شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
- 131 -
أَرى في طِباعِ المرءِ ألفَ نقيضةٍ
وأَكثرَ منها في مَجاهلِ عقلِهِ
فأَقرأُ آياتِ الهُدى في ضَلالِهِ
وأستطلعُ الأنوارَ في ليلِ جَهلِهِ
أَنا مثلُه في يأسِهِ ورَجائِهِ
وفي أَصلِهِ السَّامي وخِسّةِ أَصلِه
عجبتُ له يطوي البِحارَ سِباحةً
ويُوشِكُ أَن تطويهِ دمعةُ طِفلِهِ
* * *
- 132 -
إِذا كنتَ ذا مالٍ ولم تَكُ مُحسناً
فمالُك لو تَدري عليك بَلاءُ
وإِنْ كنتَ ذا عِلمٍ ولم تَكُ نافعاً
فعلمُك والجهلُ الذميمُ سَواءُ
تحومُ على الوادي الطيورُ لأنَّها
يبشُّ لها أَيكٌ ويضحكُ مَاءُ
لَكمْ خنقتْ أُفقي القريبَ غمامةٌ
فلاحَ من الأُفُقِ البعيدِ رَجَاءُ
عَطاءٌ هي الدُّنيا وأخذٌ، وإِنما
أَحبُّ إلى نفسِ الكريمِ عطاءُ
* * *
- 133 -
قضيتُ حَياتي أَزرعُ الخيرَ في الوَرى
فلم أَجنِ من زَرعي سِوى الحَسَرَاتِ
أُكفْكِفُ دَمْعَ البائسينَ ومُقلتي
تُقرِّحُها في وِحدتي عَبَراتي
وآسو جِراحَ البَائسينَ فلا أَرى
أخا رحمةٍ يُصغي إلى زَفَراتي
حملتُ – ولم أَبرحْ – خطايا أَحبَّتي
وقيَّدتُ في ديْني ذنوبَ لِداتي
فهل أَنا دونَ النَّاسِ أستأهلُ الشَّقا
وهل كلُّ مَن تحتَ السماءِ عِداتي؟
* * *
- 134 -
أقاموا له بعدَ المماتِ مَناحةً
وصبّوا له بعدَ المناحةِ تمثالا
وكانوا له مَدحاً لو أن أَقلّه
صحيحٌ لحيّتْه الكواكبُ أزجالا
فقلتُ لنفسي يَرحمُ اللهُ روحَهُ
ولكنَّهم غالوا – ويُخطئُ من غَالى
فقالتْ وما يُؤذيكَ؟ إِنَّ دموعَهم
دموعُ رجالٍ ما يزالونَ أَطفالا
كفى الموت فضلاً أَنه رَغمَ وَقْعِهِ
يُطهِّرُ آثاماً ويُظْهِرُ أَبطالا
* * *
- 135 -
إلهي الذي تَشدو البلابلُ باسمِهِ
ويَذكره بين الخرائبِ بومُ
تُهاجمُ آمالي الهمومُ وتنجلي
حنانُك شمسٌ والهمومُ غيومُ
إِذا صام غيري عن رغيفٍ وخمرةٍ
فإنيَ عمّا لا تحبّ أَصومُ
خلعتُ ترابي – مذ عرفتُك – جانباً
وأَصبحتُ روحاً في حِماك أَحومُ
جَناحاي إيمانٌ صَفَا ومحبَّةٌ
ودربي إِلى باري السَّماءِ نُجوم
* * *
- 136 -
قيوديَ وادي الدُّموعِ كثيرةٌ
فلا تتوهمْ أنّ حَظَّكَ أفضلُ
أنا عبدُ إيماني وشكي وبيئتي
وما غابَ عـن عِلمـي ومـا لسـتُ أجهـلُ
أنامُ وفي قَلبي همومٌ تنُوشُه
وأَصحو وفي نفسي غُمومٌ تُولْوِلُ
وأَخنقُ أَحلامي مَخافةَ سَاخِرٍ
كأنيَ مربوطٌ بما هو يَفعلُ
فواعجباً ممن يُحررُ عُنْقَهُ
وتفكيرهُ بالتُرَّهات مُكبَّلُ
* * *
- 137 -
دَعيني وأحلامي فلستُ مُزاحماً
غنياً ولا مستقوياً بسلاحِهِ
صباحي بألوانِ البشاشةِ زاخرٌ
فيا حُلوَتي ما حاجتي لِصباحِهِ؟
قنعتُ فَزادتْ كِسرتي عن طَعَامِهِ
وما قلَّ مائي عن عذوبة راحِهِ
حظوظٌ هي الدُّنيا فمن ساءَ يومُه
فلا يُقلِقِ الدنيا بفرط صِياحِهِ
رأيتُ جَناحَ النَّسر يستوطئُ السُّهى
فهل طارَ عصفورٌ بغيرِ جَناحِهِ؟
* * *
- 138 -
أُطالعُ في كُلِّ النُّفوسِ شمائلي
وألمحُ في كُلِّ الوُجوهِ سِمَاتي
ففي بعضِ أعمالي وقَاحةُ فَاجِرٍ
وفي بعضِ أعمالي حياءُ فَتاةِ
وفي بعضِ أخلاقي شراسةُ ضَيْغمٍ
وفي بعضِ أخلاقي وَدَاعةُ شاةِ
جمعتُ النَّدى والنارَ، والليلَ والضُّحى
وشعشعتُ بالكفرِ البذيءِ حياتي
فلا سيّئاتُ الناسِ تُقلقُ راحتي
ولا أُقلقُ الدُّنيا بطيبِ صِفاتي
* * *
- 139 -
أرى النَّاسَ يُزجونَ المديحَ لحاتمٍ
ولم أرَ منهم مَن يُقلِّد حاتِما
بشاشةُ وجهِ المرءِ عُنوانُ فَضلِهِ
فإن تَكُ ذا فضلٍ فأظهِرْهُ باسما
يشاتمُني مَن كنتُ أَدفعُ دونَه
ويأبى لِسَاني أَنْ يُهاتِرَ شاتِما
كتمتُ هُمومي عن عدوٍ وصاحبٍ
فلن تجدوني عابسَ الوجْهِ قاتِما
إذا لم يُقاسْمني رَغيفيَ جائعٌ
فلا شَبِعَتْ عيني ولا زلتُ صائِما
* * *
- 140 -
إذا أَكثرَ الشكوى أَديبٌ فلا تَجُرْ
عليهِ، فلن ينهاهُ لومٌ ولا زَجرٌ
له عُذرُه لو كنتَ تقرأُ دَمْعهُ
وهل يستحقُّ اللومَ من دَمعُهُ عُذْرُ؟
يعيشُ الأَديبُ الحرُّ في عُزلةِ الرَّدى
وإنْ حَفَّهُ من صَحبِهِ عَسكرٌ مجرُ
ويمشي على أَدمى من الشوكِ مَوطئاً
وإن كان يَكسو دربَه العُشبُ الزَّهرُ
ولا تحسبنَّ المالَ يقطعُ دمعَهُ
فأهونُ آلامِ الأديبِ هُوَ الفَقْرُ
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :448  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 408 من 665
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.