شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-5- (الشخصية الدينيّة)
بدت لنا الرؤية الدينية لدى عبد الله بلخير في كثير من ذكرياته، فهو مع الإسلام والمسلمين، ومع الفكر الإسلامي وأعلام المسلمين وأحوالهم، وبخاصة في تاريخهم المعاصر، فحديثه وخطابه وحواره لا تعوزها قيم الإسلام وتعاليمه، ورحلاته وزياراته ولقاءاته وتقويمه للشخصيات التي عرفها أو صادفها تنطلق وتتبدى من خلال الإسلام والرؤية الإسلامية. والإسلام -كما رأينا- في أعماقه لتلك النشأة الدينية التي نشأها بيتاً وبيئة في مكة، وإن حمل معه بذور العروبة من مسقط رأسه. على أن العروبة ظلت عنده متلاحمة مع الإسلام، وظل الإسلام هو الجوهر والروح، والعروبة وعاؤه.
ومن الصعب استكمال الصورة الإسلامية لعبد الله بلخير في هذه الذكريات، لأنه لا يمكن أن نلحق به ونواكبه في مسيرته الفكرية والثقافية والرحلية، فهو أسرع منا في عرض تلك الدائرة المعرفية التي امتزجت كل عبارة فيها بروح الإسلام، وإنه لعمل يستوجب منا دراسة مستقلة، ولكن نود أن نقف عند جانب واحد من رحلاته، عسى أن يفي بغرضنا، وهو الجانب الرحلي الخاص بلقاء المسلمين في بعض الدول الأوروبية، متجاوزين كل ما قاله عن الإسلام والمسلمين مع الشخصيات التعليمية في الحجاز، ومع تاريخ المسلمين في الحبشة، ومع رؤاه التاريخية والقومية والوطنية، فربما ندعها تفصح عن ذاتها في مكانها من هذه الدراسة، لأن شؤون بلخير المعرفية كل لا يتجزأ، ومنسجمة مع شخصية متكاملة هي شخصية الرائد في الثقافة العربية والإسلامية في تاريخ العرب المعاصر.
ذكريات بلخير هي ذكريات الشخصيات الفذة، ولا سيما الشخصيات الإسلامية، وحديثه عنها يتسم بالذاتية الحميمة، التي جاءت إثر رحلاته ولقائه بها.. وإن كان بعضها من الآخرين. لذلك كان شديد الشوق لتقصي أخبارها، والاستماع والتزود بالمعلومات عن مسيرتها في درب الدعوة الإسلامية والإسلام في أرجاء المعمورة.
وأول هذه الشخصيات الشاعر البيروتي عبد الرحيم قليلات، وهو من الشخصيات الأدبية الذي تحول إلى شخصية إسلامية، كان يتولى إدارة الأمن العام، وله كتابات صحفية وشعرية في العروبة والإسلام والوطن، ثم اعتزل العمل الرسمي وشد الرحال حتى وصل إلى اليابان، "فلقي بها خميرة إسلامية من مسلمي روسيا ذوي الأصول التترية المهاجرين إلى اليابان بعد الحرب اليابانية الروسية الأولى، وقد أصبحوا بها لاجئين، فأقاموا في أواخر الثلاثينيات مسجداً جامعاً، كان أول جامع كبير أنشىء يومئذ في عاصمة بلاد الشمس المشرقة.
ومما قاله عنه: إن له ديواناً شعرياً، وإنه اشترك مع مسلمي اليابان في قيام ذلك الجامع عام 1938 بطوكيو، كما "ساهم أيضاً في إنشاء مسجد آخر أصغر من جامع طوكيو وأسبق منه، أقامه المسلمون المهاجرون من ماليزيا وأندونيسيا والهند في مدينة (كوبي) وهي مدينة أخرى مشهورة باليابان".
وقد أشار إلى أن معلوماته عن صديقه قليلات من صديق له يدعى (سوبرة) وهو من أعيان بيروت، وهاجر إلى اليابان في أوائل الثلاثينيات واشتغل بالتجارة، وقد تعرف على شقيقه السيد (سوبرة) وهو السيد ناجي سوبرة الذي أطلعه على تلك المعلومات السابقة، وبخاصة صور افتتاح جامع طوكيو، وذكر له أن قليلات قد عاد من الشرق الأقصى، وأقام مكتباً تجارياً في عمارة بشارع فوشي من بيروت.
وإن من عادة أديبنا بلخير أنه يهرع إلى شخصياته العربية والإسلامية أينما تكون، وحالما يعلم بمكان وجودها وإقامتها، ويقدم نفسه، وينال مبتغاه، ويحقق غايته المعهودة في مثل تلك الأحوال.
ولهذا وجدناه يقول حالما عرف مكان القليلات: "أسرعت إلى هناك ودخلت على الرجل في مكتبه مسُلِّماً. وعرفته بنفسي وأنني طالب سعودي في الكلية الثانوية العامة فسر بلقائي، وعرف أنني ملم ببعض المعلومات عنه وعن جهوده ودعوته الإسلامية المشارك بها في الشرق الأقصى بأقطاره المختلفة. وذكرت له كيف ترامت إلي تلك المعلومات، وأنني قد اطلعت على صور الحفل بافتتاح الجامع، وأنني متلهف إلى معرفة الدعوة الإسلامية التي قيل يومئذ أنها بدأت في الانتشار هناك، وأن بعض رجال الشعب الياباني قد عرف عن الإسلام أخباره، وبدأ يتلفت إليه".
ويتحدث مع القليلات حول أخبار المسلمين والرجال الدعاة وغيرهم ممن له نشاط إسلامي، ويسر منه لأنه يعرف بعض أسماء الشخصيات الإسلامية كشخصية فذة هي شخصية العلامة (علوي بن طاهر الحداد).
وكانت المداخلات الاستطرادية تعترض ذكرياته، فورودها لتوضيح موقف أو مشهد أو حدث أو فكرة، أو استكمال لواقع. فحين كنا نتابع مجرى حديثه عن مسجد (كوبي). مباشرة ينقلنا إلى الأمام نقلة زمنية تقارب العشرين عاماً بقوله: "وعندما زرت اليابان عام 1959، واجتمعت مراراً فيها بالمسلمين اليابانيين والمسلمين التتر الذين أسسوا جامع طوكيو بعد نهاية الحرب بين روسيا واليابان. وفي مسجد (كوبي) اجتمعت بالمسلمين الهنود والماليزيين والفلبينيين وغيرهم، وصليت معهم صلاة عيد الفطر من عام سياحتي المذكورة وهو 1959. وقد ظهر خبر الاحتفال بعيد الفطر من ذلك العام في مسجد (كوبي) في الصحيفة اليومية الصباحية التي تصدر فيها، وعلى صفحتها الأولى صورة المسجد ودعوة المسلمين إلى القيام بصلاة العيد فيه. فتركت الباخرة التي كنت راكباً عليها من (هونج كونج) إلى (يوكوهان) في ميناء (كوبي) بعد قراءتي للصحيفة المذكورة التي تصدر بالإنجليزية. وصادف أنها كانت توزع في مدخل الباخرة (برسيدنت ويلسون) الأمريكية. ولبيت النداء للصلاة في ذلك المسجد، على أن أركب بعد ذلك وسيلة أخرى إلى (يوكوهاما) في (طوكيو).
وكانت معي زوجتي التي تشاركني في رحلاتي، وفي مثل هذه المشاعر السياحية حول العالم".
إذا كان في النص السابق توضيح وتأكيد لأفكار أديبنا بلخير السابقة عن الإسلام في اليايان، فإن فيه توضيحاً آخر وكشفاً لشخصيته الإسلامية والإعلامية، في دوافعه الدينية الحقة، وفي متابعاته الإخبارية الواعية.
ومن الشخصيات الإسلامية التي وردت في حديثه مع (القليلات) شخصية: (علوي بن طاهر الحداد) كما ذكرنا، وهو "الذي كان بماليزيا وأندونيسيا، وتولى في آخر عمره مركز الإفتاء في سلطنة جوهور من ماليزيا"، ثم شخصية: (الحاج الداعية عبد الرشيد إبراهيم،) "شخصية -مغولية- الأصل مشهورة في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، بجهادها وحيويتها، ورحلاتها المنقطعة النظير في بلدان الشرق الأوسط وأقطار شرق أوروبا كلها، بما فيها تركيا وبلغاريا ورومانيا وبولندا وروسيا وغيرها من الأصقاع الشمالية، حتى وصل إلى اليابان".
ويبدو أن أحد هذين العلمين الإسلاميين من حضرموت، لأن الأول قال عنه: "أستاذنا.. من العلماء الحضارم"، وكذلك أضاف لهم تلك الشخصية المغولية الثانية.
ومما ذكره عن شخصيته الثانية قوله: "ذلك الرجل العجيب الذي كان لا يقر له قرار في مكان، بل كان ينتقل بين الحجاز ومصر والشام وتركيا، إلى تلك الأقطار المشار إليها، يخدم الإسلام ويدعو إليه في كل مكان"، ثم يذكر معلومات عن رحلاته الإسلامية في الشرق الأقصى ونشاطه في نشر الإسلام، وعن كتبه وصحفه. وكان في رحلاته لا يقيم في الفنادق، وإنما في المساجد، "وكان هذا ديدنه نحواً من أربعين عاماً، لم تفتر عزيمته ولم تقعده الأسفار ولا نصبها ولا كدرها ولا غربتها".
وقد وقف بلخير عند هذه الغربة، التي لم تكن مصدر عجز لدى الدعاة والمخلصين، بل كانت مصدر حيوية واندفاع وتحمس للعمل من أجل الإسلام والمسلمين.
وإذا كان المغترب عربياً فستتجلى عروبته وإسلامه بأروع صورة في غربته: "إن الغربة والبعد عن العالم العربي يشدان المخلصين من أبنائه إلى البحث عن كل ما يمت إلى العروبة والإسلام بسبب، ومن هنا كانت انطلاقة (عبد الرحيم القليلات) في البحث عن أخبار الحركة الإسلامية في كل مكان من الشرق الأقصى".
وإن إعجابه بشخصياته الإسلامية شديد، فيترجمه أحياناً شعراً. فشخصية مثل عبد الرشيد إبراهيم الذي كان في نظره "داعية بكل معاني الكلمة، غريب بين رجالات الإسلام المعاصرين في أول هذا القرن وأواخر القرن الماضي" يصل إعجابه به إلى حالة لا يهدأ انفعاله النفسي فيها إلا بالشعر، ولذلك قال فيه قصيدة طويلة، ربما كانت إحدى ملاحمه الإسلامية، ومطلعها:
حدثيني عنه وزيدي
واذكري في الرجال "عبد الرشيد"
ويشير بلخير من حين لآخر إلى بعض المعلومات التي يتذكرها عن شخصياته، والتي يستقيها من معارفه وأصدقائه، لتكمل صورة علمه. فأكثر معلوماته السابقة عن عبد الرشيد كانت من صديقيه: القليلات والدكتور السامرائي، وبعدها من صديق ثالث هو (الحاج حبيب الرحمن) الذي سيروي عنه الكثير.
ومن شخصياته الإسلامية (عبد الحليم الصديقي)، وقد أورده عقب الداعية عبد الرشيد إبراهيم، الذي أسهب الكلام عليه بما سمع وعلم، ومن باب الشيء بالشيء يذكر. فهو من مسلمي الهند وخيرة علمائها، ومجال دعوته ماليزيا وأندونيسيا.
وأجرى بين الداعيتين موازنة، فذكر أوجه التشابه والاختلاف. فقد يلتقيان في الأصول والأساسيات، ويختلفان في الفروع أو في (طريقة الدعوة).
يقول: "وكان الرجل مخلصاً في دعوته، مجداً في العمل من أجلها. وهو يلتقي في هذا المضمار في ألوان شتى من مظاهر الدعوة مع من تحدثنا عنه الحاج رشيد إبراهيم، إلا أن لكل شيخ منهما طريقته، فلكل منهما وجهة تتلاقى في أصولها، وتتباين وتختلف في فروعها. فيلتقيان في الإخلاص وحب الرحلات إلى الأقطار المختلفة، وتفقد أحوال الأقليات الإسلامية فيها، والاهتمام بشؤون أهلها كأندونيسيا وماليزيا، ويلتقيان في انفتاح الفكر على وسائل الصحافة والإعلام والنشر، فكما كان الحاج رشيد يستعين بما ينشئ من صحف مؤقتة عابرة على أداء رسالته، كان الحاج عبد الحليم الصديقي يؤمن بجدوى ذلك ويكتب".
إن هذه الموازنة في كتابات بلخير لا تظهر أوجه التشابه والخلاف بين علمين كما رأينا فحسب، وإنما تظهر لنا أموراً كثيرة عن نوعية الدعاة ورسالتهم وأعمالهم متمثلة بالرحلات والكتابة، وهما السلاح أو الأداة التي بها يزاول الداعية رسالته الإسلامية، وهي الوسيلة المستخدمة قديماً وحديثاً.
ومن هذا الجانب، وبعد أن رأت ذكريات أديبنا بلخير النور، فيمكن أن يدرج اسمه مع شخصيات الدعاة الإسلاميين في أيامنا المعاصرة، وإن تميز عنهم بطابع الذاتية في لقاءاته مع شخصياته الإسلامية، وبخاصة فيما سيورده عن شخصياته الأخرى، لأنه سيكون صداقات حميمة مع بعضهم، فيغلب عندئذ على كتاباته عنهم طابع السيرة الذاتية لأنه سيتلاحم معهم بقلبه ونبضه، ويشاركهم المشاعر والعواطف والأفكار نفسها، ولكنه يظل ملتقياً مع دعاة الإسلام وكتاباتهم بالروح الإسلامية من حيث حب المسلمين، وتفقد أحوالهم، والتعبير عن رغباتهم وحاجاتهم بصورة الواقع المعانَى. ومن هنا قد تستحيل أحياناً كتابات عبد الله بلخير، في هذه الموضوعات، إلى ما يشبه الكتابات التي تسجلها جماعة رابطة العالم الإسلامي في مكة، فيما يقومون به من رحلات حول العالم، ويعبرون كتابة فيها عن مشاهداتهم وانطباعاتهم حول أحوال المسلمين المادية والروحية واللغوية. وفي الجانب الأخير "اللغوي" يتميز أيضاً عنهم، لأن اللغة العربية فرع من فروع العروبة التي تضم إلى قلبها التاريخ والمشاعر المشتركة وغيرها من روافد تصب في قناة العروبة الدفاقة. لتصبح العروبة، وما يخص العرب وأخلاقهم جسداً لروح الإسلام. وهو ذلك التلاحم بين العروبة والإسلام الذي نجده في الكثير من فكره وشعوره وشخصيته وتعبيره.
ولهذا فإن بلخير يشيد دوماً بعراقة الماضي في كل شيء وبخاصة من جانبه الإسلامي، فالدعوة الإسلامية، كانت منذ قرون أحسن مما هي عليه اليوم. "والكلام عن الدعوة والدعاة بمعانيه المختلفة المباشرة وغير المباشرة.. قد يحسن أن يشار إليه في صدق وأمانة، يوم كان الناس وكان العرب بصفة خاصة على فطرة الإسلام وحب الخير والبحث عنه وتلقيه".
وسيظل في كلامه عن الدعوة الإسلامية والدعاة الكثير من الحقائق التاريخية التي كانت غائبة من ذهن وتصور بعض المثقفين والقراء، فاستحضرها لهم بشيء من التبسط، بعد أن بث فيها شيئاً من الصدق والإخلاص والعروبة، لتكون قضية الدعوة الإسلامية بعيدة عن التشدق والادعاء اللذين يفقرانها أكثر مما يغنيانها، ولا سيما في بعض بلدان أفريقيا كالحبشة والصومال والسودان.
وبحسه العربي والإسلامي قدم لنا الكثير مما صنعه الاستعمار للدعاة والدعوة الإسلامية في تلك البلدان الأفريقية، ويأسف لجهل العرب والمسلمين بتاريخ الدعوة هناك، فيورد بعضاً من ذلك التاريخ، كصراع سلاطين الحبشة المسلمين مع من هم من غير دينهم، ويقف عند أبرز التدابير الاستعمارية ضد العرب والمسلمين في السودان الجنوبي وغيره، وبخاصة في عدائه السافر للغة العربية والحيلولة دون انتشارها وتداولها.
ولأديبنا بلخير رؤية أصيلة ثاقبة عن أعداء اللغة العربية بمختلف اتجاهاتهم وصورهم ونواياهم، ولحسه العربي، ولتلاحم العروبة بالإسلام في فكره وتعبيره، نراه يدلي بدلوه لأن المناسبة تدعوه لذلك، فيضع بين يدي قارئه رؤيته الصائبة.
ولنقرأ النص التالي، وفيه خير دليل على ما نقول، ولا سيما أنه ما زالت صحف الكثير من البلدان العربية تروج لأفكار أولئك الأعداء، يقول:
"وما نحن اليوم فيه هو حصاد لما غرس وزرع منذ قرن كامل، من الغفلة التقليدية المتوارثة حتى القرون الأخيرة من تاريخ العرب والمسلمين. فاللغة العربية التي حَرّم الاستعمار على السوادانيين الجنوبيين استعمالها، العدوة اللدودة للاستعمار في كل بلاد إسلامية نكبت به في مشارق الأرض ومغاربها، فهي لغة القرآن، لا يمكن للمسلم أن يكون مسلماً إلا إذا قرأ القرآن بلغته.. فكانت التوصيات العلنية والسرية، ولا تزال إلى اليوم، وإلى الغد القريب في كل مكان، مهاجمة اللغة العربية مهاجمة مختلفة الأشكال والألوان، منها السرية ومنها العلنية، ومنها ما ظاهره الإصلاح وباطنه القضاء عليها، وسلخها من ألسنة وقلوب المسلمين بوسائل شتى، أصبحت اليوم مذاهب، وطرقاً مشهورة ومعروفة، استهوت المغفلين والمنحرفين والسذج وخريجي مدارس الاستعمار من شباب العرب والمسلمين وانطلت عليهم، فشاركوا في التشكيك فيها وفي عظمتها، حتى يظهروا أمام المستعمرين بأنهم من الجيل الصاعد المثقف ثقافة عصرية".
ومن السمات الأخرى التي تضاف لشخصية بلخير الإسلامية تمسكه بالتراث الإسلامي، والمتمثل بمعاهده وجوامعه ومراكزه التعليمية. لذلك فهو لا يفتأ يذكر مثلاً مآثر وفضل الجامع الأزهر على الدعوة الإسلامية في مصر، وجامعي الزيتونة والقيروان في تونس، وجامع القرويين في فاس، والجوامع الأخرى والمساجد الكبرى في غرب أفريقيا من "موريتانيا وكانو وشنقيط وسكتوا". فتظل هذه الجوامع مناهل علمية إسلامية، ومنارات حضارية تشع بنور المعرفة الربانية في مختلف الأصقاع والديار.
ولهذا فإن قيم الدعوة الإسلامية، ومراكز تعليم الإسلام، والحضارة العربية والإسلامية ماثلة في ذهن بلخير، والتي هي في كثير من رحلاته تجره إليها، ليلتحم بها ويناشدها القلب والوجدان في روائعه وملاحمه الشعرية الخالدة.
ومن هنا فأسماؤها لها رموزها ودلالاتها وتفجرها الوجداني والذهني في قلب وعقل عبد الله بلخير، فيرى أن "فضل تلك الرموز على الدعوة الإسلامية منذ أكثر من ألف عام تتجدد وتمتد، وقد تتقلص وتنكمش، ولكنها مع كل ذلك التمدد والانكماش كانت المجرى والقناة التي توصل الضياء الديني إلى حيث يسطع وينير، ولا حاجة بنا أن نقول: أن للحرمين الشريفين، الشرف الأعظم، والفضل الأكبر في أن تكون المنابع المتدفقة لمساقط تلك القنوات والأنهار".
ومما يذكر عن شخصية بلخير الإسلامية والرحلية، أنه يعد البلدان التي تمكن من زيادة أقلياتها الإسلامية، والبلدان التي لم يحسن الوصول إليها، فقد استطاع مثلاً أن يرتحل ويزور الأقليات الإسلامية في شرق أوروبا وفي اليونان، وبلغاريا، ورومانيا، ويوغوسلافيا، والمجر، "متعرفاً على بواقي الأثر الإسلامي هناك، الذي لم يبق منه اليوم إلا الأطلال والمعالم، وانحسر عن المجر بالذات بانحسار المد العثماني".
أما البلدان التي لم يستطع الوصول إليها فكانت (بولندا) (1) ، ومع ذلك فإنه يشير إلى بعض مظاهرها الإسلامية: "إذ توجد بها اليوم أقلية إسلامية منكمشة ومبعثرة في بعض مدن وقرى في الناحية الشمالية الشرقية من العاصمة (فرصوفيا)، التي لا تزال محافظة على عقيدتها ملتفة حول مساجدها منقطعة عن العالم الإسلامي".
وإذا لم يستطع الوصول إلى الأقلية البولندية المسلمة، فقد استطاع أن يتخطاها إلى أقلية أخرى في أقصى القطب الشمالي، في فنلندا وعاصمتها (هلسنكي) ومدينة (تمبري).
ومما نجده في رحلات بلخير الإسلامية، وهي سمة بارزة في ذكرياته كلها، استحضار المعلومات القديمة عن مكانه أو مشهده. لتنير الدرب في مسيرة قارئه، وبخاصة ذلك الاستحضار الذي نلمس فيه متابعته الثقافية عما كتب عن أحوال المسلمين في البدايات الأولى. فقد أشار مثلاً إلى كتابات (الأديب اللبناني المتمصر (فليكس فارس) في عدد من أعداد مجلة يتذكرها منذ خمسين عاماً من "المقتطف" المصرية، ألقى بذلك المقال أول الأضواء على تلك الجالية الإسلامية التي تسكن حول القطب الشمالي من (فنلندا) وتعيش فيها، ومن ثمَّ تلفت الناس إلى ما ذكر عنهم، ثم بدأ ذكر تلك الجالية يظهر في بعض الصحف الإسلامية والعربية التي تهتم بشؤون المسلمين".
ولهذا قام برحلة إلى تلك المناطق، وليس له هدف من رحلته غير الوقوف على أحوال المسلمين في تلك البلاد. وفعلاً جاءت هذه الرحلة، وغيرها من بعد، تحمل الروح الإسلامية الحقة فضلاً عن ذاتية الشخصية المستحبة، ولو قرأنا أي نص منها لوجدنا تلك الروح المتميزة، والشخصية النادرة المثلى. ومنذ دخوله (هلسنكي) يروي مجريات الرحلة بعفوية وتلقائية، ويشد إليه القارئ، فمثلاً: حين راح يبحث عن المسجد يوم الجمعة للصلاة – لأن وصولهم كان ضحى يوم الجمعة – كان ثمة مشهد ديني اتضحت لنا من خلاله شخصية أديبنا بلخير بتلك البراءة والأصالة العربية، وذلك من خلال انطباع سريع عمن صادفه قبل الصلاة، والحس العربي الذي غمرنا به، وهو يحاور أحد المسلمين الأفريقيين.. ورغم الفطرية والعفوية في الحديث، ورغم إنه مشهد عادي ويقع كل يوم، ولكنه اكتسى بدفقات وجدانية تهز المشاعر.
وتتجلى روحه الإسلامية، أيضاً بوصف مظاهر العبادة ولا سيما صلاة يوم الجمعة: فقد وصفها، في جامع (هلسنكي) بدقة منذ دخولهم وحتى خروجهم، وليس بغريب على بلخير ذلك الوصف الدقيق، وتتبع المجريات في العبادة. فهل نسينا طفولته الدينية الأولى؟! وهل نسينا كيف قام بدور الإمام في مكة بمدرسة الفلاح يوم لم يتجاوز العاشرة؟ ولكنه هنا أضاف انطباعات ومشاهدات جديدة، اقتضتها تلك الصلاة في ذلك المكان الجديد.
ومن السمات البارزة في كتابات بلخير الإسلامية تسجيل الانطباع الروحي في نفوس الجاليات الإسلامية عن الحرمين الشريفين، وتلك الديار الإسلامية المقدسة، فيتنسمون فيه روائح دينية عن تلك الأماكن المقدسة، في مكة المكرمة والمدينة المنورة، فقد وصف تلك الانطباعات والأحاسيس في حالتيها السلبية والإيجابية.
فيعلق على ما أحضره معه من مسابيح وسجاجيد من السعودية، ويصف فرحة الناس من المسلمين بها، حين يهديهم إياها.
فيقول: "ومع الأسف الشديد إن المسلمين عبر السنين الطويلة يشترون هذه الأشياء من الحرمين الشريفين، غير عالمين بأنها مستوردة ومصنوعة في خارج العالم الإسلامي، وفي معامل إيطاليا بالذات، ولكنهم يفرحون بها.. فقد لامست الأرض النبوية.. فقدمت منها عدداً بعد الصلاة إلى الإمام، عندما قمت وسلمت عليه وعلى من حوله وعرفتهم بنفسي.. فأخذوا تلك السبح ومعها سجادة أو سجادتين، وتجمعوا حينئذ حولي يسألونني عن الفندق الذي نزلت فيها، ومتى يمكن أن يزوروني، ليدعوني بعد ذلك إلى طعام الغداء في بيت أحد كبارهم، ثم أبى الإمام بعد ذلك إلا أن يوصلني إلى الفندق، فصحبت معنا أخانا الأفريقي لتناول طعام الغداء معاً حيث نزلت... وهكذا كان يومنا الأول في زيارة إخواننا في مدينة هلسنكي".
وإن بدأ في جانب سلبي في تعلق المسلمين بكل ما له صلة بأماكنهم المقدسة، حتى ولو كانت لا تمت بصلة لتلك الأماكن، فإن جانبه الإيجابي لا يخفى على القارئ مما فيه صلة روحية متينة تشد المسلمين لتلك الديار، مما تجعل روابط المسلمين فيما بينهم قوية أينما كانوا.
على أن تلك الأنسام التي يحملها معه من مكة والمدينة سيفوح أريجها في مشاهد أخرى، ولأن أديبنا بلخير رجل التاريخ، فهو شديد الاهتمام بالأقوام أو الجاليات المسلمة ممن يلتقي بهم، فيعرج على بدايات هجرتهم، ومن ثم استقرارهم في تلك الديار الجديدة، محافظين على الأصول الإسلامية التي حملوها معهم.
وإن أورد أخباراً تاريخية عن الجاليات الإسلامية في (فنلندا)، وانطباعاته عنها، فالمناسبة تدعوه ليذكر لنا أوائل الزائرين السعوديين لها، مثل: الأخ الصديق (سعيد عبيد بن زقر).
وإن ذكر أيضاً بعض العادات التي يراها، ومما يظنها المسلمون هنا من صميم الإسلام، فإنه يقف عندها ويصفها من خلال موقف أو مشهد مر به وعاشه، كقراءة الفاتحة ومسح الوجوه بالأكف المرفوعة إلى أعلى في كل مناسبة اجتماعية.
وقد وقف عند الكثير من مظاهر آثار الإسلام في دورهم، كنظافة المساكن ولا سيما من الداخل، سواء بتلك السجادة التي يراها عند مدخل كل بيت ليضع عليها القادم نعله، أو في تلك اللوحات التي تحمل بعض الآيات القرآنية ومعلقة على الجدران.
وأكثر ما تتبدى لنا ذاتية أديبنا بلخير في ذكرياته هو في رحلاته الإسلامية كما ذكرنا، وكثيراً ما يعرض المشاعر التي تنتابه في مشاهداته وانطباعاته، ولا سيما المشاعر الصادقة النبيلة التي يحسها وهو في ضيافة المحتفين به من الجاليات الإسلامية.
يقول: "كانت تجول بمشاعري أحاسيس مكتومة وأنا أرى هؤلاء كلهم ينزلونني مع عائلتي هذه المنزلة.. وأقسم بالله أنني أشعر في قرارة نفسي بأنني لا أستحقها. وكان بعض النساء – ولا أقول كبيرات السن – بل من الشابات الجميلات من بناتهم ينتهزن الفرص من جلوسنا مع الرجال، ويلتففن حول (أم سبأ) لتقرأ لهن شيئاً من القرآن والأدعية.. وكنت أجول بأنظاري في هذه المظاهر التي يحفوننا بها، وأقول في نفسي: لقد أنزلتم حاجاتكم بواد غير ذي زرع، ولكن جزى الله الأسباب خيراً".
إن ذاتية بلخير في رحلاته تجمع – كما ذكرنا – السرد القصصي، والبوح الذاتي، إذ تأخذ من كل فن – الرواية والسيرة الذاتية – بطرف.
ولهذا تجىء رحلاته الإسلامية، من خلال هذه الذكريات، شائقة مثيرة تستحوذ على مشاعر القارئ. وإن تلك الذكريات، وبخاصة في جانبها الرحلي والحوار والشخصيات.. كلها تتضافر لتبلور لنا حياة حافلة بالحركة والحياة والحدث بصورة ناطقة جذابة محببة. فضلاً عما ترسمه لنا من سمات واضحة لشخصية أديبنا بلخير المتوجة بالطيبة والمثل والأخلاق العربية والإسلامية، لها انعكاسها وإيحاؤها الجذاب على من حوله في رحلاته أولاً، وعلى قارئية في ذكرياته ثانياً.
ومن هذه الزاوية ندعو القارئ لقراءة نص من ذكريات بلخير، لنتبين جاذبية هذه الذكريات في إطارها الذاتي والإسلامي، وبشكلها الفني القصصي، والنص يحكي عن شخصية إسلامية في مدينة "زغرب" اليوغوسلافية واسمه: (محرم أفندي) وفيه وقفة مهمة، ويصلح الكلام فيها، ويحسن الإدلاء بالمشاعر التي تثيرها.. فهي رغم ما فيها من حرارة وصدق وعواطف سامية عن أديبنا بلخير. وممن التقى بهم من عرب ومسلمين لا ينطقون العربية، ورغم ما يثير المشهد والموقف من روابط إسلامية حيناً وعربية حيناً آخر، فإن الإسلام لا يتألق إلا بتاج العروبة واللغة.
ولهذا ستظهر عواطف المسلمين في "زغرب" وتحتضن أديبنا وتفرح به ويزداد فرح المسلمين حين يعرفون أنه زائر من مكة، فتختنق المشاعر في القلوب ولا يترجمها اللسان إلا بملامح الوجه وانفعالاته.. فحبذا لو نطق اللسان كلاماً عربياً مضمخاً بأريجه الإسلامي ووهجه.
ومن هنا فإن رابطة العالم الإسلامي اليوم تمارس فعالية كبرى من الجهود في سبيل تعليم المسلمين اللغة العربية، وتبذل كل الإمكانات لتفتح المدارس وتعد وتهيئ المدرسين لهم.
وقد ينصرف أديبنا بلخير عن الشؤون الدينية للجاليات الإسلامية إلى أمور مادية وحسية، كأمور التجارة والمعارض والأسواق... التي يزاول المسلمون فيها أعمالهم، وينالون الكسب والشهرة فيما يتاجرون.
وإن من الأمور الحسية التي قليلاً ما يقف عندها كالحمامات (السونا) أو الطبيعية الجامدة من بحيرات وجبال وأشجار. ورغم أن عبد الله بلخير شاعر يستثيره الجمال الطبيعي، فإنه لا يقف عند تلك الرومانسية. ويفرد لها مشهداً كاملاً، بل ترد عابراً، حسبما تقتضيه طبيعة الاستطراد، فتخرج منه أشبه بمعلومات الجغرافية التقريرية.
كقوله: "وبمناسبة ذكر البحيرات، ففنلندا أعظم بلاد في العالم محتوية على آلاف البحيرات بين عظيمة وكبيرة، ومتوسطة وصغيرة، تتجمع مياهها العذبة من ذوبان الجليد الذي يغطي هذه البلاد وما حولها أكثر شهور العام، حتى يأتي الربيع والصيف".
ولكن قد يعقِّب على هذا الكلام أو يسترسل بنَفَس رومانسي شعري على نحو ما في هذا النص السريع: "وهو في الربيع والصيف جنة وارفة الظلال، عابقة الأزهار، شديدة الخضرة، نضرة الروابي والتل، وشلالاتها في مساقطها روعة من الروائع التي ينعم بها من زار تلك البلاد".
ومن الشخصيات الإسلامية التي التقى بها بعد السيد محرم أفندي (حبيب الرحمن) وزوجته (ريحانة) في (تمبري) من فنلندا. وأصبحت كتابته عن أولئك الأعلام الإسلاميين مثيرة، إذ لم يكونوا شيئاً في الذاكرة قبل أن يلتقوا به ويكتب عنهم، بعدها أصبحوا يلاصقون مشاعر القراء، فأحبوهم بقلوبهم وأرواحهم، ووجدوهم طيبين يستأهلون الجلوس في أروقة التاريخ.
وعلى كثرة روائع هذه الذكريات والرحلات الإسلامية، فإن أروع الروائع قصة (حبيب الرحمن) مع أديبنا عبد الله بلخير، منذ هجرته مع مسلمي البلاد الروسية إلى فنلندا، وإزماعه على الحج، ثم إحجامه وتسلمه إمامة المسجد، ومنذ بداية اللقاء به وزوجته (ريحانة) ودعوتهما للحج على نفقته، واللقاء الثاني في الحجاز، وأداء فريضة الحج وعودتهما إلى وطنهما والنهاية الحتمية لكل من على هذه الأرض بالموت. وهي قصة متكاملة في تسلسلها الروائي الفني، استغرقت أكثر من عشرين صفحة، لا ينقصها الصدق الواقعي والصدق الفني والحدث الدرامي، بل الأحداث المتوالية، وكلها تتوجها العفوية الآسرة. ولذلك سيجد القارئ من حين لآخر كأن دموعه لتسح من عينيه تجاوباً مع المشهد واللحظة والواقع والحب الذي يعم الجميع، بما فيهم القارئ الذي أصبح واحداً منهم، ويحب مثلهم..
يقول بلخير عن حبيب عبد الرحمن: "رحم الله الحاج حبيب عبد الرحمن رحمة واسعة، فقد أقر الله عينه بالحسنيين معاً: "الأذان في القطب الشمالي خمس مرات كل يوم وليلة، وهو ما اشتاق أن يترك الحج للقيام بهذه الشعيرة التي نظر إليها نظرة إسلامية مؤمنة عميقة فيما ذكرته سابقاً، ثم جمع الله له الحسنى الثانية التي ناجى ربه بأن يؤجلها له إلى نهاية عمره، وهي أداء الحج والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتوفي قرير العين، مقبول العبادة إن شاء الله. فما كان إلا رجلاً صادق الإيمان، عالماً من أولئك العلماء والدعاة الذين أشرت إليهم في مقالاتي هذه، والذين يندر اليوم إن لم نقل يتعذر وجودهم بين العرب والمسلمين، ومع أن أمة محمد لا تزال بخير، إلا أن الأمر يكاد يكون كما أشرت إليه".
ومن الشخصيات التي يمكن أن نذكرها، ونحن مع أديبنا بلخير في رحلاته الإسلامية عبر البلدان الإسكندنافية (زكريا ياسين) وقصة لقائه به في (كوبنهاجن)، وهي قصة لا تأخذ حديث الماضي، لأننا نعرفه، إنما حديث الحاضر، وواقع المسجد الذي لم يكن مسجداً وإنما كان مقراً (قاديانياً)، وكانت خدعة من (القاديانيين). وكان الحديث عن (القاديانية) وشؤون المسلمين، ومشروع بناء مسجد لهم، والاكتفاء مبدئياً بغرفتين للعبادة والصلاة فيهما. وبرزت أسماء عربية مسلمة من المغرب ومصر ولبنان: (حسين الزين، ومحمد عطية)، وبرزت معهما قصص من كفاح المغتربين، وبدايات حياة الغربة ودافع الهجرة المادية. وكان (حسين الزين) اللبناني يروي فكرة الصلاة، وقصتها في أدائها بقاعة الملك بدار البلدية. وفي كل القصص التي يرويها لنا أديبنا بلخير من خلال جولاته ورحلاته عبر العالم تبرز لديه فكرة الإعلام بشكل مثير، ولا سيما أنه يرويها بتلقائية وعفوية الحوار، وتداول الموضوعات، ورسم الحوادث والوقائع على ألسنة بشر أحياء، ومعارف وأصدقاء بلحمهم ودمهم.. من خلال توظيف موح، وكل ذلك يؤكد أهمية الإعلام الموجه بطريقة فنية، وتوظيف ذكي، ويجعله محققاً لمراميه البعيدة والقريبة.
ويكشف الحوار دوماً مواقف جليلة ونبيلة من أناس أخيار لهم مكانتهم، ومن مختلف الجنسيات. فموافقة ملك الدانمارك للمسلمين بأداء فريضة صلاة العيد في قاعة تتويجه، وتحمل كل تكاليف الصلاة... عمل كبير، وموقف خير نبيل.. والخير في كل مكان. ومن المواقف النبيلة الصادرة من الملك موافقته أيضاً على استقبال ثلاثة شباب مسلمين يمثلون أربعين دولة، ليشكروه على صنيعه السابق.
ويظل اختيار بلخير لنوعية المناسبات والرجال والأحداث موقفاً رائعاً ولا سيما إن كان له صلة بالإسلام، وفي بلاد بعيدة عن الإسلام. فلقاء الشباب المسلمين الثلاثة بالملك الدانماركي، وحديثهم معه، وكلامه معهم ذو معان كبيرة مثيرة.. تدعو الدعاة والإعلاميين -على نحو ما- إلى المزيد من الحركة والعمل والجهد لتوصيل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى العباد كافة شعوباً وحكاماً، وللدنيا قاطبة.
وإن ما يزعج عبد الله بلخير ويقض مضجعه النِّحَلَ الهدامة، التي تنشط باسم الإسلام لتهدم وبخاصة في البلاد الإسكندنافية، فكان له منها مواقف، ولكن لم يمارس معها عداءً سافراً، وفي كل الأحوال كان يفضل الانسحاب من الدخول معها في جدل فكري، قد لا يقدِّر مداه في بلاد الغرب والغربة.
مثل موقفه من (القاديانية) وكشف ضررها الكبير على الدعوة الإسلامية في الخارج، ولا سيما أن لها نشاطاً ملموساً في سويسرا ودول أوروبا من التي كان زارها.
يقول: "ومنذ شهور كنت في مدينة (زيورخ) بسويسرا وسألت عن مسجد كنت سمعت أنه مقام في تلك المدينة، وذهبت إليه فرأيت اسمه بارزاً في الشارع، وله شبه مئذنة وقد جئت قبيل صلاة الجمعة، فلما صعدت إلى الدور الثاني حيث قاعات المركز، فوجئت في تلك القاعات بصور زعيم القاديانية الهندية المشهور (غلام أحمد) وبصور عدد كبير آخر متراصة على جدران قاعة الاستقبال، وكلها لأتباع هذه النحلة. ووجدت مجموعة كبيرة من النشرات المصورة بالإنجليزية والألمانية والفرنسية وغيرها، تلقي أضواء على القاديانية ودعاتها، وكدت أن أدخل في جدل مع مدير المركز وهو هندي، إلا أنني غادرت المكان حالاً إلى غير رجعة".
وأخيراً إن حسَّ بلخير الديني يتضح بالرقة والروحانية والتجاوب مع جاليات المسلمين بقلب كبير يتسع لهمومهم ورغباتهم، كما ينضح بالحب والشعور السامي والإنساني، عبر العالم وعبر القصص التي يرويها عن المسلمين مما فيها من ألق ينير جوانب عديدة من شخصيته الدينية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :617  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 183 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.