شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لمحات من العبقرية
عباس محمود العقاد
في أوليات العقد الثالث من هذا القرن العشرين، وكنت إذ ذاك في الثامنة عشرة من عمري تاقت نفسي إلى رؤية العقاد، الذي كنت قد قرأت جل ما طبع من كتبه وأكثر ما نشر من مقالاته السياسية والأدبية في بعض الصحف والمجلات. وصادفت كتبه ومقالاته هوى في نفسىِ، وشاركني في ذلك التقدير والإعجاب بالعقاد بعض الأصدقاء من رفاقي في طلب العلم.
وعقدنا العزم على أن نزوره في مكتبه في صحيفة "الجهاد" التي كانت لسان حزب الوفد، ويرأس تحريرها الأستاذ محمد توفيق دياب، واستقبلنا العقاد بالترحاب، وبقينا معه حتى حان موعد انصرافه، ثم صحبناه راجلين، وهو يسير بيننا موفور العافية، شامخ الرأس حتى شارع عماد الدين "محمد فريد الآن" عندما يقطع شارع فؤاد "26 يوليو الآن" حيث ودّعنا العقاد، واستقل "المترو" إلى داره بمصر الجديدة.
وكان العقاد يستقبل في مكتبه في "الجهاد" كل من يريد لقاءه من الساسة والمفكرين والأدباء، وأذكر أننا كنا عنده ذات ليلة إذ دخل علينا الدكتور عبد الرزاق السنهوري الذي أقصاه رئيس الوزراء إسماعيل صدقي عن منصبه في الجامعة، فنهض العقاد يستقبله استقبالا حارا، ثم يقول له: أعتقد أنه لا يضيرك أن يشنأك رجل واحد من طراز إسماعيل صدقي إذا كانت هذه الملايين تكبرك، وتقـر بفضلك !
ومن أطرف ما يحضرني مما تعيه الذاكرة أنه دخل علينا في مكتب العقاد الدكتور محمد عوض محمد، وهو أحد الأفذاذ في نهضتنا الفكرية والأدبية، واتخذ مجلسه قريباً من العقاد، وما لبث أن خلع طربوشه، ووضعه على البساط بحذاء قدميه، ثم أخذ يفيض في حديث فكري ممتع أجاد فيه وأفاد، والعقاد على مكتبه يجاذبه أطراف الحديث.
وتكررت زيارتنا للعقاد في ذلك المكتب، وكانت كل زيارة تزيدنا إليه قرباً، وتزيده إلى عقولنا إكباراً، وإلى قلوبنا إعجاباً وحباً.
وشجعنا ذلك على زيارته، وعلى شهود ندوته التي كانت تعقد صباح كل جمعة في داره بمصر الجديدة حيث يلتقي بتلاميذه وبصحابته من أهل المعرفة والفكر، ومن أهل الأدب والشعر من أبناء مصر وغيرها من ديار العرب الذين كانوا يتوافدون على مصر، ولا يبرحونها قبل أن يزوروا العقاد، ويروه رأي العين!
وقد سألت نفسي، وأعتقد أن كثيرين غيري قد سألوا أنفسهم عن السبب في تلك المنزلة التي كان يحظى بها ذلك الرجل في عقول الرجال والشباب وقلوبهم. ولعل القارئ يجد هذا السؤال فيما يقرأ في هذه السطور.
* * *
في ذلك الركن القصي من صعيد مصر، وفي مدينة أسوان كان مولد العقاد، وكانت نشأته على أرضها، ثم انتهي أمره إلى الثواء في ترابها، ليكون مرقده هناك منارة ترسل أضواءها الكاشفة على ربوع هذا الوادي الطيب، كما فاضت أشعتها في حياته وبعد مماته على أرجاء واسعة في عالمنا العربي والإسلامى، وتجاوزتهما إلى آفاق بعيدة في أرض الله.
وبين المولد والثواء خمسة وسبعون ربيعا هي ما قدر لمسيرته من الاتصال في هذه الحياة الدنيا. وهي سنون حافلة بالنشاط الدائب والجد الموصول في سبيل تحصيل المعرفة التي بنى عليها قواعد مجده، وهو سبيل شاق وعر المسلك على أمثاله من الذين لم يرثوا مالاً ولا جاهاً ولا سبباً من أسباب القدرة التي تشد عزم الرجال، وتفتح لهم أبواب الأمل.
ولكنه كان واحداً من أولئك الأفذاذ الذين دفعهم طموحهم وهمتهم العالية، إلى خوض الصعاب، واقتحام العقبات، والتصدي للمشكلات باستكمال أسباب الكمال التي تتيح لهم الظفر بما يشتهون.
وقد وهب الله ذلك الرجل من الجلد والمثابرة والذكاء ما أعانه على تحصيل ما لم يحصله غيره من الذين توافرت لهم الأسباب، وفتحت لهم أبواب التحصيل والحصول على الدرجات الجامعية في مصر وأوربا.
وُهِب العقاد عينين كاشفتين نفاذتين تسبحان في آفاق هذا الكون، كلما لاح أفق من آفاق المعرفة التي هام بها، أو تحقق له أمل في اقتحام عقبة، أو حل مشكلة تطلع إلى أفق بعيد، وإلى أمل جديد في الفهم والمعرفة بما هو كائن في الوجود، ولكنه لا يكتفي بمعرفة ظواهر هذه الموجودات، بل يغوص إلى أعماقها ويسبر أغوارها حتى تتجلى أمامه غوامضها، حتى يتبين حقائقها بفكره الثاقب، ومنطقه المستقيم الذي يقوده إلى ما وراء الحس، وإلى استكناه أسرار الوجود.
ظل حياته يرصد ويتأمل في كتاب الطبيعة الذي لا تحصى صفحاته، ما وسعه التأمل والصبر على الرصد والتأمل والتفكير في ملكوت الله، وفي مخلوقاته.
ولا يفتر يطالع ما خلف المفكرون من نتاج قرائحهم، وثمرات تجاربهم وفي شواهد النبوغ وسمات العبقرية التي اختصت بها طائفة من بني الإنسان في زمانه، وفي الأزمنة القريبة من زمنه. والموغلة في البعد أو في القدم ممن عرفهم تاريخ الفكر العربي والإنساني.
ذلك أن العقاد استطاع بالعزم والإصرار والمثابرة أن يتقن اللغة الإنجليزية إتقانه للغته العربية.
وكانت هذه اللغة الإنجليزية قد عظم شأنها، وكتب لها الانتشار والسعة منذ أخريات القرن الماضي وفي أوليات هذا القرن، وهي الحقبة التي شهدت نشأة العقاد وتطلعه إلى الحياة بسعة نفوذ أصحابها الذين استطاعوا بالدهاء وبقوة السلاح أن يبسطوا سلطانهم شرقا وغربا، وأن، يبنوا لأنفسهم إمبراطورية مترامية الأطراف لا تغيب عنها الشمس.
واستطاع العقاد أن يستوعب ما استوعبته هذه اللغة في الفلسفات، وفي تاريخ الحضارات، وفي العلوم الكونية والفنون الإنسانية، وفنون الأدب الشعرية والقصصية والمسرحية وأصول النقد الأدبي.
وذلك بالإضافة إلى مقوماته الأصلية وأصول ثقافته العربية والإسلامية التي أكب على تراثها في العقيدة والتاريخ والفكر واللغة والبيان والأدب والشعر حتى أحاط بها علماً وفقها ووعياً.
ولا تسل عن مكتبة العقاد التي كونها بما كان يقتطع من رزقه المقدور، وحشد فيها ما استطاع من ذخائر الفكر الإنساني، ونمت حتى ملأت قاعة بيته وغرفاته.
وكانت هذه المكتبة الزاخرة هي الجامعة التي تخرّج فيها العقاد، واختار بنفسه أساتذته الذين يأنس بهم ويثق بعلمهم.
وفي هذه المكتبة أو في هذه الجامعة قضى العقاد حياته راهباً من رهبان الفكر، باحثا عن الحقيقة في محرابها.
ومن هذه وتلك كان مداد ثقافة العقاد وزاد عقليته الذي بنى به شخصيته الفكرية والأدبية ووعي بعقل العالم وذوق الأديب وجنان الناقد الخبير الذي يميز الحق من الباطل والطيب من الخبيث والمطبوع من المصنوع، واللباب من القشور.
وملك العقاد ناصية البيان المعرب المبين الذي عبر به عما يضطرب بين جوانحه من المشاعر والأحاسيس والعواطف والانفعالات، وأبرز فيه المكنون مما خفق به قلبه، والمخزون مما وعي عقله من أفانين العلم، وصنوف المعرفة الإنسانية.
* * *
ومنح الله العقاد قلبا ذكيا، كما وهبه قلماً فتياً، عاصفاً كالريح، ماضياً كحد السيف، يشهره في وجوه خصمه ومناوئيه، ويهوي به على رءوس الطغاة المتجبرين، والأدعياء المستكبرين، كشواظ من نار لا يذر من شيء أتى عليه إلا جعله هباءً. ولهذا وصف العقاد بالكاتب الجبار.
وقد ترى هذا القلم هادئاً رفيقاً رقيقاً، ينساب رخاء إذا عبر به عن نفس راضية، أو عن عاطفة هادئة. ومن هنا كان من الظلم البين أن يوصف العقاد بالصلف أو الغرور، كما وصفه حساده وشانئوه.
وعندي أن العقاد كان بشرا سويا، ينفعل بما يرى وبما يقرأ وبما يسمع، ويلبس لكل حالة لبوسها.
كان كالماء يصفو ويكدر، ويرضى ويسخط، ويعبس ويبسم، ويرق ويعنف، بل إنه ربما تتحول ابتسامته إلى ضحكة عالية، أو قهقهة صاخبة وكان رضي النفس، رقيق الحاشية مع جلسائه، ورواد ندوته، وفياً إلى أبعد حدود الوفاء مع من يصطفي من إخوان الصفاء، وكان صاحب نكتة لاذعة، وسخرية موجعة، وتهكم مرير، أعانه على ذلك حضور ذهنه وصفاء قريحته، وسرعة خاطره. .
ويحفظ أصدقاء العقاد ثلاثة أبيات ارتجلها في "عبد الحى. . " أولها:
جاء عبد الحيّ يظلع
فوق رِجليْن كأربَعْ
وذكر عنده كاتب معروف أهدى بعض أعماله إلى أمِّه، وسئل في ذلك فأجاب "ليس هنالك من يجهل أنه "ابن مرةَ" !! وهو نبز شنيع عند عامة أهل مصر. .
وسُئل عن أديب كانت بينه وبينه ملاحاة، فقال إنه أديب معروف يشار إليه بالإصبع الوسطى ! وضج الحاضرون بالضحك، وضحك معهم العقاد.
إن رجلاً فيه هذه الموهبة وتلك الدعابة لا يمكن أن يكون جباراً عتيا، ولا متكبراً متعاليا فيما أرى، وإن كان العقاد قد اضطر اضطراراً إلى الخروج عن طبيعته السمحة، ليخوض حرباً لا هوادة فيها مع خصومه، يجرد في هذه الحرب سيفه، ويشهر في وجه أولئك الخصوم سلاحه، ولا سلاح ولا سيف، وإنما سيفه وعتاده هو قلمه الذي حطم به الطغاة، وزلزل العروش، ودك الحصون، ونال به من أعدائه نيلا عظيما.
وما أكثر أولئك الأعداء، وفي طليعتهم أولئك الحساد الذين لم يبلغوا معشار ما بلغ العقاد من المنزلة والشهرة وذيوع الصيت داخل الوطن وخارجه. ومنهم الذين ينتحلون مبادئ لا يرضى عنها ضمير العقاد في السياسة الوطنية، أو مجالات الفكر والأدب. فاجتمع هؤلاء وهؤلاء على كراهته ومعارضته، وعلى الكيد له بما يستطيعون، لأنهم عجزوا عن اللحاق به، ويئسوا من سد طريقه إلى المجد الذي رأوه يزداد يوماً بعد يوم سعة وامتدادا.
ويصف العقاد هذه الجحافل من خصومه، فيقول إنهم "جيش كامل من جبابرة الأغراض والأهواء والدسائس والمناورات لا نقوى عليه إلا بقوة من الله، وعون منه لمن يعين".
فلا عجب أن يدافع العقاد عن نفسه، ويتصدى لهؤلاء الجبابرة، وأن يكيل لهم بالصاع صاعين، وهو أقدر منهم على تسخير قلمه في انتقاصهم والنيل منهم (1) .
فقد خاض العقاد بحار السياسة، وشارك بقلمه في تياراتها المتلاطمة، وسبح في أمواجها العاتية، فكان أرفع كتابها اسما، وأرفعهم صوتاً، وأبعدهم أثرا في معترك السياسة المصرية، فمجد العاملين والمناضلين في سبيل تحرر الوطن، ونال بقلمه أشد النيل من الطغاة والمستعمرين، وأذنابهم من المارقين، حتى حسب له الغاضبون وحكام البلاد ومحترفو السياسة ألف حساب، كما عانى منهم بحميته وجرأته عليهم ألوانا من التنكيل، وضروبا من العذاب !
وزعم قوم أن في أسلوب العقاد تعقيداً.. !
وإخال أولئك الزاعمين لا يرضون إلا عن فكرة سطحية في عبارة مبتذلة، أو إبراز الفكرة في ثوب واسع فضفاض.. وربما خصوا الأدب بما يلمحون في عبارته من تمويه الصنعة، وتعاقب المترادفات، أو أنهم يحسبون أن الكلام لا يكون أدباً إلا أن يكون بمنأى عن الفكرة العقلية والمنطق المستقيم في العبارات المحكمة الرصينة التي يرونها أو يقرءونها في أدب العقاد. ولذلك ادعوا أن ما يعني العقاد في كتابته يستعصي على الإفهام.
وأحسب أن ذلك العيب لازم لمن يقوله. وقديما قال قائل لأبي تمام:
لم لا تقول ما يفهم ؟ فأجابه أبو تمام على البديهة: وأنت لم لا تفهم ما يقال ؟! والحقيقة أن العقاد لم يكن ليكتب للصغار أو للشداة من تلاميذ المدارس الابتدائية حتى يصح ما يزعمون، ولكنه كان يعالج قضايا لا يستعصي إدراكها على أوساط القارئين.
ولقد قرأ طلاب المدارس الثانوية "العبقريات" فثقفوها، واستوعبتها أفهامهم، وأفادوا من قراءتها فوائد كثيرة، ونمت بها مواهبهم، ودفعتهم إلى طلب المزيد من القراءة الواعية النافعة.
ولست أجد في وصف عقلية العقاد، وتقويم شخصيته الفكرية وأسلوبه في الكتابة خيراً ولا أصدق مما وصفه به المرحوم مصطفى صادق الرافعي، وكان من ألد الناس خصومة، وأشدهم عداوة للعقاد فيما يعرف خاصة الأدباء وعامة المتأدبين الذين عاصروا الرجلين، وشهدوا جانباً من المعارك الضارية التي نشبت بين الأديبين الكبيرين.
يقول الرافعي إنه مع بغضه للعقاد يحترمه "لأنه أديب استملك أداة الأدب، وباحث قد استملك عدة البحث، وقصر عمره وجهده على القراءة، فلا ينفك بين كتاب وقلم. . ومن آفة الذين يديمون النظر في كلام الناس أنهم يفقدون استقلال الفكر وابتكار القريحة. وليس كذلك العقاد، فإن رأيه لقوة عقله، وسلامة طبعه، يظل متميزاً عن رأي الكتاب، مهيمناً عليه، يؤيده أو يفنده، ولكنه لا يسمح أن يذوب فيه، أو يتأثر به".
ثم يقول الرافعي في وصف أسلوب العقاد إنه "أسلوب الأديب الحكيم، تبرز فيه الفكرة الدقيقة في مجتلى من الفن الرفيع، فيجمع بقوة تفكيره، ودقة تعبيره طرفي البلاغة". ويصف العقاد بأنه "مخلص لفنه، فلا يخرج للناس ما لا يرضاه، فهو لذلك أبعد الأدباء عن استغلال شهرته، واستخدام إمضائه" !
وما أجدر الرافعي، وهو من أرفع الألوية في تاريخ أدبنا العربي المعاصر بأن يصدر عنه مثل هذا الإنصاف للعقاد، بعد مناصبته العداوة والبغضاء ردحاً طويلاً..
ولم يلبث كثير من أولئك الذين تصدوا للعقاد في حياته، وحاولوا ثل أمجاده، وتشويه صفحات جهاده أن يثوبوا إلى الرشد، وأن يعترفوا له بما كانوا ينكرون عليه من فضل العبقرية والأصالة. والرجوع إلى الحق والصواب خير من التمادي في الباطل.
* * *
قضى العقاد أكثر حياته في بيتة بضاحية مصر الجديدة، وكانت حياة تشبه الرهبان في دياراتهم، لا زوجة ولا ولد، أنيسه الكتاب، ورفيقه القلم، إلا ساعات يغادر فيها البيت إلى الصحيفة، التي يكتب فيها، أو إلى مجلس النواب أيام كان عضواً فيه، أو إلى مجمع اللغة العربية الذي كان من أبرز أعضائه، أو إلى المكتبة التجارية في أول شارع محمد عليّ قرب ميدان العتبة الخضراء، أو إلى مكتبة الأنجلو المصرية في شارع عماد الدين، يقف في الأولى على أحدث ما صدر من الكتب العربية، وفي الأخرى ما وصل إلى مصر من الكتب الإنجليزية، ثم يتخير من هذه وتلك ما يروقه ليحمله إلى بيته، ليقرأ ما فيه من جديد، ثم يضيفه إلى مكتبته الحافلة بصنوف العلم وفنون المعرفة. وكانت تلك المكتبة تنوء بما تحمل، ومع ذلك تنمو يوماً بعد يوم، إلى أن تضخمت وامتدت حتى ضاق بها بهو البيت وغرفه وممراته.
أذكر أنني ذهبت أزور العقاد في بيته في مطلع سنة 1947م، لأقدم إليه كتابي الذي ألفته عن شاعر العراق "معروف الرصافي"، ولم يكد العقاد ينظر في عنوان الكتاب حتى نهض واقفا، وتحرك خطوات، ثم عاد ليريني نسخة اشتراها قبل يومين، ثم فوجئت به يكتب مقالا في الترحيب بالكتاب وتقدير مؤلفه، ثم ينشر هذا المقال افتتاحية لمجلة "الرسالة" التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات (2) .
وقد ذكرت هذه الواقعة لدلالتها على ولوع العقاد بالكتاب، وحرصه على اقتنائه، حتى ضمت مكتبته عشرات الألوف من نفائس الكتب العربية والأجنبية في العقائد والفلسفات ونظم الحكم، وفي تاريخ الأمم والشعوب، وفي علم الاجتماع وعلوم الحياة وعلوم الأدب، والمعاجم اللغوية، ودوائر المعارف الإنسانية.
وبعد وفاة العقاد باع ورثته، وهم إخوته وأخواته وبنو إخوانه هذه المكتبة الثمينة بخمسة عشر ألف جنيه فيما أعلم، مع أن قيمتها المادية لا تقل عن مائة ألف أما قيمتها العلمية فلا تقدر بثمن !
وقد ثقف العقاد جملة المعارف التي تضمنتها تلك المكتبة، وكان منها زاده الفكري الذي كان غذاء لعقله، وكان مداداً لقلمه.
* * *
ولقد خاض قلم العقاد في أوسع مجالات الكتابة، كتب في الوطنية والسياسة، وكتب في اللغة وفي الأدب والنقد، وكتب في العقائد والديانات، ودافع عن الإسلام، ورد كيد خصومه، ونقض مزاعمهم وأباطيلهم، كما كتب في الفلسفات والمذاهب الفكرية القديمة والحديثة، وكتب في التاريخ وسير العظماء.
وتناول ما تناول من موضوعات كتاباته بأسلوبه الجاد المحكم الذي لا يرى القارئ فيه شيئاً من اللغو أو الثرثرة كأكثر ما يرى منهما في هذا الزمان، لأن العقاد يحترم دائماً قلمه، ويحترم عقول قارئيه، ولا يحتكم فيما كتب إلا إلى العقل والمنطق، ومن هنا اتسمت آثاره برجاحة الجانب الفكري، وهذا هو السبب الذي شجع حساده على الزعم بأن أسلوبه بالغ التعقيد، وكأنهم يؤثرون السطحيات، ويعجزون عن الغوص إلى الأعماق.
ولا شك أن كتابات العقاد تقدم لقارئيها فائدة كبرى، لأنها توقفهم على الحقائق التي تخفي عليهم، وتفتح أمامهم آفاق المعرفة إذا شاءوا وإذا استطاعوا أن يطلّوا عليها أو يفيدوا منها، لأن كاتبها زود نفسه بزاد فكري متعدد الجوانب بتعدد ما قرأ، وتنوع اتجاهات من قرأ لهم من خاصة المفكرين.
وليس معنى ذلك أن العقاد كان ينقل ما يقرأ، أو يحذو حذو الذين كان يقرأ لهم، أو يجتر ما كانوا يجترون أو ينسب إلى نفسه شيئاً من إبداع المبدعين منهم. ولكنه كان يتخير ما يقرأ، ولا يتناول منه شيئاً إلا وعاه بعقله الكبير، ونظره فيه ببصيرته النفاذة، وخلطه ببنات فكره، ورواسب معرفته، وواسع ثقافته، فأنت حين تقرأ له لا تقرأ إلا للعقاد، ولا ترى آثاره غيره من الكاتبين أو المفكرين.
ولم يكن العقاد من أولئك الذين تبهرهم الأضواء التي سلطت على المشاهير الذين أصبح الناس وكأنهم لا يعرفون غيرهم، ولا يبحثون إلا عن آثارهم، ولكنه ينقب ويبحث بنفسه، ويجد في البحث والتنقيب حتى يظفر بطلبه بين الأطلال أو تحت الأنقاض، فيكشف عنها ويجليها إذا رآها أهلا للكشف أو التجلية.
ويؤكد هذا قول العقاد "نحن بحمد الله حين كتب لنا أن نستفيد من الآداب الحديثة لندعو إلى أدب جديد. كانت فائدتنا من المعرض الكبير فائدة "الزبـون" الذي ينتقـي ما يعـرض عليه، وما يؤخـره العارضون إلى الرفوف الخلفية، ولم تكن فائدة "الزبون" الذي يتبع أطول الصفوف إلى كل بضاعة تدق عليها الأجراس، وترتفع من حولها عقائر الدلالين. وكان نقد لسنج وهازليت وشعر هايني وهاردي من البضائع المهملة في الرفوف البعيدة يوم طلبناها من المعرض على الرغم من دلاليه، وقارعي الأجراس فيه".
ولا يفوت العقاد أن يشير إلى اطلاعه على ذخائر الأدب العربي قبل الدخول إلى ذلك المعرض الكبير "فقد كنا يوم دخلناه نقرأ المتنبي والمعري وابن الرومي والجاحظ وعبد القاهر والأصفهاني وأبا هلال، ولا يقاس بمقياس هذا الأدب الرفيع أدب قط، ويقرر أنه كان يبحث عن الذخائر العربية، فهدته بصيرته إلى ذخائر الشعر في مخطوطاته المنسية، ومنها ذخائر ابن الرومي التي كانت تحتجب عن القراء بحاجبين من ظلم النحس وظلمة الخمول" !
* * *
خلف العقاد مما خط قلمه تراثا ضخما حافلا بشتى المعارف التي راض بها ذهنه، ثم أخرجها للناس ممثلة ما كان يشغله من قضايا العصر الذي عاش فيه. وهي قضايا جامعة تصور الحياة العقلية والمزاج الفكري للإنسان المصري العربي المسلم الذي أحاط بالثقافات الأصيلة التي يقوم عليها كيانه وكيان الأمة التي ينتسب إليها، كما تصور صراع العقول في هذا القرن العشرين، وموجات الفكر الإنساني التي ألم بها في قراءاته وتأملاته في فكر العالم البعيد، كما نصور التفاعل بين الحضارات ومختلف الثقافات السائدة في هذا العصر.
فأنت تقرأ له في مجالات اللغة والأدب والنقد: اللغة الشاعرة ومزايا الفن والتعبير في اللغة العربية، وشعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، وقصة "سارة" ورواية قمبيز في الميزان، وابن الرومي: حياته من شعره، ورجعة أبي العلاء والديوان في النقد والأدب "وقد شاركه فيه صديقه إبراهيم عبد القادر المازني"، وجميل بثينة، وشاعر الغزل "عمر بن أبي ربيعة"، وأبو نواس الحسن بن هانئ، وألوان من القصة في الأدب الأمريكي، والتعريف بشكسبير، وتذكار جيتي، وبرناردشو..
وتقرأ له في العقائد كتابا عنوانه "الله" وهو بحث شامل في العقيدة الإلهية، كما تقرأ له كتابه "عقائد المفكرين في القرن العشرين"..
وفي الاتجاهات والمبادئ السياسية والاجتماعية تقرأ كتبه: الشيوعية والإنسانية، وأفيون الشعوب، والنازية والأديان، وهتلر في الميزان، والصهيونية العالمية، والحكم المطلق في القرن العشرين، وفلاسفة الحكم في العصر الحديث..
وعن فلاسفة الإسلام ومفكريه تقرأ له: الشيخ الرئيس ابن سينا، وابن رشد، وفلسفة الغزالي، والرحالة "كاف" عبد الرحمن الكواكبى، والشيخ محمد عبده.
ومن دراساته الإسلامية التي مجد بها الإسلام، ودفع به كيد خصومه، وأشاد فيها بالأمة العربية: الفلسفة القرآنية، والديمقراطية في الإسلام، والإسلام في القرن العشرين، ومطلع النور: طوالع البعثة المحمدية، وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والإسلام والاستعمار، والتفكير فريضة إسلامية، والمرأة في القرآن الكريم، والإنسان في القرآن الكريم، والثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين.
وذلك بالإضافة إلى دراساته العميقة للشخصيات الإسلامية، وفي مقدمتها شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابه "عبقرية محمد" وخلفائه الراشدين أبي بكر في "عبقرية الصديق" وعمر بن الخطاب في "عبقرية عمر" وعثمان في "ذو النورين عثمان بن عفان" وعلي بن أبي طالب في "عبقرية الإمام"، وعن نفر لهم ذكر في تاريخ السياسة والبطولة والورع في مثل كتابه "أبو الشهداء الحسين بن علي" وكتابه عن عائشة "الصديقة بنت الصديق"، و "داعي السماء بلال بن رباح" مؤذن رسول الله، وخالد بن الوليد في "عبقرية خالد" وكتابه "معاوية بن أبي سفيان في الميزان".
كما كتب عن أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، وعن عيسى بن مريم في كتابه "حياة المسيح"..
ولا شك أن هذه العناية الفائقة بالعقيدة وأصولها، وبالدفاع عنها، وتمجيد الدعاة إلى الله وإلى الجهاد في سبيل الله، تدل أعظم دلالة على مدى توغل الروح الدينية في أعماق هذا العملاق الذي لم يتفقه في الدين، ولم ينفذ إلى بيئاته أو معاهده المعروفة، ولكنه استطاع أن ينفذ إلى حقائق هذه العقيدة بعقله الواعي، وقلبه المؤمن، وقراءاته المتأملة في أصولها، وفي تاريخ المؤمنين بها، والدعاة إليها.
وللعقاد دراسات عميقة في شخصيات إنسانية معاصرة عرفت أن للشعوب التي تنتمي إليها حقوقا في الحياة الكريمة المستنيرة، وأحست بأن لها رسالة في إيقاظ هذه الشعوب الغافلة، وإنقاذها من المنحدرات التي تردت فيها من أثر الجهل، وما تعاني من التمزق والخمول الذي أدى بها إلى الانحطاط والتخلف عن ركب الحياة المتحرك الصاعد فصاغت تلك الشخصيات مبادئها وأذاعتها بالصبر والجلد، ومواصلتها الكفاح والتضحية بالأمن والدعة، وبنكران الذات، حتى صارت مثلا لأبناء جلدتها، واستطاعت بكل ذلك أن تُكتب في تاريخ شعوبها صفحات مضيئة.
ولم يقتصر في ذلك على الشخصيات التي كانت قريبة منه، أو كان قريبا منها، فإذا كتب كتابه "سعد زغلول، سيرة وتحية" عن زعيم مصر وجهاده في سبيل استقلال الوطن وتخليصه من براثن الاحتلال الإنجليزي، وقد كان العقاد الكاتب الأول للحزب الذي كان يتزعمه سعد زغلول، فإنه كتب عن أعلام من الشرق وأعلام من الغرب أعجب بهم وبمبادئهم مثل الزعيم الهندي الكبير المهاتما غاندي الذي وصفه في عنوان كتابه عنه بأنه "روح عظيم" والزعيم محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان الذي وصفه بأنه "القائد الأعظم"، ومثل الزعيم الصيني "سان ياتسن" ومثل الزعيم الأمريكي "بنجامين فرنكلين"..
على أن كتابة العقاد في السير والتاريخ تختلف أشد الاختلاف عما عهد الناس في كتابات غيره من المؤرخين القدامى والمحدثين الذين يعمدون في كتاباتهم إلى التعريف الزماني والمكاني، وإلى سرد الأخبار والوقائع والأحداث الكبرى في حياة الذين يكتبون عنهم، أو يؤرخون لهم.
ولكن العقاد يعمد إلى تلك الأحداث التي يستقرئها، ويبحث فيها بحثا عميقا يكشف عن جذورها، وأسرار شخصياتها النفسية، وعن العوامل الفعالة في تكوينها، وفي توجيه سلوكها، ويحصي ما تميزت به كل شخصية من الشخصيات التي يكتب عنها، وينقب في جوانبها المختلفة، وربما بدا له من ملامح العبقرية ما لم يدركه من قبله واحد من الباحثين.
وقد يعمد العقاد إلى كلمة موجزة أو رواية مهملة يستخلص منها دليلاً على ما يذهب إليه في تقويم الشخصية، وكثيرا ما يستوقفه حدث صغير في تاريخ تلك الشخصية يحقره أكثر من يمر به، ولكن العقاد يستطيع بقوة عقله، وسلامة منطقه أن يتخذ من هذا الحدث الصغير سبيلا إلى المعرفـة، أو مفتاحاً ينفذ به إلى مغالق تلك الشخصية بعد الدراسة الممعنة، والتحليل الدقيق لمعرفة الأبعاد، وسبر الأغوار النفسية التي كان لها أثر في ختم صاحبها بطابعه الخاص.
وبهذا الاتجاه في دراسة الشخصيات الإنسانية والتعريف بها عرض العقاد لدراسة تلك الطائفة من الأعلام الذين كان لهم أثر بارز في توجيه السياسة أو الحزب أو التفكير الإنساني أو الإصلاح الاجتماعي أو الأدب المنظوم والمنثور على السواء.
* * *
وكان العقاد شاعراً في طليعة شعراء العرب في هذا القرن العشرين، وكان رائداً من كبار رواد نهضة الشعر في العصر الحديث، وزعيما من زعماء حركة تجديده، وإماماً لمدرسة كبيرة حملت لواء بعثه، وتخليصه من أسباب الضعف والركاكة، ومن الإسراف في تصنيعه وتحميله ما لا يطيق من الزخرفة البديعية والتكلف الذي عاناه الفن الشعري قرونا طويلة.
وقد جُمع شعر العقاد في عشرة دواوين صدرت كلها في حياته، وأثرى بها ديوان الشعر العربي الحديث، وكتب لها مقدمات كما كتب مقدمة لديوان صديقه المازني، ومقدمة لديوان صديقه الشاعر عبد الرحمن شكري، وفي هذه المقدمات أفصح العقاد عن نظرية الشعر، وأصول مذهبه في التجديد.
وشارك العقاد في رفع راية التجديد في الفن الشعري صديقاه إبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري، وقاد الشعراء الثلاثة مسيرة هذه الرحلة نظراً وصناعة بعد أن عبوا ونهلوا من أصفى ينابيع الشعر العربي في عصوره الزاهرة، وبعد أن وردوا حياض الثقافة الغربية، وأخصها ما وسعته اللغة الإنجليزية من فكر وأدب وشعر ونقد.
وبهذا الزاد الأصيل من الثقافة العربية، وبآثار ذلك الفكر الأوروبي الجديد استطاع الشعراء الثلاثة أن يقودوا مرحلة التجديد، وأن يكونوا أئمة وزعماء لمدرسة أدبية حديثة ذاع صيتها، وعظم تأثير اتجاهها في بيئات الأدب العربي في كل مكان، وكان لها أتباع ومريدون تصدوا لحملات النقد الذي وجه إليها من الجامدين أو من الحاقدين.
وتمثل دعوة التجديد التي قادها هؤلاء النقاد ثورة على شعراء يعيشون في هذا القرن العشرين بعقول أو بأذواق شعراء عاشوا في قرون ماضية فاقتفوا آثارهم في موضوعات الشعر ومضموناته، ودعت هذه المدرسة الجديدة أن يكون الشعر مرآة تنعكس عليها صورة الحياة الجديدة، وصورة لحياة الشاعر تعبر عن أحاسيسه وعواطفه الذاتية، وعن مشاعره الصادقة تجاه الكون، وتجاه الحياة والأحياء..
ولم تتمرد هذه المدرسة الجديدة على قوالب الشعر ومبانيه، بل إنها عمدت في إصرار إلى الحفاظ على البنية الأساسية للشعر العربي، وعلى القيم الجمالية في التعبير الشعري، وعلى الخصائص الموسيقية التي عاشت مع هذا الفن عبر حياته الطويلة في مختلف العصور، وفي مختلف البيئات.
ورأي العقاد في الشعر أنه "ترجمان النفس، والناطق الأمين عن لسانها، فإن كانت النفس تكذب فيما تحس به، أو تداجي بينها وبين ضميرها فالشعر كاذب، وكل شئ في هذا الوجود كاذب، والدنيا كلها رياء، ولا موضع للحقيقة في شيء من الأشياء".
ولعل العقاد يعني بذلك أن الشعر وسيلة من أهم الوسائل التي تعرف بها قيم الحياة وحقائقها كما تنعكس على قلب الشاعر، وكما تتفاعل هي وأحاسيسه وعليه أن يعبر بشعره تعبيراً صادقاً عن هذه التفاعلات وما ينشأ عنها من الانفعالات التي قد تتكرر وتتعمق حتى تصير إلى عواطف راسخة ثابتة، وبغير هذا الصدق المنشود يستحيل فن الشعر ضربا من ضروب المغالطة أو الكذب، وتفقد الحياة بذلك حقائقها الذهنية، كما تفقد حقائقها الشعورية، كما تفقد الصلة بين الأسباب والمسببات.
إن من أبرز سمات الشعر الجيد التي ينبغي أن يتحراها الشعراء المحدثون بعد دلالته على أصحابه، وإعرابه عن خواطرهم، وحقيقة مشاعرهم أن يكون صادراً عن طبيعة مواتية واستعداد فطري لصناعة الشعر. وشأن الشعر في ذلك هو شأن سائر الفنون الإنسانية التي زاولها البشر في جميع الأزمان، وفي جميع البيئات، ولا يغني فيها التعلم أو التلقين إلا بقدر ما يشحذ المسن السكين، ويعينها على النفاذ والمضاء، وعلى إحكام الحزّ وإصابة المقطع.
وإلى جانب هذه الطبيعة المواتية والاستعداد الفطري لصناعة الشعر ينبغي أن تبرز في الشعر روح العصر الذي أنشئ فيه، فإن هذا من أعظم الدلائل على أن الشاعر يعيش في زمنه، ولا يتصيد خواطر الإسلاف، حتى لو كانت بالغة أقصى درجات الجودة والإبداع، من ناحية معانيها المبتكـرة، أو من حيث مبانيها المحكمة والافتنان في تصويرها والبلاغة في صياغتها.
وقد يستجاد التقليد، ويحسن الاتباع، ولكنه لا يلبث طويلا حتى يرده النقاد والعارفون إلى أصله، فلا يبقي منه شيء يحسب للشاعر، أو يقدر به.
فالشعر عند العقاد لا بد أن يعتمد على الطبع، حتى لا يبدو فيه أثر للتكلف، ولا بد أن تبرز فيه مظاهر التأثر بروح عصره، حتى لا يبدو غريبا على مشاعر المتلقين، ولا متجافيا عن الذوق الأدبي العام في عصره.. يقول العقاد إن من يعيش بفكره وفنه في غير هذا العصر فما هو من أبنائه، وليست خواطر نفسه من خواطره، والشعر المقلد المموه لا فائدة له، وقل أن يتجاوز أثره القرطاس الذي يكتب فيه، أو المنبر الذي يلقى عليه، وشتان بين كلام هو قطعة من نفس، وكلام هو رقعة من طرس.. !
ومعاني الشعر المطبوع في تشبيه العقاد بناته، فهن من لحمه ودمه، أما الشاعر المقلد فمعانيه ربيباته، فهن غريبات عنه، وإن دعاهن باسمه، وشعر هذا الشاعر "المقلد" كالوردة المصنوعة التي يبالغ الصانع في تنميقها، ويصبغها أحسن صبغة، ثم يرشها بعطر الورد، فيشم منها عبق الوردة، ويرى لها لونها وراءها، ولكنها عقيمة لا تنبت شجراً، ولا تخرج شهداً، وتبقي بعد هذا الاتفاق في المحاكاة زخرفا باطلا لا حياة فيه.
وقد قدمنا أن مدرسة التجديد التي كان يتزعمها العقاد دعت إلى الحفاظ على القيم التعبيرية والقيم الموسيقية المأثورة في الشعر العربي، والإبقاء على قوالب الشعر وأنماطه التقليدية، والالتزام بوحدة الوزن ووحدة القافية في القصيدة الواحدة.
والحقيقة أن هذا الرأي يمثل آخر الآراء التي انتهى إليها العقاد، فقد كان في أول الأمر يتفق مع صاحبيه المازني وشكري في ضرورة التجديد الشامل للقصيدة العربية من حيث المعاني والمضمونات، ومن حيث القوالب والأشكال. وقد كانوا مدفوعين إلى هذا الرأي بحماسة الشباب في الدعوة إلى التجديد التي كانوا يحملون لواءها في أوائل هذا القرن، متأثرين بما قرءوا من الشعر الأوروبي الذي لا يلتزم بما كان يلتزم به من الشعر العربي، وبما رأوا من السعة في التحرر من نظام الأوزان والقوافي.
وكان العقاد يقول "لا مكان للريب في أن القيود الصناعية ستجري عليها أحكام التغيير والتنقيح، فإن أوزاننا وقوافينا أضيق من أن تنفسح لأغراض شاعر تفتحت مغالق نفسه، وقرأ الشعر الغربي، فرأى ترحيب أوزانهم بالأقاصيص المطولة، والمقاصد المختلفة، وكيف تلين في أيديهم القوالب الشعرية، فيودعونها ما لا قدرة لشاعر عربي على وضعه في غير النثر"..
وكان من أهم ما بسط العقاد القول فيه وجوب التحرر من نظام القوافي، والدعوة إلى القوافي المرسلة، بأن يكون لكل بيت قافيته، أو بعبارة أدق لا تكون هنالك قافية، وأشار إلى ما في ديوان شكري من القوافي المرسلة والمزدوجة والمتقابلة، وما في ديوان المازني من القافيتين المزدوجة والمتقابلة، وقال إن هذا ليس غاية المنظور من وراء تعديل الأوزان والقوافي وتفتيحها، ولكنه يعده بمثابة تهيؤ المكان لاستقبال المذهب الجديد "إذ ليس بين الشعر العربي وبين التفرغ والنماء إلا هذا الحائل. فإذا اتسعت القوافي لشتى المعاني والمقاصد، وانفرج مجال القول بزغت المواهب الشعرية على اختلافها، ورأينا بيننا شعراء الرواية، وشعراء الوصف، وشعراء التمثيل.. ثم لا تطول نفرة الآذان من هذه القوافي، لا سيما في الشعر الذي يناجي الروح والخيال أكثر مما يخاطب الحس والآذان، فتألفها بعد، وتجتزئ بموسيقية الوزن عن موسيقية القافية الموحدة.
* * *
ولكن العقاد يعدل عن هذا الرأي بعد ثلاثين سنة (1944م) فذكر أنه وصديقه المازني كانا يشايعان زميلهما عبد الرحمن شكري بالرأي في إهمال القافية دون استطابة هذا الإهمال بالإذن. وقال إنه نظم القصائد الكثار من شتى القوافي، ولكنه طواها كلها، لأنه لم يستسغها، ولم يطق تلاوتها بصوت مسموع..
ويقول بعد انقضاء ثلاثين سنة على هذه الدعوة إنه لا يزال ينقبض لاختلاف القوافي بين البيت والبيت عن الاسترسال في السماع، ويفقد لذة القراءة الشعرية والنثرية على السواء، إذ هي لا تطرب بالموسيقى، ولا بالبلاغة المنثورة التي لا تترقب فيها القافية بين موقف وموقف، لسهونا عنها بمتابعة القراءة. وذكر أن سليقة الشعر العربي تنفر من إلغاء القافية.
وأخيراً رأى العقاد للتخفُّف من وطأة القافية الموحدة والتزامها أن يعمد إلى ملاحظة القافية في مقطوعة بعد مقطوعة تتألف من جملة أبيات على استواء في الوزن والعدد، أو ملاحظة الازدواج والتسميط وما إليهما من النغمات التي تتطلبها الآذان في مواقعها، فإن ذلك يحفظ للشعر موسيقيته، ويعين الشاعر على توسيع المعنى، والانتقال بالموضوع حيث يشاء. ومن ثم يصح أن يقال إن مشكلة القافية في الشعر العربي قد حلت على الوجه الأمثل، ولم تبق حاجة إلى إطلاقها.
وإذا كان العقاد قد اقترح هذا الحل الوسط للتخفُُّّف من معاناة بعض الشعراء في ظل القافية وتوحيدها في القصيدة كلها فإنه لم يفته أن يقترح حلاً وسطاً آخر للتخفُّف من التزام الوزن الواحد في الملاحم والمطولات التي يزعم بعض الشعراء أن الالتزام بالبحر الواحد عقبة كبرى في سبيل تأليف الملاحم العربية.
وخلاصة هذا الاقتراح تغيير البحر أو الوزن عند الانتقال من موضوع إلى موضوع، ففي وسع الشاعر اليوم أن ينظم الملحمة من مئات الأبيات فصولاً فصولاً، ومقطوعات مقطوعات، وكلما انتهى من فصل دخل في بحر جديد يؤذن بتبديل الموضوع، وكلما انتهى من مقطوعة بدأ في قافية جديدة تريح الأذن من ملالة التكرار، ويمضي القارئ بين هذه الفصول والمقطوعات كأنه يمضي في قراءة ديوان كامل، لا يريبه منه اختلاط الأوزان والقوافي، بل ينشط به إلى المتابعة والاطراد.
* * *
وقد بدأ العقاد حياته الفكرية والفنية ثائراً على الحكام والمستبدين، ومجاهداً بقلمه الذي لا يملك غيره مع الوطنيين والمجاهدين، وناقماً على طبقة المصانعين الذين يستغلون مواهبهم في الزلفى والتكسب، وجرته هذه النقمة إلى مظاهر التخلف والجمود، فهاجم قممهم، وأعمل معوله في تحطيم هذه القمم من التجربة الواعية والمنطق السليم.
ولعل هذا يفسر لنا الثورة الأولى للعقاد على نظـام الأوزان والقوافـي والدعوة إلى التجديـد أو تغييره، ثم رجوعه بعد التجربة التي استمرت ثلاثين عاماً وبعد الاقتناع بإخفاق هذه التجربة وعدم جدواها إلى ما رأى أنه الأجدر بالاحتذاء في بناء القصيدة العربية، وإلى ضرورة الحفاظ على النسق المأثور في موسيقى الشعر العربي.
وأيا ما كان الأمر فإننا نرى العقاد في هذا الرأي الجديد، أو بهذا الاقتراح الجديد حريصاً على الأوزان، وحريصاً على القوافي، مع تحديد مدى ما يمكن في هذا التجديد في ذلك الرأي الذي شرحه فيما يتصل بالأوزان والقوافي.
ويقول العقاد إن المراحل التاريخية الطويلة تؤكد أن فن الشعر يمكن أن يتجدد وهو على قوامه الذي ينمو ويتنوع، ولا يبطل أو ينقص، ولا حاجة بأحد إلى إبطاله أو نقصه لغرض من أغراض الفنون، إلا أن يكون هناك غرض سيئ لا يخفى على طلابه، أو يكون هناك قصور عن القدرة الفنية يخفى على أنفسهم، وهم يحسونه ولا يعلمون..
ويرفض العقاد الحجة التي يتذرع بها أولئك الذين يدعون إلى التغيير، وهي الحجة التي ينادى أصحابها بأن الفن بغير قاعدة أسهل من فن القواعد، وبأن سهولة عمل الشعر بغير أوزان العروض مسوغة للتخلص من صعوبة الأوزان إن صح أن فيها صعوبة على الفنان.
يرى العقاد أنها حجة غير جدير أن يستمع إليها في الشعر العربي، فإن "أحرى الناس أن يحتفظوا بفن من فنونهم لهم أناس بلغ هذا الفن عندهم مبلغه من الجودة والوفاء، وأصبح لهم مزية ينفردون بها بين الأمم الإنسانية جمعاء، فإن الأمم لا تستوفي التمام في مزية من مزاياهـم لتنقصهـا وتلغيها وتمحوها من الوجود أبداً لغير ضرورة، بل حقيق بها أن تحتمل الضرورات لتحتفظ بها وتصونها، وهي ثمن الجمال الذي لا بد له من ثمن.
فإذا كانت مزيتنا في فننا العربي تتجدد على قوامها الذي حفظه لنا الزمن فنحن أحق من الزمن أن نصون ما يضيعه.. لا جرم نصونه معه، وهو عليه حفيظ أمين !
ولا يكتفي العقاد بتلك السمات أو الخصائص التي يريدها للشعر الجديد وتخلصه من روح التقليد التي طغت عليه في كثير من نتاج شعراء العصر الحديث، ولكنه يريد لهؤلاء الشعراء أن يسْموا بأنفسهم، ويحسوا بوجودهم، ويصونوا ماء وجوههم الذي يريقونه على عتبات ممدوحيهم من الحكام والسراة، بما يصطنعون لهم من أمجاد ومفاخر لا أصل لها، ويبتذلون فنهم الجميل في المصانعة والنفاق، لقاء ما يتقاضونه من أكف ممدوحيهم، وما يلتقطونه من فتات موائدهم.
ولذلك يصف المجدَّدين وهو إمامهم بالترفع، واستقلال الشخصية، وحسبهم أنهم رفعوا الشعر من مراغة الامتهان التي عفرت جبينه زمنا، فلن تجد اليوم شاعرا حديثا يهنئ بالمولود وما نفض يديه من تراب الميت، ولن تراه يطري من هو أول ذاميه في خلوته، ويقذع في هجو من يكبره في سريرته، ولا واقفا على المرافئ يودع الذاهب، ويستقبل الآيب، ولا متعرضا للعطاء يبيع شعره كما يبيع التاجر من بضاعته، وما بالقليل من هذه الروح الشماء في الأدب أن يجهز على آداب المواربة والتزلف بيننا، وتردها إلى ما وراء الأستار بعد أن كانت تنشد في الأشعار، وينادي بها في ضحوة النهار.
وهكذا يكبر العقاد من شأن الشعر الصادق، ومن شأن الشعراء الصادقين، ويرى أن الشعر شيء لا غنى عنه، وهو باق ما بقيت الحياة. وإن تغيرت أساليبه وتناسخت أوزانه وأعاريضه، لأنه موجود حيثما وجدت العاطفة الإنسانية ووجدت الحاجة إلى التعبير عنها في نسق جميل وأسلوب بديع.
ويقول العقاد إذا كان الناس في عهد من عهودهم في حاجة إلى الشعر فهم الآن أحوج ما يكونون إليه، بعد أن باتت النفوس خاوية من جلال العقائد وجمالها، وخلا الجانب الذي كانت تعمره من القلوب، فلا بد أن يخلفها عليه خلف من خيالات الشعر وأحلام العواطف، وإلا كسر اليأس القلوب، وحطمتها رجة الشك، واضطراب الحيرة.
ولقد طبق العقاد فيما ألّف من شعر تضمنته دواوينه العشرة التي أشرنا إليها وذكرنا أسماءها من قبل المبادئ التي نادى بها ودعا إليها، فاجتمعت في شعره عناصر الجودة التي ذكرها في هذه الكلمات، وفيما قدمناه في حديثنا عن نظرية الشعر عند العقاد، فأصبح الناس يقرءون شعراً جديداً فيه التعبير الجميل الذي يعبر عن تجارب الشاعر، ويترجم أحاسيسه ومشاعره وانفعالاته، ويشرح عواطفه ولا ينظر إلى ما وراءه من الشعر، ولا إلى من سبقه من الشعراء المبدعين. فأنت حين تقـرأ شعر العقاد لا ترى غير العقاد بطاقاته الفكرية والعاطفية، ولا يخايلك فيما تقرأ له شاعر سواه من المقدمين أو المحدثين.
ولهذه الأسباب سلم الدكتور طه حسين إلى العقاد راية الشعر، ونادى به أميراً لدولة الشعر العربي الحديث، وذلك في الحفل الكبير الذي أقامه لفيف من أصدقاء العقاد ومريديه لتكريم العقاد في مسرح حديقة الأزبكية في القاهرة مساء يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر أبريل سنة 1934م، بمناسبة تأليفه "النشيد القومي" وقد شهد هذا الحفل عدد كبير من ساسة مصر وأدبائها ومفكريها، ووقف الدكتور طه حسين ليقول "كنا نشفق على الشعر العربي، وكنا نخاف عليه أن يرتحل سلطانه عن مصر، وكنا نتحدث حين مات الشاعران العظيمان شوقي وحافظ، كنا نتحدث عن علم الشعر العربي المصري أين يكون، ومن يرفعه للشعراء والأدباء يستظلون به، كنا نسأل هذا السؤال، وكنت أنا أسأل هذا السؤال، لأني كنت أرى شعر العقاد على علو مكانته، وجلال خطره شعراً خاصا مقصورا على المثقفين والمترفين في الأدب. وكنت أسأل هل آن للشعر القديم المحافظ المسرف في المحافظة أن يستقر وأن يحتفظ بمجده؟ وهل آن للشعر الجديد الذي يصور مجد العرب، وأمل المصريين أن ينشط ويقوى، انتظرت فلم أجد للمقلدين حركة أو نشاطاً فإذا المدرسة القديمة قد ماتت بموت حافظ وشوقي، وإذا المدرسة الجديد قد أخذت تؤدي حقها، وتنهض بواجبها، فترضي المصريين والعرب جميعاً، وإذا الشعر الجديد يفرض نفسه على العرب فرضاً، وإذا الشعور المصري والقلب المصري والعواطف المصرية أصبحت لا ترضى أن تصور كما كان يصورها حافظ وشوقي، وإنما تريد وتأبى إلا أن تصور تصوراً جديداً، هذا التصوير الذي حمل الملايين على إكبار العقاد، إذن لا بأس على الشعر والأدب العربي، وعلى مكانة مصر في الشعر والأدب".
ثم يقولها كلمة واضحة صريحة "ضعوا لواء الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعر أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه"!
وهذا القول يمثل الحكم الذي انتهى إليه الدكتـور طه حسين هو آخر كلامه في تلك المناسبـة، أو هو النتيجة التي توصل إليها بالمقدمات التي بنى عليها ذلك الحكم، وهاك طرفا من المقدمات التي أسلفها:
ـ تسألونني لماذا أومن بالعقاد في الشعر الحديث، وأومن به وحده؟ وجوابي يسير جدا ! لماذا؟ لأنني أجد عند العقاد ما لا أجد عند غيره من الشعراء، لأنني حين أسمع شعر العقاد، أو حين أخلو إلى شعر العقاد، فإنما أسمع نفسي، أو أخلو إلى نفسي، إنما أرى صورة في قلبي، وصور قلب الجيل الذي نعيش فيه، وحين أسمع شعر العقاد إنما أسمع الحياة المصرية الحديثة، وأتبين المستقبل الرائع للأدب العربي الحديث، إنما أرى شيئا لا أراه عند غير من الشعراء..
ـ لماذا أكبر العقاد وأومن به وحده دون غيره من الشعراء في هذا العصر؟ لأن العقاد يصور لي هذا المثل الأعلى في الشعر الذي أحببته وتمنيت وجاهدت في أن يحبه الشباب، هذا المثل الأعلى الذي يجمع جمال العربي القديم وأمل المصري الحديث، هذا المثل الأعلى ليس محافظا مسرفا في المحافظة، وليس مجدداً مسرفاً في التجديد، إنما هو مزاج مقتصد منهما، هو صلة خصبة بين مجدنا القديم، وما نطمع فيه من مجدنا الحديث.
ـ إنما تقرؤون العقاد فتقرؤونه وحده، لأن العقاد ليس مقلداً، ولا يستطيع أن يقلد، ولو حاول التقليد لفسدت شخصيته، وشخصية العقاد فوق الفساد !
ـ إن العقاد متمرد، ويعجبني تمرد العقاد الذي أثر في كاتب من الكتاب الأجانب حين نظر في شعر العقاد فكتب عنه منذ أسابيع في مجلة فرنسية يقول "إن أدب العقاد أشبه بالهواء الطلق. هذا التمرد هذه الريح العاصفة هي التي تعجبني، لأنها صورة من الحرية من حرية الفن التي لا تعرف حداً ولا أحداً ولا غاية، والتي لا تنتهي إلى غاية إلا التمست غاية أبعد منها.
* * *
ذلك هو رأي طه حسين في عظمة العقاد وعبقريته كما أعلنه على رءوس الأشهاد على مسمع من مئات الأدباء والساسة والمفكرين والمثقفين من شباب الأمة الذين شاركوا في ذلك الحفل المشهود..
وذلك الرأي الذي جهر به عميد الأدب العربي ذو الصوت المسموع، وأعلنه على الملأ يعد وثيقة تاريخية وشهادة بما بلغ العقاد من درجة رفيعة في عالم الأدب وعالم الفكر.
ولم يمنع "حجاب المعاصرة" بين القطبين الكبيرين من أن يصرح أحدهما بالرأي المجرد المنصف لصنوه، على الرغم من الاختلاف الذي نشب بينهما في ظروف سابقة وظروف لاحقة.
ولقد نشب مثل هذا الاختلاف بين الرافعي والعقاد، وأدى ذلك الاختلاف إلى معارك قلمية شرسة، بلغ فيها انتقاص كل منهما للآخر مداه، ولم تخمد نيران تلك المعارك إلا بعد أن وسد الرافعي الثرى، وكان قد أسرّ قبيل وفاته إلى صديقه أحمد حسن الزيات برأيه الأخير الذي أنصف به العقاد، وأشاد فيه بمواهبه وقدراته، ونشر الزيات هذا الرأي في "الرسالة" بعد وفاة الرافعي.
وقد آثرنا أن نختم حديثنا عن ملامح عبقرية العقاد برأي طه حسين، وهو رأي منصف جديرا بالاعتبار والتقدير، ليكون نموذجاً يحتذى بين رجال الفكر وأرباب صناعة الأدب..
رحم الله العقاد بما أسلف للفكر والأدب والشعر، فقد كان من أكبر همه أن يبلغ الأديب بأدبه من أرفع المنازل ما لا يقل عن منازل الحكام والوزراء، وقد أحياه الله حتى رأى منهم الحكام والوزراء..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2046  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 25
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج