شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-10- (الشخصية الثقافية)
وجدنا ونحن نقرأ ذكريات بلخير شخصية ثقافية متعددة المعالم.. تارة ينهل من بحور التاريخ ويعوم مع أمواجه، ويغوص في أعماقه ويعلو مستخرجاً جواهره ولآلئه، وتارة أخرى ينهل من المنابع السياسية والوطنية والقومية والدينية، ويتمثلها معرفة وحساً ورؤية (وكلها فردنا لها فصولاً مستقلة)، وتارة يشغف ويهيم بالكتب والمؤلفات والمكتبات والمطالعة، وأخرى يمتطي جواد الشعر وينقله إلى دنيا الشعراء ومناسباتهم، ويحط في جزيرته الشعرية الخاصة بنظمه، وإلقائه القصائد على مسمع من الآخرين بإيقاع حماسي عربي له وقعه الكبير على مسامعهم، وأخرى تقوده اهتماماته الأدبية والكتابية ليلقى الأدباء والمفكرين وأصحاب الدوريات، كما تقوده اهتماماته الطلابية ليشارك في الندوات والجمعيات مزاولاً أو رئيساً.. وغيرها من دورات ومسيرة وزيارة ورحيل انطبعت في ذاكرته وحياته لتكون هذه الكتابة من ذكرياته أو سيرته الذاتية، لأنها ستضيء لنا في نهاية المشوار حياة جميلة وحياة الأدباء والمفكرين والصحفيين وغيرهم.
ولقد وجدنا جانباً من سيرتهم الشعرية في بداياتها مع أمير البيان شكيب أرسلان، ومن زاوية أخلاقه ومواقفه من شهادة الآخرين بشاعريته، ومن خلال المناسبات التي ألف فيها شعره، وهو ما زال طالباً في مدرسة الفلاح، وإنه ليتذكر تلك الأيام والمناسبات ويقول عنها: "حتى إذا جاء عام 1350هـ كنت قد بدأت محاولات الكتابة والشعر، فبدأت أشارك حينئذ في الحفلات والمناسبات الرسمية والشعبية التي تقام في القصر الملكي، أو في ميادين العاصمة (مكة المكرمة) عندما يكون الملك قادماً إلى الحجاز في موسم الحج والصيف.. فكنت أشارك وألقي بين يدي الملك عبد العزيز محاولاتي الأولى في الشعر مع غيري ممن يقومون بمثل ذلك، إما من كبار العلماء والشعراء الوافدين من الأقطار العربية المجاورة، وإما مع زميلي وصديقي الشاعر (أحمد إبراهيم الغزاوي) والصديق الشاعر (خير الدين الزركلي) وغيرهما.
وهكذا أصبح أديبنا بلخير يشارك في الشعر الذي يقال في الملك حين وصوله مكة، فقد أصبح اسم الشاعر الصغير مقروناً بأسماء الشعراء الكبار أمثل: (علي أحمد باكثير) و (محمد محمود الزبيري) وغيرهما.
ومن بداياته الشعرية المبكرة قصيدته في تحية وفد الكشافة العراقية في المهرجان الذي أقامه لهم شباب مكة، وتجلت فيه المشاعر العربية والروح الوطنية، وحبه لبلاد العروبة والإسلام، وفيها خروج عن الأفق الضيق الإقليمي إلى دنيا العروبة الواسعة المخيمة بالأصالة والإخاء والوفاء.. ربما كان ذلك كله بسبب تعلق العرب وحبهم للشاعر وشعره.
وكذلك قصيدته في الوفد الاقتصادي المصري برئاسة (طلعت حرب باشا) ولقد فصل في تلك المناسبة التي تضيء الكثير من معالم نصه الشعري، وإن كانت ذكرت في كتابه (وحي الصحراء) مع القصيدة السابقة في وفد الكشافة العراقية، وكانت ثمة جفوة بين الحكومة السعودية والحكومة المصرية بسبب قصة (المحمل المصري)، ولذلك جاء المقطع التالي مفأجاة للضيف والمضيف وللسامعين:
عجباً موقف الكنانة منا
ما عرفنا لسره تعليلاً
قرب الأبعدون منا وصدت
وتمادت فما عسى أن نقولا
أجدير بها الصدود وحتام
أما آن للجفا أن يزولا
قسماً بالذي برى الكون
لا يملك فرد سواه فيه فتيلا
لو مشت مصر نحو مكة شبرا
لمشت مكة إلى مصر ميلا
وتزول الدهشة من السامعين ومن الضيف المصري عند سماع هذا المقطع، ويعلو التصفيق وطلب الإعادة فيستمر الشاعر في هذا العتاب فيقول:
قد وَجَدْنا وسوف نصبر حتى
يقضي الله أمره المفعولا
وإذا ما "الحبيب" أسرف في الهجر
فقل "للمحب" صبراً جميلاً
ويبدو أن هذه القصيدة كان لها الأثر الكبير على الحضور وبخاصة على المستوى الرسمي والملكي، إذ قوت من الرابطة العربية والإسلامية بين الشعبين ومن ثم بين الحكومتين، لأنه "قام الزعيم المصري طلعت حرب باشا يصافح الشاعر، ويثني عليه، فكأنما ترجم ما في صدره، وشكر الوزير السعودي الشيخ (عبد الله السليمان) بدوره الشاعر على هذه الفرصة التي اهتبلها، وألهب فيها ما كان يجول في نفوس الطرفين من محبة وصداقة تربط الشعبين برباطها التقليدي عبر العصور.
وقد قال له طلعت حرب بعد سنوات في بيروت: "أتعلم يا بني أن قصيدتك التي حييتنا بها في مكة منذ بضع سنوات، كانت بين أوراق تقريري الذي كتبته سراً في رحلتي تلك بإيعاز من الملك فؤاد، لجس نبض الحكومة السعودية لإنشاء علاقة دبلوماسية وإعادة كسوة الكعبة؟". وإن العلاقة بين الشاعر والزعيم المصري قويت بعد تلك القصيدة، التي أخذها منه ودعاه لتناول الغداء عند الوفد المصري في دار الضيافة السعودي بمكة. كما أن العلاقة تجددت بينهما حين التحق الشاعر بالجامعة الأمريكية، وكان الزعيم المصري يتابع أخباره، حتى عرف التحاقه بها، واجتمع به ودعاه لمشاهدة فيلم (وداد) الذي قدم من أجل عرضه في بيروت.
وفي حديث هذه الذكريات الذاتية كشف لسيرة شاعرنا مع المقالة الشعرية وبخاصة منذ بداياتها، وإنها لتضيء لنا عالماً مبكراً من الشعر الذي يوظف في جمع الشمل العربي، وربط ما انقطع بين الإخوة، وإحكام عرى المحبة والود، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدول بعد جفاء. فقد فعل شعره ما لا تقوى عليه الدبلوماسية المعاصرة.
وإن ما يهمنا من ذلك الموقف الشعري هو أن عبد الله بلخير ينقل إلينا انطباع الآخرين بشعره، لأنه انطباع يترجم مشاعر العرب قاطبة، حيال هذا الشعر العربي الأصيل النقي، فمقولة الزعيم المصري أثرت في نفسه، وأثارت فيه الشعور القومي والديني، يقول: "كانت غبطة الشاعر بما سمع لا توصف، وما كان يظن في يوم من الأيام أن يسمع ما سمع، لأنه كان يصدر فيما قال عن حس عربي إسلامي طاهر لا علاقة له بالسياسة".
قد يتبادر لذهن القارئ أن أديبنا يتفاخر في إظهار أثر شعره على الآخرين، مع أنه بعيد كل البعد عن هذا الزهو وتلك الروح المتفاخرة، لأن المناسبة – كما نقول دوماً – هي التي تجبره على الكلام، وسرعان ما يحس بالخجل ساعة يكون أسيراً لاستطراده، ومناسبة لذلك وجدناه يقول من حين لآخر مثل هذا القول: "أريد أن أختم هذا الاستطراد الذي أرجو ألا يكون مملاً عن هذه القصيدة، مرة بعد أخرى – بالاعتذار عما يتبادر إلى أذهان القراء بأنها فرصة أمدح بها نفسي، فيتذكرون قول الشاعر:
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
ومعاذ الله أن أقصد إلى شيء مما يتبادر إلى الأذهان، وإنما هي طرف وملح جاءت مناسبتها فرأيت أن أذكرها".
كما أنه علينا أن نضع في الحسبان أن هذه الذكريات جاءت أجوبة لكثير من الأسئلة المطروحة عليه من مدير الحوار. ولهذا فهو محكوم بنوع السؤال ومجرى الاستطراد اللذين يحتمان عليه أن يمنح القارئ صورة كاملة لظروف وأجواء المناسبة والفكرة المطلوب منه إيضاحها.. فلا بد أن يبين كل جوانبها، لتكون شاخصة في الذهن والخيال.
فحين يسأله مدير الحوار عن الأناشيد الوطنية وريادته في نظمها فمجبر أن يذكر قصة الأناشيد، وأن ينتهي إلى القول: "لقد تهلل وجه الأمير فيصل، وقرأ الأناشيد كلها في هدوء وتأن وتعمق.. حتى إذا انتهى منها، التفت إلي وقال: (بارك الله فيك) وسأحيلها الآن بكتاب مني إلى مجلس الشورى لقراءتها والإطلاع عليها، وتقرير ما يرى المجلس أن يكون أهازيج وأناشيد لأبنائنا في المدارس منها".
وتظل السيرة الشعرية الذاتية للرواد مفيدة ومساعدة القراء على فهم شعرهم وإنارة الطريق أمامهم، وهم يرحلون في أعماق شعرائهم، والسيرة التي لا تضيء جوانب مجهولة عن حياتهم وشاعريتهم ومناسبات شعرهم وتجاربهم ومعاناتهم تظل ناقصة، كأنها لم تكن.
ولهذا وجدنا في سيرة عبد الله بلخير الشعرية وقفات مستحبة عن مناسبات بعض قصائده، سواء منها التي أدرجت في كتاب (وحي الصحراء) أو ما ستدرج في الديوان المخطوط والمنتظر، كقصيدته في المجمع الأدبي السوري، وفي ملحمة (هيلاسلاسي)، وقصيدته بمناسبة نجاة الملك عبد العزيز من الموت ومطلعها:
ألا إنها من أعظم النعم الكبرى
سلامة رب التاج والراية الخضرا
وقد روى لنا أديبنا بلخير من ذكرياته، نصاً طويلاً يتجاوز الصفحة – عن تلك المناسبة، وأهمية النص ليس كونه وثيقة عن المناسبة التاريخية المرعبة، وإنما لأنه وثيقة عن تجربة الشاعر مع المناسبة المفاجئة، ومحاولة نظم الشعر فيها، في وقت ليلي (يوم عرفة)، ولا يملك عدة الكتابة والتعبير غير التراب والرمل.. فكانت معاناة قاسية، ولكن يتخللها الإبداع وتفجر المشاعر، رغم المخاض الذي يعيشه والظروف التي تحول دون الولادة الشعرية.
امتلأت السيرة الذاتية، من خلال الذكريات لعبد الله بلخير بأخبار الكتب والمؤلفات والصحافة والدوريات، ودور الثقافة والمكتبات، فكان كوكباً نابضاً بالحياة والنشاط والسعي وراء تلك الكنوز الثقافية أينما كانت. فكان منذ نعومة أظفاره محباً للمطالعة، شغوفاً بالكتاب والصحيفة، يلتهمهما التهاماً، ويعبّ منهما بلا ارتواء، وقد أضاءت لنا سيرته شيئاً من هذا الجانب الثقافي. فتحدث لنا مرات عديدة، ومن خلال المناسبات والمواقف، عن شغفه بالمطالعة يوم كان طالباً في مدرسة الفلاح، ويوم انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. فكثير من المعلومات الثقافية والأدبية عن الكتب وأعلام الأدب والفكر في العالم العربي التي كان يرويها لنا كان مصدرها الصحف وما تحمله من تلك المعلومات. فما كان يسمعه عن الأمير شكيب أرسلان مثلاً جله كان حصيلة الصحف التي تتناهى إليه في مكة المكرمة، وغيرها كثير.
يقول: "إذن لقد كان الأمير شكيب أرسلان جديراً بأن تعرف له البلدان مكانته وريادته وجهاده، وأن تفتح صحفها صفحاتها لفيض زاخر من مقالاته مشحونة، بالحقائق والمعلومات التي كان يتدفق بها قلمه لثقافته الواسعة الشاسعة.. لكل هذا الذي كنت أقرأه عن الأمير شكيب في الصحف العربية التي كانت تجيء كلها مبادلة لجريدة أم القرى – التي تصدر ولا تزال في مكة المكرمة – يوم كنت أتردد على هيئة تحريرها، حيث كان يرأسها (محمد سعيد عبد المقصود) – يرحمه الله-.
ويبدو أن تلك المبادلة الصحفية هي التي غذت فيه روح النهم والنهل من بحور المعرفة، فكان يحظى بحب صاحب جريدة أم القرى، إذ كان يقدم له زاداً كبيراً وحصة تفوق حصص الآخرين من المطالعين معه، فقد بلغت حصة الأسد كما يقول: "كنت وأنا طالب بمدرسة الفلاح أطلع على صحف العالم العربي بهذه الوسيلة التي لم يكن غيري من أبناء جيلي في مكة يتسنى لهم ما يتسنى لي، ولعدد قليل جداً ممن كان ملتفاً يومئذ على الصديق محمد سعيد عبد المقصود، والذي يبذل لي ولهم ما لديه من صحافة، وكنت أنا من بينهم أفوز بحصة الأسد".
وتتفتح شهيته للمطالعة في الجامعة الأمريكية أكثر مما كانت عليه في مكة المكرمة، وذلك لأن المائدة الثقافية في بيروت أشهى وأفخم، وحائزة على صنوف الصحف والكتب. وجد أن مكتبة الجامعة الأمريكية عظيمة، وهي أكبر مكتبة علمية في العالم العربي بأسره آنذاك. وقد أخذه إليها بعض من تعرف عليهم من طلاب الأقسام العالية في الجامعة.
يقول: "واستهوتني أجواء تلك المكتبة والقاعة الكبيرة المخصصة للمطالعة، حيث كانت محتوية على أشهر الصحف والمجلات الإنجليزية والفرنسية والعربية. مع الكتب المختلفة في شتى أنواع العلوم".
ولقد نشبت بينه وبين نظام الدراسة في الجامعة صراعات خاصة، فكانت طبيعته لا تميل إلى الرياضة البدنية، وإنما كانت تميل إلى الرياضة الفكرية. وكان نظام الكلية يفرض ممارسة الرياضة على جميع الطلبة مما لا يتفق مع طبيعته النفسية التي فطر عليها في بلاده، وحاول الخلاص من ذلك النظام الآسر.
يقول: "ولهذا فقد كنت وأنا أنظر إلى ملابس الرياضة التي لا أحبها، أقول في نفسي: كيف السبيل إلى أن تعفيني الكلية من تلك الساعات المفروضة على كل طالب أن ينتظم فيها في ملعب الكرة وغيرها من أقسام الرياضة، لأقضي وقت الرياضة هذه في القراءة والمطالعة في المكتبة".
واستطاع أن يخلص من ذلك الكابوس القاهر، لأنه لا يشعر بالاستقرار النفسي والشخصي إلا بصحبة وجيرة الكتاب والمكتبة، حيث تلك الأجواء جديرة بأن يلازمها دوماً، وسينتهز كل فرصة خارج أوقات دراسته ليجيء إلى تلك المكتبة، ويدخل بكل هدوء ومسرة إلى قاعتها.
ويبدو أن مطعماً واحداً لا يفي بالغرض في تقديم الوجبات الطيبة الشهية، فتردد على مطعم آخر وجد فيه صنوفاً شهية أيضاً من غذاء روحه، فكانت مكتبة الكلية الثانوية العامة التي حصل من مديرها على إذن خاص لارتيادها، وقد فرح بهذا الامتياز وعبر عنه بقوله: "وكان هذا بالنسبة لي امتيازاً لا يشاركني في أبناء الكلية الثانوية العامة التي كنت بها، ولهذا كانت فرحتي بذلك عظيمة، لا ينقصها إلا التخلص من ساعات الرياضة المكروهة، واستغلال جميع أوقات فراغي غير الدراسية، لأضطرب وأتجول في حرم الجامعة وبين كلياتها العالية".
كما أن أستاذ الرياضة دافع عنه ضد احتجاج زملائه للمعاملة الخاصة التي كان يحظى بها من ذلك الأستاذ، فقد كان رده عليهم: "عبد الله بلخير لا تفوت عليه ساعة فراغ واحدة إلا وهو على كرسي المطالعة في المكتبة".
ولكم تحلت ذكريات أديبنا عبد الله بلخير بأحاديث الكتب، فكانت ترد على لسانه كشيء من ضرورات الحياة ومكملات العيش. فكل عملاق فكري وأدبي مشهور لا بد أن يقرن معه مؤلفه، فيرد اسمه، وكثيراً ما يعرض لنا مضمونه. فحين أخبرنا عن الشيخ (رحمة الله بن خليل) مؤسس مدرسة (الصولتية) أورد اسم كتابه (إظهار الحق)، الذي فنَّد فيه هجمات علماء النصارى ومغالطاتهم التي جمعها القسيس المبشر البروتستانتي (بفندر) في كتابه (ميزان الحق)، وعرفنا بمحتويات كتاب (إظهار الحق) بجزءيه، ثم ذكر مؤلفاته الأخرى التي تفند أباطيل المبشرين مثل: (إزالة الأوهام) و (أحسن الأحاديث في إبطال التثليث) و (البروق اللامعة) و (البحث في إثبات النسخ والتحريف).
وأخبرنا كثيراً عن (أمين الريحاني) وكتابه (ملوك العرب) في مناسبات متعددة وأنه قرأه فور صدوره حينما كان في مكة عام 1935م، وذكره مرة أخرى وهو يتحدث عن الشخصيات التي عرفت الملك عبد العزيز وكتبت عنه، وأورد اسم (جورج انطنيوس) ومؤلفه (اليقظة العربية) الذي ألفه بتشجيع وعون المستر (كرين).
كما ذكره في المرة الثالثة، وعرض لنا مضمونه بأن الريحاني قد رصد فيه وصور خواطره في رحلته وزيارته لنجد وملكها ابن سعود، وللحجاز وملكها الشريف حسين، ولعسير وأمرائه من آل عايض، والأدارسة، ولعدن والمحميات المتناثرة حولها، ثم اليمن والإمام يحيى، ثم بعض مشيخات الخليج، ثم الكويت وأمرائه ممن أدركهم بعد مبارك الصباح، ثم العراق والملك فيصل بن الحسين. وذكر لنا كيف حصل على مثل ذلك الكتاب القيم:
"تحصلت على كتاب: (ملوك العرب) في مكة قبل الذهاب إلى بيروت من صديقي (محمد سعيد عبد المقصود) الذي لا تفوته أمثال تلك الكتب الجديدة، والتي تصدر في العالم العربي، فعكفت معه على قراءة فصوله ليالي متعددة، نستقصي فيها ما ذكره الريحاني ونستفيد منه". ولقد فاز أديبنا وتزود بمعارف وكنوز ذلك الكتاب، ولهذا فقد قدم لنا تقويماً سريعاً وحكماً صائباً على الكتاب بقوله: "فقد كان الكتاب موسوعة نادرة المثال في تلك الأيام، ولا يزال للعرب كلهم وأخص منهم الشباب اليوم الذي يجب عليهم قراءة الكتاب والتمعن في أحداثه وما أشار إليه. أما لغير العرب فقد كان الكتاب مرجعاً موثقاً لتاريخ تلك الحقبة يستفيد منه المستشرقون".
واقترنت مع شخصياته العلمية والأدبية، ممن عرفهم في الجامعة الأمريكية وكانوا أساتذة، أسماء كتبهم مثل (الدكتور جبرائيل جبور) وكتابه (عمر بن أبي ربيعة)، وكان قد اطلع على جزئه الأول حين استعاره من صديقه (محمد سعيد عبد المقصود) في مكة.
وأورد بعض المعلومات عن هذا الكتاب الذي صدرت بعد ذلك أجزاؤه الثلاثة عن شعره وعصره ومكانته الأدبية المشهورة، كا ذكر وصايا أدباء مكة له حين رحيله إلى بيروت، وهي حاجتهم إلى الكتب الأدبية والدواوين الشعرية، وهذا دليل على أن هاجسهم الأول والأخير هو الأدب والشعر والمعرفة فهم يتشوقون إلى هذه المناهل العذبة، ويقدمون إليها بشغف! فهي لهم كالماء لذي الغلة الصادي.
يقول: "أوصاني محمد سعيد عبد المقصود بأن أتحصل له على الأجزاء المتتالية التي ستصدر من كتاب (ابن أبي ربيعة) للدكتور جبور.. وطلب مني محمد سعيد العامودي عند توديعي أن أترقب صدور ديوان الشاعر الكبير بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير، وأن أتحصل له على نسخة منه".
وذكر كلاماً عن كتاب (المورد) وهو بصدد الحديث حول (جمعية الشباب العربي) بالجامعة الأمريكية حين رشح لرئاستها، وهي جمعية أدبية عامة في الكلية الثانوية التي تشبه (العروة الوثقى) في الجامعة الأمريكية، وقد عمل معه في الجمعية (منير البعلبكي مستشاراً ومرشداً، مثلا معاً في رواية (أندرماك) للكاتب الفرنسي (راسين). ومما قاله عن المورد الذي ظل مؤلفه البعلبكي نحو عشر سنوات متواليات في إنشائه وتأليفه وتصويره بأنه دائرة معارف وموسوعة، وظل منكباً في غرفة من غرف بيته على المصادر العلمية باللغات العالمية المختلفة، يترجمها ويقتبس منها ويعربها ويضيف إليها ويبحث عن أصولها.
ومن ذكريات أديبنا عبد الله بلخير إشارته إلى مقالات (إميل الخوري) وإقبال الشباب السعودي على قرءاتها، وقد جمعت بكتاب (آثار أقدام) بجزءين أو ثلاثة، وقد اشتراها من بيروت عام 1962م وأعاد قراءتها، وتمتع "بتحليل الأحداث العالمية فيها برغم مرور الزمن عليها، غير أنها كانت ولا تزال حتى اليوم مرجعاً نادر المثال لسير الشؤون العالمية والدولية يومئذ نحو الحرب العالمية الثانية".
ويجيء تعداد الكتب والمؤلفات كمصادر لمادته العلمية أو التاريخية، ولا سيما حين يروي تاريخاً مهماً في حياة الشعوب الإسلامية مع المستعمرين، مثل كلامه عن تاريخ الحبشة، فكانت الكتب قد زودته بمعلومات خصبة، ومادة تاريخية دسمة عنها.
كما أن عبد الله بلخير كثيراً ما يذكر، وهو بصدد تعداد أصدقائه الأدباء والمفكرين والصحفيين، أسماء مؤلفاتهم أو صحفهم. ويذكر معها وبكل تواضع ما كان يستفيده منها، وأن الكلام عن الصحف والدوريات له قيمة في ذكرياته، سنعرج عليها بعد قليل. وقد يورد شيئاً عن مناسبة تأليف أو طباعة تلك الكتب، ولو كانت صغيرة الحجم، وقد يكون له دور في تلك المناسبات. فأخبرنا مثلاً عن مجموعة من أصدقائه الأدباء أمثال (يوسف إبراهيم يزبك، وقدري القلعجي، ورشدي المعلوف، وأكرم صالح) ودعوتهم إلى الرياض حيث أصبح مسئولاً عن الإعلام والصحافة في المملكة، وألف أحدهم – يوسف يزبك – آنذاك في الرياض كتيباً سماه (ليلة المصمك) حيث اقترح عليه تأليفه، وقد أمده بجميع المعلومات التي احتوى عليها ذلك الكتيب.
وإذا كان أديبناً بلخير ينقل أخبار أدبائه مما لها صلة بالمعلومات التاريخية، فإنه ينقل كنوزهم الروحية التي اختطفها منهم القدر برصاصة طائشة من بعض المسلحين في نزق أهوج. فيقول عن حريق شب في منزل المجاهد (فخري البارودي) إثر اندلاع قتال مسلح التهم كل كنوزه في داره بحي (كيوان) بدمشق، فيجيء الخبر اليومي محملاً بعطاءات البارودي الفكرية والتراثية والأدبية والموسيقية والفنية، وإذا قرأناه كما ورد على لسان أديبنا، سنجد فيه متعة وفائدة، ومن خلاله تتبدى لنا اهتماماته وشخصيته الفكرية والتراثية ومعرفته بفنون البيئة الشعبية الشامية.
يقول: "كان قد جمع في ذلك البيت محصول عمر مديد يفوق الستين عاماً، وهي غير عمره، وإنما هي عمر جمعه لنوادر المخطوطات والكتب، وجميع أنواع مسجلات الموسيقى الشرقية في جميع أقطار الشرق: من هندية وإيرانية وتركية وعربية وعراقية ومصرية وشامية ومغربية (بأقطارها الأربعة)، وموسيقى البلدان العربية المجاورة من الخليج والجنوب العربي والحجاز وشرقي إفريقيا.. إلى أن وصل إلى الأندلس وجميع موشحاتها التي عثر عليها مسجلة من قبل المغاربة، أو مؤلفة في الكتب الكلاسيكية العربية التي اقتناها، وعكف سنوات طويلة على فك رموزها والتعرف على أصواتها وألحانها، ليخرج بعد كل ذلك على الناس بما سماه فرقة (السماح). وهي دنيا من الفلكلور الراقص كان قد ظهر في (حلب) وتطور فيها، فهذبها وشذبها وألف بين متنافرها حتى أصبحت لوناً عربياً شرقياً مستقلاً يزاحم الفلكلور الغربي، ويهزج به الهازجون، ورقصت عليه الراقصات والراقصون، وكونت له الفرق التي كانت تنتقل له من بلاد إلى أخرى. فكانت قاصمة الظهر لشيخ الشباب هي النيران التي أتته على ذلك البيت، لهذا ترك (دمر) و (الهامة) و (بردى) وانحدر إلى بيروت، لينزل في غرفة من فندق (بسول) على (الزيتونة) من بيروت.
كان للصحف والمجلات ظهور كبير في ذكريات أديبنا بلخير، وكان ذكرها يعكس علامات سياسية وفكرية وأدبية وإعلامية في حياته، وحياة أبناء جيله، والواقع بكامله.
فكانت ثمة صحف سعودية وفي بداياتها في الحجاز، من التي عرج عليها وأورد لنا شخصيات أدبية قدمت للحجاز من بلاد الشام، وأسند إليها تحرير جريدة (القبلة)، كالشاعر (فؤاد الخطيب) ومن بعده (محب الدين الخطيب)، وأسماء أخرى وفدت إلى البلاد أيضاً أمثال: (رشيد رضا) و (خالد محمد الخطيب) و (عمر شاكر) الذي أسند إليه إصدار جريدة زراعية هي (الفلاح) ومن مطبعة جريدة (القبلة).
وكذلك جريدة أم القرى والتي قرنها بصاحبها (محمد سعيد عبد المقصود خوجه)، وجريدة (المدينة المنورة) وصاحباها (علي وعثمان حافظ).
وإن ذكر هذه الصحف مقرون أيضاً بآثارها في عقول الشباب السعودي ومواهبهم الأدبية والإبداعية، فأورد لنا أسماء حوالي خمسة عشر عَلَماً من الأدباء السعوديين الذين تأثروا بتلك الكوكبة الأدبية الشامية التي وفدت إلى الحجاز، منهم: (محمد حسن عواد، وعبد الوهاب آشي، وأحمد إبراهيم الغزاوي) وعد هذه الأسماء أول البراعم التي تأثرت بهم، ومنهم (محمد الطيب الساسي) الذي تولى بدوره تحرير جريدة (القبلة)، ثم (حسين الصبان)، ومن الذين تأثروا بجريدة (المدينة المنورة) شخصيات أدبية وفكرية هم اليوم عمالقة الأدب السعودي وذكر حوالي ثلاثين علماً.
أما فضل جريدة أم القرى فهو لا ينساه، وقد أورده في عدة أمكنة، وعدة مناسبات كلما ذكر اسم صديقه (محمد سعيد عبد المقصود خوجه)، بما كان يقدمه له ولأدباء آخرين من دوريات عربية وكتب ثقافية وأدبية.
ومن الصحف اللبنانية والمجلات الأدبية التي كان يتردد عليها طيلة التحاقه بالجامعة الأمريكية في بيروت، وقد كتب في بعضها. مثل جريدة (النهار) وصاحبها (جبران التويني)، وجريدة (بيروت) التي شهد صدورها، وفرح بالأسماء القائمة على تحريرها أمثال: (محيي الدين المنصور، وفؤاد قاسم، وعبد الله المشنوق). ومجلة (المعرض) الأدبية ويشرف عليها (بشارة الخوري)، ومجلة (المكشوف) وصاحبها (فؤاد حبيش)، وكتابها طليعة من الشباب اللبناني أمثال: (سعيد عقل، ويوسف غصوب، ورئيف خوري، وصلاح اللبكي، وفؤاد زهر)، وكانوا يتصدون لنقد كتاب مصر، وكان لأدبينا عبد الله بلخير موقف مناصر لأدباء مصر.
وقد وردت أسماء أخرى لتلك الدوريات من خلال المناسبات، يطول ذكرها، مثل جريدة (بيروت) وصاحبها (محيي الدين النصولي) وعلاقته بها وبه، وعن شخصية "ألف – نون" أنيس النصولي، وصديقه (عبد الله المشنوق) وتحول جريدة (بيروت) إليه، وقد أصبح اسمها (بيروت المساء)، ثم قصته مع مجلة (المراحل المصورة) وصاحبها صديقه (يوسف إبراهيم اليزبك) وكتابته فيها.
وكثيراً ما ترد أسماء لدور النشر والمطبوعات وهو بصدد الكلام عن أصدقائه الأدباء وبخاصة ممن استطاعوا أن ينشئوا دوراً كبيرة للنشر، أمثال: (منير البعلبكي) في داخل البلاد العربية، و (حمدي الخياط) خارجها، وقد كتب عن هذا الأخير كواحد من أصدقائه القدامى في الجامعة الأمريكية، وإذا قرأنا شيئاً مما كتبه عنه سنجد أن أخباره عن أصدقائه يفوح منها أريج الفكر والكتاب والمخطوط والنشر والطباعة، فضلاً عن الحب والود حالما يلتقي بهم بعد غياب طويل. فهذا (حمدي الخياط) في (بون) من عام 1955، وأديبنا بلخير ما زال مسئولاً كبيراً في الإذاعة والإعلام.
فيقول: "انقطعت الأسباب بيني وبينه في السنين التي كان فيها في ألمانيا، ولم ينسني ولم أنسه، حتى قدمت إلى (بون) في عام 1955م وأنا مدير عام للإذاعة والصحافة والنشر في المملكة العربية السعودية، أبحث عن إكمال صفقة محطات إذاعية ألمانية من شركة (سيمنس) المشهورة، وبقيت نحو شهر في (بون) أنهي هذه الصفقة التي أقمنا بها المرحلة الأولى القوية للإذاعة السعودية في جدة.
وكنت أتردد على محافل الشباب العربي من الطلاب في (بون) أتعرف عليهم وأسأل عنهم، وجاء حديث عابر عن العرب المعروفين في ألمانيا، والذين يقدمون خدمات إعلامية لبني قومهم، فقال لي محدثي: مثل الدكتور حمدي الخياط، ففرحت بما سمعت. وقلت له: هل تعرفه؟ فقال لي: إنه اليوم صاحب دار نشر كبيرة في مدينة (كولن)، تصدر عنها مجموعة من المجلات والمطبوعات العربية والألمانية وببعض اللغات الشرقية الأخرى، وأعطاني رقم هاتفه، فقمت من مقعدي إلى الهاتف واتصلت به؛ وكانت المفاجأة أن يكون هو الذي أجابني على ندائي. قلت له: ألست حمدي الخياط عضو العروة الوثقى في الجامعة الأمريكية في بيروت؟ فقال لي: هو بشحمه ولحمه، من المتكلم؟ فذكرت له اسمي، فكاد أن يمشي على سلك الهاتف مهرولاً من مدينة (كولون) حيث يقيم إلى حيث أكلمه من بون. قال لي: أين أنت الآن؟ فقلت له: في فندق (كوننفس هوف). قال لي: إذن العشاء الليلة في ضيافتي، وسأجيئك في الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم. وجاء الدكتور حمدي فإذا به كما قال هو نفسه بشحمه ولحمه، وكان عناق حار بين الصديقين اللذين باعدت بينهما الأعوام. وقضينا أربع ساعات في العشاء والأحاديث. عرفت منه أنه قد أنشأ داراً للطباعة والنشر، تحتوي على أحدث المطابع للإنتاج الملون العصري الحديث، وأنه يحرر صحيفة (الشرق) الأسبوعية باللغة العربية، ومجلة باسمها أيضاً باللغة العربية، ومجموعة من المجلات الأخرى بالألمانية وببعض اللغات الشرقية، وأنه يبني داراً جديدة تكون محتوية على مطبعة وغرف تحرير.. وأنه..".
وتتخذ ذكريات أديبنا الكبير عبد الله بلخير، وبخاصة حينما تكون ذكرياته قريبة من الحرم، وخلال مواسم الحج، ونخبة من أهل الفكر الإسلامي والعربي تزور البلاد، تتخذ طابع الثقافة القديمة وممارسات العلماء القدامى. فيكون لأحاديث الكتب والثقافة الإسلامية نكهة تراثية محببة.
كما أنه يمكننا القول إن أديبنا بلخير – وهو يسرد ذكرياته أو رحلاته أو مسيرة حياته أو سيرته الذاتية وما يصطرع فيها من شؤون وجدانية وأدبية وثقافية وسياسية ووطنية وقومية ودينية وتاريخية – ليمارس شخصية الرحالة العرب المسلمين القدامى الذين يطوفون الدنيا، ويجوبون بقاع العالم طلباً للعلم، أو بقصد زيارة الأماكن المقدسة وتأدية فرائض ومناسك الحج والعمرة.. هؤلاء الذين يصفون ويقفون ويهتمون بكل تلك الشؤون التي كان يصفها ويقف عندها ويهتم بها أديبنا بلخير، وبخاصة أماكن ومراكز العلم والدين، وأعلام العلماء والشيوخ.. فيذكرون في كتاباتهم أسماء العلماء والموضوعات والدروس التي كانوا يسمعونها منهم أو يستخلصونها في رحلاتهم.
وكثير من نصوصه تعيد إلى أذهاننا حياة المتعبدين ومحبي العلم وطالبي المعرفة، والباحثين عن الكتب والمكتبات في القرون الماضية منها قوله: "ولقد كنت في بعض هذه الحفلات، قبل أن أذهب إلى بيروت، واحداً ممن يدورون في فلكها. وأتذكر في أحد المواسم أنني التقيت بالعالم المصري المشهور يومئذ الأستاذ (طنطاوي جوهري) صاحب (تفسير الجواهر). فقد قدم في أوائل الثلاثينات حاجاً إلى مكة مغموراً في خضم الألوف من الحجاج. وقد سأل عن المكتبات الواقعة في باب السلام من أبواب الحرم المكي، وهي عشرات من مكتبات بيع الكتب على ألوف الحجاج. وتعرف مصادفة بالأستاذ الأديب النابه المرحوم (عبد الله فدا)، فعرف له قدره ورحب به، وجعل الشيخ طنطاوي يفيء في غير أوقات الصلوات إلى مكتبة الأستاذ (فدا) ويتربع فيها، فيحرص حينئذ الأستاذ (فدا) على دعوة الشباب أن يجيئوا للتعرف على هذا العالم المصري والسلام عليه.
وأتذكر أني كنت ماراً بمكتبته، فألقيت عليه السلام كعادتي، وأردت أن أكمل مشواري، فإذا بالأستاذ (فدا) يناديني أن أجيئه، وفوجئت عندما دخلت أنه يقدمني إلى الأستاذ (طنطاوي جوهري) الذي كان شهيراً يومئذ بفصول تفسيره التي كان ينشرها في الصحف المصرية، فنتلقفها نحن الشباب، ومن أمثالي في ذلك زملائي: العلامة الكبير الأستاذ (أحمد عبد الغفور عطار) والأستاذ (عبد الله عريف) والأستاذ (حامد محمد كعكي) والأستاذ (محمد سعيد عامودي) والأستاذ (محمد سعيد عبد المقصود). فسلمت على الشيخ وأنا مغتبط بهذه المفاجأة.. وكم في الحج من مفاجآت كانت تصادفنا، فتقر بها عيوننا، وتثلج بها صدورنا.. وتبث فينا المحبة والإجلال والإكبار لأصحابها، وتتحقق بها حكمة فريضة الحج والدعوة إليها، ليتعارف المسلمون ويتآخوا، وهي أهداف الحج ومراميه وفائدة فريضته على كل مسلم ومسلمة. وأخذنا نحف بالشيخ الطنطاوي، ونعرف مكان جلوسه من رواق المسجد الحرام، حيث اختار عموداً من الأعمدة في مدخل باب السلام الكبير يتبتل بصلواته الخمس بجواره، حتى إذا ما انتهت استقرب المكان وخرج إلى مكتبة صديقه الأستاذ عبد الله فدا فاستقبل فيها من يكونون قد سمعوا بجلسته هذه، فتغص المكتبة بالمسلِّمين عليه والمستمعين له وهم كثيرون. وتكون غبطة الأستاذ (عبد الله فدا) بانشغاله بالشيخ وزواره وعزوفه عن البيع والشراء سمة من السمات التي كان يجري عليها كرام أهل مكة والمدينة في الترحيب بعظماء وفود بيت الله الحرام".
وقد تحدث لنا أيضاً أديبنا بلخير عن شخصيات أخرى من الوفود التي كانت في الحج: (محمد حسين هيكل) فعرَّفنا بكتابه (في منزل الوحي)، وثقافته الفرنسية وتغيّره "لما قدّر له أن يحج تنفس صدره بأنفاس الإسلام، وعادت جذوره تجري بعصير الحياة العربية والإسلامية، فألف الكتب الإسلامية، وكانت النقلة المفاجئة قد عادت عليه بالخير واليمن والبركة".
وهكذا فقد انتهت إلينا شخصية أديبنا بلخير الثقافية كأول وجه في سيرته الذاتية.. الوجه الذي يتوهج بنور المعرفة وحب المطالعة والكتاب والدورية، وكل من يقوم بنتاج الأدب والشعر والثقافة.
وإن كانت ثمة أوجه أخرى تشارك في إضاءة الصورة الكاملة لثقافة أديبنا عبد الله بلخير، مما مر بنا من صوره السعودية والوطنية والعربية والدينية والتاريخية والسياسية والإعلامية والتعليمية، وما سيكمِّل تلك الصورة مما سيمر بنا، وبخاصة صورته الخلقية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :575  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 188 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل