نادَتِ الشّامُ فلَبّيْنا نِداها |
كَيْفَ لا نَسْتَعـذِبُ المَـوْتَ فِداهـا؟ |
إنَّها – مَهْما نأيْنا – أُمُّنا |
فَيأَ اللهُ على الدَّهْرِ خُطاها! |
لا نَرَى أطْيَبَ منها مَرْتَعاً |
لا ولا نَهْنأ بالاً في سِواها |
كَيْفَ لا نُطْعِمُها أكبادَنا |
وَهِيَ مِنْها ودِمانا مِنْ نَداها؟ |
أرْجَفوا أنّا سَلَونا حُبَّها |
خابَ فألاً خـابَ فـألاً مَـنْ سَلاهـا |
قَدْ حَمَلْناها على أهْدَابِنا |
حُلُماً يُشرقُ حُسناً بِرُؤاها |
وافتَتَحْنا باسْمِها أعْيادَنا |
يا شَذاها ليـسَ أزْكَـى مِـنْ شَذاهـا |
كلَّما شطَّ فتاها في النَّوَى |
زادَتِ الأشْواقُ في قَلْبِ فَتاها |
قَدْ يُملُّ الحُسْنُ إلاّ حُسْنَها |
إنَّه الحُسْـنُ الـذي لَيْـسَ يُضاهَـى |
أنا مَنْ زَغْرَدَ في أعراسِها |
وبَكَى جَفْناً وقَلْباً لأسَاها |
بَرَدَى في يَدِها قَيْثارةٌ |
نَزَلَتْ مِنْ جَنَّةِ الخُلْدِ لُغاها |
حامَتْ الطَّيْرُ عليهِ زُمَراً |
فزَكَتْ ألحانُها مِمَّا سَقاها |
بالدمِ الغالي بََنَتْ دَوْلَتها |
وعلى الإيمان أرْسَتْها يَداها |
لا يُنالُ الحَقُّ إلا عَنْوَةً |
خابَ سَعْياً خاملٌ عنه تَلاَهى |
كم قَويًّ عادَ عنها خاسِئا |
عاثِرَ الطالِعِ يَسِتَجَدِي رِضاها |
بارَكَ اللهُ لها في ضَعْفِها |
إنَّه القُوّةُ إنْ خَطْبٌ دَهاها |
آيةُ القوّةِ أنْ تَبْني… فإن |
خَدَمَتْ كانَت وبَالاً وسَفَاها |
لا أحبُّ الحَرْبَ، لكنْ إنْ تَكُنْ |
حَرْبُ تَحريـرٍ فَـدَوْري يـا رَحاهـا |
* * * |
يا شُبولَ الشام هَيّا للْعُلا |
ناطَتِ الأمّةُ فيكم مُرْتجاها |
باسْمها خُوضوا المنايا وارْفَعوا |
عَلَمُ العُرْبِ عزيزاً في سَماها |
اجْعَلوا وَحْدَتَها غايَتكم |
أينَ لولا الشامُ مَـنْ يَرْعـى لِواهـا؟ |
قَدْ طَلَعْتُم مِنْ ثَراها أنْجُماً |
نيّراتٍ… نضّرَ اللهُ ثَراها! |
أنْتُمُ السَّيْفُ الذي لَمْ يَنْثَلم |
أنْتُمُ السورُ الذي يحْمي بِناها |
أنْتُمُ نارٌ ونُورٌ ونَدىً |
وإذا اسْتَهْدَتْ فأنتم مَنْ هَداها |
أنتُمُ مفْخَرة العُرْبِ، فلا |
يَرْتَفِعُ صَوْتٌ عَلَيْكُم في ذراها |
مَنْ أرَادَ المَجْدَ فلْيَمْشِ على |
إثْركمْ يَبْلُغْ مِنَ العُلْيا مَداها |
* * * |
يا أبا الأحْرار قُدْنا لِلْعُلا |
تَعْرِفُ الأمّةُ في الجُلّى أباها |
بَنْدُها الخفّاقُ، بَلْ حافِظُها |
كلَّما أشْفَـى علـى المَـوْتِ رَجاهـا |
تَعْرِفُ الطَّوْدَ الذي في ظِلَّهِ |
حَقَّقَتْ في زَحْمةِ الهَوْلِ مُناها |
وثِقَتْ فيه فما خَيَّبَها |
وتَحَدَّتْ هَيْبَةَ السَّيْفِ عَصَاها |
يـا أبـا الأحـرارِ يا رَمْـزَ الفِـدَى |
أنْتَ فَجْـرُ الشَّـامِ بَـذْلاً وضُحاهـا |
عَصَفَتْ بالعَرْبِ ريحٌ زَعْزَعٌ |
فازْجُر الريـحَ تَقِـفْ عَـنْ مُبْتَغاهـا |
حقّقِ الوَحْدةَ وارْفَعْ بَنْدَها |
عالِياً واقْطَعْ يَداً حلّتْ عُراها |
لَوْ حزمْنا أمرَنا لم نَنْقَسِمْ |
شِيَعاً يَسْتَوطئُ العاديِ حِماها |
تَجمعُ الضادُ الذينَ افْتَرقوا |
وهيَ حَبْلٌ مـا تَوانَـى أو لا تَواهـى |
ويُؤاخيهم مَصيرٌ واحدٌ |
وطريقٌ يتلاقَى طَرَفاها |
نَحْنُ جُنْدُ الحقَّ فاغْمِزْنا نَثُرْ |
ثورةً يَجْتَنِبُ المَوْتُ لَظاها |
هُزَّنا في وَجْه صُهْيونٍ ظُبىً |
كَيْفَ تَكْبُو أمَّةٌ نَحْنُ ظُباها؟ |
لا يَعِشْ مَنْ خَيَّبَ الشامَ ولا |
قَرَّ عَيْنـاً مَـنْ تَـداوى عَـنْ هَواهـا |
لم يَجُزْ حَصْباءَها الدُّرُّ فمَنْ |
قال إن الـدُّرَّ أغلَـى مِـنْ حَصاهـا؟ |
* * * |
أيها الشامتُ إنّا أمّةٌ |
جَدَّدَتْ في مُلْتَقى النارِ قِواها |
كم شعوبٍ بَعْدَها قدْ طُويتْ |
وَهْيَ تَطْوي – كلما جـاء – رَداهـا |
نَشَأتْ والدَّهْرُ ِصنْوَيْن، فَقَدْ |
يَهْرَمُ الدَّهْرُ ولا يَخْبُو سَناها |
منْ ثَراها طَلَعَ النورَ فلا |
ظُلْمةٌ داجيَةٌ إلاّ مَحاها |
طَبََعَتْ في كل ثَغْرٍ بَسْمةً |
وَسَقَتْ كُلَّ فؤادٍ مِنْ دِماها |
نَدِيَتْ كفَّا وطابَتْ شُهْرةً |
أيْنَ في ساحِ المعالي مَنْ شَآها |
مَدَنياتُ الشعوبِ اقْتَبَسَتْ |
مِنْ سَنا آياتِها عِزاً وجاها |
لمْ تَغُصْ في الوَحْلِ أوْ تَرْفَعْ على |
حائطِ العُدْوان والبَغْي لِوها |
كلُّ حَرْفٍ خُطَّ في تاريخها |
جَنَّةٌ تَضْحَكُ بالنَّصْرِ رُباها |
في ربوعِ الشَّرْقِ أرسَتْ دولةً |
ردَّدَ الغَرْبُ بإجلالٍ صداها |
رَفَلَتْ أنْدَلُسٌ في ظلَّها |
بحُلًى ما بَرحَتْ أحْلى حُلاها |
سائلوا الحَمْـراء هَـلْ شـادَت يـدٌ |
أختها أو أبدع الفنُّ أخاها؟ |
لم تزَلْ أعجوبةَ الدنيا وإنْ |
ماتَ بانيها وأقوَى مُنْتداها |
* * * |
يا وزيرَ الخَيْرِ قَدْ طَوَّقْتَني |
بجميلِ حاتميَّ لا يُجاهَى |
كم يَدٍ تَخْتَنِقُ النَّفْسُ بها |
ويَدٍ يُرجَـى علـى العُسْـر عَطاهـا |
قد تَرَكْتُ الشام، لكنْ لم أزلْ |
أيْنَ شَرَّقتُ وغرّبتُ فَتاها |
لم يَزِدْني البُعْدُ إلاَّ شَغَفاً |
كم قَريبٍ بالأراجيفِ رَماها |
لا تَرَى عَيْني سِوَى آلائِها |
عَشِيَتْ عَيْنٌ تُماري في بهاها |
* * * |
يا وزيرَ الخَيْرِ كرَّمتَ الوَفا |
كَيْفَ لا يَحْلُـو هَديِلـي في هَواهـا؟ |
أنا مِنْ خَلْف المسافات يَدٌ |
تَنْثُرُ التَّبْرَ ولا تَفْتَح فاها |
أينَ منَّا دَوْلةٌ شَرْقِيةٌ |
في رُبوع الغَرْبِ ماتَـتْ فـي صِباهـا |
وضَعَتْ آساسها "رابِطَةٌ" |
وحَّدَتْ رابطةَ الفِكْرِ خُطاها |
وُلِدَتْ في الفَقْرِ لكنْ خَلّفَتْ |
ثَرْوَةً لا يُدْرِكُ الظَّنُ مَداها |
قادَها جُبْران لكنْ أنَجَبَتْ |
ألفَ جُنْـديَّ غَفَـوْا تَحْـتَ ثَراهـا |
نَشرتْ في كل طَوْدٍ رايةً |
وأتى الدَّهْرُ عليها فطَواها |
جدّدَتْ لكنَّها ما انْتَهكتْ |
حُرْمَة الضاد… فمَـنْ مِنَّـا بكاهـا؟ |
طارَ في أفْقِ المعالي صِيتُها |
وحَلا حتى لشَانيها جَناها |
لم تَزَلْ مَفْخَرةَ الفَنَّ ولَمْ |
تَطْمَس الأيـام ذِكْـرى مَـنْ بَناهـا |
إنْ تَكُنْ أطلالُها قدْ بَقِيَتْ |
فلِكَي تَرْوي لنا سِرَّ بَقاها |
* * * |
يا رفاقَ الحَرْفِ لولاكم لَمَا |
ضَحِكَتْ دَرْبي ولا انجابَ دُجاها |
إنْ زَكَتْ خَمْري فأنْتُمْ كَرْمُها |
أينَ مَنْ قَطّرها ممَّن سَقاها |
وإذا اهتَزّتْ لشدْوي أيْكةٌ |
فقَـدْ استَوْحَيْـتُ مِنْكـم ما شَجاهـا |
هاكُمُ مِنْ آخِر الدُّنيا يَدي |
صافِحوها تُنْعِشوا فيها رَجاها |
من يُفاخرْني أُفاخِرْه بكُم |
إنّ أبناءَ الدَّراري لا تُباهَى |
سَوْفَ يبْقَى رَسْمُكـم فـي خاطـري |
جَنَّةً يَمْلأ آفاقي شَذاها |