شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عندما يعتذر الشاعر
التقصير بين الإخوان شيء جارح صعب قبوله، وأصعب منه ربما العثور على وسيلة للتعبير عن الإعتذار الصادق. بيد أن الشعراء وقد وهبهم الله تعالى القدرة على النظم، وجدوا في قريضهم أبرع وسيلة للاعتذار لأصحابهم عن تقصيرهم وذنوبهم. لمعظم الشعراء أبيات على سبيل ذلك، كان منهم البحتري والبهاء زهير وعلي بن الجهم وأبو تمام ودعبل الخزاعي وابن سناء الملك، وغيرهم الكثير. وفيهم من أفرط في الاعتذار كما فعل علي الجوهري فى اعتذاره إلى الصاحب بن عباد، حيث قال:
وأقسم لو روَّيتَ سيفك من دمي
لأورق بالود الصريح وأثمرا!
بيد أن ابن سناء الملك آثر التواضع في اعتذاره لصديق زاره، وفات على الشاعر أن يقوم إجلالاً وترحيباً بالصديق. وعدم الوقوف للزائر يعتبر عندنا من أبشع دلائل الاحتقار وعدم المبالاة والتكبّرعلى الضّيف. ولهذا أصبح من التقاليد الراسخة في معظم البلدان وقوف الجالسين عند مرور جنازة أمامهم. وكان ابن سناء الملك غارقاً في التفكير ولم ينتبه لدخول صديقه. فلم يجد خيراً من الشعر اعتذاراً له بهذه الأبيات التي وردت في ديوانه:
أماناً فإني من عتابك خائفُ
وعفواً فإني بالجناية عارفُ
على أن لي عذراً فإن كنت منصفاً
فكن قابلاً أو لا فإنك خائفُ
وما كان شغلي عنك إلا لأنني
بفكري على تحبير شكرك عاكفُ
بحقّك إلاّ ما حننت بعطفة
فمثلي بلا شك لمثلك عاطفُ
وحسبك فضلاً إذ ترى لي عاذراً
وحسبي فضلاً أنني لك واصفُ
لا شك أن البيت الثالث مما ورد أعلاه ينطوي على ما يسميه الإنكليز بكذبة بيضاء (White Lie)، يتقبّلها السامع، بل ويفتتن بها، لما فيها من طرافة الفكرة وحسن المقصد.
ومن عهد أقرب إلينا من عهد ابن سناء الملك، سمعت أبياتاً ظريفة من صديقي الدكتور يوسف عزّ الدين. وكان الدكتور على موعد مع زميله الدكتور أحمد الطيب في غرفتهما المشتركة في كلية الآداب في
جامعة أم القرى في الطائف. بيد أن ضيفاً فاجأ الدكتور الطيب بزيارة في بيته حالت دون حضوره، فكتب هذه الأبيات الثلاثة من باب الاعتذار لزميله وصديقه الشاعر وتركها على منضدته:
إنى انتظرتك برهة
ومضيت أبغي منزلي
ولديَّ ضيف للغداء
أتى لم يتحوّلِ
فاسمح لفرط تسرُّعي
يا صاحب الخلق العلي
بيد أن الدكتور يوسف عز الدين قدم لي اعتذاراً من نوع آخر في أيام تلمذتنا في لندن. كنّا على موعد في غرفتي في ايرلزكورت، وبعد أن عدت إليها وانتظرته، مرت الساعات ولم يطلّ عليّ صديقي. ففتحت الدرج لأتعشى لوحدي، فإذا بي أجده مليئاً بقشور التفاح، ثم هاتفني بعد دقائق قائلاً: "هل رأيت قشور التفاح؟ تركتها لك دليلاً على حضوري واستملاحي بزادك، واعتذاري عن عدم البقاء!".
 
طباعة

تعليق

 القراءات :820  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 17 من 76
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج