شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
وفاء العهد
عبد الرحمن صدقي:
عزيزُ، فأين العهد أَوثقت عقدَه
وأرسلته يَدْوي ويختال من عُجْبِ؟!
فكان بريداً عنك يسعى لزينبٍ
بأسمى مثالٍ للوفاء وللحبِّ!
أقامت به في البيت خالدةَ الرُّؤَى
تُغَذّيك شعراً خالد النغَمِ العذْبِ
وفاءٌ محا معنى الوفاة، وقد غدا
به الميت حياً، وهو في عالَمِ الغيبِ
أحقاً، عزيزٌ، قد تزوجتَ بعدها
أَأُنْسيتَ بيتاً ظلّ أُنشودةَ الرَّكْب:
"سألقاكِ لم يُشغَل فراغ تركْتِهِ
ببيتي، ولم يُملأْ مكانُك في قلبي"
سعاد:
عزيزُ، لفقدها ذو اللب طاشا
وكان وفاؤك العَجَبُ انتعاشا
إذا قاسوا وفاءَك قلتُ: حِلاًّ
وإن ذكروا شبيهَك قلتُ: حاشا
فما نبأ على أمنٍ أتانا؟
أحس بأضلعي منه ارتعاشا
تلقّاه الصديق فلم يصدّق
فلم يلبث يقينٌ أنْ تلاشى!!
سموتَ بذكر زينبَ يا عزيزٌ
وبالشعر الوفيّ غدوت باشا!!
وذلك وحْيُها يغذوك شعراً
ويُذْكي في قريحتك النقاشا
مواهبُ فيك كامنة فأروتْ
فضائلُ زينبٍ منها عطاشا
وشأنُ الحرّ أن يَـزْدَاد ودّاً
إذا ما ازداد جاهاً وارتياشا
أتبغي بعدها أنْساً بزوجٍ
وتبني بعدما رحلتْ فراشا؟!
وداد تنادي سعاد مستفهمة:
وداد: سعادٌ؟
سعاد تجيب: قد تزوج!!
وداد: ………… لا،
سعاد: ………… وحقّكِ،
وداد: ……………كيف؟
سعاد: ……………… لا أدري!!
نعمى:
فـأيـن العهـد؟ ويـحَ العهـد
زال كنشـوة الخمـرِ!
أكـان العهـد مصنـوعـاً
بقصـد ريـاضـة الشعـرِ؟!
ومـا عهـد الـرجـال لنـا؟
فكلُّهـمُ إلـى غَـدْرِ
عهـود دونهـا الأحـلام
فـي إغفـاءة الفجـرِ
ستنفضهـا رُؤَى اليقَـظـ
ـات عـن جَفنٍ، وعـن فِكْـرِ
خالصـة:
ألا لا عهـدَ إن غـابـت
عيـونُ الإلْـف فـي القبـرِ!!
سعاد:
ألا تعـرفْـنَ؟ قلـبُ المـرء
بيـن أصـابـع الـربِّ
يُقلّبـه إذا مـا شـاء،
جـلّ مقلّـبُ القلـب!!
عزيز باشا:
أيا ربّ، مالي في قضائك حيلةٌ
وإني إلى الرضوان منك لأَحْوجُ
وإنك بالنيّات أدرى، فإن أرُمْ
سوى شرعك الهادي فإنيَ أهـوجُ
فهَبْ لي رضاك المبتغَى وسَكينةً
لقلبـي، فلا يغلـو ولا يتحـرّجُ
لئن أنطقتنـي سَـوْرة الحـزن ضَلّةً
فعقل الفتى تحت الأسى يتلجلجُ
ومـا بـيَ عِيٌّ عن جوابٍ وإنما
أرى الصمتَ خيراً لي إِذ الحق أبلجُ
لئن كان شرعُ الله حِنْثاً ومأثماً
فما لامرئ من حوزة الإثم مخرجُ
يظنون بي غير الوفاء لزينبٍ
ألستُ بأوفى اليومَ، إذْ أتزوجُ؟
رأيت رسول الله لي خيرَ قُدوةٍ
وسنَّتُه للعقل والفضل منهجُ
فلـم ينتقص منه وفاءً لـزوجـه
خديجةَ أمّ المؤمنين التزوُّجُ
عبد الرحمن صدقي:
يـا ليـت زينـبَ أَشْـرَفَـتْ
مـن كُـوَّة الخلـد البعيـدِ
فتـرى العـزيـزَ وحـوْلـه
عِـرْسٌ تَهـادَى بـالبُـرودِ!!
أَنِسَـتْ جـوارحُـه بهـا
وتـذوقـتْ معنـى الجـديـدِ
فَشفتـه مـن ألـم الفـراق،
وأطفـأتْ حَـرّ القصيـد!!
عزيز باشا رافعاً رأسه إلى السماء:
يـا زيـنُ، يـا زيـنَ الجنـان، ويـا سنـا دار الخلـودِ
أقسمـتُ بـالرحمـن إلاَّ أنْ تُطِلّـي، ثـم عـودي
جُـودي بـوجهـك وافصلـي
مـا بيننـا بـالله جـودي
هـل أنـتِ راضيـة –أَبِينـي- عـن وفـائـي والعُهـودِ؟
شَبَح الفقيدة زينب يتراءى منشداً:
ويحَ الرشادِ بدار اللهوِ واللَّعِبِ
قد ضاع بالجهل والأهواء والرِّيَبِ
رويدَ عَتْبِكمُ ظلماً ومَوْجِدةً
على عزيزي، وما إنْ جرَّ مِنْ سببِ
كُفّوا السهامَ فما أصْميتُمُ أحداً
غيري بها، يا لها من نُصْرةٍ عَجَبِ!!
أتُمسكون برهبانيّةٍ حَرُمَتْ،
والجاهليّةِ في ظلّ النبي العربي!
هل تنكرون إذنْ وَحْشيّةً سلَفتْ
يَحْدو بها الجهلُ قوماً في دجى الحقبِ
قومٌ إذا مات زوجٌ عندهم دَفنوا
رفيقَه معه في ظلمة التُّرَبِ!!
فهل تريدون بيتاً لا عماد له
وأيُّ أنْسٍ ببيتٍ مُوحشٍ خَرِب؟!
هل الوفاء سوى الذكر الجميل إلى
وصلِ الودادِ ببرّ الأهل والنَّسبِ؟
فذاك أفضل من حزنٍ يعيش به،
خيرٌ من الحزن بِرٌّ طيّبُ الخَلَبِ!
نعمـى:
ماذا نشاهد، أَحلام وأوهام؟
أم روحُ زينبَ، أم سحرٌ وإيهامُ؟!
سعـاد:
بـل روحهـا، جل باريه ومُرسلُه
واليـومَ يَستحضـر الأرواحَ أقوامُ
تأتـي وتنطـق عـن علمٍ ورُبّتمَا
تلـوح منها لبعض القوم أجسامُ!!
وداد:
أفزينـبٌ غَضْبـى لأجـل
عـزيـزهـا، ولقـد أضـرّا؟!
أيسـرّهـا مـا سـاءنـا
مـن أجلهـا، وتـراه بِـرّا؟!
سعـاد:
لا تعجبنـي، فالمـرء فـي الأخـرى يـرى مـا لا نـرى
فلعـل مـا تـأبـى عـواطفنـا يكـون هـو الهُـدى
خالصة تخاطب شبح زينب:
يـا زينَ، لـم ننكـر عليه زواجَهُ
لو لم يكن بالعهد شدَّ رتاجَهُ
أوَليـس أجـدرَ أن يبـرّ بعهـده
مـن أن يعـود بعهده أدْراجَـهُ؟
شبح زينب:
ألا إن شـرع الله عهدٌ ومَـوْثـقُ
بـأعنـاقكـم، لو تعلمون، معلَّقُ
فذاك هو القسطاس، كلُّ أليَّةٍ (1)
تحيـد بكـم عنه فذلـك مَوْبِقُ
ألم تحفظوا ما كان أوصى رسولُكمْ
ولم يك يوماً عن هوًى منه ينطقُ:
إذا المـرء بالمكروه أبرم عهده
فحِنْـثٌ وتكفيـرٌ أحـقُّ وأوثـقُ
أيصـبح زيـغ بالأَلِيَّـةِ حكمـةً
َلَعهـدُ اتّباع الشرع أولى وأسبقُ
عبد الرحمن صدقي:
صدَقتِ، ورب البيت، ليس بممسكٍ
علـى خَطَلٍ إلاَّ جهولٌ وأحمـقُ
وكائِنْ نَقَضْنا فـي الحياة عزائماً
إذا لم يكن في العزم حَزْمٌ ومَنْطقُ
جميلٌ ثَباتٌ في الفتى عند عزمه
وأجملُ من ذاك الصوابُ الموفَّقُ
سعاد:
بـوركـتِ زينـبُ عمَّ فضلُكِ
فـي الحيـاة وفـي الممـاتِ
فلأنـتِ أفضـل مـن عرفنـا
مـن نسـاء المَكْـرُمـاتِ
أوتيـتِ مـن فصـل الخطـاب
وفضـلِ خيـر المُحْصَنـاتِ
شبح زينب:
عـزيـزُ، تمتع مـا أبـاح لك اللهُ
ووُدُّك عنـدي راسـخ لستُ أنساهُ
عليـك سلام الله فاهنأ، وبوركَـتْ
عرُوسك في أحلى نعيمٍ وأصفاهُ
وعند إله العرش مَجْمَع شملنا
على خير مـا يُرضيه منا ونَرْضاهُ
يتوارى شبح زينب، وينشد عبد الرحمن صدقي مخاطباً عزيز باشا:
دُمْ عزيزاً، يـا عزيزٌ، فلقدْ
نلتَ حظّاً مـن صوابٍ وَرَشَدْ
سعاد:
فلـكَ التوفيـقُ يسعـى والرَّغَـدْ
في وَلاءٍ ورِفـاءٍ ووَلَـدْ
وداد:
عشتُما فـي الأَمـن مـن كيـد الحَسَـدْ
خالصة:
وشُـرورِ النـافثـات فـي العُقَـد
نعمـى:
مـا أَنـار الكـونَ مصباحُ الأَبَـد
الجميع يعيدون بلسان واحد مخاطبين عزيز باشا:
دُمْ عـزيـزاً يـا عـزيـزٌ، فلقـدْ
نلـتَ حظّـاً مـن صوابٍ ورَشَدْ
فلك التوفيق يسعـى والرَّغَدْ
فـي وَلاءٍ ورِفـاءٍ ووَلَـدْ
عشتُما في الأمن من كيد الحَسَدْ
وشُـرور النافثات في العقدْ
مـا أنار الكـونَ مصبـاحُ الأبـدْ
دمشق، 22 شعبان 1365هـ = 21 / 7/ 1946م.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :870  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 55 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج