
إلى غير ذلك من المشاريع الإصلاحية الواسعة النطاق التي ستبرز للعيان بأسرع ما يمكن من الزمن وسنأتي عليها في حينها وإن غدا لناظره قريب.
وفق الله العاملين وهداهم إلى صراطه المستقيم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :400  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 613 من 1070
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج