شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جمعيات مصرية لاحتضان الوافدين
وما دام الاستطراد قد تناول مواضيع مختلفة متباينة كنت أشير بها إلى ما كان بين الأقطار العربية ورجالاتها وأدبائها وشعرائها من الود المتبادل والشعور الأخوي الفياض، فلا يفوتني أن أذكر ما لمصر من الفضل والأفضال على كل من حل بها وشرب من نيلها واجتمع بأهلها، فقد كانت هناك جمعيات إسلامية وعربية تجمع فيها كرام رجال الكنانة، يتشاورون ويتعاونون في القيام بكل ما يكون فيه تعريف وألفة ومودة بينهم وبين أبناء العروبة والإسلام في كل مكان، فكانت جمعية "الشبان المسلمين" من أبرز الجمعيات، وكانت جمعية الهداية الإسلامية من أبرز الجمعيات التي تتلقف الوافدين إلى مصر من كل مكان في العالم الإسلامي، فيزورونها فيلقون من القائمين عليهما كرم الضيافة وكرم الترحيب والوفادة وكريم المؤانسة، بما يزيل عنهم وحشة الغربة التقليدية، وبُعْد الدار وقلة الإخوان المواطنين والأنصار، فيكونون في وادي النيل كما يكون أمثالهم في الشام والمغرب والعراق.
وتفتح لهم المجتمعات باب الكتابة والخطابة والنشر على مصراعيه، وتطبع لهم الكتب والمحاضرات بدون مَنٍّ ولا مراقبة ولا وَحْشة ولا نفور، فكان زعماء أندونيسيا وماليزيا وزعماء الهند من المسلمين يجدون كما يجد أمثالهم من البلدان المستعمرة من إيطاليا وفرنسا في الشمال الإفريقي أو البلدان المستعمرة من قبل الإنجليز في كل مكان، يلقون في مصر بالذات وفي غيرها المنابر، ويلقون الأقلام والمحابر، ويلقون الصحف، ويلقون ذلك الرعيل من المصريين والسورييين والعراقيين الذين كرم الله جباههم فعاشت مرفوعة وعالية. لعلي أذكر منهم الخطيب المصلح عبد الحميد سعيد، وأذكر الأستاذ المجاهد الكبير محمد الخضر حسين من تونس، وقد مكث بمصر حتى تولى مشيخة الأزهر، وأذكر الأستاذ الفاضل المكافح المناضل المبشر والمنذر محب الدين الخطيب، وهو من دمشق الفيحاء، ذهب إلى مصر فراراً من الاستعمار، وأصدر فيها مجلة الفتح ومجلة الزهراء وسلسلة عظيمة من أمهات الكتب العلمية والكتب الأدبية، وأنشأ مطبعة الفتح الشهيرة في محلة "منيل الروضة"، وخدم بدار الفتح ومطبعتها وصحفها ومنشوراتها من الكتب السلفية والأدبية والعلمية ما جعله مناراً وهاجاً يضيء في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه.
وأتذكر أني منذ نعومة أظافري في مدرسة الفلاح بمكة قد كنت أتلقف وأبحث عن مجلة الفتح، وعن مجموعة "الحديقة الأدبية" التي كان يتخير أطايب الشعر والأدب العصري والقديم يقدمه فيها للشباب الطالع المتوثب. وأتذكر كيف كانت "الفتح" و "الشورى" المشار إليهما قبل ذلك أول من أطلق الصرخة دوية مدوية عن ما يسمى يومئذ في المغرب الأقصى بـ "الظهير البربري"، والظهير في لغة المغاربة هو المرسوم، وسمي بالبربري لأنه كان حركة استعمارية مدروسة مخيفة طلع بها الاحتلال الفرنسي على المغاربة ليفصل فيها بين سكان المغرب من البربر وسكانه من إخوانهم، ويشيع بذلك الفرقة، ويسعر العداوة ويكرس الصراع والانفصال، بالدعوة إلى إحياء اللغة البربرية وإحياء الأعراف الاجتماعية القبلية، ليحارب بها المحاكم الإسلامية والشريعة المحمدية، وكان الناس في المشرق العربي والإسلامي عندما صدر ذلك الظهير لا يعرفون شيئاً عن تلك الحركة وما بُيِّت لها، ولولا تلك الصرخة واليقظة من مجلة الفتح وجريدة الشورى اللتين أيقظتا النائمين من سباتهم، فعرفت الصحافة المصرية والسورية والفلسطينية وغيرها ذلك الطوفان الذي بدأ هديره، لولاهما لكانت الكارثة كبيرة، والخطب أعم وأطم، ولكن الله سلم ورد كيد المعتدين في نحورهم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :567  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.