أفي عالمِ الرُّؤيا ازدهتْكَ المَظاهرُ |
على الأُفْقِ الغربيَّ أمْ هو خَاطرُ |
وإذ الخَلقُ في أم المدائنِ (بابلٍ) |
ضُروباً وأجناساً نمتْهَا العَناصِرُ |
وإذ كلُّ سَربٍ في الفَِّاءِ مُحلِّقٌ |
تحومُ به العُقبانُ وهي كَواسِرُ |
وإذ لا يَرى الطَّمَّاحُ إلا عَجائباً |
جَلتْها فُنونٌ أبدعتْها العَباقِرُ |
وإذ يخلُبُ الألبابَ كلُّ مذَرَّبٍ |
بياناً وإذ لا يُلْفَ لِلعي عَاذرُ |
وإذ مشتِ الأقطابُ حَولَ (مُتَوَّجٍ) |
عَظيمٍ وكلُّ في الجلالةِ بَاهرُ |
وأشرقَ الأسطولُ مُرتفعَ الصُّوى |
وراحت تَهادى في الخَضمِّ البَواخرُ |
تروقُ العيونُ الشَّاخِصاتُ قدودُها |
ويرتدُ عنها الطْرفُ والطرْفُ حَاسرُ |
تبارى وفي أطباقِها وبرُوجِهَا |
وبين زَوايَاها تموجُ المَخاطِرُ |
* * * |
كأنَّ الجِبال الرَّاسياتِ شُمُوخُها |
وكالرَّصدِ المُنقَضَّ منها القَنَابرُ |
كأن سوارِيها إذا هي أقبلتْ |
شماريخُ رضوى دُونهنَّ جَزائرَ |
كأن حَبابَ المَوجِ حَولَ جُنُوبها |
نجومٌ تهاوى في الدُّجى ونَوَافِرُ |
إذا انبعثتْ أضواؤها خِلتَ أنَّها |
نَيازكُ فيما بَينهُنَّ تَزاوُرُ |
معاقلُ من صُلبِ الحَديدِ وفَوقَها |
عتادٌ تُلظَّى للوغَى وطَوائِرُ |
بَنَاها (بنو التَاميز) في البحرِ زينةً |
وأُخرى حُصُوناً والبقايا مَتاجِرُ |
أباحَ بها (المِذياعُ) في العرضِ حَفلةً |
أصاخَ لها في القُطبِ مَن هو سَادرُ |
تنوَّرتُها من بطنِ وَجٍ كأنما |
شهدتُ اصطخابَ اليمِ والطُّودِ ساخرُ |
فقلتُ وقلبي مُشفقٌ من شُعورهِ |
ترفَّقْ ففي التدآبِ ما أنت نَاظرُ |
لَدى أُم اللهُ أكبرُ أصبحتْ |
وليس لها في العَالمينَ مُكاثِرُ |
تمطَّى عليها الدهرُ حيناً فما وَنَتْ |
ولا استسلمتْ للهولِ والهولُ فَاغرُ |
فما عَتمتْ ثم شرَّقتْ ثم غرَّبتْ |
بعيداً وكلَّتْ عن مَداها الأعاصِرُ |
حَمَاها عن التَّفريقِ أقطابُها الأُلى |
يلَذُّ لهم عَنها الفِدا والتَّآزُرُ |
حمى ذلةَ الإرهاقِ عنها اجتماعُها |
وعِلمٌ بأسرارِ الوُجودِ مُحاضَرُ |
تواصتْ عن حِفظِ التُّراثِ فلم تَزلْ |
مَوارِدُها مأمونةٌ والمَصادرُ |
على دأبٍ أعيا العُصورَ انبعاثُهُ |
وفي أدبٍ آثارُه تَتَوافرُ |
نظامُ كدقاتِ القلوبِ استقامةً |
تنّزَّلَ من فكرٍ به الوضعُ سَاحرُ |
تبثُّ أهازيجَ الطُّفولةِ حُبَّهُ |
فيزكو وأحلامُ الشبابِ بَواكرُ |
بنى سَمكَهَا استمساكُهَا فتوطَّدَتْ |
دعائمُهُ بالعِلمِ والجهلُ ضَائرُ |
تخذتُ بها ذِكرى لقومي وأُمَّتي |
فقد تنفعُ الذكرى وتَنمو المَشاعِرُ |
ولم أكترث بالوصفِ لولا ثقافةٌ |
بها كلُّ مَعسور التّصوُّرِ يَاسرُ |
كذلك إن شئنا نكونُ وربما |
أعادَ لنا التاريخُ ما هو غَابرُ |
إذا العلمُ لم يَرفعْ قواعدَ أمةٍ |
فلا الجهلُ مذمومٌ ولا الحظُ نَادرُ |
* * * |
فتلك وقد حباكَ بالأمرِ ربُّها |
دعتُ فيك شعباً بالشُّورِ يُفاخرُ |
فأقبلتَ مرموقَ الجَلالِ كأنَّما |
بك العُربُ في حفلِ المُلوكِ قَياصرُ |
تطلع من إعجابِها بك أمةٌ |
إليك هي الدُّنيا ووجهُكَ نَاضرُ |
رَنَتْ فرَأتْ فيك السموّ وعفةً |
ودِيناً عليه من حِجاكَ بَوادرُ |
فدارت أحاديثُ الرجال سُلافةٍ |
عن البَطلِ المَزهورِ وهي أزاهرُ |
كما عَبَقَتْ أخلاقُك الغُرُّ أو جَرى |
نسيمٌ الصَّبَا أو كَلَّلَ الطَّلَ مَاطرُ |
فكنتَ مِثالَ الحزمِ والعِزِّ والتُّقى |
وأكرمَ من طافتْ عليه المَعاشِرُ |
يقولونَ هذا شبلُ سَيَّدِ قومِهِ |
فتُشرعُ ألحاظٌ إليك نَواظرُ |
كأنَّك منها فَرقدٌ في سَمائِهِ |
وقطبٌ بأفلاكِ البُطولةِ دَائرُ |
وما لَك لا تبدو عن الشرقِ شمسه |
وأنت ابنُ من لَم تُحص عنه المآثرُ |
بعيدُ مناطِ الهمِ فيما يَرومُه |
وناصرُ دينِ اللَّهِ والبغيُ جَائرُ |
(أبو فيصلٍ) أبقى لنا اللهُ فيصلاً |
ومن هو بالشرعِ الحنيفيِّ سَائرُ |
مُزعزعُ أركانَ الضَّلالةِ بالهُدى |
ومِصداقُ وعَدِ اللهِ فيمن يُناصرُ |
ومن جمعَ اللَّهُ الشَتاتَ بسيفِهِ |
وَوَحَّدَ شملَ العُرب والشملُ داثِرُ |
تَغنَّى به الأفذاذُ من كُلَّ مِلةٍ |
وباهتْ به بعدَ البَوادي الحَواضرُ |
فكيفَ ولِم لا يَجتلي الغَربُ طلعةً |
هي الشرقُ والإسلامُ فيمن نُفاخِرُ |
* * * |
رأيتُ بني عَدنانَ نَحَوَكَ طُلَّعاً |
تُلِحّ بهم قَبلَ الجسومِ السّرائِرُ |
وشاهدتُ قوماً كالجرادِ انتشارُهُم |
وجيش أبي المَصورِ إذ هو ظَافِرُ |
تباروا سِراعاً للَّقاءِ كأنَّما |
على أبي كُلَّ قلبٍ من وِدادِكَ طَائرُ |
فقلتُ أجلْ: من كان في مثلِ شأنِهِ |
من المَجدِ فدَّتْه النُّفُوسُ الحَرائرُ |
(وما زلتَ تسمو للمعالي وتحتَبي |
حبى المَجدِ مُذْ شُدَّتْ عليك المآزِرُ) |
(إلى أن بلغتَ الأربيعينَ فأُلقيتْ |
إِليك جماهيرُ الأمورِ الكَبائِرُ) |
فإنْ رُحتُ أشدُو اليومَ أنْ عُدتَ سَالماً |
وصِنوكَ فاعلمْ أنَّ شَدْوِي قَاضِرُ |
أبوحُ به عن أُمتي وأبثُّهُ |
لِشخصيكُما والقلبُ بالحُبِ زَاخِرُ |
فيا حبذا اليومَ الذي عُدتُما بِهِ |
ويَا نِعمَ من تَهفو إِليهِ الضَمائِرُ |
تجشمتَ أخطاراً وخضتَ مَعاركاً |
ورُضتَ صِعاباً حارَ فيها المُغامِرُ |
وكابدتَ أهوالاً ومكَّنتَ وحدَةً |
ومثَّلتَ مُلكاً يُمنُه بِك سَافِرُ |
بلوغاً إلى أَهدافِ شَعبِكَ أن تُرى |
مُحققةَ الآمالِ واللَّهُ قَادِرُ |
فزدني إِليها خُطوةً إثرَ خُطوةٍ |
لأزدادَ فَخراً حين تَعلى المَنابِرُ |
* * * |
أموالاي إن العُربَ شَعبٌ مُسالمٌ |
إذا لم تُصِبْهُ في الصَّميمِ الفَواقِرُ |
فأما إذا ما استشعرَ الضيمَ أو مشتْ |
إليه الرَّزايا وابتلتْهُ الجَرائرُ |
فأقحمْ به ذّوَّاداً وراهنْ بكسبِهِ |
إذا لم يَجلَّ الخطبَ إلا المجازرُ |
فهم دونَ أوطانِ العُروبةِ فديةٌ |
وكلُّ فتًى منهم على الموتِ صِابرُ |
وهم وحدَةٌ رغمَ الصُّروف عنيدةٌ |
تمرُّ بها الأحداثُ وهي صَواغِرُ |
تهونُ عليهم في الكِفاحِ دِماؤهُمْ |
إذا لم تكنْ إلا الدَّماءُ مُعابِرُ |
إِلى الغايةِ الكُبرى إِلى الوحدةِ التي |
هي الأملُ المنشودُ والغَرضُ وافرُ |
عهودٌ على القُرآن تمضي نصوصُها |
ولم أمطرتْهم بالسماءِ الخَناجِرُ |
وأنتمْ ولاةُ الأمرِ والمأرزُ الذي |
إِليه أُنيطَتْ بالشدادِ الأَوامِرُ |
وأنتمْ بما آتاكُمُ اللَّهُ قُدوةٌ |
وباللَّهِ دون َ الخَلقِ تُهدي البصائرُ |
وأنتم ملاذُ العُربِ في كُلَّ حادِثٍ |
إِذا اضطربتْ بالخَافِقَيْنِ المَصائرُ |
فما اخترتُموه من سبِيلٍ فإِنَّهُ |
هو الرُّشدُ والدَّاعي إلى الغي خَاسِرُ |
وما العُربُ إلا ما بنيتُمْ وشِدْتُمُ |
ولا المجدُ إلا السيفُ والسيفُ بَاترُ |
وسبحانَ من لا يَعلمُ الغيبَ غيرُهُ |
ومَنْ هو مِنْ فوقِ البريَّةِ قَاهِرُ |
فأمَّا الجوى مُذ بنتِما عن رُبوعِها |
فحدَّثْ عن البُركانِ إذ هو ثَائرُ |
ويومَ التَقينا لم نَكَدْ مِن سُرورِنَا |
نُحِسُّ به والوصلُ للصدَّ غافرُُ |
فأهلاً وسَهلاً بالأميرينِ كُلَّما |
هَمى القَطرُ أو أرضى المُحبينَ هَاجرُ |
وإني امرؤٌ لا أُحسنُ الشِعرَ صَنعَةً |
ولكنَّما المختارُ فيكم جَواهِرُ |
على الفطرةِ الأولى أزفُّ قصائدي |
كما اصطفقتْ يومَ السُّرورِ المَزاهِرُ |
وذكَّرْ بني عبدِ العزيزِ مُدامتي |
إذا اصطبحَ الراؤوقَ مَن هُو وازرُ |
على ذاك إِيماني وفيه عَقيدتي |
فهل أنا بالإخلاص لِلَّهِ شَاكرُ |
بل إنما أنتمْ هُداةٌ لدِينِهِ |
وكلٌ إلى ما اختار في اللَّهِ صائرُ |
وفي صُحفِ التاريخِ ما شئتَ من ثنا |
لآلِكَ فاصفَحْ أن يُقصَّرَ شَاعرُ |