قِفْ بالسُّوَيداء، واهْتِفْ باسـم بانيهـا |
وحَيَّ حاضِرَها عنَّي وماضيها |
ونَقِّل الطَّرْفَ مِنْ وادٍ إلى جَبَلٍ |
لا حُسْنَ في هذه الدنيا يُضاهيها |
وليسَ في الأرض مـاءٌ مِثْـل كَوْثَرهـا |
ولا على الأرض نـاسٌ مثـل أهليهـا |
أخْلاقهـم ذَهَبْت بـينَ الـوَرَى مَثَـلاً |
هَلْ مَنْ يعيبُ الـدَّراري في تَساميهـا |
إذا المروءة نادتهم فَخَامِلُهمْ |
يُسابقُ الريحَ عَدْواً كي يُلبيَّها |
وإنْ دَعا اللَّهْو وَلَّوْهُ ظُهورَهُم |
كم جَرّدَ اللهوُ نَفْسـاً مِـنْ معانيهـا |
لم يَخْفضوا الـرأسَ مِـنْ ذلٍّ لطاغيـةٍ |
شبُولُ يَعْـرُبَ تَلْـوي عُنْـقَ غازيهـا |
ولا شَآهم عَزيـزٌ إنْ هُـمُ افْتَخـروا |
مَنْ ذا يُباري الثريّا أو يُدانيها؟ |
مِنْ غِيلهـم فجّـر الإيمـان عاصِفـةً |
ماجَ الجَحيمُ شِراراً في حَواشيها |
تَجَاوَبَتْ مَعَهـا الفَيْحـاء، واندَفَعَـتْ |
تَطْوي الأقاليم دانيها وقاصيها |
سَلْوا فِرَنْسَةَ كَمْ مِـنْ هَوْلِهَـا لَقِيَـتْ |
وَكَمْ تَوالَـى عليهـا مِـنْ دَواهيهـا |
تَوَهّمَتْ أنها بالنارِ تُخْمِدُها |
فما جَنَتْ غَيْـرَ شـرًّ مِـنْ تَماديهـا |
أمُّ المساواةِ والحريةِ انقَلَبَتْ |
أمَّ الرَّذائل باديها وخافيها |
ضاقَتْ بثَـوْرة شَعْـبٍ قادَهـا بطـلٌ |
أشمُّ أرْوَعُ بالأبطال يَرْميها |
ضمَّ النَّقيضَيْن مِنْ حُلْمٍ ومِـنْ غَضَـبٍ |
كما يَضُمّ صُفُـوفَ النَّبْـت واديهـا |
تورَاثَ المَجْدُ عَنْ آبائه وبَنَى |
مَعَاقلاً للعُلا تاهَتْ ببانيها |
لَمْ تبْلُ باريـسُ سَيْفـاً مثـلَ صَارِمـه |
بَعْضُ السيـوفِ تُعْـرّي مَـنْ يُعرَّيهـا |
بالزَّْندِ يَضْـرِب، لا بالسَّيْـفِ حاملُـه |
قَضِيّةُ الحقَّ سَدَّتْ زَنْدَ راعيها |
ماذا أُسَميه، إن الكَوْنَ يَعْرِفُه |
حَسْبي مِنَ الشمس، حسْبي أن أكنّيهـا |
إنْ قُلْتُ "سلطانُ" فالدنيـا تَقـوم لـه |
أو قُلْتُ "أطْرَشُ" فالدنيا وَمَـنْ فيهـا |
* * * |
يا مَنْ نَثَرْتُم على شِعْـري مَدائحكـم |
رُحْماكُم، أيـنَ شِعْـري مِـنْ لآليهـا |
جَرّدتُموه – احتراماً – مِـنْ شَوائبـه |
لَيْتَ المَحَبةَ لَـمْ تََسْـدُلْ غـَواشيهـا |
لولاكُـم ما حَـلاَ شـدْوي لسامِعـه |
كلا، ولا خَمْرتـي طابَـتْ لحاسيهـا |
من وحيكم أسْتَمـدُّ الشَّعْـرَ، أُطْلِقُـه |
ناراً ونوراً، وتنْبيهاً وتَنْويها |
أشكو إليكم كسادَ الحَرْف فـي بَلَـدٍ |
قَدْ أوْسَـعَ المـالَ تَقْديسـاً وتأليهـا |
لم يَبْقَ في أهله للروح مَنْزِلَةٌ |
ما أرْخَصَ الروح في ميـزانِ شاريهـا |
عَدْنانُ فيه غَريبٌ لا ظهيرَ له |
يَطْوي الفيافي وتَطْويه فيافيها |
يَصُبو إلى أهْلِه والوِلْد يُمْسِكُه |
وَيْحَ الأصولِ بلاياها ذراريها |
جارَتْ عليّ النَّوى واستَعْبَـدَتْ قَلَمـي |
لكنْ قَهَرْتُ بإيماني عَواديها |
مَنْ كَاَنَ يَسْعى وراءَ الجـاهِ فـي نَهَـمٍ |
فقد سَعَيْتُ وراءَ الضادِ أحْميها |
أرْخَصْتُ في حبَّها ما جلَّ مِـنْ نَشَـبٍ |
ولا أزالُ على الستين أغليها |
مَهْما الرَّطَانـةُ سامَتْـني فليـسَ لهـا |
بابٌ إليها… فَبِالعَيْنَيْنِ أفديها |
الضادُ مَعْقِد آمالي، فوا حَرَبي |
إذا استَهَنْتُ بَدَمْعٍ في مآقيها |
والضادُ عِرْضي، فإني لَـنْ أخـونَ لهـا |
عَهْداً، ولنْ أتغاضـى عَـنْ أعاديهـا |
والضادُ أمَّي، فهَـلْ أنسَـى عَوارِفَهـا |
وهل أقابلُ بالكُفْران أيْديها؟ |
إني إذا ظَمِئَتْ رَوّيتُها بدمي |
وبالضُّلُوع إذا جاعَت أغذّيها |
أحَلَى اللغاتِ هِيَ الفُصْحى، وأكْرَمُهـا |
فلا يَعِشْ في أمان الله شانيِها |
* * * |
يا إخوتي في "سُوَيداء العُـلا" رَقَصَـتْ |
رُوحي، وتمّتْ بلُقْياكم أمانيها |
هَيْهات تَذْهَبُ مِـنْ ذهْـني مدينتكـم |
وما لَقيتُ بهـا مِـنْ عَطْـف أهْليهـا |
لَئِنْ قَضَيْتُ غـداً نَحْـبي فبَعْـدَ غَـدٍ |
أعُدْ إليكم هزاراً في رَوابيها |