شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
يا نهـر بـردى
أُنشدت في دمشق، عام 1986
عُدْنا إليـك وكـان عَـوداً أحمـدا
هَيْهات أخشَى اليومَ عادِيـة الـرَّدَى
عُدْنا إليك وفي الجوانِحِ لَهْفةٌ
حَرّى لوجهِـكَ لا يُلَطِّفهـا النَّـدَى
عُدْنا نُغنِّي للصَّبابةِ والهَوَى
وعلى دُروبِ الغِيدِ نَفْـرُشُ أكْبُـدا
الشَّيْبُ هاجَمنا ولكنْ لم نَزَلْ
نَردُ الجمالَ ونَستطيبُ المَوْردا
تُذكي بيَ السَّمـراءُ وَجْـداً كامِنـاً
وتُعيدُني الشقراءُ صَبًّا أمْرَدا
لا تدْر غَلوائي فلَسْتُ أريدها
طَرَفاً كسيراً أو مُحيًّا أرْبدا
يا مَهْدَ أحلامي أتذكـرُ كَـمْ هَفـا
قلبي إليـك وكـم بَكَـى وَتَنَّهـدا؟
وكم امتطَيتُ إليك أحلامـي، وكـمْ
وَطَّأتُ في أحضانِ رَوْضِـك مَرْقَـدا
يا شـامُ أضنانـي الحنـينُ، فَـبرِّدي
نارَ الصَّدَى في مُهْجةٍ ذابـتْ صَـدَى
كم نازحٍ ما غابَ عنـك وإنْ يَعِـشْ
في آخرِ الدُّنْيا شريداً مُبْعَداً
يَغْفو وطيفُـكِ في مطـاوي جَفْنِـه
حُلْمٌ – كما ضحكَ الربيعُ – تَـوَرّدا
بيني وبينـك ألـفُ ألـفِ وَشيجـةٍ
تزدادُ – ما ازدادَ الفِـراقُ – تجـدُّدا
أنا طيرك الصَّـداح تَعْرفُـني الرُّبَـا
مهما نأى منفـايَ أو شـطّ المَـدَى
لم تحْلُ إلاّ فيك ألحاني، ولمْ
أرْفَعْ لغيرك في ضُلوعي مَعْبَدا
أنا من ثَراه ذَرّةٌ، أنا قَطْرةٌ
مِنْ نَهْـره الجـاري رَقيقـاً مُزْبـدا
عادَيتُ أصحابي لأجلِ عُيونه
ونَبَذْتُ ألـفَ يَـدٍ تَسـحُّ زُمُـرّدا
ما حاجـتي للمـالِ يَخْنُـقُ عِزَّتـي
ويَردُّني في الرَّوْعِ سَيْفاً مُغْمدا
شرٌّ من الليل ادْلَهمَّ جَبينُه
صُبْحٌ بأطباقِ الغُيوم تَلَبَّدا
مَنْ كـان يرجـو جَنَّـةً مَسْحـورةً
فأنا أَرى الفيحـاءَ أحْلَـى مَشْهـدا
في ظلِّها الحانـي قَضَيْـتُ طفولَـتي
مَنْ لي بَقَبْرٍ في مَغَانيها غدا؟
ما الكَوْثَـرُ الرَّقْـراق يَنْثُـر فضّـةً
بَرَدَى على الشَّطّيْن يَنْثُـر عَسْجَـدا
حُمْنا كمـا حامَـت عليـه طُيُـوره
فَهَفَا وصَفّـقَ للضيـوف وزَغْـردَا
قَبَسَ البشاشة مِـنْ خَمائـل دُمَّـرٍ
وَسَخا عليهـا بالنَّضـارة والنَّـدَى
يا نهرُ كَـمْ ألهَمْـتَ "شَوْقـي" آيـةً
لم يَنْقَطعْ بـينَ الـرواةِ لهـا صَـدَى
تَقِفُ العقولُ إزاءَها مأخوذةً
نَشْوَى، وتنشدُها المجالـسُ سُجَّـدا
تزدادُ حُسْنـاً مـا تكـررَ ذِكْرُهـا
كم شوّهَ التكْـرارُ حُسْنـاً مُفْـردا
سارَتْ على السَّنَن القويم وخَالَفَـتْ
نَهْجاً على أمِّ اللُّغاتِ تَمَردا
يَدْعونه الشِّعْـر الحديـثَ ولَوْ هُـمُ
عَدَلُوا لَسّموه البلاَء الأسوَدا
بُشْراكَ يا شَوْقي، فلـو طَرِبـوا لهـا
لَخَسِرْتَ عَرْشاً في القلـوب مُوَطَّـدا
أثْنى الغُرابُ علـى الهَـزار فشانَـه
يا ليتَه أرغَى عليه وأزْبَدا
يا شامُ لمْ نَهْجُـرْك زُهْـدًا أو قِلـىً
حاشا لأشبـالِ الحِمَـى أن تَزْهـدا
لكنْ دعانـا المجـدُ للجُلّـى، فلَـمْ
نَقْعُدْ ومِـنْ حـق العُـلا أن نَنْهـدا
غَسّان أنْجَبَنا فكيف نَعُقُّه
تَقْضي الحميّةُ أن نَبرّ المَحْتِدا
باسمِ العُروبةِ باسمِها خُضْنـا الـرَّدَى
ولِمَجْدِها الغالـي غَزَوْنـا الفَرْقَـدا
عَزَّتْ بما شِدْناه مُغْتِرباتُنا
يا لَلْمَسود يَصيرُ فيها سَيِّدا
في كلِّ ناحيةٍ بَنَيْنا مَعْقلاً
يَزْهُو بآياتِ الفضيلةِ والهُدَى
أيّان سِرْنا فالدروبُ بشَاشَةٌ
يَحْلو الجُمانُ مُفَرّقاً ومُنَضَّدا
لم نَفْتَحِ الدُّنيا لِنَجْني شَهْدَها
لكنْ لنكسوَ بالرَّجاء الفَدْفَدا
بئسَ الفَتَـى يَزْهُـو بمـا في جيبـه
إن كان مِنْ حُسْن الخِصـالِ مُجَـرّدا
أطماعُ "أشعَـبَ" شَوَّهَـتْ أخبـارَه
وصِفاتُ "حاتَمَ" خلّدتْه مُؤَبَّدا
يا نهـرُ يا بَـرَدى حَديثُـك مُتْعـةٌ
فأدِرْه يِسْكِرْ بالرَّحيق المُنْتدى
مليونَ عصرٍ قـد طَوَيـتَ ولم تـزَلْ
تَطْوي العُصورَ وسَوْفَ تَبْقَى سَرْمَـدا
فأعِدْ لنا أخبار ماضٍ حافلٍ
ماجَتْ بآياتِ البُطولةِ والفِدا
حَدِّثْ فنحنُ على ضِفافِـك خُشّـعٌ
نُصْغي إليك مُجَدِّداً ومُقَلدا
هذا الخريرُ قصائدٌ مَنْثورة
طَرَقَتْ مكامِن همِّنا فتَبدَّدا
كم فاتـحٍ أغرتْـه منـك وَدَاعـةٌ
فَغَزَاكَ واستَعْلـى ومـاجَ وأرْعَـدا
شَرِبَ العشيـةَ منـك مـاءً بـارِداً
وسَقَيْته في الصبح سُماً أبْردا
ألقيتَ فيـه الذُّعْـرَ حـينَ جَبَهْتَـه
وَتَركْتَه خَبراً أضاعَ المُبْتدا
حدِّثْ وإن كـرهَ الذيـن تمسّحـوا
بالأجنبيَِ، وباركوهُ تَوَدُّدا
مِنْ كل دَجّاٍل تهوّدَ خَفْيةً
وَتَراه يَدْعُو غيرَه مُتَهوِّدا
عادَى الأخ الأدْنى وعَقَّ جدارَه
وأجار واختارَ الغريبَ الأبْعَدا
وَرث الزعامةَ والثَّراءَ ولمْ يَرِثْ
قَلْباً أبرَّ ولا لِساناً مُرْشِدا
يَزْهُو بسادَتهِ ويَسْتَقْوي بهم
لولا يَـدُ اسْرائيـلَ لم يَرْفَـعْ يَـدا
* * *
يا نَهْرُ حدِّثْنـا عـن النَّسْـرِ الـذي
قَهَر الرَّدَى في "مَيْسلـونٍ" بالـرَّدَى
هانَتْ عليه نفسُه فَسخا بها
كي لا يقولوا هـانَ مَوْطِنُـه غَـدا
* * *
حَدّثْ وحَدِّثْ عن خـوارق "حافظٍ"
بَطَلِ الكريهـةِ والسـلام المُفْتـدى
المالئِ الدنيا وشاغلِ أهلِها
بنضالِه… والمُرْتَجَى والمُجْتَدى
تشرينُ سَطْـرٌ في صحائـف مَجْـده
أقذَى عيـونَ الكاشحـينَ وسَهَّـدا
قادَ الصفوفَ إلى الـنزالِ فحقَّقَـتْ
نَصْراً يَظَلُّ علـى الزَّمـان مُخَلَّـدا
فتحَّ الطريق بزَعْقةٍ لرجالِه
وبزَعْقَةٍ سَدَّ الطريـقَ علـى العِـدَى
أسطورةُ "الجيـشِ الـذي لم يَنْهـزِمْ"
صارَت كلاماً فارغـاً يُلقـى سُـدَى
هذا هو النَّصْر الذي لجلاله
وبنورِه تُحنَـى الرقـابُ ويُهتَـدَى
يا شامُ عُدْنـا بعـد طُـول تغـرّبٍ
ما أسْعَدَ اللُّقيـا وأحْلَـى الموعِـدا!
أهلي هنا وقبورُ أحبابي هُنا
فكَفاكِ يا قَدَمـي، كَفَـاكِ تَشَـرُّدا
أقْسمـتُ لولا برعُمـان بمَهْجَـري
فَرَشا دُروبي بالبَشاشة والنَّدَى (1)
يتنازَعان خواطِري وهواجِسي
ويُبَدّدان مخاوفي أنْ غَرّدا
لَزَرَعْتُ رجْلـي في تُرابِـكِ راضيـاً
وقَصَصْتُ جُنْحـي عامِـداً مُتَعمِّـدا
يا شـامُ أنتِ علـى لِسانـي نَغْمـةٌ
وقَصيدةٌ لا يستقرّ لها صَدَى
قَيّدْتُ قَلْبي في هَواكِ ولم يَزَلْ
ولسوفَ يَبْقَى مـا حييـتُ مُقَيَّـدا!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :507  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 472 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.